جريدة «لوموند الفرنسية» تنشر أجوبة 54 عالما وخبيرا من أصل 200 شاركوا في استبيانها حول الوضعية الوبائية لكوفيد-19 بفرنسا

بعد ما يفوق 6 أشهر من الموجة الأولى، لجائحة كوفيد-19 التي ضربت العالم، مازالت آراء العلماء في مجال الأوبئة، متفقة بشكل كلي حول الموجة الثانية، أو حول ما يخص سبل الحماية والوقاية، أو في المجمل في كل ما يخص الجائحة الوبائية العالمية، ولذلك سعت جريدة «لوموند» الفرنسية، في ملفها حول الأزمة الوبائية،
إلى الاستعانة بآراء ما يقرب من 54 عالما في المجال، سواء من الأطباء والممرضين
أو المشتغلين في منظمة الصحة العالمية، حول ما يخص كل كبيرة وصغيرة تخص الجائحة، بعد ان قضت مدة لا بأس بها بيننا.

 

إن مشاعر الريبة و القلق، التي أصابت ساكنة العالم، حول مدى كفاءة التعليمات الصحية، المقترحة من قبل منظمة الصحة العالمية، ولجان المراقبة الصحية حول العالم، خاصة فيما يرتبط بإجبارية وضع الكمامة، خاصة في المدن الكبرى و ضواحيها، أدى بجريدة لوموند، إلى التساؤل حول رأي الخبراء في سياسة الفحص الشامل التي تنهجها السلطات مع بداية الموسم الدراسي؟، عن تدابير الحماية الاخرى؟، عن الجدوى من سياسة «مناعة القطيع»؟، وما يجب تطويره من وجهة نظرهم؟
أرسلت الجريدة، في منتصف شهر شتنبر، ما يربو عن 20 سؤالا صحيا، لما يقرب من 200 عالم، مستفسرة عن آرائهم فيما يخص سياسة تدبير الجائحة الوبائية صحيا. لكي تستقبل فقط، إجابات 54 منهم (المشاركين في الحملة)، ويتخلف أطباء من المركز الاستشفائي الوطني، ومن منظمة الصحة العالمية عن تقديم إجاباتهم، علاوة على بعض العاملين في المنظمات الحكومية الصحية العامة، التي رفضت الإجابة عن تساؤلات الجريدة لمرتين على التوالي. تقدم الإجابة من جهة أخرى، نظرة علمية متفقة حول الموجة الأولى للجائحة، تجمع على أن المرض أصبح أقل خطرا، وأن وسائل وتدابير بسيطة يمكن أن تحد منه، غير أنهم انقسموا حول تدابير الحماية و قوتها (الجدوى من وضع الكمامة)، كما أن بعضهم قد أبدوا آراء غير مرحبة بسياسة الفحص الواسعة، وبالضبابية في تصريحات الحكومة.
التساؤل القائم
حول الكمامات الواقية

