حرب الريف.. الحرب التي صنعت التاريخ ولم تدخله 2/1

„ في حروب الإسبان في المغرب ضد قبائل الريف، خلف إلقاء القنابل من الطائرات نهاية حرب سريعة، وذلك عبر محاولة تفجير القرى، شبه الواحات في المنحدرات الصخرية الجافة والمناطق الجبلية“.
الدكتور هوكو شتولتسنبرك
مذكرات حرب السلاح الكيماوي، حول استراتيجية وخطط السلاح الكيماوي. يونيو 1938

الحرب في المغرب الإسباني أنتجت ما بين 1921-1927 عناوين بارزة. غير أنه ــ باستثناء الدول المشاركة فيها ـ  قد أصبحت شبه متوارية في النسيان. فقد بقي هناك جانب غير معروف تماما ، والذي ظل أنذاك مهملا أيضا في تقارير المراسلات أو مكتوما:  لقد كانت أول „ حرب كيماوية جوية“ في التاريخ، حيث استعملت القوى الاستعمارية إسبانيا و فرنسا ولأول مرة الأسلحة الكيماوية بشكل منظم عبر الطائرات والقنابل ضد القبائل الريفية المناضلة من أجل الحرية والاستقلال تحت قيادة عبد الكريم .  علاوة على ذلك : فحرب الريف كانت أول اشتباكات عسكرية حسمت من خلال استعمال الغازات السامة. وهذا ينطبق أيضا على الحرب الإيطالية ـ الإثيوبية لسنة 1935/1936. لكن الأن ظهر أن الاستخدام الناجح للأسلحة الكيماوية في شمال المغرب لم يكن عابرا ، وإنما كان نموذجا سريا لاستعمال الغازات السامة اقتدى به الجيش الإيطالي في شرق إفريقيا.
الحالة الثالثة لاستعمال أسلحة كيماوية محققة للنصر هي حديثة جدا: حرب الخليج ، حيث أجبرت العراق عبر هجومات كيماوية إيران على الهدنة في صيف سنة 1988 ، ما جعل النصر يأتي سريعا. كيف تقيم العراق نفسها كقوة من خلال أسلحتها الكيماوية ، يبدو في استعراضها التهديد العلني سنة 1990، باستعمال أحدث دخيرة كيماوية كجواب في حالة تدخل غربي في العالم العربي . هكذا يمكن لهذه الدراسة حول الحرب في المغرب المساهمة أيضا في فهم المشاكل الراهنة وروابطها التاريخية.
لقد لعبت ألمانيا دورا هاما في إنشاء ، تطوير وانتشار الأسلحة الكيماوية في القرن العشرين، فالمساعدة الألمانية في استخدام الغاز في المغرب الإسباني أثناء العشرينيات كانت حلقة وصل هامة بين الأسلحة الكيماوية المتطورة للحرب العالمية الأولى والثانية . فهذا التقليد يبدو أنه لم ينته، كما يبدي الارتياب المعلل بمد العراق أو كمثال للمساعدة الألمانية على بناء مصنع الأسلحة الكيماوية في السنوات الأخيرة في رابطة ـ ليبيا. من ليبيا يمتد خط عائد إلى الحرب الإسبانية قديما في مغرب الحماية . هناك أقيم أول مصنع للغازات السامة على التراب الإفريقي وتم تشغيله . إسبانيا وقفت في مقدمة سبعين سنة تقريبا من تقاليد التصدير الألماني للأسلحة الكيماوية، ليبيا كانت ربما في النهاية.
عثرنا على هذه المادة „ تاريخ أول حرب جوية كيماوية „ أثناء بحثنا المتواصل منذ سنة 1980 عبر فحص شامل للأسلحة الألمانية الكيماوية البيولوجية ما بين سنة 1919 و 1954. فالمقاطع المعروضة هنا ما كان لها أن تتم لولا مساعدة الدكتور ديتريش شتولسنبرك، الذي وضع مع كثير من الصبر رهن إشارتنا دفاتر ملاحظات أبيه و رسومات أمه.
كما ندين بالشكر خاصة للمتخصصين، الذين أمدونا، في ما يتعلق بالأسئلة عن الأسلحة الكيماوية، بإرشادات وشروحات لا يمكن الاستغناء عنها. شكرنا أيضا إلى المتوفى منذ فترة وجيزة المقدم دكتور أ. ماكس بوير، إلى المتقاعد من فترة ، المكلف بالسهر على أرشيف كازبلتس بريلو/ غاوبكما في منستر، السيد كورت همرلا، إلى أرشيف وزارة الخارجية في بون ، إلى أرشيف تكنة كوبلانس، إلى أرشيف فرايبورغ ، إلى أرشيف الدولة في همبورك ، إلى متحف لندن كذلك لجنة الصليب الأحمر الدولية في جنيف على دعمهم .
