حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان» -11-

الشريف : عزفت للجمهور في السابعة من عمري، وبعض المنظمين ظلموا

لمشاهب واستصغروا الفنان المغربي

 

نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال
بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…

في هذا الجزء الثاني من هذه الحلقة، بسافر بنا الفنان الكبير الشريف لمراني إلى موضع آخر، هذه المرة يسهب الحديث عن وضعية الفنان والظروف التي يشتغل فيها والمعاملة التي يتلقاها من المنظمين وغيرهم، ويتذكر تاريخ تعلمه الموسيقى وعلى يد من تعلمها، لن أطيل، وكالعادة سأترك ما سيكتب كما هو وكما جاء على لسانه في حينه، أي في بداية هذه الألفية وبالضبط في سنة 2001:
هل تعلم كم كان عمري عندما عزفت للمرة الأولى فوق الخشبة؟ كان عمري لا يتجاوز سبع سنين· عزفت مع والدي رحمه لله الذي شغل لمدة إحدى عشرة سنة منصب مدير دار إذاعة مدينة وهران الجزائرية إبان مرحلة استعمارها، كان ذلك وقت الحاج العنقا وآخرين· وفي الوقت نفسه كان والدي يقيم حفلات رفقة واحد وعشرين عازفا على الكمان، وكان من ضمنهم الفنان المشهور بلالي الهواري والمرحوم بنزركة وفنانون آخرون· وبما أنني ازددت بمدينة وهران الجزائرية، فقد درست الموسيقى على يد الفنان المرحوم احمد وهبي· إذن في سن السابعة من عمري صعدت إلى الخشبة وأنا أحمل «موندلين» صغيرة·
والمسألة تعود الى الموهبة في البداية ثم إلى التكوين في ما بعد، ولا دخل لوالدي في ذلك رغم احترافه الموسيقى، لأنه ببساطة كان يريد مني أن أواصل دراستي· ومع ذلك فقد تابعت دراستي بفرنسا أولا في الاقتصاد خلال سنتين، ثم ثانيا في كل من الغرافيزم والموسيقى، وها أنا الآن في المغرب كما ترى، وبطبيعة الحال لست نادما، فقد حققنا على الأقل شيئا على المستوى الفني، ومازلنا ننوي ونطمح إلى إعطاء المزيد، فلا يمكن القول إن كل شيء انتهى اليوم· هناك دائما البحث عن الجديد ومحاولات تطوير التجربة· وهذا نجده في جميع البلدان وأخبركما أنني الآن بصدد إدخال تعديلات جديدة على الآلة الموسيقية لتتلاءم مع تصورنا واتجاهنا الجديدين في الغناء· الآن رجع كل من الشاذلي وحمادي إلى المجموعة، ولاحظنا كيف تفاعل الجمهور المغربي خلال السهرات في كل من أكادير وآسفي معا· بالنسبة لجمهور مدينة آسفي لم أكن أتصور ذلك الحماس والحب اللذين استقبلنا بهما· وكذلك الأمر بأكادير، فقد تعاطف الجمهور بطريقة رائعة معنا· لكن أريد أن أتحدث عن أمر مهم في هذا السياق، وهو يعكس العقلية التي مازال يتعامل بها بعض المسؤولين عن المهرجانات· فقد كان مقررا أن نحضر إلى المهرجان مقابل مبلغ مالي معين· وبالفعل توجهنا قبل الحفل بيوم واحد، لكننا فوجئنا بعدم ورود اسمنا ضمن لائحة المشاركين· وأمام استغرابنا تدخل أحد المسؤولين وقال لنا إذا أردتم المشاركة فلا مانع لدينا»، وأمر بمبلغ مالي يقل بكثير عن ذلك المتفق عليه، هذا في الوقت الذي أعطوا لأحد المطربين المصريين أكثر من ستين مليون سنتيم· ناهيك عن الفندق المقيم به وتخصيص فتيات لاستقباله· إن ذلك يعكس القيمة التي يعطيها هؤلاء للفن المغربي وللفنان· وأنا اتفق مع موقف الفنانة نجاة اعتابو الذي هو في الحقيقة موقف وطني، واحتجاج على عقلية بعض المسؤولين «كانت اعتابو في السنة التي أجرينا فيها الحوار مع الشريف، قد قامت باحتجاج كبير على تصرف بعض المنظمين للحفلات تجاه الفنانين المغاربة حيث يعاملونهم بدون تقدير»· ورغم ذلك فعندما صعدنا نحن إلى الخشبة كان الجميع يرقص ويغني· بل إن هذا الفنان المصري نفسه طلب عند نهاية السهرة أن يأخذ صورة تذكارية معنا وعبر عن إعجابه بطريقة غنائنا·
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها فنانون مغاربة لمثل هذه الممارسات المخجلة في وطنهم· فمثلا ما وقع للفنان باكو بمهرجان الصويرة· ففي الوقت الذي طالب فيه بحقه المشروع، أي بتعويض يليق بفنان مغربي له صيت ومعروف، لجأ المسؤولون إلى إقصائه نهائيا وكأن الأمر عادي· فضلا عن الوسائل وأدوات العمل والفضاءات التي لا تكون في مستوى إقامة حفلات غنائية· في الوقت الذي يختلف التعامل حين يتعلق الأمر بمطربين قادمين من الشرق وغيره·
فلست أدري ما سبب هذه الازدواجية في التعامل، وتزداد هذه «الفضائح» سنة بعد سنة أمام غياب تضامن فعلي بين الفنانين المغاربة لمجابهة كل ما من شأنه أن يحط من كرامتهم ولا يحترم فنهم· لما كنت في تونس اتصل بي بعض الفنانين لأتعامل معهم· بل أكثر من هذا طلب مني أن ألحن لبعضهم وبمجرد ما ابتدأت العمل مع هؤلاء، حتى أقام مختلف الفنانين في الجمهورية زوبعة كبيرة· ووجهوا مجموعة من الانتقادات إلى كل من تعامل معي بدعوى أنهم تركوا ملحنين من بلدهم وتوجهوا إلى ملحن غريب، بقدر ما آلمني ذلك بقدر ما غبطت الفنانين التونسيين على التضامن الحاصل بينهم…
غالبية الفنانين المغاربة أعطوا الشيء الكثير لكن عوملوا بمنتهى القسوة، من الناحية المعنوية أو المادية، فأغلب الفنانين يتكفل بدفنهم ومساعدتهم على العلاج في آخر أيامهم إما القصر أو المحسنون·
ونحن نعلم أن الفنانين المغاربة تحولوا غير ما مرة إلى مناضلين وقدموا تضحيات كبيرة من أجل بلدهم ومثلوها خير تمثيل· أتذكر أننا كمجموعة أمضينا في أواخر السبعينيات رفقة الثنائي الساخر بزير وباز ما يزيد عن شهر في أقاليمنا الصحراوية نحيي حفلات لجنودنا المرابطين هناك، ونرفه عنهم، وقد حدث أن أقمنا حفلا في إحدى الثكنات وكان الجو بيننا وبين الجنود حميميا للغاية، وفي اليوم الموالي أخذنا أحد الضباط وذهب بنا إلى الثكنة المذكورة فوجدناها مدمرة، وتوفي بعض الجنود بداخلها، ولما استفسرناه عن السبب قال لنا بأن العدو ظن أن الحفل يقام في تلك اللحظة التي استهدف فيها الثكنة، وكان يريد أن يلحق بجنودنا أكبر الخسائر، لكن «حفظنا وحفظكم لله»·


الكاتب : n العربي رياض

  

بتاريخ : 23/03/2024