يوم 22 شتنبر، سيتم قص شريط الدورة 18 لمهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة. شخصيا واكبت العديد من دورات هذا المهرجان. وهو مهرجان يمنح الفرصة للمرأة خلف الكاميرا، لكي تحدثنا عن تفاصيل دقيقة تعيشها في هذا العالم الذي يزداد تمزقا، بل في عالم أصبحت التكنولوجيا هي التي توجه قيمه وبوصلته.
بكل تأكيد سنطرح السؤال التالي: هل ما يقدم في فيلم سينمائي، وهو من توقيع نون النسوة، قد نجد فيه بعض السرديات المجتمعية غير مدركة من طرف الرجل؟ أم السينما في نهاية المطاف هي سينما إنسانية سواء أكانت من توقيع عين نسائية أم عين رجالية؟.
سؤال طرح بشكل عام في مجال الشعر والرواية والقصة القصيرة والتشكيل، الخ، أي طرح في مجال الكتابة ككل، وهناك من انتصر لكتابة نسائية تخص النساء، وهناك من رأى أن الكتابة الإبداعية في نهاية المطاف، هي كتابة إنسانية تخصهما معا، وتطرح الأسئلة نفسها وبعينين مختلفتين، لكنهما في العمق عين واحدة وهي عين الإنسان. وهناك من رام توجها آخر جمع بينهما، أي أن حقيقة الإبداع هو فعلا إنساني، خصوصا حينما يتعلق الأمر بقضايا بيئية تهدد الإنسان، أو حينما يتعلق الأمر بقضايا الحروب والجوع، وأسئلة أخرى تهم حياة الإنسان ككل، في هذا العالم الذي تهيمن عليه التكنولوجيا، وربما قد تسحب البساط من تحت قدمي الرجل والمرأة، ويصبحا عاريين، في حضارة تسمى اليوم بالحضارة العارية، حيث لم نعد قادرين على العيش في أمكنة حميمية تحفظ حرمة الإنسان كإنسان، بل أصبحنا مهددين بزرع كاميرات قريبة من عين النملة، من الممكن أن تزرع في أماكن ذات بعد حميمي واجتماعي، الخ.
في اعتقادي المتواضع، فعالم اليوم، وفي قضاياه الكبرى التي تهدد الإنسانية، خصوصا على مستوى البيئة والحروب والمجاعة والتكنولوجيا، الخ، فهي قضايا إنسانية كبرى تلتقي فيها إبداعات نون النسوة وما يخطه الرجل من كتابات وإبداعات. لكن وفي تفاصيل وسرديات مجتمعية دقيقة، قد تلتفت المرأة إلى ما يخصها، هي كأنثى، خصوصا في المجتمعات الذكورية التي لازالت لم تمنح للمرأة حقها الطبيعي في التعلم والشغل، الخ، بل قد تنبهنا إبداعات النساء، خصوصا على مستوى السينما، إلى ما تعيشه المرأة في بعض الحالات التي تخصها مثل حالة الطلاق، في مجتمع ذكوري، ينظر للمطلقة بنظرة دونية. بل أكثر من هذا فهناك العديد من تفاصيل الحياة هي- في نظري – لا يمكن فهمها خارج عين نسائية.
صحيح، فمن الممكن القول، إن ما طرحته قبل قليل، قد طرح بعين رجالية في أفلام نسائية سينمائية تنتصر للمرأة وتدافع عنها في المحاكم، وتخلخل العديد من التصورات الذكورية لفائدة المرأة، الخ، لكن وعلى الرغم من كل هذا فقد تطرح لنا المخرجة في فيلم ما بعض القضايا التي من الصعب أن ينتبه إليها رجل في حياتنا المجتمعية، لاسيما في ظل عالم يتحرك بسرعة، وتقوده التكنولوجيا التي طردت هذا الإنسان الذي صنعها، من المعمل والمصنع، ومن مواقع عديدة في هذا العالم.
من هنا تأتي أهمية تخصيص مهرجان دولي لفيلم المرأة، بمدينة تاريخية، مثل سلا، المجاورة للرباطـ عاصمة الأنوار بالمملكة المغربية. هذا المهرجان الدولي الذي وصل لدورته رقم 18، قد يكون فرصة لبوح النساء من خلال الكاميرا، وبالتالي قدرتهن على التقاط تفاصيل مجتمعية في إفريقيا أو في العالم العربي أو في آسيا أو أمريكا، أو في أي منطقة من مناطق هذا العالم الذي نعيش فيه. من الممكن للعين النسائية أن تنبهنا إلى بعض قصصها التي لا يمكن أن تروى إلا من خلالها، لكي تفهمنا العالم بلغة مغايرة وبلغة غير تلك التي من الممكن أن يقدمها رجل.
