الباحث حسن الإسماعيلي يسلط الضوء على جانب من التاريخ المنسي للمنطقة

خلال ندوة «ايتزر في قلب الذاكرة الحية للمغرب»

 

احتضن المركب الثقافي محمد حسن الوزاني بايتزر، مؤخرا، ندوة «ايتزار في قلب الذاكرة الحية للمغرب» من تأطير الباحث في التاريخ حسن الإسماعيلي.
الندوة التي كانت من تسيير ياسين العتقي تطرق فيها الباحث في تاريخ هذه المنطقة إلى فترات مضيئة من تاريخ جماعة ايتزار، التي تنتمي لإقليم ميدلت، والتي خول لها موقعها المتميز وسط جبال الأطلس المتوسط وبين غابات الأرزالشاسعة أن تكون حصنا للمقاومة ومنارة لتلاقح الحضارات والتسامح بين الأديان، فقد عرفت أسمى قصص المقاومة وحكايات النضال المسكوت عنها، وهو التاريخ الدي أخذ الباحث الإسماعيلي، ابن ايتزر، على عاتقه مهمة نفض الغبار عن بعض ملاحمه والنبش بين سطوره العريقة خاصة تلك المتعلقة بمقاومة المستعمر، دون نسيان تسليط الضوء على جوانب من المعيش اليومي لساكنة هذه المنطقة الأمازيغية إبان الاستعمار الفرنسي وقبله، مستعينا في ذلك بكتب ومراجع ومخطوطات نفيسة أرّخت لهذه المنطقة وخصوصا من قبل المؤرخين الفرنسيين، وكذا من خلال الإطلاع على مؤلف «ملوية العليا» للضابط بالجيس الفرنسي الكوموندون سعيد كنون، وهو عبارة عن دراسة تناولت بالبحث أصول وتاريخ وحياة وتقاليد وأعراف القبائل التي تتشكل منها ميدلت، وخصوصا جماعة ايتزر، هذه المدينة الهادئة المعروفة بطبيعتها الخلابة وأشجارها خصوصا أشجار الأرز، والتي يتحدث كل ركن من أركانها وكل شبر فيها عن تاريخ مضيء ومعارك ضد المستعمر وقصص إنسانية مؤثرة، يقول الباحث إنها كانت أول محتضن لعرض مسرحي أقيم على أرض المغرب إبان فترة الحماية الفرنسية، حيث قام الجنود الفرنسيون بإنشاء أول ركح في «ملوية العليا» أو الأطلس المغربي على ارتفاع 2000 متر عن سطح البحر، وتمت تسميته «مسرح ايتزر» قدم فوقه الجنود بأنفسهم عروضا مسرحية مختلفة لكن بعد نفاد «ريبرتوارهم» بدأوا في البحث والمطالبة بإمدادهم بنصوص جديدة درامية أو فكاهية مفضلين أن تتكون من فصلين على الأكثر وأن تكون الأدوار رجالية وتحترم الأخلاق .
الباحث استرسل خلال هذه الندوة في تقاسم بعض مما توصل إليه في أبحاثه عن ايتزر التي احتضنت، يقول، شكلا فريدا من أشكال التسامح بين الأديان، حيث كان مسموحا، بشكل استثنائي، في هذه المنطقة دون غيرها، الزواج بين المسيحيين والمسلمين الأمازيغ، بخلاف باقي مناطق الأطلس المتوسط المجاورة، وهو الأمر الذي كان موضوع أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة الحقوق بباريس سنة 1933 للباحث الفرنسي M.MEYLAN ، كان عنوانها «الزواج المختلط في إفريقيا الشمالية «، وكان هذا البحث شاهدا على ما تميز به أهل ايتزر من استثناءات في هذا المجال.
لقد كان على من يريد الزواج من امرأة من المنطقة، يقول حسن الإسماعيلي، أن يقدم لها مهرا لا يشبه باقي المهور، فالراغب في الزواج لن يقدم لعروسه ملابس ومجوهرات فقط بل سلاحا تدافع به عن نفسها وعن أطفالها وعن أرضها من كل ما قد تتعرض له من أخطار .
لقد كان سكان قبائل المنطقة مثل قبيلة ايت الحاج ايت موسى وايغربين رحلا يتنقلون بخيامهم ومتاعهم ومواشيهم بحثا عن الماء والكلأ فكان لزاما عليهم وحرصا منهم على سلامتهم وسلامة أسرهم وقطعان ماشيتهم وتجنبا للوقوع في المخاطر المختلفة، أن يتوفروا على السلاح للدفاع عن أنفسهم رجالا كانوا أو نساء، وخصوصا عندما يتغيب الرجال لسبب من الأسباب حيث كان عليهم أن يتركوا نساءهم في مأمن من جميع المخاطر فيوفرون لهن السلاح للدفاع عن أنفسهن وأطفالهن ضد هجمات العدو أيا كان نوعه، لقد كان السلاح إبان فترة المقاومة بالنسبة للمرأة شيئا عاديا ومألوفا فلم يكن غريبا أن تقف النساء إلى جانب الرجل لتدافع عن أرضها وعرضها وتواجه المستعمر دون خوف أو وجل، بل كانت تلعب دورا محوريا في المعارك التي كانت تدور بين المقاومين وبين الجيش الفرنسي .
