حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان» 14 : حكايات تروى لأول مرة على لسان رواد «الغيوان»

نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…

فكرة تأسيس فرق غنائية أو مجموعات غنائية داخل المغرب ظلت موضع لبس وحامت حولها مجموعة من علامات الاستفهام، فهناك من أعطى للمسألة بعدا أسطوريا وربطها بمعطيات سياسية، وهناك من أدرجها في صنوف «البطولة « وأعطى تأويلا كون إحداث ناس الغيوان جاء كنوع من التمرد على الصديقي، أستاذ الجميع وعنده تعلم الجميع حب التراث لكن هناك جوانب كان لا يتقبلها بعض الممثلين من أستاذهم، ما دفع بوجميع إلى تأسيس فرقة غنائية ومسرحية في نفس الوقت ( لذلك كان أفراد الغيوان عند ظهورهم يقولون «نحن مسرحيون نغني ولسنا مغنيين بصريح العبارة وما نقدمه هو جزء لا يتجزأ من المسرح») لكن بمناهج مختلفة عن منهج مسرح الصديقي، المعتمدة على الصرامة والانضباط وغيرها من القوانين التي كان يعتمدها الرجل في عمله، أي أن هذه الفرقة ستعتمد المرونة والحوار وتقبل الرأي الآخر وما إلى ذلك.. وتقول الحكاية ضمن هذا التأويل بأن الصديقي كان قد قاد فرقته إلى فرنسا لتقديم عروض مسرحية مختلفة، وكان أعضاء الفرقة يبيتون في المسارح التي سيقدمون فيها العرض وبمصروف يومي بسيط، وذات يوم جاء أحدهم بجريدة فرنسية لبوجميع ليطلعه على كنه حوار أجراه الصديقي مع الصحيفة، قال فيه إن أعضاء فرقته المسرحية هم بمثابة فئران تجارب لبحوثه المسرحية، الأمر الذي أغضب الممثلين وقرروا الاحتجاج على الصديقي كل بالنهج الذي يراه مناسبا، كعدم المشاركة في أعماله وغيرها من ردود الفعل، إلا أن بوجميع كان له رأي آخر فقد أقنع الجميع بأن الرد على الصديقي يجب أن يكون فنيا وليس شيئا آخر، موضحا لهم أنهم فنانون وصاحب المقولة فنان وله التزامات في هذه الجولة، لذلك وجب أن يكون الرد في الركح، وبالفعل كذلك كان، فالصديقي كان هو بطل العمل وله حوارات طويلة ومتعددة، فما كان من بوجميع إلا أن طلب من الممثلين خلال المسرحية أن يلقوا حواراتهم بسرعة مفرطة لإرباك الطيب الصديقي، وهو ما حصل إذ أحس الطيب بإرهاق شديد وفهم بأن هناك ما يخفيه عنه تلامذته، وكرر ما مرة « آش كاين آش درت لكم « ؟ لم يجبه أحد، وفي الكواليس أخذ بوجميع على جنب وسأله عما يجري وهو يعلم بأن بوجميع له تأثير على أفراد الفرقة، فأجابه الأخير بكل تفاصيل الحكاية معاتبا إياه عما قاله للجريدة، فطلب منه الصديقي أن يتحدث للممثلين ليعيدوا الحوارات والنصوص إلى طبيعتها، واعدا إياه أنه سيشرح للجميع حقيقة الأمر عند نهاية العرض المسرحي، وبالفعل استجاب الممثلون لطلب الصديقي الذي أوضح لهم بالملموس بأن العبارة ليس هو صاحبها، بل هي اجتهاد من الصحفي حيث اتصل في ما بعد بالجريدة وصحح الخطأ الذي اقترفه الصحفي.. وتذهب الحكاية إلى أن العلاقة مع الصديقي انتابها شيء من الفتور ما دفع بوجميع والعربي باطما إلى المكوث في فرنسا، بعد عودة الصديقي وفرقته إلى المغرب، ليقررا بعد تفاصيل عاشاها هناك ( سنأتي على ذكرها في وقت لاحق )، تأسيس فرقة غنائية على شاكلة المجموعات العالمية التي ظهرت في تلك الحقبة …
