محمد حسني إدريسي، البشير تامر، شكير عكي، محمد صهود نواة لمدرسة في ديدكتيك التاريخ:
لا يستقيم الحديث حول تدريس التاريخ في المدرسة المغربية دون استحضار اسمين وازنين في حقل ديدكتيك التاريخ، يتعلق الأمر بالأستاذ مصطفى حسني إدريسي الذي صدرت له مؤخرا النسخة العربية من كتابه «التفكير التاريخي»، وزميله البشير تامر، صاحب أطروحة «الزمن التاريخي»، وتلميذهما محمد صهود، صاحب كتاب « التحقيب التاريخي»، بالنسبة للأول فقد خلص، معتمدا المنهج الكمي في دراسته، إلى كون تعلم التفكير التاريخي مرتبط أساسا بالجانب المنهجي، أي التفكير التاريخي. ويمكن الرجوع إلى عصارة هذه الدراسة من خلال تصوره لمصوغة تضمنت مختلف خطوات المنهج التاريخي، وهي نفس الرؤية التي نجدها لدى باحثين أجانب كان لهم السبق في هذا الجانب؛ ونخص بالذكر (هنري مونيو، كريستيان لافيل، نيكول لوتي)، أما الباحث البشير تامر فقد توصل إلى أن منهاج مكون التاريخ عاجز عن تقديم رؤية واضحة حول الزمن التاريخي خاصة في مرحلة حاسمة في التعلم، يتعلق الأمر بالسلك الثانوي الإعدادي، وهي مرحلة أجمعت الدراسات السيكولوجية بأنها تشكل حسما في تعلم مثل هذه المفاهيم. ويلاحظ هذا العجز بشكل جلي من خلال نوع الدروس الملقنة وكذا في جودة الامتحانات الجهوية التي لاتسعى إلى مقاربة مفهوم الزمن التاريخي بالوسائل الديداكتيكية المطلوبة.
إن التقسيم الكرونولوجي المعتمد اليوم في ميدان التاريخ بالجامعات والمدارس المغربية موروث عن البناء الفكري الذي أفرزته المدرسة الفرنسية، وهو ما يقدم نوعا من التاريخ الذي لايستجيب إلا لمقاييس صنف محدد من التاريخ هو التاريخ السياسي، والذي يتناسب مع الزمن القصير المتحول باستمرار كما هو الحال بالنسبة لتاريخ الحروب والمعاهدات السياسية …
معضلة التحقيب؛ المؤرخ محمد حبيدة يوضح:
يقترح المؤرخ المغربي محمد حبيدة ضرورة استحضار مفهوم «ماقبل الكولونيالي» لمقاربة مفهوم التحقيب، وهو مادفعه إلى طرح أسئلة متشبعة بإمكانها أن تحل شفرة التحقيب من قبيل؛هل يمكن اقتراح تصور زمني أكثر ملاءمة وتنبها لمفهوم الزمن الطويل من خلال استثمار الدراسات الإنسانية والاجتماعية المتعلقة بالمغرب؟ هذا السؤال يجرنا إلى القول بأن الزمن الطويل هو المسيطر على غالبية برنامج التاريخ في جميع الأسلاك التعليمية بما فيها الجامعية، وبالتالي يجيب محمد حبيدة عن هذا السؤال ببحث أكاديمي بعيد عن حقل الديدكتيكية لمقاربة الزمن التاريخي من خلال ما أنجز في حقل التاريخ من أبحاث قام بها مؤرخون وعلماء ينتمون إلى حقل العلوم الاجتماعية، ومن جهة أخرى مساءلة التحقيب على ضوء الإسطوغرافية الراهنة، وقد خلصت دراسته إلى إمكانية الحديث عن نوعين من الأزمة وهما الزمن ماقبل الكولونيالي والزمن الطويل أوالعصور الوسطى الممتدة على حد تعبيره.
