«خواطر وهمسات»  لعبد الحي الرايس .. عصارة تجربة في الحياة وانشغال بقضايا واشتغال عليها

كتاب”خواطر وهمسات” موسوعة معرفية زاخرة من إبداع مثقف مرموق ورجل بيئة بامتياز أستاذ فاعل ومناضل وناشط مدني مغربي يدعى عبد الحي الرايس. كتاب “خواطر وهمسات” التحام صديق بين أفكار وتصورات جاءت من وضعيات مجتمعية متداخلة، وتبلورت في حكم ومقولات، مواقف ورؤى تتوخى في المتوسط والبعيد ،تأهيل التراب والمجال، والسمو بالمبادرة لمستوى الإنسان .
تميز الكتاب بكلمة فريق العمل تحت إشراف وإخراج دة بشرى البهيجي تنسيق ومتابعة ذ عبد السلام الزروالي الحايكي . ضبط وتصميم ذة أمال بروت. ونظرا للمكانة العلمية والمهنية للفريق، فقد تم اختزال وتوحيد السير الغنية لمقدمي المحاور احتراما لمجال خاص أملاه البعد التقني في الإخراج. وفي حديث آخر، يعتبر الكتاب ثمرة ناضجة لثلة من الكفاءات والأطر من مختلف التخصصات والمجالات. سيدات وسادة أساتذة ودكاترة ساهموا وأغنوا محاور الكتاب الإثنى عشر سواء بالتقديم أو التمهيد والتوطئة.
يتعلق الأمر بمؤلف ضخم مبنى ومعنى، تم تقديمه وتوقيعه في حفل رسمي أقيم السبت 21 يونيو 2025 بقصر المؤتمرات بفاس .جاء في 628 صفحة من الطباعة الفاخرة والقطع المتوسط. بعد أن ازدان رونقا وبهاء بغلاف صقيل بديع بإسهام كل من الفنان حسن جميل والفنان محمد الأصيل . ومما أضفى النبل والجلالة على الحدث ذلك الاستقبال الأنيق والإهداء الرفيق للنسخة كصديق للكاتب من طرف الدكتورة بشرى البهيجي بمكتبها بالوكالة الحضرية بسبب وجود المؤلف خارج الوطن.
الكتاب وثيقة في جوهره ،تتويج شفيف لمسيرة رجل ينبض بذبذبات استثنائية أسمى تجلياتها اللغة البيئة والوطن. على أن الرجل أيضا، والحقيقة يجب أن تقال، كتلة إحساس رقيق بالكون والكائن، بالحجر والبشر. فحين اختمرت التجربة مع الزمان، انسابت خواطر وهمسات لا تكتفي بطرح القضايا والتفاعل مع الظواهر فحسب، وإنما تستشرف البدائل وتسمو بالإنسان، وتشدو بسحر البيان أيضا. إنه ذلك الصوت الصادر من الأعماق حين يردد في اللحظات الحرجة مقولة: إضاءة شمعة خير من لعن الظلام.
في السياق ذاته نقرأ في تقديم بقلم المؤلف:” إذ هي خواطر وهمسات تجمعت في الكثير من الصفحات، تعددت محاورها، وتناولت عدة مجالات، ويسأل السائل: ما الذي ألهمها؟ وكيف صيغت؟ وماهي الغايات؟ ويبدو أن القدر شاء فقاد إلى الإسهام في تأهيلِ الإنسان والانخراط في تهيئةِ المجال”. ويمضي المؤلف في بسط مادة الكتاب التي جاءت في اثنيْ عشَرَ محوراً تعكس ذلك، وتشي به: لغة، وتعليم، وتربية وبيئة وقيم وامرأة ومدينة وإعلام وصحة وإدارة وسلامة طرقية وتنمية. وهكذا جاء ضميمةً لخواطرَ وهمسات ألهمتها مبادراتٌ وتأملات وأمْلتْها وقائعُ وأحداث، وصاغتها السليقة بمُختصَر المقال وشجَّع على نشرها وتداوُلها فضاءٌ وظفه البعض للنشر كيفما اتفق، وأبى البعضُ الآخر إلا أن يجعل منه منبراً للتواصل والتوعية، والسمُوِّ بالفكر والممارسة…”
من حيث المبدأ، لا يكفي النظر إلى كتاب ” خواطر وهمسات” من الخارج لمعرفة قيمته الفكرية والعلمية. فشكله، حجمه، وزنه، عنوانه وعدد صفحاته قد لا تفي بالغرض. ذلك مجرد تفاصيل أولية لا تمنح القارئ سوى انطباع سطحي. أما حمولته الثقافية ووزنه المعرفي الحقيقي، فلا يتبدّى إلا بعد قراءته والتوغل في عوالمه الفكرية والجمالية والتعرف على الأقلام التي تناوبت على تقديمه. فالكتاب ملهم وبديع ثقيل الوزن عميق الفهم أشبه ببحر لا تكشف مياهه عن كنوزها إلا لمن غاص فيها، وتخطّى عتبة الغلاف إلى جوهر النص. الكتاب، كما يدل عنوانه، يتوزع بين بوح وجداني ولمحات فكرية، بين ومضات تأملية وهمسات صادقة تستوقف القارئ عند تفاصيل الحياة اليومية في مدينة عريقة تستبطن التاريخ بأصالته، وتدعوه إلى إعادة النظر في علاقته بالعالم وبذاته. أسلوب المؤلف يجمع بين البساطة والعمق. فهو لا يكتب للمتخصصين وحدهم، بل يفتح أفق النص لكل قارئ يبحث عن لمسة إنسانية تضيء يومه أو تثير فضوله. هذا ما ننقله بأمانة من جوف الكتاب.