وخلال فترة الاستعمار، أيضا، يقول الباحث، استقبلت ايتزر مناضلين وقادة سياسيين مغاربة كبار من المقاومين للمستعمر الغاشم مثل محمد حسن الوزاني وعلال الفاسي وغيرهم، وذلك لأنها كانت مقرا لمخابرات الاستعمار، وكان كل مناضل مغربي ينقل لها ليتم استنطاقه بهذا المقر .
في سنة 1956 سينظم حزب الشورى والاستقلال مؤتمره بهذه الجماعة والتي قضى مؤسسه محمد حسن الوزاني، المناضل المغربي في الحركة الوطنية الدي ناضل مذ كان طالبا في سبيل القضية العربية والإسلامية في المغرب وخارجه لتلقي عليه سلطات الاستعمار القبض حين كانت تريد القضاء على الحركة الوطنية، من أكتوبر سنة 1937 إلى ماي 1946، فترة نفيه من سنة 1941 إلى سنة 1946.
من جانب آخر ذكر الباحث أنه كان للاحتفالات الدينية طعم آخر بايتزر، نذكر على سبيل المثال الاحتفالات المميزة لليلة القدر، لقد كانت أرضا لمدارس قرآنية وزوايا للتصوف من بينها الزاوية التيجانية والزاوية القادرية والوزانية والعيساوية، وكان مريدو الزاويا التي طالها النسيان اليوم يتنافسون هذه الليلة في إظهار كرمهم وفرحهم، وكانت العائلات ترسل قصاعي الكسكس إلى الجامع، الذي كان يزين بطريقة مميزة احتفالا بهذه المناسبة العظيمة .
وعودة إلى فترة الاستعمار، وخصوصا خلال سنوات العشرينيات، ذكر الباحث أن منطقة ايتزر عرفت مقاوما كبيرا كان سببا في إقالة الجنرال الفرنسي FREYDENBER قائد منطقة مكناس، وجاء في قصاصة أخبار نشرتها صحيفة L’ ouest –Eclair الفرنسية، في يوم 26 يونيو 1929 ، نقلا عن صحف تصدر من الرباط، أن قائد منطقة مكناس الجنرال «فريدينبيرغ» على وشك المغادرة النهائية للأراضي المغربية وذلك بعد مرور وقت قليل على قضية ايت يعقوب أو معركة ايت يعقوب التي كبدت الجنود الفرنسيين خسائر فادحة في منطقة الأطلس المتوسط بقيادة المقاوم على أورحو الذي لا يعرفه الكثيرون، للأسف، يقول الباحث.
جماعة ايتزر، التي تتميز كما سبق القول، بالطابع الجبلي الذي تكسو أشجاره خلال موسم الشتاء الثلوج مشكلة لوحة فنية رائعة تبلغ مساحة غابات شجر الأرز والبلوط وغيرها بها حوالي 40 في المئة من مساحتها ، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1600 و 2100 متر ، كما تتواجد بمحيطها الطبيعي بحيرة اكلمام سيدي علي والسد التلي بدوار ايت الحاج، اليوم ورغم هذا التاريخ المجيد لمنطقة كانت على الدوام أرضا للشرفاء والمقاومة ورجال الدين، وكان مسجدها الذي شيد في سنة 1935 قبلة للعلماء، إلا أنها في حاجة إلى من ينفض الغبار المتراكم على زوايا من ذاكرتها التي طالها النسيان حتى يعود بريقها وإشعاعها، وهذا ما حاول الباحث حسن الإسماعيلي القيام به في هذه الندوة، محاولا التعريف بمنطقته التي، وحسب بعض الروايات، بنيت في عهد الأدارسة الذين بدأ حكمهم سنة 788 م، على شكل منازل مزدحمة سطوحها متلاصقة بعضها ببعض ذات دروب وأزقة ضيقة يحيط بها سور ضخم بخمسة أبواب خشبية، وفوق كل باب كان يوجد بيت حارس بنوافذ تطل على الحقول اليانعة والبساتين المثمرة المحيطة بالسور .


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 06/07/2023