على الحكومة الالتزام بوعودها بالزيادة في أجور رجال التعليم
خلال استضافته في برنامج “L’info en face” الذي يقدمه الإعلامي “رشيد حلاوي”، طُرحت على عضو المكتب السياسي لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، المهدي المزواري، مجموعة من الأسئلة تخص مواضيع الساعة في المغرب، وتحديدا حول توجهات الحزب السياسية والاجتماعية لسنة 2024 والسياسة الإجتماعية، ناهيك عن رأيه في قانون المالية لسنة 2024، إضافة إلى الحالة الإجتماعية في المغرب، وإضرابات قطاع التعليم، وأخيرا الدينامية
التي يشهدها الحزب.
o o هل ترون أن قانون المالية لسنة 2024 يعتبر ضربة سياسية لأحزاب اليسار (عامة)، ولحزبكم خاصة ؟
n n يمكننا أن نقول أن هذا التحليل للوضع مقبول ظاهريا، لاسيما حول الوضع السياسي، لكون الأحزاب جميعها (يمينية أو يسارية) تسعى للفوز في المعارك الاجتماعية، والتي كانت دائما من أولويات الأحزاب اليسارية في المقام الأول لكونها جزءا من حمضها النووي السياسي، بالرغم مما تواجهه الآن من هيمنة بعض الأحزاب اليمينية على الساحة، حيث لا ننسى أنه حتى في دولة عظيمة كالولايات المتحدة توجهت الأحزاب اليمينية نحو كل ما ذي علاقة بالنهج الديمقراطي الإجتماعي.
o o هل تحاول الحكومة الحالية السيطرة على الإيديولوجية الاجتماعية التي لا تدخل في مرجعيتها الحزبية؟
n n صحيح. إنها محاولات للعب دور المهيمن في المسائل الاجتماعية، وهي ليست في حمضهم النووي السياسي، كما أنها ليست بالمعركة التقليدية الخاصة بهم. بالتالي، فكل حزب يميني (نعرفهم جيدا) يحاول فرض المثل العليا للأحزاب اليمينية في المغرب، أي كل شيء باستثناء الدفاع عن الوضع الاجتماعي، وذلك منذ تأسيسها إلى الآن.
أرى، من وجهة نظري، أن هناك إعدادات ينبغي الالتزام بها في حالة رغبتها في تنفيذ الأوراش والخطط المخصصة للجانب الاجتماعي في المغرب، لكون الأوراش الاجتماعية سفينة إستراتيجية يقودها ملك المغرب وتنفذها الحكومة، مع مراقبتها عن كثب، وبحرص شديد، تفاديا لكل مشكلة تحول دون نجاح هذا الورش في المستقبل.
o o هل ترى هيمنة الأحزاب الليبيرالية على الأوراش الاجتماعية الأخيرة في المغرب، تحرم أحزاب اليسار (من بينها حزبكم) من أن تكون سباقة لطرح هذه المشاريع ؟ وماذا عن الطبقة الفقيرة ؟
n n ينبغي للإجابة عن هذا السؤال، أن نكون منسجمين مع أنفسنا. أولا، كوننا أول حزب معارض، فإن التموقع في هذا الورش يعتبر أيضا عملا للمعارضة، انطلاقا من اقتراحه، وصولا الى تنفيذه، وغايتنا في وضعنا الحالي هو الدفاع عنه من هذه الشعبوية الخطابية، وضمان سيره بشكل جيد هي وظيفتنا كحزب يساري معارض، حيث نراه ورشا لا يمس فردا أو فئة معينة، بل يمس أيضا (ما ننساه) الطبقة المتوسطة، وهذا أمر طبيعي، لكونها مصدرا أساسيا للاستقرار الاجتماعي.
