فِي سَاحَةِ الْمدينَة
رأيْتُكَ يا ظِلّي
تَقِفُ قُرْبَ الرَّصِيف
تُحَيِّينِي فَلَا أُبَالِي
تَائِهٌ أَشُقُّ الطَّريقَ الْمُفْضِي إِلَى الْمَقْبَرَة
تَتْبَعُنِي حُشُودُ الْأَشْجَار
كَتَائِبُ الْعَصَافِيرِ الْهَارِبَة مِنْ لَعْلَعْةِ الْحَرْب
شَارَاتُ النَّصْرٍ الْمَهِيضَةُ الْهامَة
قَوَافِلُ الْمَحَبّةِ الْمُتْرَعَة بِأنْفاسِ الذَّاهِبينَ صَوْبَ الْحَيَاة
تَتْبَعُنِي سَوَاقٍ وَرِثْتُهَا مِنْ جِبَالِ بِكَامِلِ عُزْلَتِهَا
خُضْرَةٌ تَرْشُقُ الْمَدَى بِعِطْرِ الْحَدائِق
بِصَمْتِ الدُّرُوبِ الضَّاجّة بِالطُّفولَة
وَأنْتَ هُناك
تُرَتّبُ مَا تَبقّى لكَ منّي
تُغنّي مَواوِيلَ السَّابِحَاتِ فِي أَعَالِي الْأطْلس
تبْحثُ عنّي بِعَيْنيْن ذابِلتَيْن بِالْأرَق
لَا تَلْوِي إلَّا عَلَى طَيْفٍ عَبَرَ مِنْ هُنَا
حيْثُ الْأَحْذيةُ يَانِعَةٌ بِالتّيه
الْأَيَادِي طافِحةٌ بِبُرُودَة الْحَياة
الْمَعاطِف عَارِية مِنَ الرُّوح
نَاطِحاتُ الْإسمَنْت تشْهقُ بِالموْت
الْعُيُونُ تُعاتِبُ الْعُيُون
واَلْقُلوبُ شَابَهَا الْيَأْس
وَمَا بِكَ يَا أَنَا
ضالٌّ فِيكَ
سَاكِنٌ فِي مَهْوى الْعُزْلة
تَحْرُسُ غيْماتٍ في عُيونِ الأطْفال
زَفْرَة الْأُمَّهات وَهُنّ يَمْدُدْنَ أَيَادِيهنَّ لِلْفَرَاغ
حَيْرَةَ مَاسِحِي الْأَحْذِيَةِ … تَأَهُّبَ بَائِعِي السَّجائِر بِالتَّقْسيط. مِنْ غَارَةِ الشُّرْطَة.. مَكائِدَ مَرْضَى الْعاهاتِ… انْتِظارَ فَتَياتٍ يَقْتُلْنَ الْوقْتَ فِي الْمقاهِي… رِجالَ الْغَدِ الْمُتَأَخِّرينَ عَنِ الْغَد… شُيوخَ الْمَدينَة الْغارقِينَ فِي نَميمَة بَيادِق الشَّطْرنْج … عُمّالَ النَّظافَة الْيائِسِين مِنَ النَّظافَة… طُلَّابَ الْجامِعاتِ التّائِهينَ فِي مَفاصِل الْفُصولِ … يَحْلُمونَ بِوظيفَة فِي الْعطالةِ… الْعطالةُ صَديقةُ الْحياةِ فِي بِلادِي…
تَقُودُكَ الشَّوارِعُ الْفارِغةُ مِنْ حَرارَة الْأمَل إلَى حيْث الْألمُ يَنْتَصِبُ فَارِعَ الْقامَة…الْيَقْظةُ آسِفةٌ على مُغادَرةِ الْمُقَل … السَّآمةُ تَبِيعُ حقَّها مِنَ الْوجُود … الْقِطاراتُ مَازالتْ تَحُثُّ الْعَجلاتِ لِلْوُصُولِ إلَى مَحطَّة الْعَبَث… الْجُنُودُ التَّائِهونَ فِي خَرائِط الْحُروبِ جَمَعُوا الْأَعْطابَ فِي حَقائِبِ الذَّاكِرَة وَفَرُّوا إلَى عُزْلتهم…
الْعُشَّاق الْمَطْعُونُونَ بِالصَّبَابَة … السَّاهِرُونَ تَحْتَ رَحْمَةِ اللَّيْل… الْقَانِتونَ فِي مَحارِيب الصَّبْر…
تُرْبِكُ الشُّرُفاتِ الْمُغَلَقَاتِ بِنَظْرةِ أَمَل
يَصْفَعُكَ الْغِيَابُ السَّاقِطُ عُنْوَةً مِنَ الْأَعْلَى
حَبْلُ الْغَسِيل الْفارِغُ مِنْ يَدِي الَّتِي تْنَتَظِرُ أَسْفَل
قَفَصُ الْحَمَام الَّذي طلّق الْهَديل
عَمودُ الْكَهْربَاء الَّذي انْتَحَرَ مِصْباحُه
الشَّارِع الَّذي تُزَوْبِعُهُ عاصِفَةُ الصَّمْت
الْمقْهى الَّذي يَعْتادُ طلّتك غارِق فِي الْحُزْن
ظلّك الَّذي ودّعْتَه فِي سَاحة الْحديقَة فِي غَيْبوبَةٍ مُريحَة
وَأنْتَ هُنَاك
تبْكي السَّاقية
زُقاقَ الْحياة
رِفاَقَ الذِّكْريات الْموْتَى والْأحْياء
الطَّريقَ الْمُغْلق فِي وَجْه الصَّباح
الْفَاغِرَ فَاهُ لِلْجنَازَات الْمُفْعَمة غَضَاضةً مِنَ الْحياة
الْحارِسَ طيْف الْحَبِيبَات اللَّائي طَرَقْن القلْب
وأغْلقْن بَابَ الْوِصَال
وتَزوَّجْن رِجالاً فِي غايَة الملْهاة
الطَّريقُ الَّذي يَعْرِفُنِي يَنْكُرنِي
الَّذِي يُحِبُّنِي يكْرهُنِي
الَّذِي أُحَيِّيهِ
يُوصِدُ علَى الْقلْب ظِلّي
وَيَطْعَنُنِي بِمَكيدَة الْعَدَم
آآآآآآآآه
ظِلّي
كَمْ يكْفينِي مِنّي
كَيْ أَخْتَفِي فِيك
وَأُعْلنَ عَنّي
جِبَـالٌ بِكَامِـلِ عُزْلَتِهَـا
الكاتب : صالح لبريني
بتاريخ : 19/05/2017