لا يوجد لحدود الساعة، أي تأكيد على فاعلية الأقنعة الواقية في الهواء الطلق، إلا أنه و من باب الحذر، تم ذكر إلزاميتها الوقائية خلال الأحاديث الحكومية، ولأسباب تختص بالوقاية الفردية يجب ارتداؤها دائما، وهذا ما تم استخلاصه من إجابات العلماء، التي تبدو متناقضة فيما بينهم، فمنهم من ذكر ضرورة لبسها حتى في الأماكن المغلقة، مستندين إلى الكم الكبير من الدراسات التي تثبت فعاليتها في الحماية. لكن وما أن يتم ذكر ارتدائها خارجا (الهواء الطلق)، فإن المجتمع العلمي ينقسم إلى شطرين، فمنهم من يدعو إلى ارتدائها في الأماكن العامة، ومنهم من يعتقد أن الجدوى منها لاتزال موضع شك.
بخصوص الموضوع، يذكر رأي البروفيسور إيف لو تولزو، الذي قال «لا توجد لدينا معطيات وافرة حول الاصابات بالفيروس في الهواء الطلق»، بيد أن أغلب الحالات المسجلة للإصابات الضخمة، كانت لأشخاص ضمن أماكن مغلقة. في الهواء الطلق، يصبح الحمل الفيروسي أخف بكثير من الداخل، إذ من الكافي أن يبقى الشخص في حالة من التباعد الإجتماعي يقول أستاذ الصحة العامة في جامعة فيرساي، محمود زوريك «في معظم الحالات، يصبح خطر الإصابة صفر في الهواء الطلق، هذا في غياب الكثافة السكانية».
انطلاقا من هذه الحجج، فإن المتمسكين بالجدوى من الكمامات في الخارج، يحتجون على كفاءتها في جميع الأوساط، بيد أن جودة فلتر الهواء فيها لا تختلف بتاتا بين الخارج و الداخل، ومنه يطرح السؤال «إذن، لماذا تحرم نفسك من ذلك؟»، إذ من الممكن ان تصاب حتى في الهواء الطلق، على سبيل المثال في الحوارات وجها لوجه، أو في الأماكن المزدحمة جدا، حتى وإن كانت المدة قصيرة. تقول المحاضرة الجامعية ميرسيا سوفونيا، من جامعة مونبولييه «في الحالات الخاصة (خاصة في أماكن الضجيج)، يضطر الشخص للرفع من صوته لكي يستمع له المتلقي، و إن التقاط العدوى يصبح أكبر أكثر من الداخل».
الآراء بشأن المبدأ التحوطي

بالرغم من أن استعماله الخارجي لا يزال محل نقاش، فإن غالبية المختصين الذين سألتهم الجريدة، يعتقدون في ان ضرورة ارتداء الأقنعة الواقية (أو الكمامات)، ليست إلا من دواعي السلامة الشخصية، لاسيما في بضعة مدن فرنسية، إلا انهم يشيدون بهذا التدبير، الذي يتسم ببساطته و تكلفته المنخفضة، إذ تقول عالمة الأوبئة آن-ماري بوفيي «إنه تدبير فعال، مطبق منذ زمن طويل على حالات الامراض المعدية»، حيث تقترح ضرورة تطبيق ارتدائها حتى في موسم الإنفلونزا.
نفس الرأي، تشاركها فيه لوسي بوسميان، الطبيبة الداخلية العامة، في المستشفى الجامعي ب»غرونوبل»، حيث قالت «إن الجمع بين ارتداء القناع الواقي، التباعد الاجتماعي و غسل اليدين، هو الثلاثي الامثل الواجب التمسك به». بالنسبة لدانييل كامو، أستاذ علم الاوبئة في مؤسسة باستور في ليل، فإن الرغبة في تجنب الاصابة و الاحتياط منها، هي ما تجعل وضعيات الاصابة غير متوقعة بتاتا، وإن من يعارضون ارتداء الكمامة، هم أنفسهم من يصابون بالعدوى خلال التجمعات. تقول عالم الاوبئة ب»لنسيرن»، فيتوريا كوليزا «إن انتشار ارتداء الكمامة في كل مكان، ليس الا تذكيرا بمدى انتشار الفيروس بيننا».
في الأخير، الأفضل أن نتعايش مع الكمامة، على ان نصبح ناقلين للعدوى، يذكر بييرييك ترانويز، احد المشاركين في تأسيس موقع «covprehension.org»، قائلا «إنها في الأول و الأخير ذات فعالية في مواجهة الجائحة، إلا ان لها آثارا مدمرة على التواصل الاجتماعي و الاقتصاد». من خلال الاستبيان، يظهر أن قلة منهم من يؤمنون بالضرورة العلمية المحضة لارتداء الكمامة او القناع. يقول آرنود تارانتولا، طبيب الامراض المعدية، بأن «الفيروس ينتشر ببطء في آسيا، حيث يكون اتداء الكمامة فيها عادة»، غير أن منهم أيضا من ينتقد ارتداء الحماية بشكل دائم، معتقدا بأنها اختيار سياسي لا حجة علمية كافية له.
هل ارتداء الكمامة لفترات طويلة مقبول اجتماعيا؟

