حتى لاننسى… الراحل محمد الحياني عندليب المغرب العربي

مما يعيبه الجمهور المغربي الواسع هو تغاضي معظم القنوات التلفزية المغربية عن عدم إدراج روائع القطع الموسيقية المصورة التي أبدع في تلحينها عمالقة الفنانين المغاربة في طليعتهم الراحل عبد الرحيم السقاط وعبد القادر الراشدي وأحمد البيضاوي و غيرهم..، هؤلاء الذين أضحت إبداعاتهم الموسيقية تضاهي أجمل الأغاني لفطاحلة الملحنين و المطربين بالشقيقة مصر ومنطقة الشام، لكن عدم تقديم التسجيلات الموسيقية المصورة لهؤلاء الفنانين الذين عملوا على تطوير الأغنية المغربية العصرية، ساهم في إقبار أسمائهم و خاصة بالنسبة للجيل المعاصر الذي لا يعرف شيئا عن أعمال الفنانين المغاربة الكبار، مما أدى إلى تدني الأغنية المغربية التي أضحت تلحن من طرف الموجة الشبابية في فترة وجيزة جدا، حيث يقومون بكتابة الكلمات و وضع الألحان ثم الأداء، ثم يصورون بعد ذلك كليبات و يعرضونها في وسائل التواصل الاجتماعي دون رقيب أو حسيب، و دون مراعاة الجودة و أذواق المشاهدين و المستمعين ليصرحوا بأن إنتاجاتهم بلغت الآلاف، بل الملايين من المشاهدين.
و حتى لاننسى..، فإن الواجب يفرض علينا تذكير المتتبعين و المعنيين بالشأن الفني، وخاصة الجيل الحالي، بالراحل محمد الحياني عندليب المغرب العربي، هذه التسمية التي أطلقها عليه الراحل الحسن الثاني تغمده الله برحمته.
ولد الراحل بالدار البيضاء سنة 1945 ، و انتقل إلى الرباط و تربى في كنف خالته، و درس الموسيقى بالمعهد الوطني، ثم التحق بالجوق الوطني للإذاعة الوطنية بعد نجاحه في إحدى المباريات الفنية لاختيار مطربين، و ظل في الكورال مدة سنوات.
في نهاية التسعينيات تعرف على الشاعر الغنائي علي الحداني، الذي تربطه علاقات واسعة مع كبار الملحنين المغاربة، حيث ساعده على التألق نظرا لمؤهلاته الصوتية الشجية، مما أهله لأن يتربع على عرش الأغنية المغربية لسنوات طوال إلى جانب عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط.. ، فكانت أول أغنية أداها من كلمات الحداني تحت عنوان «غياب الحبيب « .
تعامل الراحل محمد الحياني مع عدد من الملحنين المغاربة في طليعتهم حسن القدميري و عبد القادر وهبي و الشنقيطي، ليؤدي بعد ذلك رائعته « بارد و سخون «، التي تعد بداية شهرته الواسعة ، ثم أغنية « ياك الجرح برا «، « يا سيدي أنا حر «، و» شفت عيونك « و غيرها من الإبداعات.
كما تعامل الحياني مع الفنان القدير الراحل عبد القادر الراشدي، الذي لحن له أغنية « من ضي بهاك «، هذه الاغنية التي لقيت نجاحا منقطع النظير، و كان لهذا النجاح تحول كبير في مساره الفني، لينطلق بعد ذلك في أداء القصيد سنة 1970 بعد تعامله مع المبدع الراحل عبد السلام عامر في قصيدة راحلة شعر عبد الرفيع الجواهري التي أداها بإحساس عاشق ولهان فقد حبيبته لظرف خاصة .
و إلى جانب أدائه للروائع المغربية، فقد شارك في فيلم « دموع الحب « صحبة الفنان القدير حمادي عمور شافاه الله و الراحلة حبيبة المذكوري و غيرهما، إلا أنه أصيب بالإحباط في السنوات الأخيرة من عمره الفني نتيجة الأجواء الفنية التي سادت تلك المرحلة، ليقرر الاعتزال، غير أن أسرته ضغطت عليه فتراجع عن قراره، و واصل مشواره الفني بأدائه لعدد من الأغاني العذبة من بينها « دنيا «، و» أنت لي و أنا ليك «، و» اليزا «، « وقتاش ياقلبي تغني «، و» احبابك اليوم «، و كانت هذه الأغاني وضعت خصيصا له لأنها تعكس معاناته، و تعبر عن واقع حياته الشخصية، و ظل يرددها إلى أن فارق الحياة بعد أن أجريت له عملية جراحية في بطنه كللت بالنجاح بتعليمات سامية للملك الراحل الحسن الثاني، غير أن المرض عاوده مرة أخرى ليسلم الروح إلى باريها في 23 اكتوبر 1996 تاركا رصيدا فنيا هاما من الأغاني الجميلة، لتطوى صفحة من صفحات فنه التي جمعت بين الشهرة و الألم و المعاناة .
و من المعلوم أن الحياني، رحمه الله، غنى رفقة عندليب الأغنية العربية عبد الحليم حافظ في عدد من السهرات الخاصة و العامة، و كان عبد الحليم معجبا بخامته الصوتية و عذوبتها، حيث صرح بذلك في عدد من اللقاءات الصحافية، مؤكدا أن الحياني خير مطرب سيخلفه.


الكاتب : فاس: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 03/04/2021