بالنسبة لزمن ماقبل الكولونيالية فهو يطرح إشكالية ما اصطلح عليه عبد الأحد السبتي «بلحظة الكشف» أي (القرن التاسع عشر)، وهي نقطة جد مهمة مغيبة في أغلب الدراسات لأنها تشكل متتالية من الأحداث تفسر ماحدث عشية توقيع الحماية. ففي برنامج التاريخ يجد الأستاذ نفسه ملزما بشحذ أذهان تلامذته بمعرفة تاريخية ناقصة وغير مستوعبة؛ ذلك أن التلاميذ يفهمون، من خلال الدروس الملقنة، أن توقيع الحماية سنة 1912 مرتبط بأحداث العشرية الأولى من القرن العشرين، والتي تشمل أحداثا تاريخية كالضغوط الداخلية (الثورات القبلية ومنها ثورة المدعو بوحمارة وثورة الريسوني وتمرد الساكنة لامتناعها عن دفع الترتيب العزيزي ) والضغوط الخارجية، ومنها مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 والديون المتراكمة بفعل القروض الممنوحة بفوائد مرتفعة للمخزن العزيزي والاتفاقات الودية التي منحت كعكة المغرب لفرنسا وإسبانيا بعد تنازل كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا عن حقهم «المشروع» في المغرب، إنها معرفة رديئة تجعل التلميذ يفسر الحدث التاريخي بأحداث قريبة وتجعله غير قادر على استعمال أدوات التفكير التاريخي للانتقال بكل أريحية بين محطات تاريخية بعيدة، وهنا لابد من تدريس هذه الأحداث وفق تقسيم كرونولوجي آخر يهم ما أسماه فريق كتاب «تاريخ المغرب تحيين وتركيب» بالقرن التاسع عشر الممتد.
لقد استحضر محمد حبيدة نماذج أخرى تعاملت في أبحاثها بشكل لا تستحضر «لحظة الكشف» أي أن أصحابها لم ينطلقوا من القرن التاسع عشر ومنهم عبد المجيد قدوري، الذي أبان في كتابه « المغرب وأوربا» عن نقطة جد مهمة مغيبة في برامج التاريخ المدرسي، ويتعلق الأمر بكون التفاوت التاريخي بين المغرب وأوربا يكمن في المرحلة الممتدة تاريخيا مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، وهي حقبة تظهر فشل دولة السعديين في مواصلة التحديث على غرار الدول الأوربية التي نجحت في هذه المهمة الصعبة، والتي معها دخلت أوروبا العصر الحديث من بابه الواسع. وهي نفس النقطة التي أثارها بيرنارروزنبورجي المتخصص في تاريخ الأطعمة والمجاعات، إذ سبق له أن طرح سؤالا استنكاريا حول ما إذا كان بمقدور دولة الشرفاء السعديين الدخول إلى العصر الحديث خلال القرن السادس عشر على غرار أمم أوروبا، أم أنها فشلت في ذلك ؟ إن الجواب عن هذا السؤال، حسب محمد حبيدة، يجرنا إلى الكشف عن ما وقع بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي(1603)، الذي يرتبط اسمه بفتح السودان الغربي سنة (1591) والذهب الذي جلبه منه والذي وفر له أرضية خصبة لمواصلة التحديث والاصطفاف في مصاف الدول الأوروبية، التي تمكنت من دخول العصر الحديث بعد التراكم الكبير الذي شمل ميادين الاقتصاد والفكر والسياسية. لقد أجهز أبناء المنصور الذهبي ومعهم الفقهاء على محاولة أبيهم التحديثية، وهوما يفيد حسب الباحث أن قوة البلاد ارتبطت باسم السلطان أكثر من بنية الدولة، وهي الوضعية التي سيظل عليها المغرب إلى حين دخول فرنسا وإطلاقها لأوراش الإصلاح. فالمغرب بهذا المعنى ظل في حلقة مفرغة لقرون من الزمن، وفشل فشلا ذريعا في الدخول إلى العصر الحديث، ففي الوقت الذي نجحت فيه أوربا في مكننة الفلاحة وإدماج العلم فيها لرفع المردودية وتحسين جودة الإنتاج وكذلك تحديث الجيش وتطوير عتاده الحربي، ظل المغرب حبيس المحراث الخشبي وبندقية البارود وفتاوى الفقهاء الرجعية، وكلها عوامل ستفسر انتكاسة المغرب في مراحل متتالية من التاريخ؛ كاندحاره أمام فرنسا وإسبانيا في معركة إسلي وحرب تطوان واستسلامه في مؤتمري مدريد والجزيرة الخضراء وأخيرا قبوله بالواقع المرير للحماية الفرنسية.