قبل الانتقال لهذا الموضوع، علينا التأكيد بأن حماية الطبقة المتوسطة من الاندثار، سيساهم كثيرا في تسليط الضوء على الطبقة الفقيرة وحمايتها كذلك، ناهيك عن الكثير من الإجراءات التي كان لابد من تحقيقها خلال مشروع قانون المالية الأول. نحن، كحزب معارض، لا يمكننا أن نكون ضد الإجراءات التي من شأنها تحسين الوضع الاجتماعي بشكل ملموس وواقعي، وهذا ما تبنيناه منذ تأسيس الحزب منذ ستينات القرن الماضي، كما أننا نسعى لتحقيق العدالة الإجتماعية للفئة المتوسطة التي باتت تنسى شيئا فشيئا. لذلك، وعند ذكر الخبرات التي تمتلكها أحزاب اليسار في الأوراش الاجتماعية، لا ينبغي أن ننسى الخبرة التي امتلكها الحزب مع “عبد الرحمان اليوسفي” والتي هي “خبرة تأسيسية” للوضع الإجتماعي، الذي نلقبه عادة بـ”المؤسس” لفكرة الضمان الاجتماعي، ناهيك عن الإنجازات العظيمة فيما يخص تخفيض التكلفة الاجتماعية عن المغاربة، وهذا ما كان عليه حزبنا، وسيكون عليه، في كل الحكومات المغربية المتعاقبة.
o o ماذا عن تقديم الدعم المباشر من قبل حكومة ليبيرالية، أليس فيه خليط بين الشعبوية والحقيقة الواقعة؟
n n إن الأوراش الاجتماعية، من قبيل الدعم المباشر للفئات المعوزة ومحدودة الدخل، هو من بين الأوراش الاجتماعية الكبرى للمغرب بقيادة وإشراف وتوجيه جلالة الملك، وهذا أمر مفروغ منه. ويتمثل دور الحكومة، وهي مهمة ليست سهلة، في تحقيقه على أرض الواقع، استنادا الى توفير القدرة على إدارة الموارد بكفاءة عالية. وبالتالي، فإن الحالة الإجتماعية ليست “شعارا”، حيث -كمثال- كان يرى حزب “التجمع الوطني للأحرار” (RNI) (قبل 10 سنوات) أن تقديم الدعم الاجتماعي المالي أمر مرفوض تماما، خلافا لما يراه الآن ويعتقده.
أرى أن هذا الورش، ليس مقتصرا على الفئات الأكثر حرمانا، وخاصة مع رفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية، ولاسيما غاز البوتان، الذي سيشهد زيادة مهمة في ثمن القنينة تصل لـ30 درهم عند نهاية ولاية الحكومة الحالية.
o o هل يزعجكم كعضو للمكتب السياسي للحزب، كل ما يخص التمويل الجماعي وتعبئة المالية للمساعدات المباشرة، من خلال الرفع التدريجي للدعم الحكومي للمواد المدعومة ؟
n n سأكون واضحا، وأقول إننا في ما أسميه بـ”روح الإصلاح الحقيقية”، وأن لاشيء يزعجنا باستثناء رفع الدعم عن المواد المستهلكة حاليا، ما يعني ضرورة التشبث برؤية استشرافية للسنوات الـ10 المقبلة، وأيضا بتسليط الضوء على القدرة الشرائية للمواطنين، ولكي لا تتضرر بأي شكل ما من هذه التدابير الإقتصادية.
أرى أن هناك هوة في فهم الأمور، كون الحكومة الحالية لم تظهر بعد اتجاهها الإصلاحي الحقيقي على الاقتصاد، أو الإلتزامات الحكومية الأخرى قيد الإصلاح كالنمو والديون… لذلك، تبقى الأسئلة كثيرة دون إجابة شافية، خاصة أن “المندوبية السامية للتخطيط” (HCP) قدمت، في تقريرها الأخير، أرقاما مثيرة للقلق! الحكومة الآن، في منطق “إدارة الأعمال” اليومي ويغيب عنها منطق “الإصلاح” واحترام المبادئ التي اتفقنا عليها لتحقيق التنمية البشرية. ولذلك، فإن الاستعانة بهذه الاستراتيجية يدفعها للتخبط والشتات والعشوائية في إدارة الأزمات التي تديرها الآن، وتنسى وضع جدول للإعدادات بشكل مسبق.
