حرب رمضان

وهذا دعائي في كل رمضان كلما هلّ هلالُهُ، أقولُهُ بلسان شاعر ديوان «إرادة الحياة» دنياها وعلياها : «ومن تعبدُ النورَ أحلامُهُ يباركُهُ النورُ أنّى ظهرْ» فليبارك الجميع نور الهلال المضيء بجمال النضال ونضال الجمال الذي وحده ينقذ العالم كله لو استجاب لجمال كل أنواع الإبداع الإلهي والطبيعي والإنساني!؟..

 

 

ذات صوم كتبت تحت عنوان: «حرب رمضان»: _وهو مقطع من قصيدة عن حرب أكتوبر منشورة في جريدة ومطبوعة في ديوان:
رمضان أقبل قم بنا يا صاحِ!
نأكلْ ونشربْ بين كلّ نكاحِ!
في نتفة هذا البيت اليتيم بعض من نطفة هذا البيت العظيم لأمير الشعراء:
رمضان ولّى هاتها يا «صاحي»!
مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِ!
لا مفاضلة طبعا ولا منازلة ولا حتى مغازلة في الشعر، أميرِ الكلام وترجمانِ الأشواق وسلطانِ المحبين والعشاق من كلّ المسالك والممالك والآفاق والأذواق.
ولكن في البيتين، المتجاورين والمتحاورين والمتزاورين، ثنائية لا ضدية ولا توافقية، بل هي جماعُ وحدة وصراع حسب القانون الجدلي واجتماعُ الأضداد فيها، بين القيام «قم» إلى الطعام والشراب والنكاح ، وبين «هاتها» بعد «إدبار» الصيام و «إقبال» المدام، المترعة بالبدعة الممتعة والمتعة المبدعة، بالجمال الذي «وحده ينقذ العالم كله» لو استجاب له  ولجميع أنواع الإبداع الإلهي والطبيعي والإنساني وحتى الحيواني. وكما أن الشهر المقبل والمدبر واحد، فالنداء «يا صاح!» كذلك واحد، رغم تعاقب الصوم والنوم والصحو والإفطار بالليل والنهار، لذلك قال يوما أحد اللطفاء والظرفاء على لسان جميع الندماء الحكماء :»إننا لا نشرب إلا لنصحو يا «صاحي!»..
وكذلك الأمر في «حرب رمضان» ما إن «يولّي» صيام النهار –القصير – حتى «يقبل» الإفطارُ – الطويلُ – المساء والليل حتى مطلع الفجر والنهار وهكذا دواليك على مدى الآلام والأيام والإقبال والإدبار طوال الحقب والعصور واقلب الصفحة في سفر الدهور!.. وعلى حد القول الشعبي الحكيم :»يلا جا رمضان كيمشي رمضان ولكن لعمر اللي كيمشي وسعدات اللي صامو بقوامو!».
و»بعيدا عن كثب» من النفاق الاجتماعي أو تملق أي شعور «إيماني» أو «عِلماني» على حظ من الاحترام سواء، ففي هذا الشهر الحرام المباركِ تشتدّ حربُ الطقوس الضّروس، الحامية النفوس كالوطيس، ويتقد لهيبُ المعارك «المستترة البلاء» الخفي الجلاء والجلي الخفاء، طوال الشهر الحرام المباح الطعام والشراب والنكاح والحلال التنابز بالألقاب والأنساب والأحساب و»التدابز» بالأيادي والسباب بلسان الأعراب الطويل والحاد السنان والأسنان، والمعادي لكل أو بعض حقوق المواطنة والإنسان، على حظ من الرفض والبغض سواء. وبالتالي فإن ما يجعل شهر العطش والجوع شبعان وريّان  ليس إلا بهاء «الليالي البيضاء» على حد هذا العنوان الروائي لكاتب «الجريمة والعقاب».
