في ظل التوتر السياسي المتصاعد بين المغرب والجزائر، ينضاف ملف المياه إلى قائمة القضايا المفتعلة التي تستغلها الجزائر لمحاولة تحميل المغرب مسؤولية أزماتها الداخلية. فبعدما اتهمت الجزائر المغرب بـ»التجفيف المتعمد» للمناطق الحدودية عبر سد قدوسة، تتضح معطيات جديدة تفند هذه الادعاءات، وتكشف حقيقة الأزمة المائية التي تعاني منها الجزائر، والتي تعود بالأساس إلى سوء التدبير الداخلي أكثر من أي عامل خارجي.
ويصل طول وادي كير إلى 433 كيلومتر، ينبع من جبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية وبالضبط من إقليمي فكيك والراشيدية، حيث يجري بالتراب المغربي مسافة تقدر ب 150 كيلومترا قبل أن يدخل التراب الجزائري ليحمل اسم واد الساورة ثم يصب بسبخة المالح في الحدود بين ولايتي بني عباس وأدرار.
واد كير، الذي يتخذ مسارا متعرجا بين جبال الأطلس الكبير في المغرب والصحراء الغربية الجزائرية، أصبح موضوعا لحملة سياسية وإعلامية جزائرية ضد المغرب. وتدعي الجزائر، التي تواجه أزمة مائية خانقة بسبب سنوات الجفاف وسوء إدارة الموارد، أن المغرب تسبب في تقليص تدفق المياه نحو سد «جرف التربة» بنسبة الثلث عبر بناء المغرب سد قدوسة في 2021. غير أن تقارير مستقلة أكدت أن نسبة التراجع لا تتجاوز السدس إلى الثمن، وهو مستوى يتماشى مع القواعد الدولية في تقاسم المياه العابرة للحدود.
وتشير بيانات وكالة الحوض المائي لكير زيز غريس إلى أن سد قدوسة، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 310 ملايين متر مكعب، صمم في إطار مخطط المغرب الشامل للمياه لضمان تزويد مناطق درعة تافيلالت بالمياه الصالحة للشرب والري. في المقابل، تعتمد الجزائر بشكل أساسي على سد «جرف التربة» الذي يعاني من انخفاض متزايد في مستوياته، حيث تراجعت مخزوناته إلى أقل من 150 مليون متر مكعب في 2023، مقارنة بـ400 مليون متر مكعب عام 2010.
من جهة أخرى، فإن الأزمة المائية الجزائرية لها جذور أعمق تتعلق بالهدر الكبير للمياه، وغياب سياسة ناجعة للتخزين، فضلا عن التبخر الحاد للمياه بسبب المناخ الصحراوي. وحسب تقرير البنك الدولي لعام 2022، فإن الجزائر تفقد أكثر من 35% من مياهها الصالحة للاستهلاك بسبب التسربات وسوء صيانة البنية التحتية، بينما تصل هذه النسبة في المغرب إلى أقل من 20% بفضل جهود التحديث.
وعلى عكس المغرب، الذي تبنى سياسة استباقية ببناء شبكة سدود متطورة بلغ عددها أكثر من 149 سدا بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، وتنويع مصادر المياه عبر تحلية مياه البحر التي من المتوقع أن تغطي 50% من الاحتياجات الوطنية بحلول 2030، تعتمد الجزائر على بنية تحتية متقادمة لم يتم تحديثها منذ عقود، مع اعتماد محدود على محطات التحلية التي لم تتجاوز طاقتها الإجمالية 2.3 مليون متر مكعب يوميا، مقارنة بـ3.5 مليون متر مكعب في المغرب منذ 2024.
كما أن الجزائر لم تتردد في استغلال هذا الملف ضمن حربها الدبلوماسية ضد المغرب، حيث أثارت القضية في المحافل الدولية محاولة تصوير المغرب كـ»طرف عدواني»، رغم أن اتفاقيات المياه العابرة للحدود تؤكد ضرورة التشاور والتفاوض بدل اللجوء إلى التصعيد الإعلامي والدبلوماسي.
المغرب، الذي يعاني بدوره من ندرة المياه، لم يبنِ سد قدوسة بدافع سياسي بل في إطار استراتيجية وطنية لضمان الأمن المائي. ومع استمرار هذه الاتهامات، يبقى السؤال: هل ستواصل الجزائر سياسة الهروب إلى الأمام أم ستواجه واقعها المائي بإصلاحات جذرية بدل تعليق أزماتها على شماعة الجار الغربي؟
حرب المياه تشتعل بين المغرب والجزائر.. أرقام تكشف زيف الاتهامات الجزائرية! من السدس إلى الثمن.. تقارير تفند مزاعم الجزائر حول أزمة المياه المفتعلة

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 14/03/2025