صحيح أيضا فرؤيتها ورؤية رفيقها في الحياة، تكتملان في العمق، وبالتالي يتحقق البعد الإنساني للإبداع. وصحيح أيضا أنها ومن خلال حكاية فيلمها، قد تخلخل العديد من مظاهر السكيزوفرينيا المجتمعية الذكورية، إذ من الممكن مساءلة الأرقام على مستوى الاشتغال داخل الحقل السينمائي، وغيره، لكي نتمكن من معرفة كيف أن وفي العالم، لا زال الرجال يهيمنون على العديد من المهن المنتسبة لفن السينما، بالمقارنة مع النساء، وهو ما يجعل هذا العالم غير إنساني في تفاصيل مهنية عديدة، وهو العالم الذي يدعو إلى المناصفة وتمكين المرأة من كافة المهن.
داخل أروقة هذا المهرجان التي يقدم فيها منظمو المهرجان فقراته المتعددة، من الممكن التأكد من حقيقة شرعية تخصيص مهرجان لنون النسوة على مستوى ما يقدم من أفلام، وبالضميرين معا، على مستوى بقية الأنشطة الفنية والثقافية الأخرى. فبوح المرأة وبلغة الصورة، وفي اعتقادي المتواضع، قد ينبهنا إلى بعض التفاصيل المجتمعية والوجدانية والمعيشية التي تهم المرأة في مجتمعها، بما في ذلك المجتمعات المتقدمة مثل الغرب. تفاصيل قد تلتقطها المرأة وهي خلف الكاميرا تخصها، هي، وربما عاشت أسرارها أو قد تكون شاهدة على كواليسها، الخ.
تخصيص مهرجان دولي لفيلم المرأة وفي بعض الدول ومن مواقع مختلفة، يؤكد بالملوس، أنه فعل أو مقاربة تروم تمكين المرأة بسرد تفاصيل متعددة وبعينها، لعل العالم ينصت إليها، ولعل المدرسة تعيد النظر في طبيعة ما يقدم من صور للمتعلم، قد نجد فيها الأم وابنتها في زاوية الظل والأب وابنه (ابنهما) في زاوية الضوء، مما يجعل المدرسة أحيانا تعيد إنتاج نفس الخطاب الذكوري، وهنا، تأتي شرعية دفاع المرأة عن ذاتها وابنتها، وبلغات فنية متعددة لخلخلة عقلية المدرسة/المجتمع ككل.
نعيش اليوم في عالم الصورة. بها تتأسس اليوم العديد من التمثلات. وبالتالي الاشتغال على العديد من القضايا المجتمعية، التي تخص المجتمع خصوصا في عالمنا العربي والإفريقي والأمريكي اللاتيني والأسيوي، أو في دول ما يسمى ب”العالم الثالث” أو الدول السائرة في طريق النمو، مثل قضايا المساواة، والحق في الشغل، والتعلم والحضانة، الخ، لابد من الإنصات إليها، وبلغة الصورة ذات العين النسائية. ربما لها لمسة غير تلك التي قد يملكها رجل مخرج طرح في فيلمه نفس القضية المجتمعية.
وفق ما سبق، تأتي قيمة التراكمات التي حققها مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة. فبجانب دبلوماسية الفن، والتعريف بالعديد من التحولات التي تعيشها المملكة المغربية، وفي مجالات عديدة تشهد عليها العديد من المدن والقرى المغربية، من طنجة حتى لكويرة، وهي دبلوماسية تساهم فيها جمعية أبي رقراق المؤسسة لهذا المهرجان، ومنذ عدة عقود، فهناك حاجة ماسة لهذا المهرجان الوحيد في المغرب، بجانب مهرجانات شبيهة له قليلة جدا في العالم. هو مهرجان متخصص في فيلم المرأة، أي فيلم تقف خلف كاميراه، امرأة قد تكون متزوجة أو مطلقة أو متفرغة للسينما أو موظفة في حقل آخر لا صلة له بالفن، وعلى الرغم من كل هذا، وحتى وإن كتب السيناريو رجل، فهي هنا تعطي لفيلمها لمسة نسائية تخصها، تعبر عن وجدانها، بل تعبر عن رؤيتها لذاتها وللآخر وللعالم ككل.
من هنا تأتي قيمة مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة بالمغرب، ولما يقدمه من فقرات متنوعة تلامس فيها المرأة العديد من انشغالاتها المجتمعية، بلغة المعرفة والسينما والجمال.
حول مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة بالمغرب في الحاجة إلى بوح النساء السينمائيات

الكاتب : د. الحبيب ناصري
بتاريخ : 22/09/2025