شهدت الساحة الثقافية، في الآونة الأخيرة، نقاشا عموميا مفتوحا حول حال اتحاد كتاب المغرب ومآله نتيجة تعميم مجموعة من البيانات باسم مكتبه التنفيذي، يسعى بعضها إلى ضمان استمرارية قيادة الاتحاد رغم أنف الجميع وخارج القواعد المؤطرة للمنظمة الثقافية العريقة ولأخلاقيات العمل الثقافي. والملاحظ أن الجوانب القانونية نالت النصيب الأوفر من هذا النقاش إذ تم الاستناد إلى المقتضيات القانونية بشكل وجيه أحيانا، وبأشكال متعسفة أحيانا أخرى، بهدف ضمان مشروعية الحديث باسم المكتب التنفيذي والدفاع عن قراراته المتخذة. وقد أدى صدور البيانات والبيانات المضادة باسم المكتب التنفيذي إلى اتساع الهوة بين الرئيس والأغلبية المطلقة لأعضاء المكتب التنفيذي. الأمر الذي يحتم على جميع الأطراف الاحتكام لما ينص عليه القانون الأساسي، بشكل صريح، من أجل توفير الشروط السليمة للإعداد لعقد المؤتمر الوطني الاستثنائي، وبالتالي العمل على إخراج اتحاد كتاب المغرب من أزمته المصطنعة.
لقد كان مثيرا، خاصة بعد الندوة التي عقدها الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي حول اتحاد كتاب المغرب، وبعد المبادرة التصحيحية للأغلبية المطلقة داخل المكتب التنفيذي، خروج رئيس اتحاد كتاب المغرب ببيانات تتضمن مغالطات قانونية وادعاءات لا أساس لها من الصحة، مستغلا عدم اطلاع الرأي العام على وثيقتي القانون الأساسي والقانون الداخلي للاتحاد، وممارسا هوايته المفضلة في لي أعناق النصوص القانونية بما يخدم هواه ويغطي على منزلقاته الكثيرة التي تشرف على نهايتها. ورفعا لكل مغالطات وادعاءات زائفة، آثرت أن أقدم قراءة موضوعية في القانونين الأساسي والداخلي لاتحاد كتاب المغرب، خاصة المقتضيات المتعلقة بالرئيس والمكتب التنفيذي، مساهمة مني في تنوير الرأي العام الثقافي حول حدود الصلاحيات والمهام المنوطة بكل منهما.
وقبل الدخول في تفاصيل المقتضيات القانونية، ينبغي التذكير بأن المسار القانوني لاتحاد كتاب المغرب، بوصفها منظمة ديمقراطية وحداثية، حرص على تعزيز القيادة الجماعية والتدبير التشاركي للمنظمة الثقافية التي ظلت في طليعة القوى الوطنية الوفية لثقافة الاختلاف والمناهضة للفكر الواحد. ولذلك، كانت قوانين اتحاد كتاب المغرب، إلى حدود مؤتمره الوطني الثامن عشر، تنص على انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي دفعة واحدة، ليقوم بعد ذلك هذا الأخير بانتخاب الرئيس من بين أعضائه. غير أن الممارسة أثبتت أن الاختلاف في وجهات النظر بعض الأحيان، وأن النرجسية والبحث عن الزعامة أحيانا كثيرة، كانت عوامل أدت إلى تغلغل السلوك الانقلابي داخل قيادة اتحاد كتاب المغرب. فآلية انتخاب المكتب التنفيذي من طرف المؤتمر جعلت كل أعضائه يتمتعون بنفس الشرعية، وجعلت انتخاب الرئيس من طرف المكتب التنفيذي رهينة بتوفر الأغلبية داخله وبضمان استمرارية هذه الأغلبية. الأمر الذي يضع الرئيس واستمرارية رئاسته لاتحاد كتاب المغرب تحت رحمة باقي أعضاء المكتب التنفيذي الذين متى صنعوا أغلبية جديدة انقلبوا على الرئيس الذي انتخبوه سابقا.
