أتاحت للبيضاويين التعرف على تراث مدينتهم ومعالمها التاريخية
اختتمت، يوم الأحد الماضي، الدورة 13 من أيام التراث التي نظمتها جمعية ذاكرة الدار البيضاء « Casamémoire «..وهي الأيام التي ميزتها برامج مكثفة تراوحت بين معارض وعروض أفلام وندوات وورشات الرسم والتصوير وزيارات سياحية لمتاحف ومواقع أثرية تزخر بها المدينة البيضاء، وتوافد العديد من البيضاويين والسياح الأجانب من مختلف الأعمار فضلا عن تلاميذ المدارس العمومية والخاصة، إلى نقط اللقاء التي حددها برنامج الجمعية، للتعرف على تراث مدينتهم، يدفعهم فضولهم ورغبتهم في اكتشاف تاريخ العاصمة الاقتصادية للبلاد ..تاريخ يحكيه كل شبر من أرضها وبناياتها ومتاحفها ورياضاتها وعماراتها التي يعود بناؤها إلى بدايات القرن العشرين، إبان فورة التعمير التي قادها المهندس الفرنسي هنري بروست بإيعاز من المقيم العام ليوطي، وشارك فيها المهندسون المعماريون الفرنسيون أمثال أوغست كادي وبيير جابان وآلدو ماناسي وماريوس بايير وألكسندر كورتو وجوزيف ماراست وليونارد ماراندي، الذي كان مهندس عمارة «الحرية» بشارع الزرقطوني الذائعة الصيت،( نظمت بها زيارة لمتحف عبد الوهاب الدكالي)، وغيرهم، والذين تنافسوا للبناء وإنجاز مشاريع معمارية فريدة ومتميزة، وبإياد مغربية وصناع مغاربة تفننوا في صنع تحف معمارية غاية في الروعة والجمال، لا يزال بعضها صامدا حتى اليوم في حين يتعرض البعض الآخر للإهمال أو الهدم، كما حدث للمسرح البلدي، أو لتغيير معالمه كما يحدث بالمدينة القديمة حيث تم تغيير الطابع المغربي الأصيل لكثير من البنايات القديمة بل إن أكثرها آيل للسقوط، وفي أحد الدروب عوضت واجهة بناية تاريخية بواجهة زجاجية لا تمت بصلة إلى التراث المعماري المغربي الأصيل في تعارض تام مع البناء المحيط بها، ويتعلق الأمر «بفَنْدق» قديم تقرر تحويله إلى متحف تحت إشراف مهندس ياباني ؟!
«كازا ميموار» التي أخذ أعضاؤها، وهم مهندسون معماريون مغاربة، المشعل لمواصلة بناء الدار البيضاء، والحفاظ على خصوصيتها، وتعزيز التراث المعماري، والسياحة الثقافية والذاكرة الجماعية، تحاول الحفاظ على هذا الموروث الثقافي المعماري التاريخي، والحيلولة دون اندثاره وسقوطه في براثن النسيان أو الهدم بفعل عامل الزمن أو بسبب اليد البشرية المهملة، وسخرت خلال أيام التراث، مجموعة من المرشدين المتطوعين الذين قاموا بمرافقة المهتمين والزوار المغاربة والأجانب، المتوافدين بكثافة إلى نقط اللقاء في رحلات ممتعة بين دروب المدينة القديمة وحواري الحبوس وشوارع وعمارات وسط المدينة ودروب الحي المحمدي خاصة حي «سوسيكا»، متنقلين بين المتاحف والدور الأثرية والساحات والمعالم التاريخية التي لا تزال تحتضن أثر من مر منها أو سكن بها، وهي الزيارات التي تم إغناؤها بكم كبير من المعلومات التاريخية المهمة التي حرص ما يقارب من 300 مرشد متطوع أصغرهم يبلغ من العمر 11 سنة، مستعملين عدة لغات لتسهيل التواصل، على تزويد الزوار بها، زوار متعطشون لمعرفة تاريخ هذه المدينة المدهشة.
أيام التراث هذه عرفت تنظيم زيارات إلى محكمة الباشا بالحبوس التي فتحت أبوابها لاستقبال زوارها، وهي المحكمة الإسلامية التي أشرف على بنائها المهندس المعماري الفرنسي أوغست كادي،( 1881-1956) في ثلاثينيات القرن الماضي، تمتد على مساحة 6000 متر مربع، وحرصت جمعية «كازا ميموار» على تكريم المعلْمين الذين قاموا ببنائها وزخرفة غرفها( البالغ عددها ما يقارب الستين) وتزيين أسقفها بمواد طبيعية محلية مستعملين الجبس وخشب الأرز الذي تم استقدامه من منطقة إيتزر بالأطلس المتوسط، والذي زين أيضا أسقفها وأبوابها وأقواسها إضافة إلى الرخام والقرميد الأخضر، وذلك بعرض صور فوتوغرافية لهم تحمل معلومات عنهم وعن مهمتهم المحددة، والتي شاركوا بها في بناء هذه المعلمة التاريخية الفريدة التي تحولت اليوم لتصبح مقرا لمجلس مدينة الدار البيضاء، ورغم أن قرار بنائها اتخذ في سنة 1930 من طرف باشا المدينة المقري واستغرق بناؤها 11 سنة وكانت تحتضن مناسبات دينية ووطنية إلا أنها لا تزال صامدة بفنائها المفتوح على السماء وأقواسها وجدرانها وأبوابها ونوافذها المكسوة بالحديد المطوع، شاهدة على أصالة التراث المعماري المغربي الضارب جذوره في التاريخ.
زيارة أخرى قام بها الزوار للمدينة القديمة وقفوا فيها عند مجموعة من المعالم التاريخية كمقر الاتحاد المغربي للشغل الذي كان مقرا للمقيم العام الفرنسي ليوطي، ثم زاروا منزل مؤسس الوداد البيضاوي ابن جلون ومتحف التعريف بتراث المدينة القديمة للبيضاء و قنصلية بلجيكا إبان فترة الحماية وغيرها إضافة إلى زيارة ساحة بلجيكا وساحة أحمد البيضاوي وباب المرسى وباب السقالة، دون نسيان الوقوف عند بعض أضرحة المدينة القديمة كضريح للا تاجة وضريح علال القيرواني وضريح بوسمارة، هذه الزيارة التي سبقتها يوم الجمعة زيارات لتلاميذ بلغ عددهم، حسب المرشد المتطوع المصطفى سمرة، 1650 تلميذا من مدارس خاصة وعمومية سواء من الدار البيضاء أو الرباط، وأطر الزوار ما يقارب 45 مرشدا متطوعا بالمدينة القديمة .
وتحت شعار «قم للمعلم « نظم معرض للصور الفوتوغرافية بمعهد للا عائشة بالحبوس، وهي الصور التي تضم أساتذة مع تلامذتهم في مواسم دراسية مختلفة بعدة مدن مغربية من بدايات القرن الماضي جمعها عبد اللطيف فوزي، وكان من بينها صور للمغفور له محمد الخامس في زيارة له لأحد الأقسام الدراسية سنة 1945 أو تدشينه لمدرسة في فاس سنة 1944 وصورة أخرى له مع مجموعة من المعلمين والأساتذة بمكناس سنة 1956 إبان عودته من المنفى، كما أتيح للزوار التعرف على دار الآلة والمسجد المحمدي والمسجد اليوسفي والقصر الملكي بحي الحبوس وكذا مجموعة أخرى من المعالم التاريخية بوسط المدينة، وهي المعالم التي تشهد على تفرد مدينة الدار البيضاء وتميزها بين المدن المغربية .