جلالة الملك يوجه رسالة إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى الاستثمار الإفريقي بمراكش

التأخر المسجل في تطوير البنيات التحتية في إفريقيا يسائلنا جميعا ويتطلب منا التعجيل بتداركه

إفريقيا تحتاج إلى مبادرات جريئة وخلاقة لتشجيع المبادرة الخاصة وتحرير كل طاقات القارة وإمكاناتها

إنشاء شبكات مندمجة للبنيات التحتية شرط أساسي لتحفيز خلق سلاسل قيمة على المستوى الإقليمي

 

أكد جلالة الملك محمد السادس أن إنشاء شبكات مندمجة للبنيات التحتية يظل شرطا أساسيا لتحفيز خلق سلاسل قيمة على المستوى الإقليمي، مشيرا جلالته إلى أن العجز المسجل في البنيات التحتية على صعيد القارة الإفريقية، يشكل أحد العوامل الرئيسية التي تحول دون استثمار إفريقيا لكافة مؤهلاتها من حيث النمو الاقتصادي وتحقيق أهدافها التنموية.
وأوضح جلالة الملك في رسالة موجهة، أمس الأربعاء، إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى الاستثمار الإفريقي، التي تنعقد بمراكش بين 08 و10 نونبر تحت شعار «تحرير سلاسل القيمة في إفريقيا»، أن المقارنة بين مؤشرات تطوير البنيات التحتية في إفريقيا ونظيراتها في بقية جهات العالم توضح جليا أن البلدان الإفريقية تعاني خصاصا مهولا في هذا المجال.
وأضاف جلالة الملك في هذه الرسالة، التي تلاها عمر القباج مستشار جلالة الملك، أن التأخر المسجل في تطوير البنيات التحتية في إفريقيا والذي كثر الحديث عنه «يسائلنا جميعا ويتطلب منا التعجيل بتداركه» من أجل تشجيع خلق سلاسل قيمة إقليمية، بما يضمن تسريع التحول الإنتاجي للبلدان الإفريقية.
وأبرز جلالة الملك أن قطاع الطاقة، بشكل خاص، يعد من القطاعات التي تعكس جليا التأخر الحاصل في إفريقيا في ما يتعلق بتطوير البنيات التحتية، لافتا جلالته إلى أنه على الرغم مما تزخر به القارة من مؤهلات كبيرة في مجال الطاقة بشقيها الأحفوري والمتجدد، فإن معدل التزود بالكهرباء ما يزال ضعيفا للغاية بالمقارنة مع واقع الحال في باقي جهات العالم النامي.
واعتبر جلالة الملك أنه لا بد من الإقرار بجسامة هذه المشكلة والالتزام بالعمل على حلها بشكل نهائي، ذلك أن جودة البنيات التحتية لا تساهم في التنمية الاقتصادية فحسب، بل لها أيضا دور حاسم في التنمية البشرية من خلال الإسهام في تيسير الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية وفي تحفيز إنتاجية المقاولات الصغرى والمتوسطة.
من جهة أخرى، قال جلالة الملك محمد السادس إن السياق الدولي الحالي بما له من تأثيرات فعلية ومحتملة «يستحثنا جميعا على مضاعفة الجهود للارتقاء بقدراتنا الإنتاجية الوطنية، بما يمكننا من بناء سلاسل قيمة قارية أكثر متانة وصمودا في وجه التحديات».
وأضاف جلالة الملك أن تطوير سلاسل القيمة الإقليمية المندمجة، كما أثبتت تجربة بعض الدول، لاسيما في شرق آسيا، يتيح تكثيف الاستثمار المنتج في هذه المناطق وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات من خلال ترشيد تخصيص الموارد.
وأشار جلالة الملك إلى أن تجربة تشجيع سلاسل القيمة الإقليمية كأداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية أظهرت أن إنشاء منظومة إقليمية لتقاسم الإنتاج يسهم بدور محوري في تحفيز نمو الاقتصاديات النامية وتحولها السريع، داعيا جلالته الدول الإفريقية في هذا الإطار، إلى «اعتماد مقاربة مندمجة للتنمية في فضائنا القاري، بما يسهم تدريجيا في إرساء نظام إنتاج مشترك قائم على تقاسم المنصات».
وفي هذا الصدد، أشاد جلالة الملك بالعمل الذي أنجزته الهيئات الإفريقية بشأن إحداث منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، الذي ينسجم انسجاما تاما مع الرؤية الملكية من أجل قارة إفريقية مندمجة ومزدهرة، موضحا جلالته أن تحقيق هذا الطموح الإفريقي من شأنه أن يضع اللبنات الأساسية لإنشاء سلاسل قيمة إقليمية اعتبارا لما باتت تكتسيه من أهمية قصوى في تعزيز صمود القارة في وجه الصدمات الخارجية، وتثمين إمكاناتها من حيث القدرات الإنتاجية وفرص النمو والازدهار.
وبعدما ذكر جلالة الملك بالتحديات المطروحة أمام القارة الإفريقية، وبالنظر إلى حجم الاحتياجات المطلوبة لتمويل التنمية في القارة، شدد جلالة الملك على أهمية الدور المنوط بالقطاع الخاص لبلوغ الأهداف التنموية للدول الإفريقية، «فالقطاع العام لا يستطيع وحده أن يوفر مجموع الاستثمارات الضرورية، بما في ذلك تلك الموجهة للقطاعات الواعدة ذات المؤهلات العالية والغنية بفرص العمل».