إنها الحالة التي عاشها اتحاد كتاب المغرب بعد المؤتمر الوطني السابع عشر مع حدوث الأزمة داخل قيادته وتبادل الاتهامات بين الرئيس وأعضاء المكتب التنفيذي الذي انتخبه بخصوص حالة الجمود التي سهدتها المنظمة الثقافية آنذاك. ونتذكر جميعا القرار الذي اتخذه المكتب التنفيذي، في اجتماعه بتاريخ 24 أكتوبر 2009، والقاضي بإقالة عبد الحميد عقار من مهمته بصفته رئيسا لاتحاد كتاب المغرب. ولا يهم في هذه الواقعة أن نحدد حجم الخلافات وطبيعة الدوافع ومدى توفر العوامل الموضوعية أو الأنانيات المفرطة، بل الأهم أن نستحضر أحد الاعتبارات التي أسس عليها آنذاك أعضاء المكتب التنفيذي قرار إقالة الرئيس، وهو كون «المكتب التنفيذي هو الذي ينتخب رئيس اتحاد كتاب المغرب»، وكون اجتماعه «يكون قانونيا بحضور أغلبية أعضائه» (الفصل 9 من القانون الأساسي للاتحاد)، و»يتخذ قراراته بالأغلبية» (الفصل 8 من القانون). ويتشكل هذا الاعتبار من شقين قانونيين مختلفين: يتعلق الشق القانوني الأول بمبدأ توازي الأشكال الذي يحيل إلى أن «المكتب التنفيذي هو الذي ينتخب رئيس اتحاد كتاب المغرب»، والذي يفيد بأن المكتب التنفيذي له الحق في إقالة الرئيس على غرار حقه في الانتخاب؛ بينما يرتبط الشق القانوني الثاني بمشروعية وقانونية القرارات التي يتخذها المكتب التنفيذي والتي يقرنها أساسا بتحقق شرط الأغلبية.
ما وقع بعد هذه الواقعة، أن عضوات وأعضاء اتحاد كتاب المغرب، في المؤتمر الوطني الثامن عشر المنعقد سنة 2012، اتفقوا على تغيير الشق القانون الأول بإقرار انتخاب الرئيس من طرف المؤتمر العام وليس من طرف المكتب التنفيذي، والإبقاء على الشق القانوني الثاني الذي يؤكد على ضرورة اتخاذ قرارات اتحاد كتاب المغرب من طرف أغلبية المكتب التنفيذي. وما نستنتجه من المقتضيات القانونية الجديدة التي أقرها المؤتمر الوطني الثامن عشر خلاصتان أساسيتان:
الخلاصة الأولى تتمثل في تنصيص القانون الأساسي على انتخاب الرئيس من طرف المؤتمر الذي يكون يحقه له، ولوحده، إقالته إعمالا لمبدأ توازي الأشكال، مما يحمي الرئيس المنتخب من أهواء ونزوات أعضاء المكتب التنفيذي والتفكير في مخططات معينة للانقلاب عليه، وبالتالي ضمان شروط الاستقرار لقيادة المنظمة الثقافية؛
والخلاصة الثانية تتجلى في تعزيز مبدأ القيادة الجماعية لكل أعضاء المكتب التنفيذي أو معظمهم من خلال إقرار مبدأ الأغلبيته المطلقة، احترازا عن أي استفراد للرئيس بتدبير شؤون الاتحاد أو تسلطه على المكتب التنفيذي أو اتخاذه للقرارات بشكل منفرد.
إنها حكمة التدبير المتوازن التي تحمي الرئيس من سطوة المكتب التنفيذي، وتحمي اتحاد كتاب المغرب من تسلط الرئيس والاستفراد بتدبير شؤونه من خلال إلجامه عن ممارسة السلطة المطلقة التي تقع على النقيض من ثقافة الاختلاف وفكر التعدد التي ناضلت من أجلها المنظمة الثقافية العتيدة.
فالقانون الأساسي لم يفرد بابا أو فصلا خاصا بصلاحيات أو مهام الرئيس، ولم يتحدث الباب الثالث منه عن صلاحيات الرئيس، بل حمل عنوانا واضحا لا لبس فيه: «المكتب التنفيذي وصلاحياته ومهام أعضائه». وتضمن هذا الباب الفصل الحادي عشر الذي يحمل عنوان: «مهام أعضاء المكتب التنفيذي»، ويتطرق فيه لبعض صلاحيات الرئيس بوصفه عضوا في المكتب التنفيذي (تمثيل الاتحاد لدى السلطات الإدارية والقضائية، إدارة مجلة «آفاق»، توقيع المراسلات والاتفاقيات، رئاسة الاجتماعات، تنسيق العمل). وينص هذا الفصل بشكل صريح، لا يقبل المزايدة اللغوية والقانونية، على أن للمكتب التنفيذي صلاحيات واسعة تتجاوز الرئيس إذ يتخذ المكتب التنفيذي قرار تجميد مكاتب الفروع، ويتلقى طلبات الاستقالة من عضويته، ومن عضوية المجلس الإداري، ولجنة العضوية والتحكيم.
