حزن قديم..

 

 

 

 

لم يتلاشَ ضباب تلك الظهيرة
أذكر … كانت لك ضفيرة
أذكر ..كانت لك رائحة
كشاطئ جزيرة عائمة
كفجر قصيدة جامحة
مَدَّنِي صبي بورقة
كنتِ من بعيد ترقبين دم القراءة
فقط بضع كلمات
” لا تسل عني بعد اليوم…
قدري أن أكون لغيرك”
أذكر أني خبأت الذهول
في جيب سترة الروح
أذكر أني رفعتُ عينيَّ…
رأيتك أخر مرة تلفظين ظلي الحزين
تخطوين خطو اليقين وتمضين…
أول مرة لا تلتفتين…
رأيتك آخر مرة تفتكين بسري
وحين اختفيت اختفى بهائي
من مكان ما أتى الآخر….
سيارة مرقمة بباريس…
وسترة جلدية وعطر صندل…
من وراء البحر أتى الغريب
كثير من الهدايا والخفايا
ثم ضوضاء ليلة عرس في الزقاق
استنزفت كل صبري وأغواري
ولم نلتق بعدها سوى أنباءً…
خبر هنا وهناك…
أطفال يكبرون…
عطلك… حكايات وشهادات
هل أجبروك… لا أدري…!
وها نحن تجاوزنا عمر الغواية
وتطلبين موعدا في حانة الحكاية…
نعم…! من ناصية الدرب إلى لوعة الحانة…
لم تغيرك باريس العطور والديجور
فقط.. كنتِ… حالمة بالعبور..
لكن شخنا… وتغيرت عاداتنا…
ما عدنا كما كنا…
نعشق في صمت المواعيد
نتزوج من نحب وللقهر نكيد
ألم تري كيف فينا الدهر تجلى…؟
يا ظل الوجع والصبا…!
يا سيدتي…! لم تعد لنا حكاية…
ماذا سنقول لو التقنيا…؟
هل سنتحدث عن الحياة التي لم نعش؟
هل مازالت قصائد امرؤ ابقيس تغري…؟
في ذاك الزمن الذي اختفى…
كنا نخلط الشعر بالشعير…
كنا نعجن الرغيف بمحيا الزقاق…
كنا نتعلم العشق من المذياع…
كنا نبكي لموت الممثلين…
كنا نخفي جوعنا برائحة مطابخ الجيران…
كنا لا نجيد قطف فاكهة العشق…
نراها على التلفاز…لا غير…
فنتفرق صخبا كالقطعان…
لو التقينا عمَّ سنتحدث يا هاته…؟
فإني مازلت عالقا هدير سيارة
مرقمة بباريس قدرية…
أذكر… أنها حملتك بعيدا عن أحلامي…
أذكر… أن يدا ما سرقت مني…
ربيع الأسرة وكل الاستعارات..
“”””””””””
وجلسنا … جلسنا كما قررتِ
كم هي شاحبة عيناك…!
أهو الليل البارد أم زحمة الكؤوس…؟
أهي الغفوة الهاربة حين تغدو حلما…؟
ماذا فعلتْ بك روح نوتردام….؟
وكالعادة… يهرب مني مد البوح…
لم أجرؤ على سؤال النهاية…
لم تجرؤ على سؤال البداية…
فقد كانت امرأة محطمة…
دخنتْ نصف علبة في ساعة…
رممتْ شرخا ما بأكثر من قدح…
ولأني الرجل الذي ظل حزينا
منذ مدني الصبي بنص قصير
غير الطريق والصباح والمساءات
ولأني مذ مدني الصبي بنص قصير
جمعت كل بقايا مواعيدي اليتيمة
لأني مازلت أحتفظ بالرسالة…
سألتها عن الأبناء وعن آلام الأرملة…
سألتني عن زوجتي وعن الكتابة..
سألتني عما بقي من صخب حينا القديم…
سألتني عن كل شيء…
حتى عن نوع طقم أسناني…
عن أدويتي وعللي
وتناست أشعاري وأجراسي…
تحاشت أن تسألني عن أسراري…
هي تعلم أنني أجيد المبيت في العراء
حين تغفو السطوح رفقة القمر
حين تدنو السماء من الأطفال
ثم قالت” لمَ لمْ تسل عني…؟”
أقسم أن المرأة كوكب غريب…
تتغير خرائطه كل حين
يبدو مألوفا كالأرض…
وهو غامض متحول الفلك والمجرات…
قد تكون مجرة وحولها فقط السديم
كانت فقط امرأة تجدد العنفوان
بظلال حب قديم…
كانت امراة خائفة من غربة المحطات…
تطرد وحشة العمر بقديم الحكايات…
كانت امرأة بلغت الستين…
تقيس بقية فتنة بقلبي العليل…
أما أنا…
فقد نسيت الصبي الذي اختفى
قيل هاجر …
قيل بين الأمواج غفا…
وظل في حلمي يحمل ورقة…
يضحك للتي أرسلته خلسة
أصابعه على شفتيه حائرة
آه…! لو يعلم… أنه مثلي
ضحية خيبة ومعنى…
ومزقت الورقة اللعينة…
وأخيرا استطعت أن أنساها..
حين تحرر الروح والبوح..
من صخب عرس تلك الليلة…


الكاتب : خالد أخازي

  

بتاريخ : 06/12/2024