حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان» -10-

الشريف يتحدث عن الموندول وتسمية لمشاهب وملابسها التي سرقت في تونس

 

نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال
بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…

خلال حوار مطول معه أجريناه بجريدة الاتحاد الاشتراكي ، تحدث مايسترو لمشاهب الفنان الكبير، الشريف لمراني، في حلقات يومية، عن حياته وبدايات عزفه ودراسته وعن لمشاهب وتأسيسها وأفرادها واحدا واحدا، كما تحدث عن الغيوان وجيلالة والحياني وغيرهم من الفنانين، وعرج على موضوع الأغنية الغيوانية، وهل وصلت إلى العالمية المرجوة، كما تحدث عن الإكراهات التي واجهت لمشاهب محاولا تشخيص الأعطاب ووضع تقييم عام للفرقة التي خلدت أعمالا رائعة ستظل موشومة في الموسوعة الثقافية العربية والإنسانية .
اخترت في حلقتين أن أبسط أمام القارئ ما تطرق له الفنان الشريف، لكن سأترك ما سيكتب كما هو وكما جاء على لسانه في حينه، أي في بداية هذه الألفية وبالضبط في سنة 2001، حيث سنتطرق في هذا الجزء إلى لباس لمشاهب وتداريبها واسمها وإلى بعض الطرائف، ونترك مواضيع أخرى إلى الجزء الثاني:
فكرة اللباس نبعت من اسم لمشاهب نفسه، فهذا الاسم المغربي مشتق من اللفظ العربي «الشهب» أي قبس من النار الملتهبة، لذلك ارتأينا أن يكون شعارنا ممثلا في طريقة لباسنا، وهكذا عملت بنفسي على تصميمه النهائي، ثم إن والدتي، رحمها الله، هي التي قامت بخياطة اللباس الأول الذي ظهرنا به، وظل هذا الشعار يتكرر في الألبسة الطويلة، التي نلبسها شتاء أثناء حفلاتنا، وفي الألبسة القصيرة التي نرتديها في الصيف خصوصا، بل إننا في بعض الأحيان صممنا أحذية بنفس الشكل، كما أننا كنا ننظم أنفسنا بطريقة معينة حتى في الوقوف أمام الجمهور حيث نعتمد شكل نصف دائرة، كانت طريقة مدروسة تسمح لكل واحد منا أن يرى زملاءه، فمحمد باطما، رحمه الله، يكون دائما في الوسط لكنه متأخر وبهذه الطريقة يرانا جميعا، وأنا وحمادي نكون في الجانبين الأيمن والأيسر والشادلي والسوسدي قريبان منا. هذا الشكل، بالإضافة إلى كونه يجعلنا أقرب إلى بعضنا، يضفي أيضا جمالية على المجموعة، وحتى من ناحية الإنارة نكون مرتاحين.
وتجدر الإشارة إلى أن آلة «الموندول» تناسب شكلنا، بل إننا نعتبرها العضو السادس في الفرقة ولا يمكننا أن نستغني عنها، لأنه في هذه الحالة كأنك تقول لي استغن عن فرد من أفراد المجموعة أو عن اسم لمشاهب، إن نغمتها تختلف كثيرا عن نغمة القيثارة ونغمة البانجو وآلات أخرى، لأن صوتها خاص ومتميز، وهي في الحقيقة ليست «موندول»، فآلة الموندول لها حجم صغير وهي آلة جزائرية تتوفر على ثماني وترات مزدوجة، بينما صممت أنا آلة مخالفة نسبيا وأطلقت عليها اسم موندولون سيل، تتوفر على تسع وترات، أي أنني ابتكرت جوابي الخاص «نوتة الصول» وهي الوترة التاسعة، ثم إن حجم هذه الآلة أكبر من الموندول ويدها أعرض وصندوقها أكثر غورا، وقد تطلب مني صنع هذه الآلة حوالي ثمانية أشهر لجعلها استثنائية من حيث الصوت والنغمات·
وقد ابتكرت لها ميكروفونا صغيرا لتعطي النغمة التي أريد، فعادة ما تتوفر نوتة الصول على وترتين، أما أنا فقد أضفت وترتين أخريين، إحداهما ثالثة والأخرى نوتة «سي» لتعطي نغمة حادة ونغمة فخمة، في نفس المستوى الموسيقي، وهو ما يسمى في علم الموسيقى ب «اوكتاف»، وأنا الآن في طور إضافة روتوشات أخرى جديدة من شأنها إضافة نغمات أخرى لها خصوصياتها· وبطبيعة الحال فإن كل هذا كان الهدف منه هو ما حققناه ويعرفه الجمهور، أي إقامة توزيع صوتي بين اطراف المجموعة منسجم فيه ما هو فخم وما هو حاد وما هو بين بين… إلخ، فكل مغن كما هو معروف يغني في المقام الصوتي الذي يرتاح فيه، ونحن نراعي ذلك،
وأحيانا نضطر إلى تغيير اللحن حتى يناسب المقام الذي يرتاح فيه كل واحد. هذا هو سر اختلاف الأصوات وتناغمها، فنحن لا نغني بطريقة عشوائية بل بطريقة منظمة ومتكاملة·
أما على مستوى التداريب، فقد كنا في البداية نتدرب بأحد الأندية بحي روش نوار قرب نادي ناس الغيوان، كنا نجتمع هناك، وكان البختي محمد هو المكلف بالمجموعة في ذلك الوقت، كان كل واحد من أفراد المجموعة يأتي بقصيدة معينة ونستمع إليها إما ملحنة أو في شكل كلمات، عند الاستماع نبدي ملاحظاتنا ونضيف ما نراه ضروريا أو ما سيضفي جمالية أخرى على القصيدة، أعمل أنا على توزيع نغماتها الموسيقية ومراعاة المقام الذي يغني فيه كل فرد، أما الآن فلم تعد تداريبنا بالشكل الذي كانت عليه بحكم التجربة التي اكتسبناها ونقيم التداريب هنا في بيتي. نسيت أن أذكر، بمناسبة الحديث عن اللباس، حكاية وقعت لنا بتونس، حين كنا نقوم بجولة غنائية هناك·
فمباشرة بعد الانتهاء من إحدى السهرات كانت الآلات مع الملابس ومكبرات الصوت في سيارة خاصة بنقل أدوات السهرة، وتمت سرقة كل الآلات وحتى الملابس، وقد توجهنا إلى كل مخافر الشرطة وسجلنا شكايات بها، وبعد أيام قليلة، كنا في ملعب كرة القدم نتابع مباراة محلية في تونس، وكنا نجلس في جانب من الملعب الذي كان غاصا بالجمهور، رأينا «لمشاهب» هناك في الجانب الآخر، أي أن بعض الشباب كان يشجع وهو يرتدي لباسنا الذي سرق منا، لكننا لم نستطع فعل أي شيء، ومن ضمن ما سرق منا آلتي «الموندولين» التي وجدتها بعد سنة من التاريخ الذي سرقت فيه، فقد بحثت عنها كثيرا وفي إحدى المرات جاءني شاب وأخبرني أنه لم يستطع ضبط وترات إحدى الآلات فقلت له أن يأتي بها ولما أحضرها وجدتها آلتي فأخبرته بما جرى، فرفض أن يأخذ الثمن الذي اشتراه بها وتركها لي…


الكاتب : n العربي رياض

  

بتاريخ : 22/03/2024