لقد خلصت دراسة محمد حبيدة إلى كون الزمن ماقبل الكولونيالي يتسم بالتغيير بحسب نوع موضوع البحث وإشكاليته، وهنا يطرح تساؤل آخر مرتبط بعلاقة هذا النوع من الأزمنة بالتحقيب. إن التحقيب من منظور محمد حبيدة يستدعي منا استحضار عنصرين أساسيين وهما :
نسبية التحقيب، فهو متحول وليس ثابت وهذا الثبات والتحول مرتبط كما قلنا بموضوع الدراسة وطبيعة إشكاليتها، كما أنه متغير تبعا لتطور البحث التاريخي مما يعني أن التحقيب المعتمد في برامج التاريخ المدرسي ليس مقدسا وبإمكان المدرس أن يتجاوزه متى دعت الضرورة إلى ذلك.
التحقيب البروديلي وإشكالية أجرأته على النموذج المغربي:
إن الزمن التاريخي ماهو إلا قماشة خلفية لكل بحث تاريخي على حد تعبير مارك بلوخ، لهذا نجد في أوروبا تجديدا دوريا لمضامين التاريخ الأوروبي. فأين نحن في مناهجنا من التحقيب الذي اقترحه فيرناند بروديل في أطروحته حول «المتوسط في عهد فيليب الثاني»، وهو المؤرخ الجريء الذي طالب بوضع تحقيب يشمل المدد الطويلة والمتوسطة والقصيرة، إذ تصلح الأولى لدراسة البنيات في حين تعتمد الثانية لمعالجة الظرفيات أما الأخيرة فتستعمل لدراسة الأحداث.
إن الزمن الذي يشكل أرضية لممارسة البحث التاريخي هو من ابتكار الإنسان، حسب تعبير فيرناند بروديل، وبالتالي فهو لايمثل أدنى قيمة. وحسب محمد حبيدة فإنه لمح إلى أنه بإمكان الممارسين من تربويين وأكاديميين أن يطوروا نظرتهم للتاريخ دون قيد، وبالتالي يمكن مراجعة ماكتب حول تاريخ المغرب من الوسيط إلى مرحلة ماقبل الاستعمار.
إن الأحداث التاريخية التي مر منها المغرب واكبت تحولا سياسيا وجغرافيا في ذات الوقت، وهو التحول الذي لم يواز تحول بنياته؛ فالمغرب الذي قام على العصبية القبلية زمن الإمبراطوريات واكبه توسع جغرافي وصل إلى الحدود مع ليبيا وشمل جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية، لكنه إنكمش في عهد الدول الشريفة منذ انهزام المغرب في معركة العقاب عام (1212) لينحصر في المغرب الأقصى ومحاولة التمدد إلى أقصى الجنوب في عهد السعديين. هذه التحولات الجيو-استراتيجية بإمكانها أن تتناسب مع ما نّظر له فرناند بروديل، بل بإمكاننا الذهاب معه إلى حد القول، إن المغرب دخل المرحلة الحديثة لكن هناك ثغرة أخرى يستحيل معها هذا التنظير لأن العصر الحديث يعني في الأدبيات التاريخية، حسب محمد حبيدة، اختراق عالم الحداثة الذي فشل المغرب في الولوج إليه، وبهذا ستشمل التحديث في جميع البنيات مما يعني أنه «لايمكن الكشف عنها قبل التحولات والتجارب الجديدة التي أدخلها الاستعمار، والتي فرضت واقعا لم يسبق له مثيل «.