o o ماذا عن برمجة إصلاح صندوق التعويضات من قبل الحكومة ؟ وهل تشك في الكفاءة المالية الحقيقية للدعم المباشر ؟
n n ن التقليل من حجم المبالغ الموجودة في صندوق الدعم، لا يمكن ربطه أوتوماتيكيا بالإصلاح، إذ أن توفير 8 أو 9 أو 10 مليار درهم لا يمكننا وصف ذلك بالإصلاح، لكون الإصلاح الحقيقي يعتمد على إعدادين أولهما له علاقة بالإصلاح الذي يمس المعيش اليومي للمواطن، حيث لا نعلم ما إن كان الدعم المباشر سيفي بالغرض فيما يرتبط بدعم القدرة الشرائية للمواطن وخاصة الفئات المحرومة، دون أن ننسى الطبقة المتوسطة.
إنطلاقا من التجارب، ستتوضح الأمور في هذا الشأن، وإن لزم إتخاذ خطوات لتوجيه الأمور في الطريق الصحيح، إننا سنراقب الوضع وسوف نحكم لاحقا على نجاح الورش من عدمه.
o o هل ترون في توقعات نسبة النمو التي يسعى إلى تحقيقها قانون المالية لسنة 2024 هدفا واقعيا يمكن تحقيقه ؟
n n ما يميز مشروع مالية سنة 2024، أنه ثالث مشروع للحكومة الحالية، التي ينبغي عليها أن تضع تقييما لأدائها حتى الآن، وعليها أن تتمتع بالشجاعة في الحديث عن إخفاقاتها كذلك.
إن الالتزام الحكومي، بتحقيق معدل نمو يصل إلى 4.5% خلال ولايتها الحالية أراه “حلما” صعب المنال، لأننا لم نتجاوز في السنة الماضية 1.6%، والآن وصلنا بعد جهد جهيد إلى 3.4%، وإن استطعنا بلوغ 4.5% فيجب علينا الوصول إلى 6% في العام التالي، وهذا هو الفشل الأول لهذه الحكومة.
بالنسبة للفشل الثاني، فيكمن في طريقة المناقشات حول قوانين المالية، والتي لا ترتقي إلى نظيرتها في الدول الديمقراطية التي (بخلاف المغرب) تحدد الأولويات بكل جدية وصراحة، على سبيل المثال ما يتعلق بـ”البطالة” التي حققنا فيها معدلا قياسيا ناهز 13.5% أو 1.7 مليون عاطل عن العمل في المغرب، كما أضاع ما يقرب من 286 ألف فرصة عمل، في حين أن الحكومة منشغلة بمحاولة تحقيق حلم حزب في الأغلبية في توفير 1 مليون منصب شغل على مدى 5 سنوات، وأين نحن من كل هذا؟!.
إننا اليوم، بعيدون عن تحقيق هذه الالتزامات. ومن بين ما وعد به المغاربة أيضا، ما يرتبط بتصفية الديون والتي تؤثر بالسلب على الاستثمارات، ومع تزايد مستواها يصبح مميتا للإقتصاد الوطني، وهذا جلي في مديونية الحكومة التي بلغت في عام ونصف ما يناهز 125 مليار درهم (71% من الناتج الداخلي الخام)، مقارنة بفترة الحكومة الإسلاميين (60 مليار درهم).
علينا أن نفهم أن الحكومة الحالية تغيب عنها “السياسة الاقتصادية الاستباقية” التي بغيابها نحرم من خلق ثروات إضافية وتعدم معها استثمارات جديدة كافية لتوظيف الشباب أو لتوفير الموارد التمويلية الكافية، وحتى بالتقدم الذي يشهده المغرب، سيبقى تقدما بطيئا بدونها، وفي رأيي هذا من مسؤوليات الحكومة التي لم تف بعهدها.
