نظمت جمعية الشعلة للتربية والثقافة، الملتقى الوطني الرابع لدور الشباب، والذي يأتي في سياقات دولية ووطنية مقلقة، سمتها الأساس التغيرات وانهيار العديد من المسلمات المرتبطة بأولويات وسياسات عمومية مرتبطة أساسا بالبعد الاقتصادي سرعان ما تحطمت على صخرة الحاجة الماسة للبعد الإنساني والاجتماعي المبني على القيم الإنسانية، المتمثلة في قيم التضامن والتضحية والعيش المشترك والإيثار والتطوع وكلها قيم حضارية شكلت ولاتزال وستظل أفقا لاشتغال المنظمات الجمعوية داخل مؤسسات دور الشباب.
وقد اعتبر رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة سعيد العزوزي بأن نقاش دار الشباب ليس من باب الترف الفكري أو الرغبة في تنظيم نشاط عابر بل هي قناعة راسخة لدى عموم الجمعيات المشتغلة في حقلي الطفولة والشباب، بضرورة الانخراط في فتح نقاش عمومي حول قضية مركزية وجوهرية ترتبط بمؤسسات الطفولة والشباب، حيث تبرز اليوم، أكثر من أي وقت مضى، المقاربات الداعية إلى مضاعفة الجهود لتوسيع وتعميم المؤسسات التربوية والثقافية والرياضية والاجتماعية وتعميمها على كافة التراب الوطني، حيت نسجل أن من بين 1530 جماعة ترابية لا يتوفر سوى 630 دار الشباب، أي حوالي الثلث، وهو الشيء الذي يتطلب من الحركة الجمعوية تكثيف المبادرات الترافعية من أجل فضاءات تساهم في تربية الطفولة وتكوين الشباب وتقوية اندماجه الاجتماعي وتطوير مشاركته الديمقراطية، فرغم الإشارات المتضمنة في تصريحات القطاع الوصي في شقها المتعلق بترميم دور الشباب وتأهيلها وبنائها بمواصفات جديدة تتماشى ومتطلبات جيل الألفية الثالثة … فإننا نسجل، بكل أسف، المسافة الكبيرة بين الأمل والحقيقة المعيشة يوميا بفضاءات دور الشباب على اختلاف أنواعها ومؤهلاتها.
لقد ظلت مؤسسة دار الشباب مستقطبة للاهتمام، سواء من طرف روادها من الجمعيات الوطنية والمحلية أو من طرف الجهات الرسمية، حيث شكلت دوما حقل صراع حول مجموعة من القيم أولا ، ثم كمصدر وجود بالنسبة لهذه الجمعيات. ثانيا، وتعتبر دار الشباب مؤسسة عمومية تربوية وثقافية واجتماعية وفضاء خصبا لممارسة مختلف الأنشطة، والتأطير والتأهيل والتربية على القيم الإنسانية كما شكلت عبر التاريخ مصدرا لتخرج العديد من الأطر والطاقات، سواء في مجال التسيير الإداري والتدبير المالي وممارسة فنون الإبداع ومزاولة الرياضة. مما جعلها حاضرة بقوة وتحظى باهتمام الفاعلين الجمعويين وعموم المثقفين، وهو ما يطلق عليه بعض الرواد الزمن الجميل، حيث كانت دار الشباب بمثابة الحضن الذي يلجأ إليه الأطفال والشباب دون أي قيد أو شرط، ليمارسوا داخل فضائها من الأنشطة المتنوعة ما من شأنه أن يشبع فضولهم، ويلبي حاجاتهم، من قبيل المسرح والغناء والرسم والموسيقى إضافة إلى القراءة والكتابة والسينما، والرفع من منسوب الوعي الثقافي، انتشار التنشيط المسرحي ، الشيء الذي ساهم في بروز العديد من الفرق المسرحية والمجموعات الغنائية الكبرى، والمواهب في مختلف الأصناف… وهي المناسبة التي كثيرا ما شكلت فرصة سانحة أمام الشباب للتعرف والاحتكاك بكبار المفكرين والفنانين والمثقفين والشخصيات العامة وسط المجتمع. هذا لا يعني بتاتا أن دار الشباب استنفدت مهامها المجتمعية كما يروج لذلك، عن جهل بقيمتها وقيمها، بل على العكس من ذلك ستبقى الحاجة ماسة لدار الشباب باعتبارها مشتلا لمد المجتمع بالأطر