جماعة سيدي تيجي: التنقيب عن الجبس وأسئلة التنمية الفردية والجماعية

 

تعتبر جماعة سيدي تيجي جماعة غنية من المغرب المنسي التي توجد في وضعية مزرية جدا والتي لا تعكس احتضانها لأكبر احتياطي عالمي من الجبس بثروة باطنية مهمة جدا أهلتها لتكون الأولى إفريقيا وعالميا؛ ومقالع جبس عديدة تتموقع في جماعة سيدي تيجي في الجنوب الشرقي لإقليم آسفي على الطريق المؤدية لمدينة مراكش.
وتعتبر جماعة سيدي تيجي من أكبر جماعات إقليم آسفي جغرافيا وأغناها باطنيا وأفقرها اجتماعيا، وقد شهدت الجماعة المذكورة ذات 18 ألف نسمة تقريبا حسب إحصاء 2024 العديد من الخرجات والمظاهرات الشعبية عنوانها الأبرز، سوء التسيير والفساد والتهميش والفقر والبطالة وقلة ذات يد المواطنين الدين ضاقوا درعا مما يعانوه من تهميش وفقر وعوز ونقص في الخدمات على كافة الأصعدة، سواء على المستوى الاجتماعي الخدماتي التربوي الرياضي الصحي، أو المستوى الاقتصادي المعاشي، وما يتعلق بجودة الحياة والقدرة الشرائية والدخل الفردي، إن كان هناك دخل أصلا في هذه القرية المهجورة تنمويا. والدي يبعث على السخرية والغرابة في أمر هذه الرقعة الترابية المنكوبة يكون العمران بها شبه منعدم.
المقالع .. أضرار ممتدة

يعتبر الاستغلال البشع لمقالع الجبس في إقليم آسفي السمة الأساسية ويتجلى في عدة جوانب، ويخلف آثار سلبية كبيرة على البيئة والسكان المحليين. ويتجلى الاستغلال البشع في التوسع العشوائي والمفرط للمقالع حيث انتشار كبير للمقالع في مناطق مختلفة بالإقليم، وغالبا ما يكون هاد التوسع بدون تخطيط شامل أو دراسات كافية للأثر البيئي والاجتماعي، وهو يؤدي لاستنزاف كبير وغير مسؤول لموارد الجبس، ومورد طبيعي غير متجدد على المدى الطويل٠ كما أن المنطقة تتعرض للتجريف والتدمير المباشر للأراضي جراء عمليات استخراج الجبس وما يتطلب من إزالة الطبقة السطحية للتربة والنباتات والأشجار، مما يؤدي لتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والرعوية والغابوية، ويقضي على التنوع البيولوجي في المنطقة، ويشوه المناظر الطبيعية .
كما أن التلوث الناتج عن عمليات الاستخراج والمعالجة حيث الغبار يملأ سماء المنطقة جراء عمليات الحفر والتفجير ونقل الجبس وينتج كميات هائلة من الغبار الدقيق الذي يستنشقه السكان ويلوث الجو والأراضي والمياه. والذي له آثار سلبية على صحة الإنسان (أمراض الجهاز التنفسي والحساسية وغيرها) وعلى جودة المحاصيل الزراعية. إضافة إلى الإزعاج الذي تحدثه الآليات الثقيلة والتفجيرات التي تسبب ضوضاء مستمرة تؤثر على راحة وصحة السكان والحيوانات.
ولا يقتصر التلوث على ذلك فقط بل يمتد إلى تلويث المياه خاصة وأن جريان المياه السطحية من المقالع يحمل معه الأتربة والمعادن والكيماويات المستخدمة في بعض الأحيان، ويلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية، إضافة إلى عدم احترام المعايير البيئية والسلامة في حالات عدة، خاصة وأن بعض الشركات المستغلة للمقالع، لا تحترم المعايير البيئية والقانونية المتعلقة باستغلال المناجم، مع غياب إجراءات كافية للحد من التلوث ولحماية العمال والسكان المجاورين. كما أن إعادة تهيئة المواقع المستغلة غالباً غير كافية، مما ينتج وراء استغلالها أراضي متدهورة وغير صالحة للاستعمال.
أما بالنسبة للآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية فتتمثل أساسا في إنه رغم أن استغلال الجبس يوفر بعض فرص الشغل، إلا أن الآثار السلبية على صحة السكان وعلى الأراضي الزراعية والرعوية يمكن أن تكون أكبر على المدى الطويل، وتؤثر على مصادر رزق تقليدية ففي بعض الحالات، تكون فيه نزاعات حول ملكية الأراضي وحقوق الاستغلال.
فوائد محدودة وتداعيات متعددة