إن التاريخ المغربي، الذي يدرس اليوم في المدارس والجامعات المغربية له خصوصيات تختلف عن مثيلتها بالدول الأوروبية مما يصعب معه الإسقاط، إنه التاريخ البطيء الذي علق عليه فرناند بروديل بقوله «تاريخ بطيء السيل والتحول، مكون في الغالب من رجوعات ملحة وحلقات متكررة باستمرار»، وحسب محمد حبيدة المتخصص في التاريخ الوسيط فإن بنيات المغرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ظلت تعاني منذ الفترة الوسيطية وإلى غاية عهد الحماية من هذا البطء الشديد، ولنا في شكل ممارسة السلطة اليوم بالمغرب خير دليل عن ذلك، إذ تغيرت وجوه المخزن لكن جوهره الذي رسم معالمه المولى إسماعيل ظل على حاله، وكذلك العلاقات بين الحاكمين والمحكومين والمشتغلين وأرباب العمل والعمال وحتى داخل النقبات والأحزاب والزوايا والمدارس فكل هذه الثنائيات هي علاقة تربط في الأصل الشيخ بمريده، حسب تعبير الانتربولوجي المغربي عبد الله حمودي، وهي ثنائيات تكاد اليوم مغيبة في المجتمع الأوروبي الذي خطا خطوات جريئة منذز من الثورة الفرنسية المجيدة .
إن المغرب، حسب محمد حبيدة، ظل وفيا ولقرون من الزمن لحياة العصور الوسطى بكل تجلياتها وفي جميع بنياتها إلى حين قيام النظام الاستعماري سنة (1912)، وهي الصورة التي نقلها عن المغرب أسرى الحروب والمخبرين وبعدهم ضباط الشؤون الأهلية، ولعل هذه الأبحاث استثمرها باحثون مغاربة من أجل التأنيب لكن المسؤولين اليوم عن السياسات الكبرى في المغرب لم يأخذوها بمحمل الجد، وهذه ليست مهمة المؤرخ. هناك شيء آخر لعب دورا كبيرا في هذا البطء وهو بنية الإسلام البطيئة الذي ظل يشكل «الإطار الوحيد والقالب الرئيسي الذي خرجت منه كل أشكال الفعل والتمثل وطرق التعامل مع الأجانب…باعتبارهم كفارا « فلا تخلو كتب التاريخ كما هو الحال عند إبن عذاري المراكشي والناصري والسلاوي وأكنسوس وأبو القاسم الزياني من ذكر كلمة العدو أو الكافر أو دار الإسلام مقابل دار الكفر. وأخيرا يمكن القول إن المغاربة عبر التاريخ ظلوا متشبثين بأفكارهم إلى حد القداسة ولم يستطيعوا تغييرها أسوة بجيرانهم في الضفة الشمالية للمتوسط إلى أن جاء الاستعمار وزعزع هذه البنيات.
إن رؤية محمد حبيدة النقدية تجاه حال تاريخ بلادنا تجرنا إلى استعارة رؤية ميشيل فوكو حول رصد ملامح الثورة الجديدة في الكتابة التاريخية الرامية إلى إعادة بناء «مقولة الحدث التاريخي»وهو مايوضحها هذا النص الطويل:
«ها قد مضت عشرات السنين واهتمام المؤرخين متركز بالدرجة الأولى على الفترات الطويلة، كما لو كانوا يسعون إلى أن يكتشفوا خلف تغيرات السياسة وتقلب أحوالها، والتوازنات القارة التي يعسر الإخلال بها، والتطورات التي ترتد على عقبيها، والانتظامات الثابتة، والظواهر النيالة التي تنقلب عندما تصل إلى أوجها بعد أن تكون قد استمرت حقبا زمنية طويلة، وحركات التراكم والإشباع البطيء، والدعائم العظيمة الثابتة الخرساء التي كساها تشابك الحكايات التقليدية بغلاف سميك من الأحداث، من أجل القيام بهذا التحليل، يتوفر المؤرخون على أدوات صاغوها بأنفسهم في جانب منها وتلقوها في جانب آخر…لقد مكنتهم تلك الأدوات من أن يتبنوا داخل حقل التاريخ، طبقات رسوبية متباينة، فحلت مكان التعاقبية الخطية التي كانت حتى تلك الآونة تشكل موضوع البحث التاريخي، عمليات سبر الأغوار، بدءا من الحركية التي تطبع السياسة حتى التباطؤ الذي يميز الحضارات المادية، تعددت مستويات التحليل، وتميز كل منها بانفصالاته الخاصة، وانطوى على تقسيم لايخصه إلا وهو وحده، وكلما اتجهنا نزولا نحو أكثر الدعامات عمقا ازدادت التقسيمات اتساعا وشساعة، وارتسمت خلف التاريخ الذي يعج بالحكومات والحروب والمجاعات، تواريخ يكاد النظر لايستبين حركتها. تواريخ بطيئة الحركة كتاريخ الطرق البحرية وتاريخ القمح، ومناجم الذهب وتاريخ الجفاف والري، والأراضي وتاريخ التوازن الذي يقيمه الجنس البشري بين العوز والرخاء».