وفضاء لتقديم الخدمات التربوية والثقافية والترفيهية للطفولة والشباب، في تكامل تام مع مؤسسات التنشئة الاجتماعية… وقائمة على ضرورة حضارية وتاريخية مساهمة بشكل كبير في تنزيل المشاريع التنموية في أبعادها الاجتماعية والثقافية والتربوية، كما أننا نسعى من خلال هذا الملتقى الوطني وبحضور نخبة من المفكرين والفاعلين الذين خبروا أهمية هذه المؤسسة، أن نسائل وظيفة دار الشباب في ظل المتغيرات الراهنة ونسلط الضوء على الجوانب الفكرية والسوسيولوجية والقانونية، التي تشكل عائقا أمام تطور ورقي دار الشباب المغربية لتتلاءم وتطلعات الحركة الجمعوية وروادها وتسعفهم في تنزيل مشاريعهم التربوية والثقافية، كما نعول على الجرأة في الطرح والتفاعل حول كل القضايا المرتبطة أولا بدار الشباب، وثانيا حقوق الطفولة والشباب، التي أصبحت اليوم حقوقا دستورية.
إن مجتمعنا في حاجة إلى دار الشباب التي لها جاذبية للأجيال الجديدة، في عالم يتسم بالتحول الرقمي وهيمنة الثقافة البصرية، وفي حاجة إلى مواصفات لتحديث هذه المؤسسة تجهيزا وتأطيرا نوعيا وهندسة معمارية، تحترم الخصوصية الحضارية وتستجيب لمواصفات الجودة والجمالية، لضمان تقديم خدمات تساهم في تكوين شخصية روادها وتحفزهم على التفكير والعيش المشترك والإبداع والانفتاح… وبالموازاة مع ذلك تحتاج دار الشباب إلى قوانين تخدم هذا المشروع وتقوي من أهمية التدبير المشترك تفعيلا للديمقراطية التشاركية ما يسمح بانفتاحها على محيطها الاجتماعي والاقتصادي والتربوي… واعتبر رئيس جمعية الشعلة سعيد العزوزي بأن المدخل الحقيقي لتطوير دار الشباب يرتبط أساسا بتجويد المنظومة القانونية والجبائية للجمعيات والحد من معاناتها، مع الحق في التأسيس أو التجديد، وضمان مشاركة عادلة في الولوج للتمويل العمومي، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية التي تساوي بين الجمعيات التطوعية التي تسدي خدمات اجتماعية عمومية وبين الشركات الربحية، كما أن الأمر يتطلب مراجعة شاملة لقوانين الديمقراطية التشاركية والتشاور العمومي والإحسان العمومي وقانون التطوع التعاقدي وضرورة إصدار قانون التشغيل الجمعوي والمنشط التربوي الذي يفتقد للحماية القانونية والاجتماعية…كل ذلك يتطلب منا جميعا فتح ورش وطني للتداول وللترافع حول مدونة شاملة لقوانين الجمعيات برمتها.
هذا وقد ترأس الجلسة الأولى من أشغال الملتقى الرابع لدور الشباب عبد المقصود الراشدي، الذي شدد على أهمية النقاش اليوم عن مؤسسة دار الشباب كونها إحدى المؤسسات الرئيسية للتنشئة الاجتماعية، والتي لعبت عددا من الأدوار طيلة تاريخ وجودها، خاصة في مجالي الطفولة والشباب. ويأتي هذا اللقاء تماشيا مع توجهات الدولة لبناء نموذج تنموي جديد خاصة تركيزه على مفهوم الدولة الاجتماعية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن هذه المقاربة في غياب لنصف المجتمع وغياب قضاياه وأسئلته، وبالتالي فالنتيجة ستكون لا محالة على غير ما نتمناه وننتظره.
بدورها اعتبرت دة. صفاء القدوري في مداخلتها المعنونة بـ»دار الشباب المغربية بين الواقع و المأمول» أن هذا اللقاء المرتبط بموضوع دور الشباب المتمثل في دراسة واستجلاء العناصر التي تمكن من استجلاء عدد من العناصر التي تمكن من توضيح الصورة الضبابية التي تضع هذه المؤسسة في المنزلة بين المنزلتين، أي بين قلق الماضي واستجلاء الحاضر.