يتمثل هذا الاستغلال في تشويه مساحات طبيعية واسعة وتحويلها لحفر عميقة؛ وتراكم الأتربة والمخلفات الصناعية بالقرب من المناطق السكنية والأراضي الزراعية؛ إضافة إلى انتشار الأمراض التنفسية بين السكان بسبب الغبار؛ وتضرر جودة المياه المستخدمة للشرب والري؛ وغياب أو ضعف المراقبة من طرف الجهات المسؤولة.
هذا الاستغلال البشع يستدعي تدخلا عاجلا لوضع ضوابط صارمة وتطبيق القانون لحماية البيئة وصحة السكان وضمان استغلال مستدام وعادل لهذا المورد الطبيعي. وحسب المعلومات المتوفرة، هناك عدة شركات تستغل الجبس في إقليم آسفي، ولكن من الصعب تحديد العدد الدقيق حيت أن هناك مقالع صغيرة ومتوسطة وكبيرة. ولحدود الساعة هناك عدد محدود من الشركات متخصصة في صناعة وإنتاج ألواح الجبس في جماعة وتطوير الجبس في جهة آسفي. وبالإضافة لهذه الشركات الكبيرة، هناك عدد من المقالع التي يستغلها مستثمرون صغار ومتوسطون. وبالتالي فإن العدد الإجمالي يمكن أن يكون أكبر ويحتاج لتحقيق دقيق من طرف الجهات المختصة.
وعلى الرغم من الآثار السلبية التي ذكرناها، فمقالع ومعامل الجبس تقدم بعض الفوائد للمنطقة، ولكنها غالبا ما تكون محدودة أو غير موزعة بشكل عادل؛ رغم أن هذه الشركات والمقالع والمعامل تخلق بعضا من فرص الشغل للسكان المحليين، سواء في عمليات الاستخراج أو النقل أو المعالجة أو الإدارة، وتساهم في الاقتصاد المحلي والإقليمي عن طريق دفع الضرائب والرسوم المحلية. كما أنها تقتني بعض المواد والخدمات من موردين محليين، مما يحرك النشاط الاقتصادي في المنطقة.علما أن إنتاج الجبس يغذي قطاع البناء على المستوى الوطني، وبالتالي هناك ارتباط غير مباشر مع النمو الاقتصادي العام.
أما بالنسبة لتنمية بعض البنيات التحتية في بعض الحالات، فالشركات الكبيرة تساهم في تطوير بعض البنيات التحتية المحلية مثل الطرق أو شبكات الكهرباء والماء، ولكن يكون غالباً مرتبط بحاجتها لمثل هكذا عمليات، علما أن التوزيع غير العادل للربح يكون غالباً مركزا في يد الشركات والمستثمرين، في حين أن الآثار السلبية (التلوث، تدهور الأراضي، المشاكل الصحية) يتحملها بشكل أساسي السكان المحليون والبيئة.؛ كما أن الاعتماد الكبير على استغلال مورد غير متجدد كالجبس يطرح تساؤلات حول الاستدامة على المدى الطويل والتأثير على الأجيال القادمة. فالأولوية تكون للربح السريع على حساب حماية البيئة وصحة السكان والتنمية المستدامة للمنطقة؛ إذن بعض الفوائد الاقتصادية وفرص الشغل، إلا أنها غالباً ما تكون مصحوبة بتكاليف بيئية واجتماعية كبيرة، ويجب أن يكون فيه توازن أكبر بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على حقوق السكان والبيئة.
قانون وجماعات

جماعة سيدي تيجي معروفة بوجود مصنع كبير لإنتاج الجبس بالإضافة لمقالع أخرى. كما أن جماعة أزكان كانت معنية بمشروع استغلال منجم كبير لإحدى الشركات الفرنسية (الذي تم رفضه بيئياً)، غالبا ما تضم مقالع جبس. وجماعة السعادة هي الأخرى كانت معنية بمشروع من ذات الشركة ومن المحتمل وجود مقالع فيه أو جماعة بوكدرة أولاد سلمان والتي كانت هي الأخرى جزء من مشروع الشركة المذكورة ومن المرجح وجود مقالع.
خلال شهر يناير تقدمت إحدى الشركات والتي تشتغل هي الأخرى في مجال الجبس بطلب من أجل التنقيب على الجبس معتبرة إياه معدنا كجميع المعادن الأخرى محاولة الاستفادة من قراءات مختلفة للقانون، ما بين وزارة التجهيز والنقل ووزارة الطاقة والمعادن، في مساحة تصل إلى 30000 هكتار في مناطق (خط ازكان اصعادلا بوكدرة اولاد اسليمان) تمتد من سيدي تيجي عبر جمعة اسحيم واليوسفية وسبت اكزولة، مما يعني إبطال جميع رخص المقالع التي تتجاوز100 هكتار، وهو الطلب الذي لقي معارضة قوية من طرف الساكنة والمجالس المنتخبة وبعض صغار المستثمرين، مما أدى بالشركة المذكورة إلى إحالة ملفها على اللجنة الجهوية للاستثمار بجهة مراكش آسفي من أجل الحصول على قرار الموافقة البيئية لمشروع استغلال منجم لمادة الجبس، إلا انه أمام ضغط السكان تم إبداء رأي سلبي في هذه العملية من طرف اللجنة وتمت إحالة الملف على اللجنة الوزارية، التي ارتأت كون موضوع الترخيص بالاستغلال والبحث أي التنقيب بصيغة أخرى والذي ترغب من خلاله الشركة إلى تحويله من البحث إلى الاستغلال يمتد على مساحة تصل إلى أكثر من 160 كيلومتر مربع، وهي المساحة التي تتضمن مشاريع مهيكلة ومناطق تغطيها تصاميم تهيئة مصادق عليها ومشاريع صناعية قائمة ومقالع للجبس قائمة بالإضافة إلى مناطق فلاحية. وبالتالي فقد تم تجنيب هذه المناطق كارثة بيئية واجتماعية والقضاء على مشاريع بسيطة تشغل يدا عاملة محلية كانت ستجد نفسها مشردة أمام غول آليات الحفر والصناعة.


الكاتب : خالد زياد

  

بتاريخ : 13/05/2025