o o هل ترى في توفير 345 مليار درهم للاستثمار العام رقما حقيقيا ؟ وبالنسبة لكتلة الأجور المرتفعة في المغرب (160 الى 161 مليار درهم) ؟
n n -هذا الرقم (القديم نسبيا)، يدخل في خانة ما يعرف بـ”الألعاب الحسابية”. فمن المفترض أن نلتزم بـ335 مليار درهم، ومن جهة أخرى علينا أن نرى معدل التنفيذ، حيث إذا تمكنا من إنهاء السنة المالية بتحقيق معدل تنفيذ يتراوح ما بين 40 % – 50 %، هنا يمكننا الجزم بأننا حققنا نصف هذا الرقم الذي نلتزم به. كل ما تمارسه الحكومة الحالية هو السير على خطى الحكومات السابقة من تضخيم الأرقام والطموحات، لينتهي بها المطاف بتقليص من هنا وحذف من هناك، ما يحيل إلى نسب تنفيذ ضعيفة، ولا ترتقي إلى المنشود. أتمنى من أعماق قلبي أن ترتفع معدلات التنفيذ، لكوننا على أعتاب تحديات عالمية قوية (تنظيم كأس العالم) خلال 6 سنوات من الآن و (كأس إفريقيا للأمم 2025). وعليه، ينبغي أن يوضع كل درهم من أموال الاستثمارات في موضعه الصحيح، مما سيدفع بالمغرب نحو الأمام بسرعة.
لقد حاولنا في ما مضى، تجربة العديد من الوصفات بغية تحقيق إصلاح في هذا الشأن (من قبيل “DVD” في 2017) غير أن هذه الوصفات “السحرية” لم تؤت أكلها، بل جاءت بنتيجة عكسية وسلبية للغاية في ما يتعلق بفعالية الإدارة. ذلك أن أفضل الكفاءات قررت الرحيل، لا أقول أن الباقين ليسوا ذوي خبرة. غير أن الواقع يفرض غياب الوصفات السحرية لحل مثل هذه الأزمات، ومنه نرى ضرورة تطوير موارد الدولة لكونها الوحيدة القادرة على التعامل بما فيه الكفاية مع هذه المشكلات، ومن بينها محاربة الفساد الإداري، وأيضا في مناخ الأعمال، وهي مواضيع ترفض الحكومة “الليبيرالية” أو حكومة “رجال الأعمال” (بشكل أو آخر) التطرق إليها أو الحديث حولها.
o o كيف ينظر حزبكم إلى ضياع الساعات التعليمية للتلاميذ المغاربة في المدارس العمومية بسبب كثرة الإضرابات وتوجه الأساتذة صوب المدارس الخصوصية؟
n n موقفنا في الحزب، هو موقف قاطع منذ آخر اجتماع للمكتب السياسي للحزب، وفيه طلبنا تجميد المرسوم وفتح باب التفاوض والحوار مع المعنيين بالأمر. أولا، لكي تعطى “إشارة ثقة” لكافة المعنيين، وهذا ممكن حيث عمل “شكيب بن موسى”، قبل الإضرابات، مع النقابات الأكثر تمثيلية على مدى سنتين و23 اجتماعا (بدت عليها بوادر التقدم الإيجابي) لتوصلنا في شتنبر (آخر اجتماع) حيث تم الإنتهاء من النص (المرسوم). وتكمن المعضلة، إذن، في طريقة معالجة ما بعد الاجتماعات، حيث قدم وزير التربية للنقابات الأكثر تمثيلية النص طالبا منها إعادة فحصه مرة أخيرة وإعطائه التعديلات بعد قرابة 10 أيام، ولتغادر النقابات بغية التشاور فيما بينها.
المشكلة كانت في تاريخ 21 من شتنبر (صباحا)، حيث وقع وزير الميزانية على مشروع المرسوم الذي أحاله إلى مجلس الحكومة. ولهذا لا ينبغي القول بأن النقابات قد أدارت ظهرها للمرسوم، إذ أصيبت هي نفسها بخيبة أمل من هذا النهج بعد كل هذه المشاورات والجلسات، وليكون السبب في هذا الخلل هو نقل ملف التفاوض من النقابات ووزير التعليم إلى وزير الشغل – نحن لا نشكك في قدرة الوزير- غير أن الموقف حساس جدا وما كان ينبغي التعامل معه بهذا الشكل، حيث بدا الموقف كمن يسحب الثقة عن وزير التعليم.