كيف لنا ان نقنع المواطنين، بالمشاركة في ارتداء الكمامات و الاقنعة الواقية، في حين ان غالبية العلماء، لا ترى فيها سوى اضافة للحماية اكثر من كونها يقينا علميا؟، هذا السؤال قد قسم غالبية المستجوبين، من قبل لوموند إلى فريقين اثنين. من جهة، نجد المنطوين تحت جناح ارتداء الكمامة، بصفتها أداة بسيطة و فعالة و سهلة التطبيق، فبالنسبة لعالمة الاوبئة كاثرين هيل، فإن تعميمها على الصعيد الوطني امر لا مفر منه، بيد أن «التقليل منها في بضعة مدن، يفتح الباب على نقاشات عقيمة». من جهة اخرى، هناك من يرى في تعميمها، اداة لتحطيم الشعب و تفريقه. كجواب عن السؤال، يعتقد معظم المستجوبين، بان فرض ارتداء الحماية (قناع او كمامة)، يجب أن يخصص لمناطق الموبوءة، حيث إن ارتداءها سيتحول إلى التزام فردي.
«لا يمتلك القناع او الكمامة، اية حجة طبية تسانده، فهما بالنسبة الي مجرد واجهة سياسية. إن الغرض منهما فقط هو الزينة على أوجه الأشخاص، علاوة على الرفع من الحيطة والحذر» – يوناثان فروند، طبيب مستعجلات في باريس.
«إن الالتزام بارتداء الكمامة او القناع الواقيين، ضروري في الاماكن المزدحمة، او في اي مكان لا تحترم فيه قواعد التباعد الاجتماعي، او عند الحديث مع اشخاص يتطاير الرذاذ من افواههم» –لورينس مولين، اختصاصي أمراض معدية، في احد المراكز الاستشفائية.
التساؤل عن فعالية استراتيجية «مناعة القطيع» الطبيعية

أبدى العلماء تشكيكهم الشديد، حول ما يعرف باستراتيجية «مناعة القطيع» الطبيعية، التي تتمحور حول الامتناع أو المقاومة الضعيفة للجائحة الوبائية، ضمن المجتمعات و الشعوب، هذا بغرض أن تتمكن الغالبية منهم (60% إلى 70%)، من تنمية مناعة ضد الفيروس، والحد الدائم من انتشاره. فبالرغم من اعتقاد العديد من الباحثين، بأن «مناعة القطيع هي العامل الأساسي، الذي سيمكن من التحكم في الجائحة»، إلا أن الاعتقاد لايزال مشكوكا فيه من قبل المشاركين. فعلى مستوى الجدول البشري، الذي يتجاوز بحد ذاته، هذه الاستراتيجية المطبقة على صعيد واسع، غير ان العديد من الباحثين ينتابهم الشك، حول امكانية حصول مناعة جماعية، خاصة على المستوى القصير، وعن مدى امتداد حمايتها. بالحديث عن المناعة الجماعية، نذكر ايضا ما يوجب تطبيقها من ظروف، لاسيما وضع المقصودين في مواجهة الفيروس، حيث يقول ماكسيم ديسماريتس عالم الاوبئة في المستشفى الجامعي ب»بيسانسون»، بأن «أن العناصر الأولى المحللة من دماء المتطوعين، تشير إلى انخفاض معدل الانتشار»، كما يعقب عالم الاوبئة سيجن هاسلير «لا علم لنا ان كان للمناعة الجماعية دور في تكوين ذاكرة مناعية طويلة»، ويرد أرنولد تارونتونا قائلا «في حالة ما طرأ على الفيروس، اية تغيرات جينية، بسبب المناعة الجماعية، قد تودي بدورها بحياة المئات من الاشخاص، فإن العقوبة ستصبح مضاعفة».
«في غياب اللقاح، فإن مناعة القطيع او المناعة الجماعية، ستكون الحائط العنيد امام انتشار العدوى» –إكسافيي دي راديكيز، عالم الاوبئة لدى منظمة الصحة العالمية.
«إن التكلفة البشرية، لم يعد من المقدور تحملها، قبل الوصول إلى مناعة جماعية كافية للحد من الجائحة» –كاثرين هيل، عالمة اوبئة واختصاصية في الإحصاء الحيوي.
استراتيجية الفحص في فرنسا، هي «مضيعة بلا فائدة»