انطلقت قدوري من سؤال جوهري حول الهوية معتبرة أن أي مدخل اجتماعي لبناء الهوية المؤسساتية والهوية المهنية لدار الشباب أي كيف يمكننا بناء نظام رمزي اجتماعي يمثل قالبا لهوية دار الشباب المغربية. ولمحاولة تحليل هوية دار الشباب ركزت المتحدثة نفسها على مدخلين رئيسيين هما: البنية المؤسساتية والدينامية التاريخية لهذه المؤسسة .
هوية هذه المؤسسة تتأتى من بعدين: الأول هو المشاركة الجماعية التي تسمح بخلق فضاء رمزي يمكن الأفراد والجماعات من التموقع داخل المجتمع، أي أنها تعمل على بناء نظام اتصال بينها وبين المجتمع، أما البعد الثاني فيتعلق بأهمية البنية التنظيمية التي تشكل هوية المؤسسة، والتي تسمح بالإجابة عن عدد من التساؤلات المرتبطة بهذه المؤسسة من قبيل(من نحن، ما مهمتها، ما طرق تدبيرها…)، وتتميز هذه الهوية التنظيمية بعدد من الخصائص التنظيمية: الهيكلة – طريقة الاشتغال – القوانين التنظيمية – التأطير … غير أن هذه الهوية، حسب المتحدثة، ليست ثابتة بل متغيرة لأنها تتأثر بعدد من الظروف الداخلية الخارجية كما تساهم البيئة المحيطة في تحديد طبيعة الهوية التنظيمية، وأعطت كمثال لذلك دور الشباب قبيل الاستقلال والمراحل الأولى منه، وحدث المسيرة الخضراء، حيث أن نوع الخطاب السائد كان مرتبطا بالمواطنة في المقام الأول، كما توقفت عند العلاقة بين الهوية التنظيمية للمؤسسة وعلاقتها بالمعاني الاجتماعية التي يحملها المجتمع، حيث أنه كلما تطور المجتمع ألا وتطورت معه مجموعة من القيم التي تؤثر على هويتها التنظيمية.
كما توقفت عند بعض مظاهر أزمة هذه المؤسسة من حيث طبيعة الميزانية وطبيعة الأطر وتغير اهتمامات الشباب وعدم قدرتها على مسايرة هذه التغيرات، بل إن هذه المؤسسة أصبحت على هامش اهتمامات السلطة الوصية، ناهيك عن التباين الحاصل بين دور الشباب نفسها وما بين المجالين القروي والحضري وحجم الأنشطة، وتباين أثر هذه الأنشطة داخل المؤسسة وخارجها، كما خلصت في نهاية مداخلتها إلى تقديم عدد من الاقتراحات المساعدة على تطوير عملها من قبيل:
-أهمية العمل التشاركي والتنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة في هذا المجال أصبح ضرورة حتمية.
– قدرتها على التطور رهينة بتطوير عدد من المهارات لدى الشباب من قبيل: الحرية – الديمقراطية والمرونة الاجتماعية .
في سياق متصل، انطلق د. حسن صابر في مداخلته حول مستقبل دور الشباب بين سؤال الهوية ومتطلبات التغيير، من منطلق أساسي عنونه بثقافة الاعتراف التي جبل عليها جيل المحاضر خصوصا جمعية الشعلة التي تربى في أحضانها بدار الشباب معرجا على مختلف الملتقيات التي نظمتها الشعلة في نفس الموضوع.