يقبل أو يظهر شهر رمضان قبل رؤية هلاله ويرحل أو يدبر أيضا قبل رؤية هلاله الخصيب الليالي والجديب النهار. ولعله يُشمّ قبل إقباله من خلال النفخ في زمارة «النفار» وصفارة الإنذار وإعلان غُرّة الشهر الفضيل والنفير العام إلى «حرب رمضان» التي تُستنفر فيها كلّ الحواس الممكنة والمستحيلة، المتبّلَة بالحلاوَى، المشمومةِ الروائح، من كل النواحي، والمتيمة والمتْبولة العقل والروح، بحبّ «سعاد» المقبلة، من جوى البعاد إلى هوى اللقاء القريب بالحبيب.
ولا غرو بالتالي  أن يقال إن العقل «المُعلمَن» يكون «عامرا» بجمال الحياة «العليا» أكثر من الذهن الآخر «المُؤليَن» غير «العامر بزّاف» بجمال الحياة «دنياها» و»علياها» على حظ من الرفض أو البغض  سواء.
ما يؤكل في إفطار يوم واحد يعادل «مُونة» شهر كامل، والمعاصي والخطايا التي تقترف فيه «جور ونوي» لا يغسلها صيام أيام أُخَر ولا قيام خيرِ ليلة من ألف شهر ولا غُلوّ بالتالي أن يقال إن الشهر الطَّهور النهار والليالي ربما لم يظهر هلالُهُ بعدُ ولعلَّه كالذي يأتي ولا يأتي ما دامت الحياة لا تزال تُقاسُ بِ «دنياها» ولا تُساسُ ب «علياها» التي لم تقبل بعدُ من «ماضي الأيام الآتية»، ولم ترحل بعدُ إلى مستقبل الأحلام الآنية على الأقل. وما دام لابدّ لي من رسم سيرة يومي الذاتية والغيرية فهي كالتالي: ربما الشهر كلُّهُ يختزلُهُ يومٌ واحدٌ يتكررُ مثل ماء نافورة يجري إلى مستقر له فيها، يتجدد باستمرار ولكنه لا يغادرها إلا ليعود إليها. وكذلك ماء يومي الذي أسبح فيه كل مرة. أجمل اللحظات طرا لحظة الإفطار، التي أنعم فيها بدفء عائلي قلما يجود بمثله بريد الزمان البخيل، ولا يضاهيه كذلك إلا دفء السهر في ركن مقهى مع الأصدقاء الخلصاء، ولا يباهيه أيضا سوى لقاء أخلص الأصدقاء والصديقات أيضا ممن لم تجالسهم في ركن مقهى ولم تصافحهم يدٌ ولا عينٌ، ولم يكاشفهم لسانٌ إلا خلال ليالي السمر الشعري. أما خير جليس وأنيس في كلّ زمان وأيّ مكان، فهو بالطبع  الكتابُ المقدسُ والشريفُ الذي يُهديك صداقات و»صحابات» وصبابات ومحبات هي كلّ ما يتبقى من كل عذابات وخيبات الحياة «الدنيا» التي لم نُدبر عنها بعدُ، وما يتبقى إنما تؤسسه  الحياة «العليا» التي لم نُقبل عليها بعدُ! ولكن، يُخشى أن تكون «إرادة الحياة» –العليا – الآن أمس وغدا، مجرد «سراب بقيعة» وفي قاع كل البقاع، رغم أن القدر استجاب مرارا وتكرارا، ولكن «من لا يحب صعود الجبال يعشْ أبدَ الدهر بين الحفرْ» وبالتالي فإنه «يقنعُ بالعيش عيشَ الحجرْ»! وهذا دعائي في كل رمضان كلما هلّ هلالُهُ، أقولُهُ بلسان شاعر ديوان «إرادة الحياة» دنياها وعلياها : «ومن تعبدُ النورَ أحلامُهُ يباركُهُ النورُ أنّى ظهرْ» فليبارك الجميع نور الهلال المضيء بجمال النضال ونضال الجمال الذي وحده ينقذ العالم كله لو استجاب لجمال كل أنواع الإبداع الإلهي والطبيعي والإنساني!؟..


الكاتب : إدريس الملياني

  

بتاريخ : 12/04/2022