هذه الرحلة كان لها الدور البارز في خلق مجموعة ناس الغيوان، أو بمعنى أصح الفكرة كانت موجودة ومتداول بشأنها لكن القرار لم يتخذ بعد وقد تم اتخاذه في فترة تواجد العربي وبوجميع بفرنسا .. فرغم أن العربي وعمر وبوجميع كانوا يغنون في الأعمال المسرحية للطيب الصديقي، وكذلك في « كافي تياتر «، ورغم عبارات الاستحسان التي كانوا يتلقونها من لدن الجمهور والمتتبعين، إلا أن فكرة تأسيس فرقة موسيقية لم تكن تخطر ببالهم، بدليل أن عمر السيد ظل يردد الكورال لدى الجوق الجهوي للدارالبيضاء، في أفق أن يصبح مطربا، قبل أن يتدخل بوجميع ويقنعه بالعدول عن فعل ذلك وبأن ينضم إليه ويصاحبه إلى المسرح ..يقول عمر السيد: «لقد انضم علال إلى مسرح الطيب الصديقي قبلنا أنا والعربي وبوجميع، وكان الزوغي هو من تحدث مع الصديقي بشأننا وبشأن محمد مفتاح، بدأنا نشتغل بالفرقة التي تضم مصطفى باخا والتاجر وبوجمعة لوزاي ، بدأ الصديقي يوظف ما نغنيه في مسرحياته، وبالطبع نحن من كنا نؤدي هذه الأغاني، ساعتها لاحظت التجاوب والتجانس بين صوت العربي وصوت بوجميع ، ولكني اكتشفت أيضا أن تفكير بوجميع يختلف تماما عن تفكير العربي، فالأول عقلاني حداثي والثاني غيبي روحاني، وبدا هذا الاختلاف عندي يأخذ تأكيده مع مرور الوقت خاصة على مستوى كتاباتهما وبعض مناحي مقارباتهما الإبداعية، فكل واحد منهما له تصوره وتوجهه، وقد كان اختلافا حقا غنيا ومثمرا ولعل خير دليل هو ما تركاه من أعمال»، يضيف عمر في حديثه عن هذه الفترة، «ذات مرة وأنا أتحدث مع الصديقي تكلمت بإعجاب شديد عن العربي باطما، فطلب مني أن أدعوه إلى الفرقة، هكذا التحق بنا العربي عند الصديقي ليصبح من العناصر الأساسية في فرقته وقد غنينا الصينية في تلك الفترة( أي قبل التأسيس)، وهي الأغنية التي كتبها العربي وأتمها بوجميع، بحكم التقارب والانسجام والتجاوب بيننا خاصة على مستوى الأصوات بفعل ماكنا نقدم مع الصديقي الذي يعد مدرسة تعلمنا منها مبادئ التمثيل، واستعمال مقدوراتنا الفنية، فكر الأخير أن يقيم ما يعرف ب « كافي تياتر «، حيث أصبحت أنا والعربي وبوجميع نغني فيه وكان يحضر معنا الفنان أحمد السنوسي والحسين بنياز وعبد القادر مطاع والبرمكي وأحمد الناجي، وثلة من المسرحيين الذين كانوا يشجعوننا ويدعموننا، وللتذكير فأول ثنائي أسسه بزيز كان مع مطاع، وقتها طرح علينا هذا الأخير فكرة تأسيس فرقة غنائية على شاكلة « البيتلز «، تكون منفصلة عن المسرح وقد أقنعنا بجدواها وأهميتها، وبأن ما ستقدمه سيعجب الجمهور وسيتجاوب معه بشكل كبير ، أخذنا كلامه على محمل الجد وتركنا الفكرة تختمر» ..
ملاحظة : سبق للأستاذ البختي أن صرح بأن صاحب الفكرة هو الفنان محمد الناجي الذي كان لصيقا بمطاع وبالغيوان لكني اعتمدت كلام رئيس مجموعة الغيوان لأنه موثق ومسجل عندي، لكن رأيي أن الفكرة قيلت بحضور الاثنين وظل واحد منهما يلح على تفعيلها، والذي لن يكون إلا مطاع بحكم علاقته القوية كثيرا ببوجميع وعمر والعربي والممثل محمد مفتاح الذي يعد أقرب المقربين لبوجميع.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 27/03/2024