إن تحليل مضان هذا النص الطويل تجرنا إلى القول إن باحثين خارج حقل التاريخ تنبهوا من موقعهم المعرفي إلى أزمة التاريخ في بلدانهم، وربما هذه الرؤية الفوكوية لا تختلف عما أشار إليه محمد حبيدة لكن الفرق الوحيد الذي يطبع همومهما هو أن فرنسا ومعها الدول الأوروبية تجاوزت المأزق الذي ظل يتخبط فيه التاريخ كوعاء علمي لمدة من الزمن فأطلقت أوراش التحديث وانتهى بها ذلك إلى بناء مدرسة تاريخية جديدة تتطلع لهموم الشعوب وراهنية مستقبلهم، أما بالنسبة لنا فليس هناك آذان صاغية لأطاريح المؤرخين الذين يجمعهم هم واحد ألا وهو بناء مدرسة ونسق تاريخيين يجيبان عن أسئلة الحاضر انطلاقا من الماضي لبناء غد أفضل.
خلاصة واستنتاجات :
رغم النبرة الحادة التي صيغت بها هذه المقالة المتواضعة فإن هذا لايعني أنني انتقد وضع المدرسة المغربية من أجل النقد، ولكن من باب غيرتي على مدرستي التي درست وأدرس فيها، فشأني في ذلك شأن جميع الممارسين التربويين؛ فمنهم من ينتقد في صمت ويتقبل الأمر الواقع، ومنهم من يتبادل النقاش مع زملائه وتلامذته، ومنهم من اختار الكتابة لتصل إلى الجهات المسؤولة لتحسين وتجويد برنامج التاريخ الذي يدرس. وأنا واحد من هؤلاء باعتباري ممارسا تربويا ومكونا سابقا وباحثا في التاريخ، والمطلوب هو نهج استراتيجية تشاركية تنبني على إشراك جميع مكونات المدرسة المغربية لإنجاز مقرر دراسي يساهم في بناء مواطنة عالمية صالحة أينما حلت وارتحلت؛ مواطنة متصالحة مع ماضيها، ماض لا كما نقله إلينا الغرب في تقاريره ورحلاته، ولكن كما استوعبه هذا التلميذ ودرسه المدرس. واليوم ليس كالأمس فهناك أرضية خصبة تنتظر من يشتغل عليها، فالمصادر والأرشيفات التي كانت ممنوعة ومحظورة هي اليوم متاحة أمام الجميع، فبإمكان كل فاعل أن يشد رحاله إلى مواطن مراكز الأرشيفات ويحصل على ما لذ وطاب له من وثائق تهم تاريخ بلاده ومدينته، وهي وثائق رفع عنها الحصار منذ أمد قريب، كما أن المفتشين باستطاعتهم تأطير الأساتذة لتحسين أدائهم المهني، إذ لا يعقل أن يخصص مفتش واحد لمقاطعات تضم عشرات الإعداديات والثانويات والمدارس، هذه إذن مهمة الوزارة الوصية على القطاع التي لابد لها من إيجاد حلول لهذه المشاكل، فلا إصلاح في ظل هذه الظروف الراهنة ولا أجرأة للرؤية الاستراتيجية والنموذج التنموي في ظل مقررات بئيسة وتكوينات محتشمة.
* إطار تربوي وأستاذ باحث في التاريخ الديني وانتربولوجيا الثقافة