هنا، أعيد التأكيد، على أن تخبطات الحكومة، قد أدت لوقوع “شكيب بن موسى” والنقابات في صراع كان من الممكن حله بسهولة. وحتى بعد الدعم الذي أبداه قادة الأحزاب الثلاثة في الأغلبية الحكومية لوزير التعليم، فما زالت الأمور مبهمة، وتؤدي بنا إلى التفكير في ما إن كانت هناك “حملة ممنهجة” و”مدبرة” على شكيب بن موسى (استمرت منذ أكثر من 3 أسابيع)، مركزها قادة الأحزاب المكونة للحكومة المغربية والضحية فيها وزير التعليم، غير أن الضحية الأكبر وبطبيعة الحال هو التلميذ أولا وولي الأمر ثانيا، حتى وإن كان الحل أمام أعين الحكومة التي ترفض الرضوخ له.
فيما يتعلق بالزيادة في أجور الأطر التعليمية (2500 درهم)، فينبغي على الحكومة الالتزام بوعودها إتجاه الأسرة التعليمية في المغرب، وهذا ضروري لتحفظ ماء وجهها أمام المغاربة. نحن لا نستغرب غياب أي رد فعل من لدن الحكومة المغربية التي انفصلت عن كل وعودها الانتخابية وغير الانتخابية، ووضعت لنفسها برنامجا حكوميا لا يمكن الوصول إليه بنسبة كاملة (9 مليار درهم بحلول 2026 لإصلاح التعليم)، كما أنها رافضة لأن تجعل من النقابات التعليمية شريكا لنهضة المغرب وتقدمه، وهذا كما نراه خطأ سياسي و قيادي ينبغي إصلاحه.
o o هل يجد حزب الاتحاد الاشتراكي – أكبر معارضة في البرلمان (35 برلمانيا) – صعوبة في الحوار مع الحكومة وفهم سياساتها ؟
n n أعتقد أن التفاوتات في السياسة العامة آخذة في التقلص يوما بعد يوم، كما نلاحظ مع هذا التقلص غياب الحوار السياسي لدى العموم أو على مستوى القنوات الوطنية، لنتحول تدريجيا إلى ما يمكن تسميته بإستخدام “الفوتوشوب السياسي” حيث نقوم بجلب أناس وأشخاص لهم خبرة كبيرة في مثل هذه الحوارات، وهم كما يقال “أهل مكة أدرى بشعابها”.
أرى ان هذا النهج الحواري السياسي، يمثل خطرا على الديموقراطية المغربية، أي جعل الحوارات السياسية محددة و مقفلة أو حتى مدفونة. وهذا الأمر أدى، مع الأسف، بالعديد من الصحف المغربية إلى أن تواكب هذا “الكرنفال” الحواري، وهذا واضح بقوة منذ آخر ندوة صحفية لأحزاب الاغلبية الحكومية التي تحاول الدفاع عن وجهات نظر لا تحتاج للدفاع عنها.
أرى أن هذه الوصفة، أو الطريقة في التعامل ليست بالصحيحة إن أردنا أن تستمر هذه الديمقراطية في العيش، أو حتى لن تكون “أوكسيجين” الحوار السياسي الآخذ بدوره في الاختناق ببطئ. وعليه، ينبغي أن تفتح المساحات العمومية الإعلامية في وجه الحوار السياسي، سواء كانت من القنوات التلفزية أو من إذاعات الراديو أو حتى من المنابر الإعلامية الأخرى، تفاديا لتكرير نفس العبارات التي نسمعها من المسؤولين، والتي لن تساهم في نهضة الديمقراطية المغربية.
o o بعض الأصوات تقول ان الاتحاد الاشتراكي (والمعارضة ككل)، لا تلعب إلا دور “المستمع” لأنشودة الاغلبية الحكومية، وأنها لا تستطيع التعامل مع الحكومة، ما رأيكم في ذلك؟ وهل سيسعى الحزب إلى تغيير إستراتيجيته لتصبح “هجومية” مع الحكومة الحالية؟
n n لقد تحدثنا كثيرا عن ذلك فيما مضى، وقلنا إن الاغلبية الحكومية هي واحدة، وستبقى كذلك، حتى وإن كثرت الأصوات المعارضة من حولها، حتى وإن بلغت حد المشادات الكلامية في العديد من المواضيع الراهنة من قبيل “التنمية القروية” التي ما فتئنا نناضل من أجلها كما الحال مع الأموال العمومية.. بطبيعة الحال، ستكون الآراء متجاذبة في الحوار السياسي الحكومي، وهناك أسباب موضوعية عدة تدفع بالمعارضة إلى أن تكون متفرقة، لا موحدة.
