نظم مختبر الدراسات القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بشراكة مع المعهد العالي للصحة بسطات ومختبر الدراسات والأبحاث القانونية والسياسية الدولية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس والرابطة المغربية للبحث العلمي والحق في الصحة والجمعية المغربية للتخدير والإنعاش ومعالجة الألم، ندوة دولية حول السيادة الصحية والحماية الاجتماعية، إسهاما وانخراطا في النقاش العمومي الراهن والمفتوح على إثر ما خلفته جائحة كورونا، وطنيا إقليميا ودوليا، من آثار وخيمة، إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي. وبالرغم من التدابير المتخذة من لدن السلطات العمومية لمواجهة هذا الوباء الفتاك، ووضع صعب وقاس غير مسبوق وغير منتظر فرض نفسه على جميع بلدان العالم، أبان عن هشاشة النظم الصحية في توفير الأمنين الصحي والاجتماعي الملائمين خاصة على مستوى القارة الإفريقية. وضع طرح نفسه للمساءلة والتفكير في المجالات الحيوية ذات الضرورة القصوى من طرف الخبراء والفاعلين في الحقل العلمي الأكاديمي لمقاربته من زوايا تخصصاتهم وللنقاش والتداول في نواقصه وأعطابه مع عرض النتائج والمخرجات والتوصيات التي يجب أن تعتمدها الدولة تجسيدا للإرادة الملكية ومساهمة في تصحيح وتجويد العرض الصحي والاجتماعي.
وقد عرفت هذه الندوة مشاركة واسعة لأساتذة وخبراء وطلبة باحثين بسلك الدكتوراه يشكلون ويمثلون جهات من المملكة والخارج، حيث انطلقت فعاليات الندوة بجلسة افتتاحية ترحيبية ضمت كل من رئيس الجامعة وعميدة الكلية ومدير المعهد العالي لعلوم الصحة ومديري المختبرات والجمعيات المشاركة.
انطلقت الجلسات والورشات العلمية بمداخلات متنوعة تعتمد كل من اللغة العربية الفرنسية والإنجليزية، انصبت الندوة على مقاربة ثلاثة محاور. المحور الأول: السياسات والحكامة الصحية، نحو التغير أو البقاء على نفس الوضع، المحور الثاني ناقش السيادة الصحية بإفريقيا والمغرب: الوسائل والاستراتيجيات. المحور الثالث، قارب موضوع البحث العلمي في مجال الصحة ،الإضافات والمعيقات، وتفرعت عن هذه المحاور أسئلة شكلت مواضيع لست جلسات عامة وورشتين لطلبة باحثين بسلك الدكتوراه، أبانوا عن مستوى عال من النقاش والتفكير، وهو ما أضفى على هذه الندوة خصوصية في خلق مجال علمي للنقاش يعتمد حقولا معرفية متنوعة وبمستويات مختلفة وبمسؤولية تستحضر البعد المواطناتي .
وشكلت هذه الندوة قيمة مضافة حيث عرفت تفاعلا ونقاشا مستفيضين بين كل المتدخلين وكذلك الطلبة الباحثين، حيث تم من خلالها استخلاص مجموعة من التوصيات مساهمة وتتويجا لأشغالها التي تروم تطوير منظومتي الصحة والحماية الاجتماعية بالمغرب خاصة وإفريقيا عامة، علما أن المغرب خطا خطوات متقدمة نحو تعميم الحماية الاجتماعية.
مداخلات هذه الندوة العلمية سيعمل المنظمون على نشرها في كتاب جماعي يضم مساهمة جميع المشاركين لتوثيقها واعتمادها مراجع لكل المهتمين علميا والمسؤولين للاستنارة بها تقنيا استجابة للإرادة الملكية والبحث العلمي.
خلاصات وتوصيات الندوة دعت إلى ضرورة مواكبة كل شرائح المجتمع والمؤسسات العمومية لتحقيق الورش الملكي المهم المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية وضرورة تفعيل السجل الاجتماعي الموحد وإلغاء نظام المقاصة، مع الحد من عدم انسجام عمل المؤسسات التي تتكلف بالحماية الاجتماعية والعمل على إعادة تأهيل بعضها خصوصا تلك المؤسسات التي تعرف صعوبات مالية.