وأضاف جلالة الملك في هذا السياق أن إفريقيا الزاخرة بفرص الاستثمار المواتية للفاعلين الخواص تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مبادرات جريئة وخلاقة لتشجيع المبادرة الخاصة وتحرير كل طاقات القارة وإمكاناتها.
وقال جلالة الملك في هذا المضمار، إن المبادرات مثل منتدى الاستثمار في إفريقيا الذي يحظى بدعم البنك الإفريقي للتنمية، تشكل منصة مواتية لتوجيه الاستثمارات الخاصة نحو القطاعات الاقتصادية الواعدة، والمضي قدما في تعزيز اندماج الاقتصاديات الإفريقية داخل سلاسل القيمة العالمية.
كما أكد جلالة الملك أن المغرب ما فتئ يدعو إلى تعزيز سبل التنسيق والتعاون بين البلدان الإفريقية في مختلف الميادين، سعيا إلى تحقيق اندماجها الاقتصادي.
وأكد جلالة الملك، أن المغرب، ومن منطلق الوفاء بالتزامه الثابت بدعم الاندماج الإقليمي الإفريقي، ظل يعمل بمعية شركائه الأفارقة، من أجل إطلاق مشاريع كفيلة بتحقيق التحولات المنشودة، بما يمكن من إحداث نقلة كبيرة في ظروف عيش ملايين الأشخاص في إفريقيا.
وأوضح جلالته أنه في هذا الإطار يندرج مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط بين المغرب ونيجيريا، والذي يعد نموذجا يجسد إرادة جلالته السامية لإرساء الأرضية اللازمة لبلورة تعاون إقليمي حقيقي.
وأبرز جلالة الملك أن هذا المشروع سيؤمن لمجموع البلدان التي سيمر منها الأنبوب مصدرا يمكن الاعتماد عليه للتزود بالطاقة، ويزيد من قدرتها على تحمل الصدمات الخارجية المتعلقة بأسعار المنتجات الطاقية، منوها جلالته بما أبداه الشركاء، على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، لاسيما المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، من اهتمام بهذا المشروع الاستراتيجي واستعداد للإسهام الفعلي في إنجازه.
بالموازاة مع ذلك، أكد جلالة الملك أن المغرب جعل من تطوير بنياته التحتية في جميع قطاعات الاقتصاد المغربي أولوية من أولويات استراتيجيته التنموية خلال العقدين الأخيرين، مما أهله ليصبح نموذجا في هذا المجال بفضل الدينامية التي يشهدها الاستثمار في البنيات التحتية.
وسلط جلالة الملك الضوء على عدد من الأمثلة التي تجسد السياسة الإرادية التي ينتهجها المغرب في مجال تنمية مشاريع البنية التحتية الكبرى التي أسهمت في دعم مختلف الاستراتيجيات القطاعية التي أطلقتها المملكة.
ففي ما يتعلق بالبنيات التحتية الطاقية، سجل جلالة الملك أن المغرب يتوفر اليوم على 4,1 جيغاواط من القدرة الكهربائية المتأتية من مصادر متجددة، مشيرا جلالته إلى أن المملكة ماضية قدما في تنزيل استراتيجيتها الرامية إلى الرفع من حصة مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة الكهربائية وطنيا إلى أزيد من 52 بالمائة في أفق عام 2030.
كما أبرز جلالة الملك أن المغرب يتوفر حاليا على شبكة من الطرق السيارة يبلغ طولها ألفي كيلومتر، و»هو ما مكن من الربط بين جميع المدن التي يفوق عدد سكانها 400 ألف نسمة، ويرتقب تعزيز هذه الشبكة لتبلغ 3 آلاف كيلومتر بحلول عام 2030».
وأكد جلالة الملك أيضا أن المغرب، أصبح بفضل الخط السككي فائق السرعة، أول بلد إفريقي يتوفر على قطار بسرعة 320 كيلومترا في الساعة، مضيفا جلالته، أن المغرب صنف منذ عدة سنوات ضمن أفضل 20 بلدا في مجال الربط اللوجيستي، بفضل المركب المينائي طنجة المتوسط الذي يعد أول منطقة حرة صناعية في إفريقيا.
واعتبر جلالة الملك أن هذا التقدم الكبير الذي حققه المغرب من حيث تطوير بنياته التحتية، رافق مسلسل الإصلاحات الهيكلية المنجزة، على مدى العقدين الأخيرين، بهدف تقليص مخاطر ضعف المالية العمومية والحسابات الخارجية، وتوفير أرضية مستدامة لنمو قوي ومندمج للاقتصاد المغربي.
وقال جلالة الملك إن هذه الدينامية، ستتعزز من خلال الميثاق الجديد للاستثمار الذي يدعو إلى توجيه الاستثمارات نحو الأولويات الاستراتيجية للمملكة، ويقترح إطارا محفزا وكفيلا بجذب الاستثمارات، مضيفا جلالته «تظل غايتنا المثلى من ذلك كله أن نرفع حصة الاستثمارات الخاصة إلى ثلثي إجمالي الاستثمارات في أفق عام 2035».
وخلص جلالة الملك إلى التأكيد على الدور الأساسي الذي ينبغي للقطاع الخاص أن يضطلع به من أجل الإسهام بشكل فعال في دينامية الإقلاع الاقتصادي التي تشهدها المملكة.


بتاريخ : 09/11/2023