أما باقي الأبواب والفصول من القانون الأساسي، فتنص بعبارات واضحة على الصلاحيات الواسعة للمكتب التنفيذي:
يوزع المهام فيما بين أعضائه، ولا يوزعها الرئيس (الفصل الثامن)؛
يتخذ قراراته بالأغلبية المطلقة، ولا مجال لأي قرار منفرد للرئيس (الفصل الثامن)؛
يسهر المكتب التنفيذي على تنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر العام، وليس موكولا هذا السهر للرئيس وحده (الفصل العاشر)؛
يهيئ القانون الداخلي للاتحاد، ولا يهيئه الرئيس لوحده (الفصل العاشر)؛
تقدم طلبات العضوية أو الاستقالة إليه، ولا تقدم حصريا إلى الرئيس (الفصل الثالث والفصل الرابع)؛
يحق له وللجنة العضوية والتحكيم أن يتخذا قرارا بالأغلبية لتجميد أو إلغاء العضوية، ولا وجود لأي دور حصري للرئيس في هذا الأمر (الفصل الرابع)؛
دعوة المجلس الإداري للاجتماع مرة واحدة في السنة على الأقل، أو لدورة استثنائية بناء على طلب أغلبية أعضاء المجلس الإداري، ولا حق للرئيس أن يقوم بالدعوة من تلقاء نفسه (الفصل الثاني عشر)؛
يعد مشروع البرنامج الثقافي ومقترح الميزانية لعرضهما على المجلس الإداري للمصادقة (الفصل الثالث عشر)؛
تقدم طلبات تأسيس الفروع إلى المكتب التنفيذي الذي يمكنه مراجعة التسيير المالي والاطلاع على الأنشطة الثقافية للفروع بصفة منتظمة (الفصل الرابع عشر) …
إنها نماذج من المقتضيات الكثيرة التي يتضمنها القانون الأساسي فيما يتعلق بالصلاحيات الواسعة للمكتب التنفيذي، والتي تؤكد على ضرورة التدبير الجماعي لشؤون اتحاد كتاب المغرب. فأين نحن من هذه الضوابط القانونية، ومن المقتضى القانوني الوارد في الفصل العاشر من القانون الأساسي لاتحاد كتاب المغرب والذي ينص على إعداد المكتب التنفيذي للتقريرين الأدبي والمالي لعرضهما على المؤتمر، حين يتم الإصرار على التوجه نحو عقد المؤتمر الاستثنائي بطريقة تحكمية تقصي أغلبية المكتب التنفيذي، وأي مصداقية سيكون لعرض التقرير الأدبي في غياب إشراك الكاتب العام، وعرض التقرير المالي في غياب إشراك أمينة المال، وإشراك باقي أعضاء المكتب التنفيذي؟
إن القانوني الداخلي للاتحاد، المؤسس على مقتضيات القانون الأساسي، يؤكد بدوره على ضرورة تكريس المقاربة الجماعية والتشاركية في تدبير شؤون المنظمة الثقافية. فالفصل الثاني والعشرون من القانون الداخلي يقر، بصريح العبارة، على أن «المكتب التنفيذي هو المسؤول عن اتحاد كتاب المغرب فيما بين المؤتمرين. يتخذ قراراته بالأغلبية، وتكون ملزِمة لأعضائه الغائبين بعذر أو بدونه. ولا يحق لأي عضو غائب من داخل المكتب أن يطعن في قراراته».
وبناء على كل ما سبق، من الواجب على مثقفات ومثقفي اتحاد كتاب المغرب صيانة صورة المنظمة الثقافية التي ظلت في طليعة المدافعين عن دولة القانون والمؤسسات. ومن واجبهم المبادرة إلى مواجهة الاستهتار بالمسؤوليات، ورفض أساليب الاحتيال والادعاءات، ووقف هدر الزمن الثقافي الذي عمر طويلا خدمة لنزوات عابرة مصيرها التبخر. فالأزمة الراهنة التي يعيشها اتحاد كتاب المغرب تقتضي القطع مع الأنانيات المفرطة والمزاجيات القاتلة، والحرص على التطبيق السليم للمقتضيات القانونية التي ستظل المدخل الحقيقي لاستعادة المبادرة الثقافية. وتقتضي حكمة التدبير المتوازن العمل من أجل إيجاد حل جماعي مسؤول يصون المنظمة الثقافية العتيدة من النرجسية المقيتة، النرجسية التي بلغت حدا لا يطاق حين بدأت تجاذل في وطنية المثقفات والمثقفين وأدخلتها في المزايدات الفارغة والمجازفة. فقد آن الأوان ليستعيد اتحاد كتاب المغرب مكانته داخل المجتمع، وفي الفضاء الثقافي العام، مترافعا عن التنوير والتحديث والتقدم والتنمية الشاملة. والخطوة الأولى نحو استعادة هذه المكانة الإنصات لصوت العقل، وتبديد أوهام الزعامة بترك التشوف إلى المفقود، وحدوث الوعي بأولوية المصلحة العامة للمؤسسات على المصالح الضيقة للذوات.
عضو اتحاد كتاب المغرب