إن القيمة المضافة لهذا العمل، لا تكمن في حجمه أو شكله، بل في تلك القدرة على تحويل الخاطرة العابرة إلى فكرة راسخة، والهمسة الصامتة إلى خطاب يتردد صداه في وجدان القارئ. ومن هنا، يصبح “خواطر وهمسات” أكثر من مجرد كتاب إنه رفيق فكر وتأمل، يُقرأ بقلوب مفتوحة قبل العيون.
تكتب هدى عن أبيها فتقول ” أن تكون أحد أبناء السيد عبد الحي الرايس فهذا يعني أن تعيش وتتشبع بمبادئه وقيمه. وأن تنتظر عالما خارجيا أفلاطونيا فتتفاجأ بغير ذلك بالمرة …”.
كصديق عزيز ومقرب في الانتماء لاهتمامات وانشغالات المؤلف، أستحضر هنا بدفء رحيم حوارا استثنائيا دار بيني وبين الدكتور محمد الرايس في عيادته لطب الأسنان بقلب العاصمة العلمية. كنت زبونا وكان طبيبا متمرسا. أما حديثنا فقد تمحور حول رجل منفتح على العالم الخارجي يؤمن بالحوارات الهادفة، واختلاف الرؤى بالنسبة له، مصدر تلاقح تجارب وتقابل أفكار ” ولم يكن الرجل المتحدث عنه سوى والده ذ عبد الحي الرايس. ذلك الرجل الذي يتوخى الجمال والمثالية وتجعله نزعته الإنسانية ينشد السلام في محيطه المباشر كما في العالم أجمع “.
في التقديم نجد ذ عبد السلام الزروالي الحايكي إعلامي مندوب سابق لوزارة الاتصال بمدينتي فاس والعيون رئيس اللجنة الوطنية للإعلام لجمعية فاس سايس، مؤسس جائزة فاس للإعلام والثقافة بفاس ومنه نقتبس: الاقتراب من عبد الحي الرايس هو اقتراب من فكر متعدد ومتجدد كما هو اقتراب مباشر من مشهدنا الإبداعي الثقافي. الاقتراب منه تَحُفه هيبة خاصة. تحس وهو يهمس لك في كل يوم ،أنك تقترب من معبد أثري مضمخ بالطيب والأسرار. فكرة وأسلوبا وبلاغة وصدقا. ”
أما في محور اللغة العربية، كتب الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي تقديما مكثفا وعميقا نقتبس منه ما يلي : بلغة سليمة تنتقي من الألفاظ الأنسب وتختار من العبارات الأصوب وبأسلوب رفيع تميز بالتماسك والانسجام خولاه قيما إنسانية وتفاعلية زمنية ومكانية .أطل الأستاذ الكبير والأديب النحرير سيدي عبد الحي الرايس من فضائه الأزرق على رواد ناديه ومتتبعيه وراصديه ب ” خواطر وهمسات” متعددة الاهتمامات منذ ما يربو عن سنوات . كان حظَّ اللغة العربية منها خمس وثلاثون بادرة موزعة بين همسة وخاطرة في ثلاثة محاور دائرة : اللغة والهوية، التصويب اللغوي، لغة التعليم …”
بخصوص محور التعليم وفي تقديمه للكتاب، اعتبر ذ محمد بنيس مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس بولمان سابقا، عضو في لجان وطنية لإصلاح النظام التربوي أن “خواطر وهمسات” تتجاوز البعدين التلقائي والعفوي المألوفين لأسباب متعددة. أولها الأسلوب الرصين الذي يتميز به الكاتب والذي يحمل القارئ الجاد على التمعن والتأني لاستنباط ما وراء الكلمات وما بين السطور. فكل خاطرة وكل همسة تتضمن مقولات مأثورة جديرة بتوثيقها والاستشهاد بها. رصانة الكاتب تتجلى في اتزانه والتزامه بالموضوعية والحياد الإيجابي في تقديم أطروحاته دون اعتبارها حقائق مطلقة. ..”