من الملاحظ، تواجد عامل مشترك ما بين الاجابات المقترحة، هو اتفاق العلماء على ان استراتيجية الفحص عبر (PCR) تعتبر غير ملائمة، كما أنها استراتيجية منتقدة على صعيد واسع، وذلك لفعاليتها الضعيفة في تحطيم سلسلة العدوى واحتواء الجائحة، بسبب فتراتها الطويلة جدا.
فما بين امتلاء المختبرات والكشف عن الاعراض، فإن فرنسا تقوم بما يقرب من 1 مليون عملية فحص في الأسبوع، إلا أن الصعوبات تتضاعف مع زيادة الأرقام، منها مدة الانتظار الطويلة لنتيجة الفحوصات، التي قد تمتد إلى أسبوعين من أجل النتائج الأخيرة، ينضاف إلى هذا الامتلاء الكلي لمختبرات الكشف، وغيرها الكثير… يعتقد بعض العلماء، بأن الاستراتيجية الفرنسية في الكشف، لا طائل منها وغير فعالة، ولا قدرة لها على الحد من انتشار الجائحة (آن ماري بوفيي وجوناثان رو).
تاتي المشكلة الأساسية، من تهور الأشخاص، لا من الاعراض المرضية، بحسب بعض المشاركين في الاستبيان. يقول عالم الاوبئة في منظمة الصحة العالمية، إكسافيي دي راديغيس: «الكثير ممن أجريت عليهم الفحوصات، لا تظهر أية أعراض مرضية، علاوة على النتائج السلبية لتحليلاتهم، ما يمثل هدرا واضحا وغير مبرر للمعدات والتحليلات»، كما يدعو بدوره إلى التركيز على الحالات المشتبه بها، أو على الأطقم الطبية. على الجانب الآخر، تكمن فائدة تحليل عينات من لا يظهرون أعراضا مرضية، كما ذكر بعض العلماء في «تمكننا تحليلاتهم من عزلهم وتفادي الانتشار الواسع جدا للفيروس»، إذ يعقب عالم الاوبئة ب»لنسيرن» ثيبولت فيولي «إنها وسيلة ممتازة لفهم التكوين الفيروسي للعدوى لدى الساكنة، ومنه استنتاج مدى خطورتها أو لا عليها».
إن الصعوبات التي تواجهها المختبرات الطبية، بغرض توفير التحليلات الطبية للفيروس وكذا نتائجها، في وقت سريع بنتائج دقيقة وبكميات وفيرة، تطرح العديد من التساؤلات لدى المجتمع العلمي، لاسيما ما يخص الوصفة الطبية التي أصبحت تذكرة أساسية للتوفر على الاختبار منذ 25 من يوليوز، بحسب ما اعلن عنه وزير الصحة الفرنسي. أعرب معظم المشاركين في الاستبيان، عن عدم ترحيبهم بهذه الطريقة، التي بحسبهم «تزيد من مدة الحصول على النتائج، والتي يجب أن تكون أقصر من ذلك، لتتمكن السلطات الصحية من كسر سلسلة انتشار العدوى» بحسب عالم الأوبئة باسكال كريبي، غير أن زميلته فيتوريا كوليزا، لا توافقه الرأي قائلة «ما بين شهري ماي و يونيو، ما يقرب من ثلثهم من يحملون أعراض كوفيد-19، قد أجروا تحليلاتهم بالرغم من فرض قانون الوصفة الطبية القبلية»، نفس معسكر كوليزا يناشد بضرورة التوفر على الوصفة الطبية القبلية، منهم جوناثان رو الذي قال «من الواجب الحصول على الوصفة الطبية القبلية، وذلك لتفادي الخلط بين اعراض كوفيد-19، والامراض التنفسية الموسمية الأخرى».
يقول ماكسيم ديسماريل، عند سؤاله عن رأيه عن «اختبارات اللعاب، هل هي العلاج السحري؟»، قائلا «إن عمليات الفحص الموسعة، يجب ان تشجع اكثر فأكثر، هذا في حدود القدرة الاستيعابية للمراكز الصحية، غير أن الفحص الصحي الممركز يبدو كمفتاح مهم، لتقليص وقت خروج نتائج الاختبارات»، ويضيف «من الافضل أن توجه الفحوصات إلى المشتبه بإصابتهم ومحيطهم، ثم من لا يملكون الوصفات الطبية، استنادا إلى استراتيجية جغرافية محددة»، غير أن آن جوفارد تتأسف على عدم تطبيقها قائلة «لقد طالب المجلس العلمي، بتوضيح بخصوص عدم تطبيق هذه السياسة، منذ متم شهر يوليوز…».
يدعو المشاركون في الاستبيان، إلى استخدام تحليل اللعاب، وذلك لسهولته الكبيرة مقارنة بالتحليلات الاخرى، علاوة على تحليلات المضادات الحيوية، بيد أن لها القدرة على تقديم نتائج سريعة في مدة لا تتجاوز 15 دقيقة. كل هذه التساؤلات، قد طرحت قبل ان تسمح اللجنة العلمية في فرنسا، بتطبيق هذه التحليلات بعيدا عن الطريقة المعتادة، إذ تقول فيتوريا كوليزا عن هذه التحليلات «يمكن لهذه الطريقة، ان توفر علينا الكثير من الوقت و الجهد، وان تخفض كثيرا من النفقات الصحية و تكاليفها».
«إن استراتيجية الفحص الحالية، من وجهة نظري، تبدو أكبر و أوسع، من أن تتحملها أية جهة صحية، وهذا ما يعزز من فعاليتها و قدرتها الطبية، إذ يجب أن يصبح الولوج إلى التحليلات مؤطرا أكثر» –آن ماري بوفي، عالمة أوبئة، مديرة مركز الابحاث في لانسيرم. «إن الولوج السهل إلى الفحوصات، وسيلة جيدة لقياس مدى انتشار و حدة الجائحة، ضمن التعدادات السكانية الكبيرة، التي لا تظهر او تظهر بشكل خفيف اعراض خطرة» –اوليفيي إيبولارد، اختصاصي أمراض معدية بالمركز الاستشفائي لغرونوبل.
التواصل الحكومي
المندد به وبشدة