غير أنه لم يتم الحصول على أي معلومات من جانب المملكة المغربية ، التي طلبنا من سفارتها في بون (آنذاك) المساعدة لعدة مرات. السفارة توصلت قبل كل شيء بالمخطوط للإطلاع على المحتوى ـ كذلك بالمثل وزارة الخارجية الإسبانية في مدريد. في ما يتعلق بوصف وقائع الحرب المعهودة في المغرب والأحداث السياسية في الريف وحوله ( مادامت لا تتعلق بألمانيا) نتبع إلى حد بعيد دافيد . س. وولمان، فعمله المتميز عن „المتمردين في الريف“ Rebels in the rif لسنة 1968 لم تتجاوزه الدراسات الحديثة ايضا.
عند إعادة بناء حرب الغازات السامة في الريف كان علينا تقريبا الاعتماد على المصادر الألمانية فقط ، أما الوثائق الملائمة للحكومة الإسبانية والقوات المسلحة فإنه لم يتم، للأسف، حتى الآن الكشف عنها.  لكن وجهة نظرنا ، جوهريا، لا يمكن بهذه المستندات تحقيق أي تصور آخر لهذه الحرب . بالنسبة لبيان حالة الأرشيف في إسبانيا وسيرورة التشريع نشكر بوجه خاص البرفسور أنجل فيناس من وزارة الخارجية في مدريد. “ تاريخ حملة المغرب“Historia de las Campanas de Marruecos الرسمي ، الذي أنهاه قسم خدمات التاريخ العسكري 1981 Servicio Hstorico Militar بمسودة المجلد الثالث والرابع ، لا يتضمن إي إشارة إلى الحرب الكيماوية. فهذا الحذف لا يمكن بالضرورة أن يكون سببه المؤلفون. هناك احتمال كبير ، أنه لم تقدم لهم كل ملفات حرب ـ المغرب. نأمل ، أن يكون عملنا حافزا للمؤرخين الإسبانيين، في أفق الكشف عن المزيد من وثائق الأرشيف الموجودة لتقديم تصور شامل عن أول حرب كيماوية جوية.
الإفادات المتخصصة للسلاح الإسباني هي أيضا أقل وضوحا مثل المخطوطات، فقد تتبعنا آثار الموردين والخبراء الألمانيين، من أجل تكملة المعلومات المكتسبة عبر التأمل الشخصي، هكذا في La Maranosa ، قرابة ساعة بالسيارة بعيدا عن المركز مدريد، قبل نصف الطريق المؤدية إلى الإقامة الصيفية لملك إسبانيا في أرانخويس بقليل، هناك لايزال يوجد حتى الأن مصنع الأسلحة الكيماوية الكبير، الذي أقيم بين سنة  1922 و1927 تحت اسم Fabricia de Productos Quimicos . من الملاحظ أنه مسجل على الخرائط وفي دفتر التلفون سطحيا، المنشأة تنتمي إلى منطقة عسكرية شاسعة مغلقة، وبذلك فهي عمليا غير متاحة الدخول . على الأقل كانت لاتزال في سنوات الخمسينيات والستينيات ، كما تقول مصادر موثوقة ، تصنع هناك أسلحة كيماوية.
أقل أمل في النجاح أبان عنه منذ البداية البحث عن مصنع الغازات ومحطة التعبئة في مليليا. فالإرشادات المقدمة زهيدة ، لأجل تحديد مكان البنايات التي من المحتمل أنها مازالت في حالة جيدة.
إلى جانب الرسومات والخرائط، هناك العديد من الصور، من بينها الكثير، الذي لم ينشر لحد الأن . فتاريخ هذه الحرب الاستعمارية المنسية والمساهمة الألمانية فيها واضحان. إلى جانب ذلك أفاد في البداية انتقاء الوثائق والمصادر من الشعب المركزية ـ  للجيش ، السياسة الخارجية ، الصحافة والصناعة من حيث وضعها في الترتيب التاريخي المنظم، بأنها تعطي هنا شهادات مساهمين ومراقبين لصورة واقعية لنشاط ودوافع الألمانيين .