في محور التربية تحدث د إبراهيم أقديم”نائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، عميد سابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس عن “خواطر وهمسات “كمنظومة فكرية حاملة للمعاني القوية والتوجيهات المستندة على التجربة والممارسة ومعرفة الواقع. وهي مؤطرة بفكر نقدي إيجابي بناء وبتعبير بليغ وأسلوب راق يجلب شوق المتصفح للاستمتاع بقراءتها دون توقف ولا ملل. ..”
وفي محور البيئة، اعتبر د. سعد بنعمرو، أستاذ باحث في العلوم والتربية البيئية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، تجربة عبد الحي الرايس في الذود عن البيئة طويلة وغنية مما يتهددها من مخاطر وفي تبديد ما تئن تحت وطأته من تطاول، وذلك عبر مقاربات متعددة ومتكاملة من بينها التحسيس التربية التحفيز القوة الاقتراحية والترافع بالممارسة في سياقات متنوعة ومنتديات هادفة ومحطات فاصلة محليا وطنيا ودوليا.
من جانبه أشاد د أحمد عزيز بوصفيحة رئيس قسم الأمراض التعفنية والمناعية عند الطفل بالمشفى الجامعي ابن رشد في تقديمه لمحور الصحة حيث يقول: هي همسات خفيفة في القراءة، ثقيلة في التنمية المستدامة يُتحفنا بها سيدي عبد الحي الرايس بأسلوب شيق يُقوِّم اللسان العربي ويحفز المواطن على العناية أكثر بصحته وبيئته إبداع قل نظيره من مواطن غيور خبر التعليم والعربية وتمرس بتسيير المرافق العمومية والمبادرات البيئية..”
دة. بشرى البهيجي إعلامية مكلفة بالتواصل بالوكالة الحضرية لفاس أستاذة زائرة بكلية الآداب سايس فاس ومنتجة لبرامج إذاعية ” التعمير البيئة والمجتمع “مهدت لمحور الإعلام ومما أوردته نقتبس ما يلي: وإن كانت خواطره وهمساته المباشرة معدودة، تهفو نحو إعلام راق يؤدي رسالته برؤية ووعي ومسؤولية يسمو بالذوق، ويخاطب الذكاء، ويساهم في حفظ الهوية، إلا أن المؤلف في مجموعه إعلام. ففي كل همسة وخاطرة، وضمن كل محور يخلق السيد الرايس الحدث يبلور الرسالة يبحث عن قنوات التواصل وينتظر رجع الصدى بين المرسل والمستقبل.. ”
من جهتها وفي محور المرأة كتبت دة فتيحة عبد الله رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة أستاذة التعليم الثانوي سابقا” في هذه الخواطر والهمسات، لاحظت انطلاق الأستاذ الرايس من وضعيات واقعية للمرأة المغربية والتفاعل معها بإيجابية وتفاؤل وبعد تحليلها بتركيز شديد وبتؤدة حكيم متبصر، وبعين عالم اجتماع محنك وبمنهجية مرب متمرس يقترح حلولا ويسدي نصحا بنظرة شاملة وبرؤية واقعية معتدلة تنم عن معرفة بالأسباب وإلمام بالعواقب وكل ذلك بطرح هادئ مفيد(…)
المفتش الممتاز سابقا والإعلامي محمد التهامي بنيس في تناوله لمحور القيم، أكد أن “عبد الحي الرايس يصعب تصنيفه في قيمة دون باقي القيم لأنه بمفرده قيمة القيم مجتمعة .جمعني به النضال من أجل تجويد الواقع البشري وتحقيق العدالة الاجتماعية لينعم الجميع بالحرية والاشتراكية والديمقراطية التي كانت شعار ثلاثية النضال الحزبي وبموازاته النضال النقابي من أجل المساواة وتكافؤ الفرص .معه ومنه اكتسبنا مجموعة من القيم المتجانسة في المقاصد الخيرية والتربية الطرقية والبيئية .