ما يدفعني للإفتخار بمنجزات حزب الاتحاد الاشتراكي هو أنه كان أول حزب معارض يقدم تعديلا على مشروع قانون المالية لسنة 2024 (بلغت 160 تعديلا)، التي وللأسف تم رفض العديد منها من قبل الحكومة المغربية، بالرغم من أنها كانت تمثل توجهاتنا السياسية والاجتماعية التي يعلمها الجميع وطالما حافظنا عليها. إن الهندسة الحكومية للمجال السياسي في المغرب (بعد الانتخابات مباشرة) أعطت للأغلبية الحكومية القدرة على الحد من وجود المعارضة بشكل كبير، مما أوجد لنا هذا “الخلل” المؤسستي والمتوارث حتى قبل الدستور، لدرجة أعجزتنا عن الحق في التوقيع على مذكرة رقابة أو تمريرها حتى (كمعارضة مجتمعة)، ناهيك عن تمرير مذكرات استقصائية أو بحثية أخرى، فيما نراه هوة تشغيلية كبيرة وخللا وظيفيا ينبغي التركيز عليه وبشدة؛ هذا دون ان نتطرق لجهات ومناطق من المغرب تتحكم فيها الأغلبية الحكومية.
لدي ايضا ملاحظة كبيرة حول كل هذا، وهي أن هذه السطوة الحكومية تعتبر أيضا هجوما على الديمقراطية “الناشئة” المغربية، لكون وجود حزبين كبيرين في الانتخابات يعطي نوعا من التوازن من حيث طرح و تنفيذ المشاريع الكبرى، ما يدفع بالمعارضة للحضور بقوة بعيدا عن سياسة الأحزاب الثلاثة، ومنه سنتوجه لتكوين عرض مؤسساتي في جميع أنحاء البلاد يرقى بخطط التنمية على الصعيدين الإقليمي و المحلي، وفي غيابه نحن نشهد الآن هذا “الانسداد التام” في مدننا وجهاتنا وأقاليمنا من حيث كفاءة التنمية وتحقيق المشاريع وغيرها من التوجهات التنموية.
منذ آخر مؤتمر للحزب سعينا إلى تطبيق ورش الإصلاح وتجويد النظام الداخلي للحزب. فخلال مؤتمر المحامين الاتحاديين بمراكش، كان لدينا قرابة 500 محامي يحملون مشروع لإعادة التهيئة و الإصلاح لما يختص بالمهن ذات العلاقة بمجال عملهم، وذلك يرجع لإمتلاكنا لـ”رؤية موحدة” نسلط بها الضوء على مجالات عدة ذات أهمية كبرى للمجتمع المغربي، تدفعنا إلى الاستمرار في نهج الإصلاح وإعادة الهيكلة الحزبية الداخلية الحالية والمستقبلية، كما أننا حزب يطمح لأن يلعب دورا بارزا ضمن رقعة الشطرنج السياسية، من موقعه في المعارضة (عموما) ومن موقعه المستقبلي لربما ضمن الأغلبية الحكومية في 2026، وهذا الأمل لا يرتبط بنا، وإنما بكيفية تسيير كل حزب لمشهده السياسي العمومي، غير ان انقلاب الأدوار على الصعيد الحكومي و السياسي المغربي يعطينا دفعة للعمل بأقصى جهد ممكن لتطوير ذواتنا الحزبية، وتقوية البنية السياسية للحزب، وذلك ظاهر من خلال التحركات الإعلامية الوطنية والبرلمانية للحزب، بإعتباره الحزب المعارض الأول على صعيد الحضور الإعلامي الوطني والخارجي.