«حدائق الجنوب» لسعيد رحيم : حدائق الألغام الإعلامية

عبر امتداد مائة وستة وعشرين صفحة، تتوالى أحداث ووقائع رواية «حدائق الجنوب» للكاتب والصحافي، سعيد رحيم، حيث جزء الجنوب الذي يقابل الشمال والشرق والغرب، وارتباط الحدائق بالجنوب، لم يأت اعتباطاً، وإنما عمد الكاتب إلى حدائق، عوض حديقة واحدة، إذن ففضاء الرواية يتشكل من الصحراء، والناس، والرمال والنخيل، مما يعبر عن تشبث الإنسان الصحراوي المغربي بتاريخه وأسلافه وهويته، التي تمتد حتى طنجة.
وقد عمد سعيد رحيم، إلى الكتابة المتقطعة، عبر تقنيتي الاستباق والاسترجاع، مما جعله يلجأ إلى عناوين فرعية، كأخبار صحفية، وهي مثل محطات، تقوم مهمتها على التلخيص والتكثيف، لتكسير رتابة القراءة، وشد انتباه المتلقي، وجره إلى مواصلة النقاش.
الشخصية الرئيسية في هذا العمل، هو صائب، ويمكن أن نضيف إليه – رأي صائب- وهذا الـ»صائب» هو الكاتب راوي الأحداث، والمتحكم في طرائق السرد، والصحافي في أكبر مؤسسة إعلامية، سافر من الدار البيضاء، إلى الجنوب وبالضبط الى إقليم سمارة، للقيام بمهمة إعلامية، تابع دراسته بالرباط، ويتوفر على رصيد سياسي وتاريخي، ومعرفي (تخصص فلسفة)، إضافة إلى دراسته الصحافية.
هذه المؤهلات، تجعل صائب، يقوم بالنبش في الذاكرة من جديد:»وشم الذاكرة.. معنوي، غير مرئي.. كائن حي ينتظر الفرصة المناسبة لكي يفصح عن ذاتيته الملفوفة في غمامة غير مكتملة الملامح، لم تتضح صورتها إلا بعد سنوات» ص 6. فعلا كل مرحلة، وكل نقاش تقابله سطور ذاتية، تمتح من الذاكرة، برغم تقلبات الأجواء ما بين المرارة والحلم.
بداية إقلاع الرأي الصائب ما بين الدار البيضاء والرباط، أو ما بين النشأة، وطلب العلم، وخوض النضال الحقيقي غير المزيف، ضمن اتحاد الطلبة، ثم الانتقال إلى الجنوب، بحكم العمل الصحافي، وما يتطلبه من خبرة وجرأة، وتقليب الجمل على عدة وجوه، بل يصل الأمر إلى استقطار الجمل لينزل ماؤها مجازا. ‘وتلك هي المهمة المقبلة في هذه الحدائق الجنوبية. لكن وحده المتنطع من يستطيع ادعاء القدرة بمفرده على حفر آبار وجلب المياه إليها» ص 7 و ص 8؛ هذه الحدائق التي وسمت العمل الروائي «حدائق الجنوب» مجازاً، أسئلة متعددة حول التحولات التي عرفتها المنطقة سياسياً واجتماعياً وعمرانياً، لتكون حدائق بالفعل عوض القول، ونزع الألغام المزروعة.
نفسية صائب، تتجلى في المونولوج الداخلي، حيث يهييء ذاته للتأقلم مع الوضع الجديد، في نهاية سنة 2006. «كل الجدل الذي غطى مرحلة ما بين تاريخ وقف إطلاق النار في الصحراء – من خمسة عشر عاما إلى اليوم- مازال كما هو» ص 8. ومن هنا يصبح الإعلام أقوى رصاص، وتحمل صائب المسؤولية كإعلامي، وبروز مؤهلاته المعرفية والسياسية، وتعايشه مع الساكنة والشيوخ، للتزود بالمعطيات والمعلومات، وهذه أبرز سلوكات الصحافي المتمرس، مما يفسح المجال لذاكرة صائب، حول سنوات الدراسة الجامعية، وكيف أن جماعة «البوليساريو»، كانوا يدرسون بالمغرب، وكان من الممكن أن يتم احتواؤهم لولا الأخطاء السياسية، بعد ذلك تستطيل الفقرات، وتطول نظرا لانشغال السارد بفهم وتفسير الإشكاليات، التي رافقت مشكل الصحراء المغربية ، والتركيز على جدوى الإعلام في هذا الجانب، «ها هي الذاكرة تشتغل لا شعوريا من جديد وكأنها بوصلة أوتوماتيكية تريد له أن يحدد ما عليه القيام به بعد قليل» ص 30.
ولمشروعية مناقشة القضية، ينطلق صائب من التاريخ، ويطعّم الحوار بالحسانية، وشرح الكلمات إذا استدعى الأمر ذلك كحديث صاحب السيارة مع الشرطي، والإعتماد على الذاكرة، وتطعيمها بالأحداث التاريخية، مثل ضياع فرصة 1963. وعدم نسيان أهوال الحرب، وما خلفته الألغام من مآس، ضحاياها الأطفال والشيوخ.
هكذا يستفيد الكاتب سعيد رحيم، من عمل الصحافة، ومتابعته للأحداث عن كثب، مما جعله يعقد مقارنات على عدة مستويات سياسية وتاريخية واجتماعية، وتتجلى هذه الاستفادة في الاعتماد على الوثائق والذاكرة، وتلوين السرد وتقطيعه، حسب طبيعة الموضوع، وارتداء قناع الرأي الصائب، على لسان صائب.
هل نعتبر هذا العمل سيرة ذاتية، تم تحويلها إلى رواية؟ ويتجلى ذلك في الحماس في تناول الأحداث وتصحيحها، والنقاش الدائر حول الاقتناع بأهمية البدائل المطروحة، لكسب رهان الصحراء المغربية.
إن الرأي الصائب، بالنسبة للمتلقي، هو الاطلاع على «حدائق الجنوب» للكاتب سعيد رحيم، للحصول على المتعة والتشويق.


الكاتب : محمد عرش

  

بتاريخ : 08/05/2021