حسن طارق: تكريم نعيمة سميح هو احتفاء بالمساحة المشرقة التي توحد ذاكرة ومخيال أجيال من الشعبين الشقيقين

سفارة المغرب بتونس تحتفي رفقة نخبة البلدين بالفنانة القديرة نعيمة سميح،

احتفاء وتكريما  للفنانة نعيمة سميح، صدر عن منشورات سفارة المغرب بتونس، كتاب تحت عنوان: “نعيمة سميح أثرا تونسيا”، الذي يدخل ضمن سلسلة “غبطة الجوار” التي تصدر عن السفارة المغربية .
الكتاب الذي يضم شهادات لعدد من الأسماء الإعلامية والفنية والرياضية بكل من المغرب وتونس في حق صاحبة البحة الشجية نعيمة سميح.
عن هذا التكريم كتب حسن طارق، سفير المملكة المغربية بالشقيقة تونس في تقديمه لهذا الكتاب، أن نعيمة سميح هي قصة تونسيّة كذلك، ويقر حسن طارق أن في القصة الكثير من الحب والعشق والوله .
وللحب بداياته الآسرة دائما كما كتب، ويشرح أن ذلك كان في منتصف الثمانينيات عندما ستقرر مؤسسة السكك الحديدية التونسية دعوة الفنانة المغربية لإحياء احتفالية بمناسبة ذكرى تأسيسها .ذلك أن هذا الاسم كان قد بدأ في بناء أسطورته الصغيرة خارج حدود المغرب والإعجاب العارم بالبحة الشجيّة كان يسري في عروق الجماهير التونسية التي اكتشفت الصوت النادر عبر الإذاعات وقليل من التسجيلات التلفزية .
ما كان ينقص، يقول طارق، هو فقط شرارة الإعلان عن حب يبدو كبيرا والشرارة المشتعلة كانت في حاجة فقط إلى اللقاء الأول . وكان اللقاء عظيما على صورة الحب الكبير الذي سيجمع من يومها بين الفنانة المغربية وجمهورها التونسي .
التفاصيل التي يمكن إعادة تركيبها من شهادات من حضر لسهرة القبة ( قبة المنزه بقصر الرياضة في العاصمة)، يضيف السفير حسن  طارق، تجتمع كل مقومات اللقاء الغامض الذي يصنع علاقة سحرية  بين جمهور عاشق ونجم يقيم بين الأرض والسماء .
ولعلها بقيت إحدى السهرات الخالدة في الذاكرة الجمعية لأجيال من التونسيين الذين يمكنهم استعادة أجوائها كما لو كانت التأمت قبل أسبوعين أو شهر في مقاطع الفيديو التي تحتفظ بها شبكة الانترنت من الحفل تبدو نعيمة سميح فوق المنصة وهي تدبر، بالإضافة إلى خجلها الفطري أمام جمهور حاشد، دهشة واضحة تجاه تحول الجماهير الحاضرة إلى كورال رهيب يردد معها في تجاوب مثير كلمات أغنيتها الخالدة “جريت وجاريت»، حيث الملامح تكشف بجلاء وقع المفاجأة السعيدة على الفنانة التي لم تتركها موجة التصفيقات الترحيبية بالكاد تنطلق فى الشدو ..، يقتصر هذا الاستقبال  الرائع ابتسامة واسعة من الفنانة التي تنحني لتحية الجمهور من جديد  قبل استئناف متجدد للأغنية التي تكتشف أنها قد سبقتها إلى قلوب التونسيين
لا تتغير زاوية التصوير كثيرا لمشاهدة كيف امتلأً المكان عن آخره بمحبي نعيمة سميح، لكننا، يضيف، نسمع جيدا هديرا بشريا في كامل تجاوبه مع المطربة التي تبدو ملامحها في زاوية كبرى بشكل نكاد نعثر داخلها على خليط سحري بين مشاعر الانتشاء والخجل، الارتباك والتألق، التوتر والسعادة .
بعد هذا اللقاء الفارق ستعود نعيمة سميح إلى تونس وخاصة إلى الموعد الاستثنائي في الأجندة الفنية التونسية «مهرجان قرطاج الموسيقي «، لكن اللقاء الأول، يقول حسن طارق، كان كافيا لتحتفظ الفنانة لتونس بمكانة خاصة في قلبها، ولتحتفظ تونس للفنانة بمكانة خاصة في ذاكرتها ولتتحول أغنية ”ياك أجرحي» إلى ما يشبة عنوانا أبديا لهذا الحب الكبير .