وكتب أحمد عرفة مهندس فلاحي، خبير لدى البنك الدولي بإفريقيا والعامل على عدة أقاليم والوالي السابق بجهة تادلة أزيلال عن محور المدينة قائلا:” تؤدي بنا “خواطر وهمسات” الأستاذ عبد الحي إلى الوقوف على حجم التحديات التي تفرضها المدينة على كل مسؤول أو مهتم بها وأيضا على شساعة مجال العمل المطلوب وكثرة وتنوع ميادين تدخل المصالح المختصة والأطراف المعنية. فطيلة هذه السنوات حلق الكاتب عاليا بخواطره وهمساته لتغطية واستكشاف أهم الجوانب المتعلقة بوظائف المدينة والأدوار المختلفة والمتعددة التي تقوم بها.

أما عز الدين الشرتي التازي الإطار الإداري المجاز في العلوم السياسية والكاتب العام لولاية فاس ولجهة فاس بولمان سابقا، فقد اعتبر في تقديمه لمحور السلامة الطرقية نشر “خواطر وهمسات” على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ضمها في كتاب، عملاً يدخل في إطار الجمع والتوثيق وترسيخ ثقافة الاعتراف بكل ما هو هادف وجاد ،ويدخل في خانة الاهتمام بالثقافة العامة والتحسيس والتوعية وإبداع الأفكار التي تصلح وترشد وترسم معالم الطريق في شتى مجالات بناء الإنسان(..).
السعيد بن عمرو العمراني الباحث والمكون بمعاهد التكوين التابعة لوزارة الداخلية والمستشار في العلاقات الدولية، مدير مؤسسة ابن الخطيب للدراسات وحوار الثقافات، كتب في محور الإدارة مؤكدا أن صاحب الكتاب كان ولا يزال وفيا لهذه القواعد متشبعا بهذه القناعات، حيث دأب على عقد الاجتماعات المتوالية، وتكوين اللجان المختلفة وصياغة التوصيات الضرورية والملائمة وقرن ذلك بالعمل الميداني لإخراج الرؤى والتوجهات إلى حيز الواقع. معززا تجربته باشراك الكفاءات الإدارية، وإذكاء الحماس في اليد العاملة المواطنة تحقيقا للتعبئة.
من جهته د. ناجي الأمجد معد ومقدم برامج بقناة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وقناة ميدي 1في محور التنمية، قال عن الرجل” إنه ليس من طينة عادية لأن رؤيته الاستشرافية لم تأت من فراغ، فما قرأته وتتبعته معه رفع الغشاوة عن عيني بخصوص رؤيته المتفردة حول التنمية وهاهنا وجدت رؤى استشرافية وتحليلات بانية كما الخبراء في دول أجنبية، الرجل يمتح من تجربة سابقة في التعليم والبيئة وخدمة المجتمع جعلت منه إنسانا متواضعا ومواطنا غيورا بقوة اقتراحية قل نظيرها(..).
كما أسهم الشاعر عبد الكريم الوزاني بقصيدته الشعرية ” من وحي الخواطر”.
الكتاب في جوهره نتاج تجربة في الحياة وانشغال بقضايا واشتغال عليها بالممارسة في الميدان.. انفعال بها وتفاعل معها بالفكر والوجدان. والخواطر كما يوضح المؤلف “فيض خاطر لا تكلف فيها ولا افتعال، تومض في سياق معين فتأتي الاستجابة لها تعبيرا ينساب في سلاسة ويسر”. أما الهمسات فالكثير منها يستهدف إيصال خطاب إلى مسؤول أو ممارس أو غافل أو منتصح. وفيها تتنوع الموضوعات وتتعدد القضايا بتعدد المواقف والمناسبات”.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 23/09/2025