«دفاعا عن المدرسة العمومية» لعلال بنعلربي في الزمن الضائع بحثا عن مداخل الإصلاح

 

 

للوقوف على حقيقة مجمل المعيقات التي تحد من تطور وفعالية المدرسة العمومية، وفي سعي للكشف عن كل معيقات الإصلاح المنظومة التعليمية وأسس تطورها، يعرض الأستاذ علال بنلعربي في مؤلفه القيم « يجب الدفاع عن المدرسة العمومية»محاور للنقاش ومجالا للتداول حول العديد من المعطيات التي تشكل المظهر البارز، لتعثر كل المحاولات التي سعت إلى تحديد مكامن الخلل وكشف أسباب الأزمة المركبة في المنظومة التعليمية وتداعياتها البنيوية.
فإذا كان هناك شبه إجماع على أن العملية التعليمية تعاني من اختلالات عميقة تعيق تطورها وتحد من إمكانيات فعاليتها، وأن الإصلاح ضرورة منهجية لتقويم الاختلالات وتحديد مداخله الأساسية، فإن الخلل الأوضح هو تحديد هوية المصلح وخلفيات تفاعله مع مجمل المعطيات البنيوية ومنطلقاته المنهجية.إن الخلل يتجلى من خلال منهجية التحليل وحصر مداخل الإصلاح. فكل «الخطابات الداعية إلى إصلاح النظام التعليمي، التي تكررت في الكثير من المناسبات، تحولت إلى كذبة كبرى.» فقد نظمت مناظرات متعددة، علق عليها أمل كبير وعلى خلاصاتها القوية، بما رصدته من اختلالات بنيوية ومعيقات هيكلية، تحد من فعالية العملية التعليمية وتوسع دائرة تأثيرها السلبي في مسار نمو البلاد وتحقيق نهضتها.
لقد أبرز الزمن الضائع في كل مساعي تحديد مكامن الخلل ومداخل الاصلاح، أن هناك غيابا مكشوفا للإرادة السياسية على مستوى مركز القرار، إلى جانب تكريس كل الآليات لإعاقة أي تطور يرفع من فعالية المنظومة التعليمية « أي الانتقال بالذات الوطنية في كليتها من عالمها المتخلف إلى عوالم الدول المتقدمة، في إطار مشروع مجتمعي تتكامل فيه كافة المرتكزات الاقتصادية والاجتماعية، السياسية والثقافية والإنسانية» أي بناء مشروع مجتمعي متكامل تتحقق معه كل الغايات، يقرب المسافة بين الخطاب السياسي وتحولات الواقع والتفاعل مع وثيرة تطور حاجياته.
إن كل رصد وتتبع لمجريات مجمل التدخلات الرسمية في مجال إصلاح المنظومة التعليمية، يكشف المسافة الفاصلة بين الخطاب التربوي السائد والواقع المعاش. فمن أبرز المعطيات، أن إشكالية تعميم التعليم على الصعيد الوطني، بكل ما يعني ذلك من توفير كل مستلزماته، ظلت تشكل معضلة بنوية مطروحة على كل مستويات المسؤولية في الدولة، منذ استقلال البلاد إلى يومنا الحاضر. على الرغم من كل ما أبرزته المعطيات على الصعيد الدولي، عن « الأهمية الاستراتيجية للتربية والتعليم في تغيير المجتمعات» وموقع المؤسسة التعليمية في الارتقاء الاجتماعي وتطوير السلوك العام، بما يقوي التفاعل الفعال مع المحيط الخاص بكل ما يتسع له النقاش محليا ودوليا.
إن مساهمة الأستاذ علال بنلعربي في تعميم النقاش العام وتحديد مجالاته، يسعى إلى كشف الكثير من الاختلالات الهيكلية والبنيوية، في التعاطي مع ما يعانيه المجتمع المغربي على وجه الخصوص، باعتماد مفاهيم وتصورات تحد من النقاش الحقيقي والفعال، الرامي إلى الارتقاء بالإنسان المغربي وإبراز كل مؤهلاته، في سعيه الرصين والواقعي إلى تحقيق النمو المطلوب لكل ارتقاء حضاري يتناسب والمستوى العام الذي يضمن العيش الكريم ويرفع كل عوامل التهميش، ويحد من الغلو في إبراز الخصوصية في علاقة الدين والسياسة بالتربية والتعليم.
هناك خلاصة أساسية يبرزها البحث الميداني الجاد على صعيد كل المجتمعات، تؤكد على أن « إصلاح التعليم شرط ولوج عالم اليوم»كما يرى معظم المفكرين بمختلف توجهاتهم الفكرية ومناهجهم المعتمدة في التحليل، ويرتبط هذا الشرط بمعطيات لا بد من العمل على توفيرها بكل الجدية المطلوبة وهي أساسا « المجانية والديمقراطية» لتجاوز كل التفاوتات المجتمعية التي تشكل مصدر التفاوتات المدرسية، لتقليص هامش التمييز والحد من الفعالية المجتمعية على جميع المستويات في الارتقاء الاجتماعي والاستقرار المجتمعي.
في استقراء كل ذلك، لابد من استحضار واقع كل الفاعلين المباشرين في العملية التعليم، واستحضار دورهم الفعال في تيسير عملية الارتقاء بالمستوى التعليمي والرفع من فعالية كل العاملين بمختلف مستوياتهم.
هذه الدعوة للنقاش كما بلورها الأستاذ بنلعربي، وهو بالمناسبة أستاذ ومفتش سابق في مادة الفلسفة وفاعل نقابي وسياسي بارز، تؤكد على ضرورة وأهمية الوقوف على مكامن الخلل وتحديد مداخل الإصلاح للمنظومة التعليمية التي عانت الكثير من سوء الفهم وغياب المصداقية في التدبير، في غياب تحديد المسؤوليات وإبراز هوية المصلح وخلفيات توجهاته.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 04/11/2024