تتجدد، كل سنة، الانتقادات الموجهة إلى لجنة الدعم التابعة لوزارة الثقافة، في ما يخص انتقاء مشاريع الأغنية المغربية. فبدل أن يتحول هذا الإجراء إلى رافعة حقيقية للنهوض بالإبداع الغنائي، أضحى محطة مثيرة للجدل، تتكرر فيها الأسئلة أكثر مما تتعدد فيها الفرص.
رغم أن الوزارة تعلن، في كل دورة، أن المعايير المعتمدة من طرف اللجنة تركز على الجودة، والتجديد، والتكامل الفني، إلا أن قرارات الإقصاء والمصادقة لا تعكس دائمًا هذا التوجه. بل يلاحظ متتبعون ومهنيون في الميدان غيابا صارخا للوضوح والموضوعية، وتضاربا في المعايير التي يتم على أساسها القبول أو الرفض.
ويمكن للجميع أن يتساءل بشكل موضوعي ،ما الذي يجعل مشروعا يقبل، وآخر يقصى، رغم تقارب المستوى الفني أو تفوق بعض المشاريع المرفوضة من حيث البنية والإبداع؟
تثير هذه الإشكالات شكوكا حقيقية حول ما إذا كانت اللجنة تعتمد فعلا معايير فنية موضوعية، أم أن ذوق أعضائها، وتقديرات رئيسها، وربما توجهات الوزارة وقرارات الوزير نفسه، هي ما يحسم مصير المشاريع.
ويتساءل المهنيون إن كان الأمر يتعلق بلجنة تقييم، أم بلجنة وصاية، تختار ما يوافق هواها أو يرتبط بشبكة علاقات خاصة وأشياء أخرى.
لماذا نفس الأسماء تقبل باستمرار؟ ولماذا تظل أعمال العديد من الفنانين الشباب، وذوي المسارات الموثوقة، خارج دائرة الدعم رغم جودتها؟ من يقرر فعلا، اللجنة أم الوزارة؟ ولماذا لا يتم الكشف عن النقاط التي حصل عليها كل مشروع؟ ثم لماذا لا ينشر التقرير المفصل للجنة تفاديا للقيل والقال؟، لماذا تظل الأسباب الحقيقية للرفض ملفوفة بالصمت؟ أليس من حق أصحاب المشاريع أن يعرفوا أين وقع التقصير، إن وجد، بدل أن يرمى العمل برمته في سلة الإقصاء دون تفسير؟
وتزداد الشكوك عندما يتبين أن عددا من المشاريع المدعمة لا ترى النور أصلا، أو تمر مرورا باهتا لا يلفت انتباه أحد.
فهل الهدف هو الإنتاج أم الترويج؟ وهل تقيس اللجنة جدية المشروع أم تكتفي بالحكم على الورق؟ ثم، لماذا لا تتم متابعة مآل المشاريع المدعمة؟ وهل هناك آليات للمحاسبة؟ أم أن صرف الدعم هو نهاية العلاقة؟
أكثر من ذلك، يتساءل البعض،ما هي الخلفية الثقافية والفنية لبعض أعضاء اللجنة؟ وهل خضعوا لتكوين أو تقييم يخولهم اتخاذ قرارات مصيرية في شأن مشاريع إبداعية معقدة؟ هل يمثلون فعلا تعددية الذوق المغربي وتنوعه الجهوي والثقافي، أم أنهم يعكسون ذوقا واحدا ونمطا مغلقا من الإنتاج الموسيقي؟
وفي انتظار أن يتم تفكيك هذه المنظومة المحاطة بكثير من الغموض، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة تعيد الثقة في هذا المسار برمّته.
أول ما ينبغي الشروع فيه هو اعتماد مبدأ الشفافية الكاملة من خلال نشر لوائح التنقيط والملاحظات المفصلة حول كل مشروع، وتعميم التقرير النهائي للجنة على الرأي العام،كما يتعين تنويع تركيبة اللجنة نفسها، بشكل يضمن تمثيلا فعليا للمدارس الموسيقية والجهات والأجيال المختلفة، مع تقنين مدة العضوية حتى لا يتحول التقييم إلى سلطة دائمة.
إلى جانب ذلك، من الضروري تخصيص نسبة من الدعم للمشاريع الغنائية الجهوية والمبتكرة، بدل تركيزه في أسماء ونمطيات متكررة. ولتعزيز الثقة، لا بد من إحداث آلية تظلم واضحة وفعالة تسمح لأصحاب المشاريع المرفوضة بفهم أسباب الإقصاء وتقديم ملاحظاتهم، ويستحسن أيضا ربط صرف الدعم بالتنفيذ الفعلي والترويج الإعلامي، لضمان وصول هذه الأعمال إلى الجمهور، بدل أن تظل حبيسة الأرشيف.
وأخيرا، لا معنى لكل هذه التدابير دون ميثاق أخلاقي صارم يلتزم به أعضاء اللجنة، يضمن الحياد، ويمنع تضارب المصالح، ويفرض التصريح العلني بأي علاقة قد تؤثر في مسار التقييم.
دون هذه الإصلاحات الجذرية، سيبقى دعم الأغنية المغربية أسيرا لمنطق يقصي بدل أن يمكّن، ويكرس الامتيازات بدل أن يفتح الآفاق أمام الإبداع الحقيقي.
وفي النهاية، يصبح «الذوق» هو الحاكم الحقيقي، لكنه ذوق من نوع خاص ، كما تقول النكتة المغربية «الدود نوعان» و «الدّوق أيضا نوعان… دوق واستبنن، ونتمنى ألا يتحول الأمر إلى «دوق ودوقني»،أو كما يلخصها لسان الناس بمرارة « كتعجبني كتلهمني ،كدوقني وتفهمني» .
وبين ما يدور ويدار في كواليس اللجان، وما يقصى في صمت، تضيع الأغنية المغربية الحقيقية بين بيروقراطية الدعم وسلطة الأهواء.
دعم الأغنية المغربية .. ألحان معلقة على ذوق اللجنة

الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 05/06/2025