إن التدابير الحالية، لمواجهة الجائحة الوبائية، تنقسم إلى أشطر عدة، غير أن المختصين والعلماء قليلا ما ينتقدون فعاليتها، تحديدا من شاركوا في استبياننا. فئة قليلة منهم، تعتقد بأن الاجراءات الحكومية تبدو مجدية بالفعل، غير ان ما يفوق 20 منهم قد أكدوا على أن الإجراءات ليست بالكافية. إن هذه الملاحظة، تبدو مشتركة بين معظم المشاركين، المؤكدين بأن التواصل مع الجهات الحكومية لم يكن الأفضل، إذ يعرف بين الفينة و الأخرى «تأخرا واضحا في مواكبة الجائحة». ففي أوج الجائحة، وجهت الأصابع المنتقدة نحو الحكومة، تلومها على التدبير السيء للجائحة، ومنه عدم توفير الأقنعة و وسائل الحماية بكميات كافية، بيد أن هذه الجائحة تتطلب «استراتيجية مقروءة و واضحة»، أو ما يمكن وصفه ب»خارطة طريق سهلة الملامح»، كما قال الاستاذ محمود زوريك.
إن الغياب الواضح، للقائد ذي الاستراتيجية المحكمة، يجعل من التحكم في انتشار الجائحة أمرا صعب المنال، إذ تعقب إحدى المشاركة قائلة «إن الخروج الإعلامي، لكل وزير حكومي، رفقة خطته الخاصة، يرجعنا خطوتين إلى الوراء في مكافحتنا للجائحة»، وتضيف «فعلى أرض الواقع، كل جهة حكومية تشد الحبل إلى جهتها، غير مبالية بالمصلحة العامة و الوطنية، ولا تستند في أفعالها إلى تحرك متناسق و ممنهج، وعلى تدابير عشوائية كالإغلاق المنفرد للمدارس بأشكالها. إننا الآن في خضم التواصل والصراع السياسي، أكثر من التواصل و التعاون الصحي».
بالنسبة لرايموند سيسير، من مختبر علم الفيروسات والمناعة، من جامعة «دي انتيل» الفرنسية، فإن الوضعية الحالية تستوجب ضرورة تبادل أرقام الفحوصات المخبرية، لاسيما التي تخص الأشخاص دون أعراض ومحيطهم، دون الاستناد إلى رقم وحيد تصدره وكالة الصحة الجهوية، تحت ضغط الجهات السياسية. ويدعو زميله أوليفيي ايبولارد السلطة العمومية، إلى الاجابة بوضوح عن الأسئلة المتعلقة بالتلقيحات، وضعية الأبحاث و التوقعات.
أعرب أحد علماء الأوبئة الذي رفض الإفصاح عن اسمه، عن امتعاضه من غياب حس المسؤولية لدى الواجهات الاعلامية، مقترحا التخلي عن المعطيات اليومية التي تحتوي على أرقام الحالات الخاضعة للفحوصات، كمؤشر لقياس مدى خطورة الجائحة.
ضرورة التوفر على مؤشرات ومعلومات موثوق بها لمواجهة الجائحة