ودعا المشاركون إلى التفكير في ورش الحماية الاجتماعية على أنه ليس ببرنامج بل هو سياسة عمومية طويلة الأمد تحتاج لرؤية واضحة وتعمل على تجاوز كل الاختلالات التي عرفتها البرامج الاجتماعية السابقة، ضرورة التنزيل الفعلي على المستوى الوطني والإفريقي للحق في الصحة، تأهيل البنية القانونية والتشريعية والتحتية في مجال الصحة، وتحسين الإجراءات الإدارية لضمان الولوج للخدمات الصحية والحماية الاجتماعية بكل الدول الإفريقية، مع العمل على المشاركة الفعلية وليس المشاركة الصورية في المواثيق الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان، ضرورة إعادة النظر في التعاون الدولي عامة والإفريقي خاصة على المستوى الصحي، على اعتبار أن الدول العظمى في العالم لم تستطع تأمين نفسها من الوباء العابر للحدود، كما أن الانتشار المفاجئ لمرض معدي أو أزمة صحية يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع الدولي.
وشدد المشاركون على أن احتضان المغرب المناظرة الإفريقية الأولى للحد من المخاطر الصحية بمراكش دليل على اعتماد المغرب مقاربة جيواستراتيجية جديدة في إطار شراكة جنوب -جنوب تقوم على التضامن والتعاون وخدمة المصالح المشتركة. وأوصت الندوة بضرورة الاستثمار في العنصر البشري للنهوض بالتنمية المجتمعية على أساس أن التنمية تستوجب حماية اجتماعية هذه -الأخيرة هي المدخل الأساسي لضمان الأمن الصحي الداخلي، مع ضرورة رقمنة المجال الصحي بالمغرب، وخفض أثمنة العلاجات غير الضرورية وتشجيع الفحوصات الطبية عن بعد. التأكيد على الموارد البشرية لأنها المدخل لنجاح مشروع الحماية الاجتماعية، وكذلك وضع نظام تحفيزات مشجعة للأطر الصحية لتفادي هجرتها الأمر الذي سيعزز جاذبية قطاع الصحة العمومية بإفريقيا … وسجلت الندوة تباين الفاعلية بين القطاع الصحي العام والخاص، كما أوصى المشاركون بضرورة تجريم الأفعال التي تضر بالبيئة وبالتالي تؤثر على الأمن الصحي، كما يجب على الخريطة الصحية أن تكون واقعية والعمل على تطوير طريقة تدبير القديم وتعزيز الطب الأسري والطب الجماعاتي وتوظيف موارد بشرية كافية، مع تحسين القدرة التفاوضية لوزارة الصحة .
وناقش المشاركون إشكالية هجرة الأطر الصحية إلى الخارج أو إلى القطاع الخاص وتشجيع الأطر الخارجية للدخول إلى المغرب، وبناء تعاون فعال بين القطاع العام والقطاع الخاص، مع الزيادة في الميزانية المخصصة للقطاع الصحي، والإسراع في تفعيل التأمين الإجباري عن المرض والرفع من التمويل عبر الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وكذلك تقوية قيم التضامن والعمل على إشاعتها بين المواطنين ودعوتهم إلى عدم ربط المساهمات باستفادة الآخر، وتجميع وتجسير منظومة التكوين بين كليات الطب والمدارس والمعاهد العليا، ووضع ترسانة قانونية لتنظيم العلاقة بين القطاع العام والخاص، وأيضا وضع قوانين التجسير بين موظفي القطاع العام والقطاع الخاص مع الرفع من جاذبية القطاع العام بالإضافة إلى تعزيز اللاتمركز الإداري مع خلق إطار جديد لتنزيل الخدمات الطبية الاستعجالية، وتعزيز دور الجماعات الترابية في مجال الصحة والحماية الاجتماعية من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، وكذلك تعزيز الديمقراطية الصحية، مع ضرورة وضع سياسة دوائية ولقاحية استشرافية كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي.
خبراء وأكاديميون يناقشون السيادة الصحية والحماية الاجتماعية بإفريقيا في زمن الأزمات بسطات
الكاتب : عز الدين موفوض
بتاريخ : 06/12/2022