هل هي مجرد أغنية؟ يتساءل السفير حسن طارق، ويجيب، هي أكثر من ذلك بالتأكيد، لعلها نشيد تحول  معها نعيمة سميح الشجن طربا؛ وتصنع من الجرح الإنساني النازف طاقة من السعادة الغامرة أو لعلها  دربة الفن على التسامي بالحزن نحو مدارج التجلي والفرح .
وهي الأغنية المغرقة في الانتماء المغربي؛ من حيث النص والكتابة والتعبير ومن حيث اللحن والايقاعات والتوزيع التي تحولت إلى أغنية تونسية بقوة التماهي الجماهيري مع سحرها الآسر..
يكفي أن يعتلي فنان مغربي منصة تونسية ليواجه بطلب عاصف لتأدية «جريت وجاريت» هذا الطقس المتكرر، يقول حسن طارق، يعكس لوحده كيف صارت نعيمة سميح أيضا تكثيفا فنيا لأواصر المحبة التي تجمع الشعبين المغربي والتونسي، ودليلا إضافيا على غبطة الجوار الثقافي والفني والروحي الذي يربط المغرب وتونس
فى المغرب كما جاء في تقديم هذا الكتاب، لم تكن نعيمة سميح مجرد مطربة متألقة، كانت حالة ثقافية وتعبيرا عن روح جديدة تسكن الدولة الوطنية الحديثة والمجتمع المتطلع نحو الحداثة، لقد صار اسمها مرادفا لولادة الأغنية العصرية النسائية ولولوج المرأة القوي للفضاء العام  وما قدمته من أغان وموسيقى وكلمات في قالب عصري جديد محمول على أمواج وشاشات وسائل الإعلام الجماهيري الجديدة، يقول السفير حسن طارق، كان في العمق تعبير فني يعكس انبثاق مجتمع جديد بملامح ثقافية مغايرة وبتمثل مختلف للهوية الوطنية المتجهة نحو المستقبل .
كان المغرب المستقل حديثا يتطلع إلى سبعينيات القرن الماضي على إيقاع أسئلة وتحولات تهم الدولة والمجتمع والثقافة؛ ولم يكن داخل المغرب أكثر من الدار البيضاء إثارة واستيعابا لهذه التحولات كما يرى طارق، وداخل الدارالبيضاء لم يكن هناك أكثر من درب السلطان تكثيفا للتحولات الحضرية والاجتماعية والثقافية التي تخترق المجتمع المغربي .
لذلك وفق ما كتبه حسن طارق، ليس صدفة أن تظهر نعيمة سميح داخل درب السلطان وبالضبط داخل أكثر روافده العمالية شعبية، حي بوشنتوف،  لتكون واحدة من الأصوات الفنية والثقافية والرياضية والسياسية والأدبية التي ستشكل خميرة المغرب الجديد وهي تصهر روافد ثقافية مختلفة وتقاليد فنية متنوعة؛ وتستقبل موجات من كل ثقافات العالم وآدابه وأفكاره وموسيقاه؛ لتصنع ما هو عليه المشهد الثقافي والفني والأدبي في المغرب الحديث .
وفي تونس؛ ستحمل نعيمة سميح – من خلال انتشارها الجماهيري الواسع- أحد عناوين المشترك الثقافي والجمالي والفني بين بلدين مغاربيين يقتسمان الكثير من دوائر الانتماء الحضاري والتاريخي ويجمعهما أفق الحداثة والتقدم .
لذلك يقول سفير المملكة المغربية بالشقيقة تونس، يمثل الاحتفاء بنعيمة سميح من خلال مساهمات تونسية ومغربية احتفاء بهذا المشترك الثقافي والفني وبهذه المساحة المشرقة التي توحد  ذاكرة ومخيال أجيال من الشعبين الشقيقين .
والكتاب محاولة لرصد الأثر التونسي لنعيمة سميح عبر شهادات لإعلاميين وكتاب وموسيقيين وفنانين وشعراء من تونس والمغرب » وهو قبل ذلك وبعده تخليد للحظة اعتراف وتكريم ومحبة لفنانة كبيرة يقول حسن طارق سفير صاحب الجلالة بتونس.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 31/07/2021