توصي عالمة الأوبئة كاثرين هيل، بالتواصل فيما يخص مدى انتشار الجائحة، بشكل واضح وصريح وآني، مستندين على المؤشرات والمعلومات الموثوقة، وتضيف «يجب أن ننسى معيار الاصابة (R)، بيد أن كل مستند على نتائج الاختبارات، لا يمكنه أن يؤكد على وجه الصحة عدد من خاضوا تجربة الفحوصات».يتحدث آرنود تارانتولا، عن اهمية دور الإعلام، في نقل المعلومة و توفير «معرفة صريحة حول الفكر الصحي العام». ففي الصحة العامة «يجب العمل على خفض الخطر، والتفكير في حياة اكبر عدد من الأشخاص، والتخفيف من الحمل الثقيل للإصابة عن الأفراد و المجموعات»، و يردف بان الفرنسيين عموما، ليسوا على علم كاف بمدى اهمية التدابير الاجتماعية وادوراهم المجتمعية، التي يجب أن يلعبوها فيما بينهم.
في الختام، طلبنا من خبرائنا، أن يقدموا آراءهم أو ملاحظاتهم، فيما يجب تحسينه أو تغييره ، بغية مواجهة أفضل للجائحة الوبائية لكوفيد-19، ليجيب ثلثهم بضرورة زيادة التشديد من الإجراءات والتدابير، على غرار الحد من التجمعات الضخمة وخفض أعداد الاشخاص المسموح بهم في التجمعات الصغيرة، أي إلى ما يقل عن 1000 شخص كحال بعض المدن الفرنسية، علاوة على تسهيل العمل بالتوصيات المقترحة للعمل عن بعد، وتكييفها لتصبح واحدة من الحريات الشخصية المكفولة من قبل الدولة، والتي تتمتع بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية، الالتجاء إلى قوانين مقننة للحريات الشخصية من أجل تفادي إجراءات لا طائل منها، علاوة على التبادل العلمي والانسجام الطبي بين الدول الاوروبية.
(جريدة لوموند – بقلم : وليام أوديرو، غاري داغورن، أسماء معاد و جوناثان باريينتي)


الكاتب : ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 12/10/2020