1 . نظرة عامة

الحرب، التي صنعت التاريخ ، لكنها لم تدخل التاريخ .
المحادثاث السرية حددت بتاريخ 20 دسمبر 1923، في الساعة الثالثة بعد الظهيرة. المكان: السفارة الإسبانية في برلين. الموظف المقدم بوراس، الذي عين من مدريد في مفوضية العاصمة الألمانية. لم تكن العسكرية الألمانية ممثلة بأقل من رئيس إدارة الفيالق، إذا، (المتنكرون) أعمدة جنرالات الجيش الإمبراطوري ، الجنرال ماجور أوتو هازي . الثالث في المجموعة كان هو الهمبوركي المنتج الكيميائي وثقة الجيش الإمبراطوري في ما يخص مسائل الغازات السامة، الدكتور هوكو شتولتسنبرك. هذا اللقاء كان من المؤكد (كما كان متعمدا) أن يبقى سريا أكثر من ستين سنة ، لولم تكن عادة شتولسنبرك، كتابة مذكرات وتسجيل ذلك، حول المحادثاث دوٌن توريد السلاح إلى جانب الزمان، المكان والأشخاص .
„ كولونيل. ب (يتمنى) كل الكميات الممكنة صفراء (…) وافقت واقترحت مالطا كمكان للتسليم . التكلفة 25000 للطن الواحد“
„أصفر“ استعمله خبير الأسلحة الكيماوية، كاختصار لجملة „ الصليب الأصفر“،  وهي التسمية المتداولة عند الألمان لغاز الجلد „لوست“ في الحرب العالمية. عبر رسم صليب أصفر كانت تتميز هذه القنابل المعبأة بـاسم „ ملك الأسلحة الكيماوية“، وتكون معدة للاستعمال المدفعية. „مالطا“ اقترح شتولسبرك لأسباب تنكرية كمحطة توقف . من هناك يمكن للإنتاج المستورد أن يواصل شحنه بسرعة إلى الضفة المقابلة للمغرب ـ الإسباني ، حيث عليه أن يستعمل ضد قبائل الريف الثائرة.

„كل الكميات الممكنة صفراء“

الرغبة الملحة ـ صفراء ـ للإسبانيين أربعة أيام قبل ليلة عيد ميلاد المسيح لم تكن هذه هي الطلبية الأولى للغازات السامة من الجزيرة الإيبيرية. لكن هذه المرة ، كما تعني عبارة شتولسنبرك ، من أجل أن تسلم كل الكميات المصدرة بصفة عامة. مع الاستعمال الكبير للسلاح الكيماوي „ الأشد حرارة“ .
أنذاك يجب أن يوضع حد نهائي للتمرد في منطقة الحماية، ولمسلسل الهزائم الثقيلة والمخزية، التي كان على القوات الإسبانية لمدة سنتين من الزمن تكبدها . غير هذا تلح القوى الاستعمارية الأخرى على نهاية سريعة لشبح الدولة القومية في المغرب. فالتمرد الريفي كان سنة 1923 قد أصبح تهديدا لكل السياسة الاستعمارية الأوروبية، بحيث أصبحت في الشرق المتوسط تباع مطبوعات ملونة، تبين الزعيم عبد الكريم، وهو يهزم المسيحيين. 2) في نظر فرنسا و إسبانيا ، اللتين تقاسمتا الحماية عن المغرب، يكمن الخطر الكبير في „ وقاحة „ الثوار ، المطالبة بحق الشعوب في الحرية و تقرير المصير،  وهذا ما أعلنته الدول البيضاء من فترة وجيزة في رابطة الشعوب المؤسسة حديثا. فالإعلان عن قيام جمهورية مستقلة للقبائل الريف في بداية سنة 1923 أجج نار المفاهيم الناشئة للقوميات الإسلامية ، من المغرب عبر مصر، الجزيرة العربية ، حتى الهند و بدأت تدفع الشعوب الى الصحوة. التجديد الإسلامي بدأت إنطلاقته ، التي واجهت الوصاية عبر السيادة الاستعمارية الأوروبية ، وهو تطور، يبدو أنه لم ينته حتى اليوم أيضا.


الكاتب : إدريس الجاي

  

بتاريخ : 12/08/2021