ديوان « دموع الما(ء) » للزجال عبد الكريم ماحي صوت الهامش مختنقا بدموع الأرض

أصدر الزجال عبد الكريم ماحي ديوانا جديدا اختار له عنوان « دموع الما(ء) « ، بعد دواوينه المنشورة
«لحماق تسطا» و «اتحتحيت السؤال» و «شكون جرح الدم « وأنجز الغلاف الفنان مصطفى بن دحمان .وقدم الديوان الزجلي عبد الحكيم دليل الصقلي ومما جاء في التقديم:»

يأتي ديوان »»دموع الما(ء)»« لينضاف الى لائحة دواوين عبد الكريم ماحي المتمردة والتي تعري الواقع، في جميع حالاته، الفقر والتهميش والفساد والتخلف والفشل بكل أنواعه. دموع ماحي التي تذرف في أغلب قصائد ديوان »»دموع الماء»« تعبير صارخ عن المعاناة اليومية للانسان وصراعه مع الآخر في البحث عن الوجود والتموقع داخل الكون.
الزجال الكبير ماحي عبد الكريم، الكبير ليس مجاملة، وإنما اعتراف وشهادة في حق هذا الفنان المبدع، وإن كان مهمشا من طرف الاغلبية، وليس ذلك بغريب، فهناك أمثلة في تاريخ العلوم والفكر والثقافة، يعرفها الجميع ومن لا يعرف، أو لم يسمع بالشاعر المصري الكبير: أحمد فؤاد نجم.
عندما استحضر سيرة عبد الكريم ماحي، تعود بي الذاكرة الى سيرة احمد فؤاد نجم. فإذا كان فؤاد نجم شاعر العامية كما يطلق عليه العرب في الشرق المدافع عن الانسان العربي المقهور، فإن ماحي الزجال، كما نسمي شاعر العامية في المغرب، شاعر الانسان المهمش، المدافع عن المهمشين في الارض. زجل ماحي ذو بعد إنساني قح، ينبع من رحم معاناة الانسان. معاناة الانسان من الفقر والتهميش والبطالة والفساد وانحطاط القيم الأخلاقية.
عرفت ماحي عندما كان فتى، كان يقطن الحي الهامشي «دوار لاحونا» بمدينة الجديدة، الذي التجأت إليه أسرته القادمة من »بطيوة« المجاورة لـ» »مولاي عبد الله أمغار«« من أجل دراسة الأبناء، كان حينا ممرا لساكنة دوار لاحونا، كان ماحي يمر رفقة أولاد الدرب من أجل الذهاب الى البحر أو للتجوال في وسط المدينة. كنت ألمس فيه صاحب نكتة وترديد الأهازيج الشعبية كان له هذا التفرد وسط أقرانه. بعدما التقيته في دار الشباب حمان الفطواكي، كان مولعا بالمسرح وموسيقى الظاهرة الغيوانية، بعدها التحق بالمكتب الوطني للسكك الحديدية حيث قضى سنتين من التكوين في مدينة مكناس، بعدما تم تعيينه بمدينة الدار البيضاء، وبالضبط بالحي المحمدي. حيث سيندمج بسرعة باولاد الحي الذين أحبوه واحتضنوه، وهناك سيلتقي بالاخوة باطما ليربط معهم علاقة وطيدة وخاصة الراحل امحمد باطما الفنان والزجال الذي كان له الفضل في اكتشاف موهبته في فن الزجل. وبدأ ماحي يكتب محاولاته الاولى التي لقيت استحسانا من طرف الراحل امحمد باطما الذي ما فتئ يشجعه على الكتابة إذ لمس في كتاباته غنى في المصطلح العروبي وسرعة البديهة والذكاء في استخدام الكلمات المنتقاة بدقة من قاموس الدارجة المغربية، لا ننسى ان ماحي ابن البادية بطيوة المجاورة لمولاي عبد الله وموسم الفروسية السنوي، والحلقة« التي كان ماحي مدمنا عليها، ورواد فن الحلقة الكبار الذين عاصرهم امثال: اخليفة والحاج الطاهر زعطوط وغازي والغنيمي ومصطفى الفرجي والهناوات والرحالية وهداوة.… من هنا كانت أولى الدروس ليساهم كل هذا في إثراء رصيده اللغوي العامي.
وبعد التحاقه بالعمل كان أول شيء فكر فيه ماحي هو القراءة واختيار الكتاب رفيقا لإغناء رصيده المعرفي. ماحي يعشق القراءة حتى النخاع، لو خيرت ماحي بين الكتاب وزينة الحياة الدنيا، فإنه سيختار الكتاب. وهذا يظهر من خلال كتاباته.
عاد ماحي الى مدينة الجديدة حيث تم تنقيله إليها، ومن جديد سيلتحق بدار الشباب ليؤسس مجموعة غنائية غيوانية سماها »مجموعة أولاد الجيل» ،وكتب لها قصائد زجلية وغناها رفقة المجموعة التي كان عضوا فيها بالاضافة الى التمويل المادي للمجموعة، ثم مارس المسرح، حيث كانت له محاولات في مسرحة النصوص الزجلية. وقام بأدوار في العديد من المسرحيات. وكانت ابرزها مساهمته في مسرحية »»أحلام عربية«« لفرقة ربيع الإبداع من إخراج الفنان سعيد كرامو وهي اقتباس ومغربة لمسرحية »»كأسك ياوطني««. وإثر التحاقه بمدينة الجديدة سطع نجمه بين الطلبة الجامعيين حيث أحيى عدة قراءات بحرم جامعة أبي شعيب الدكالي وبالحي الجامعي وكانت قصيدتا «»منى» 1999 و »»لحماق تسطا«« 2004 بدية لسطوع نجمة. انتبه له المتخصصون حينها، فتمت استضافته في مهرجان الزجل الأول الذي كانت تنظمه كلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة كزجال شاب، وبعدها كانت انطلاقته المدوية في رحاب المهرجانات واللقاءات الثقافية الوطنية وفي وسط حاملي الشهادات المعطلين بمدينة الجديدة. كان ماحي ولا يزال صوت المستضعفين والمهمشين، كل هذا سيجعل منه ضحية، اذ سيتم توقيفه عن العمل بالمكتب الوطني للسكك الحديدية، ليجد نفسه في الشارع بين المهمشين.
قاوم ماحي كل أصناف الإقصاء والتهميش دون ملل، نام الليالي في جنبات الأسوار وفي الحدائق والأماكن المهجورة والسيارات المتلاشية وفي فنادق المهمشين. ولم يثنه كل هذا عن التخلي عن مبادئه تجاه الفقراء والمهمشين، وظل وفيا لنهجه الذي اختاره في البداية، أينما استنجدت القضية تجد ماحي حاضرا، للتعبير بصوته عن مواقفهم ومطالبهم ومساندتهم في محنتهم.
راكم ماحي في تجربته الكثير، وساهم بشكل فعال في تطوير وتطويع القصيدة الزجلية وإخراجها من سجن النظم والقافية. ويتميز بغزارة في الإبداع وقصائده خير دليل من حيث وحدة الموضوع والغنى اللغوي والابتعاد عن التكرار لتمطيط القصيدة، دون استخدام الكلمات
العربية في القصيدة الزجلية، فقاموس الدارجة المغربية غني بالكلمات…»


بتاريخ : 13/10/2022