ظهرت إبّان مرحلة الاستشراق الإسرائيلي -وهي المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل المدرسة اليهودية في الاستشراق (اليهودية، الصهيونية، الإسرائيلية)- عدّة كتابات حول قصص القرآن الكريم؛ ولم يكن ذلك غريبًا إذ إن المدرسة اليهودية في الاستشراق بجميع مراحلها واتجاهاتها مثَّلت امتدادًا للمدارس الغربية في الاستشراق، وكرّرت ما طرحته هذه المدارس الغربية من فرضيات حول القرآن الكريم، وبالتالي فقد (كرّرت) الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية هي الأخرى نفس فرضيات اقتباس القرآن الكريم لهذه القصص من العهدَيْن القديم والجديد، خاصّة لقصص ما يُعرف في الديانة اليهودية بــ(الآباء أو البطاركة) مثل: آدم، وإبراهيم، ويوسف، ويعقوب، وهي الشخصيات المؤسِّسة أو الكبرى في الفكر الديني اليهودي؛ إذ أطلقت الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية عليهم لفظ «الأنبياء المشتركون»، أي: المشتركون بين اليهودية والإسلام.
أضاف زاوي أن انعدام البُعد التاريخي في قصص الأنبياء بالقرآن لا يمثّل مشكلة للمسلمين الذين يرون في القرآن والحديث النبوي الحقيقة الأدبية الكاملة، إلا أنّ الأمر ليس كذلك في الحقيقة؛ فعلى سبيل المثال السورة رقم 12 (سورة يوسف)، وما احتوته من قصة يوسف، يوجد بها تغييرات وتناقضات واضحة وخطيرة لا سيما فيما يتعلق بقصة يوسف وزوجة فوطيفار[28]، وكذلك القصص المنسوبة لموسى وفرعون ومريم أخت موسى، وكذلك لمريم أم يسوع…إلخ، وكلّ هذه المشكلات في هذا القصص تزيد من عملية (النقد التاريخي) لها.
كما اعتبر زاوي أنّ بعض الإشكاليات التاريخية في قصص القرآن تتّضح من خلال كتاب المؤرخ الإسلامي المشهور ابن خلدون المكتوب في القرن الـ14م، والذي حمل عنوان: (المقدمة)، وأشار فيه إلى أن (يوسف كان يعبِّر الرؤيا) كما هو مذكور في القرآن، لكنه تناسى أن يذكر المصدر التوراتي المتمثل في سفر التكوين، والذي كُتب قبل 12 أو 15 قرنًا من ظهور القرآن، معتبرًا أنّ المصدر التوراتي هو الأصل وأن قصة القرآن أُخدت منه بعد الكثير من التشويهات والتغييرات، كذلك الاختلاف بين الرواية التوراتية والقرآنية حول قصة إبراهيم ورحلته، والتي اعتبر أنها تحمل الكثير من الاختلافات، لكنها تؤكد حقيقة أنّ النصّ الصحيح ستظهره بشكل حاسم علوم النقد النصي والاكتشافات الأثرية.
أشار زاوي كذلك إلى أنّ اختلاف الروايتين (التوراتية والقرآنية) حول عدد من القصص يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك كاتب واحد للقرآن أو أكثر؟ وهل كلّ منهم كتب عدة سور قرآنية؟ مضيفًا أنه لا يجب إنكار قضية أنه أحيانًا يورد القرآن قصة توراتية كاملة وأحيانًا أخرى يورد قصصًا أخرى مختلفة أو بتفاصيل مختلفة تتفق أو لا تتفق مع القصة التوراتية.
يرى زاوي أيضًا أنّ قصص القرآن المكتوب بهذه الطريقة يثير إشكالية أخرى، وهي أن أيّ كتاب به آيات إلهية يوجد به أيضًا تدخلات بشرية مختلفة تتعلّق بأسلوب الكتابة، أو اللغة، أو التنقيط، أو حتى النُّسَخ المختلفة المكتوب بها، وأنّ النُّسخ المختلفة للقرآن التي ظهرت بعد وفاة محمد تؤكد ضرورة وجود تفسيرات مختلفة للقرآن رجَّحَت نُسَخًا على أخرى من بين هذه النُّسخ المختلفة.
حاول زاوي كذلك المساواة بين قصص الأنبياء في القرآن والقصص الواردة في كلّ من الآجادا والمدراشيم اليهودية، مشيرًا إلى أنه كما حاول كتبة الآجادا والمدراشيم إحاطتها بنوع من القداسة وذلك عن طريق اقتباس بعضها أو إحاطتها باقتباسات سواء حرفية أو غير حرفية من التناخ (العهد القديم)، كذلك سارع القرآن باتهام اليهود والنصارى بتحريف كتبهم المقدّسة، وذلك حفاظًا على الطابع الإلهي لقصص القرآن، معتبرًا أن ذلك اتهام وأسلوب خطير حقًّا، رغم أن عددًا من الكفار ويهود الحجاز قدَّروا ما جاء به محمد وآمنوا به.
وحول قصص بني إسرائيل وأنبيائهم تحديدًا في القرآن، يرى زاوي أنّ القرآن في بعض الأحيان ذكَر اليهود بشكل حسن، وأحيانًا أخرى ذكرهم بشكل عدائي، مشيرًا إلى أن أغلب الظنّ أن محمدًا سمع قصص اليهود من بعض النصارى والقساوسة ورجال الكنيسة الذين لم يكونوا على علاقة طيبة باليهود إبّان عصر محمد، وبالتالي لم يكن غريبًا أنه بعد فترة قصيرة من تودد محمد لليهود في مكة والمدينة ابتعد عنهم، واتخذ منهم موقفًا عدائيًّا بعدما رفضوا اعتناق الإسلام.
وأضاف زاوي كذلك أنّ القرآن يُقِرّ بقصة الأرض الموعودة لبني إسرائيل وأنها منحة إلهية لا يمكن ردّها، كما أنه يقرّ بكلّ قصص بني إسرائيل المنتمية لأربعة أجيال متتالية لبني إسرائيل منذ دخولهم الصحراء وحتى دخولهم لأرض الآباء.
يلاحظ أنّ زاوي من خلال هذا الجزء وضع قصص القرآن الكريم في سياق (تاريخي)، لمحاولة اعتبار أنّ القرآن الكريم هو نصّ له تاريخ، متأثرًا في ذلك بمدارس النقد الغربية: (النقد التاريخي، النقد النصّي، النقد الأدبي، النقد المصدري) التي طبقت هذا المنهج التاريخي على الكتاب المقدّس وأظهرت أن أسفار الكتاب المقدّس كُتبت في فترات تاريخية مختلفة، وأنّ لكلّ نصٍّ تاريخًا مختلفًا عن الآخر، وتنتمي لحقبة تاريخية مختلفة ولها كاتب مختلف وبالتالي تنتمي لثقافة مختلفة.
في هذا الصدد، من الواضح أن زاوي قد تجاهل أن مدارس النقد الغربية التي تطورت لدراسة نصّ الكتاب المقدس بعهدَيه القديم والجديد، جاءت من منطلق أن هذا الكتاب -سواء عند اليهود أو النصارى- ما هو إلّا أدبٌ عالٍ، من وَضْع عنصر بشري يمثل أرقى إنتاج أدبي إنساني عبر العصور، كما ينظر إليه على أنه عمل (متطوّر) بمعنى أنه لم يؤلَّف مرة واحدة أو في مرحلة واحدة، بل مَرّ بمراحل وتطورات تاريخية وأدبية مختلفة، تجعله قابلًا للنقد الأدبي والتاريخي.