عمل بعدها على تقديم قراءة لشعار الملتقى خاصة للصورة المصاحبة للشعار، والتي أوّلها بخاصية الهدم مقابل التغيير، بالإضافة إلى الألوان التي ترمز إلى الهوية التي نسائلها اليوم كونها رمزا للمقدسات والثوابت الوطنية بل إنه جعل دور الشباب مجالا رئيسيا لتخليق الحياة العامة للتربية على القيم وفضاء حقا للمواطنة، كما أشار إلى أن الشعلة من خلال ملتقياتها توثق لمسار الفاعل الجمعوي وتطرح الذاكرة الثقافية للحركة الجمعوية، بل إنه أكد أن طبيعة الحضور داخل القاعة والذي يمزج بين الماضي والحاضر وطبيعة البنية العمرية الحاضرة تحمل في طياتها إجابة عن سؤال المداخلة، كما اعتبر بأن الملتقيات بمثابة الفتنة لكنها فتنة متنورة من خلال طبيعة الأرضية المصاحبة لهذا اللقاء، ومن خلال خصائص الجلسة الافتتاحية، والتي تميزت بحضور الفاعل الترابي، المؤسساتي، المدني، ومن خلال محاور الملتقى كذلك وطبيعة الخيط الناظم بينها، كما اعتبر أن دور الشباب في قلب الدولة الإيديولوجية بمفهومها الإيجابي يجعلها مدخلا للتربية على القيم، وختم مداخلته بالإشارة إلى المرسوم الجديد المنظم لدور الشباب، وعلاقته بضرورة تغيير البنية الوظيفية لدور الشباب وطبيعة المتدخلين فيها وأدوارهم.
وقد ختم النقاش عميد كلية علوم التربية الدكتور عبد اللطيف كداي بمداخلة حول دار الشباب المغربية وأسئلة الهوية، والذي انطلق في مداخلته من ثلاث نقط محورية هي:
– التحولات التي يعرفها المغرب.
– علاقة التحولات بدار الشباب.
– الأدوار الجديدة لدار الشباب.
وللإجابة عن هذه النقط النقاشية رّكز الدكتور في مداخلته على سنة واحدة هي سنة 2022 ، هذه السنة التي تميزت بإصدار عدد من التقارير المهمة من أهمها:
– التقرير الذي أصدرته اليونسكو في موضوع التربية والتكوين وتصوره للعالم إلى حدود 2050.
– قمة دولية ترأسها الأمين العام في موضوع تطوير التعليم.
– قمة دولية للشباب وأهمية الإعلان الصادر عنها في موضوع تطوير التعليم.
– تقرير التنمية الإسلامية العربية.
-تقرير البارومتر العربي.
هذه التقارير بحسب د. كداي، وقفت كلها على مشكل الشباب على مختلف المستويات خاصة الشباب الذي يتوجه للخارج ودور الواقع الاقتصادي في ذلك، فالتقارير الوطنية لم تختلف كثيرا عن الدولية، حيث أشار في معرض حديثه إلى ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب مع تقديمه لرقم مقلق في هذا الإطار، حيث أن 27% من الشباب لا يدرسون ولا يعملون ولا يتابعون دراستهم في أي تكوين.
بخصوص دور الشباب أشار د. كداي إلى تراجع مهول لدور الشباب على مستوى العدد، على مستوى الموارد البشرية، على مستوى المتطوعين حيث أنه من بين 200 ألف جمعية لا يتجاوز عدد المتطوعين المنخرطين فيها 48 ألف.
كما اعتبر المتدخل نفسه بأن دار الشباب هي صمّام أمان للشباب على مستوى التنشئة الاجتماعية هذه الأخيرة التي تقوم بها وسائط التواصل الاجتماعي،والخطورة التي تشكلها أثناء بحث الشباب عن هويتهم الذاتية، ولعل أكبر دليل على ذلك ظاهرة التطرف الديني التي انساق إليها عدد من شباب العالم العربي ومن بينها المغرب، وتأثير ذلك على الاستقرار الداخلي والهوية الوطنية.
وقد قدّم المتدخل بعض الاقتراحات أو المخرجات من أهمها:
-على النظام التعليمي أن يساهم في تطوير دور الشباب خاصة الجامعي منه من خلال البحوث الأكاديمية أو من خلال مجزوءات أو وحدات مرتبطة بها، بل القيام بأعمال تطبيقية بدور الشباب انطلاقا من تلك المجزوءات.
-مشروع الوزارة مع الطلبة الجامعيين حول الدعم التربوي بالمؤسسات التعليمية يجب تصريفه بدور الشباب كي يتعرف التلاميذ على هذه المؤسسة وأدوارها، وبالتالي تكون المؤسسة التعليمية مشتلا للمنخرطين والأطر، تتجدد بها مضامين دور الشباب خاصة مع الثورة الرقمية.