من خصيب تادلا تفتقت العبقرية الأمازيغية التي نقلها مُعلم فرنسي زمن الحماية الفرنسية بجبال الأطلس الكبير يدعى»روني أولوج» عن شخصية عظيمة» مريريدة نايت عتيق»، يجري في نسغها الماء والدم والقصيد، تمتلئ حروفها بزفير الحرية، مريريدة نايت عتيق انتصار لشعرية الهامش في تبديد أوهام المجتمع الذكوري.
من تادلا نبغت عبقرية التصوف المغربي لابن الزيات التادلي المعروف لدى مختصي التاريخ بكتاب» التشوف لمعرفة رجال التصوف»، ومن تادلا أيضا سطع نجم وزير قلم الحاضرة السعدية الشريفة عبد العزيز الفشتالي صاحب «مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا» كواحد من مضان العصر الحديث زمن أحمد المنصور الموحدي.
أمال هدازي سليلة سهل تادلا، ذلك الذي وسمه ذات مرة جغرافي الحماية الفرنسية غوثيه «كاليفورنيا المغرب»، سليلة منشأ شاعر الخلافة الموحدية أبو العباس الكراوي صاحب ديوان «صفوة الأدب ونخبة كلام العرب تلتبس الكتابة الشعرية في تجربة أمال هدازي بالبحث عن الذات والأصل والوجود، بممارسة البوح الصادق، بإخضاع الذات لتمرين «الكتارسيس» المعبر عن انهجاسات الذات الابداعية في لحظة قلق وجودي يعتصر ذاتا باحثة عن إسباغ المعنى عن الكائن والممكن.
سبق لعراب الحوليات الفرنسية جيرار نوراييل أن صدح بمقولة حصيفة حين قال «من يقرأ التاريخ يحتفظ بشعلة المقاومة»، والحق، بنوع من التحوير، استنادا إلى منجز أمال هدازي أن يقال :
«من يقرأ الشعر ويتذوقه يحتفظ بشعلة الأمل» في هذا العالم المتهالك، في لحظة عبث طافح، في لحظة اغتراب لا شعوري باستعارة من الفيلسوف الايراني الراحل دريوش شيغان.
ديوان «همس الخطيئة» غوص في أنطولوجيا القلق الوجودي، حفر عميق في سلسلة الانجراحات التي تحكم كينونة الوجود، في التاريخ والهوية والذاكرة والأمل النسيان… شغب يفيض إحساسا بضوء الأعماق، ينير عتمة أضنتها بهلوانية الممارسة وعبثية الشهوة، وفحيح النرجسية، غليان روحي تتعانق فيه عفوية الإيقاع مع عوالم الأشكال، ثورة على لغة مُقمسة بلغة مذوتة، تحرر مشروعا من الانفجارات النفسية، وتمكنها من إخراج مكنونات تختبئ داخل تجاويف اللاشعور، وترنو صوب تثوير الوجود.
ديوان «همس الخطيئة» دعوة إلى المصالحة مع الذات، إلى تأثيث الأنا الجماعية من الفردانية الجشعة التي تسوقها منظومة الافتراس الرأسمالي، صرخة جريئة من أجل المصالحة مع الذات الجماعية، التي أخفقت في كل وصفات التنوير، وهي تزيغ عن معين الشعر والشعراء وتجعل صناعة التفاهة خيارا استراتيجيا لمالكي وسائل الانتاج والاكراه في ما أسميه بالقوات الإيديولوجية المسلحة.
الكتابة الإبداعية في منجز أمال هدازي تقتفي أثر الرمز والايحاء، الاظهار والاخفاء، الأسطورة والحقيقة.. وسائط وأخرى تشتبك في سفر مع الذات، سفر دائم نحو النضج والكمال، نحو البحث عن هوية الذات، التي هي بالنهاية سيرورة في طور التشكل تغتني بروافد متجاذبة. أو لم يسبق لنيتشه أن صدح بقول ماتع « خلق الإنسان الفن كي لا تقتله الحقيقة، حقيقة الموت».
الكتابة في منجز أمال هدازي تستكين بين فسطاطين: الكتابة بين القناع والإستعراء؟ هل نكتب لنتخفى أم لنتعرى؟ وهل كتابة الذات موجهة للأنا أم للآخر؟ وكيف يحضر الآخر في غيابه؟
بالنتيجة الذات كما تظهر في ديوان «همس الخطيئة» هي تاريخ يغتني بتجارب الآخرين، بذلك الذي مضى، بذلك الذي شارف على النسيان، وآنس عالم الطبيعة بديلا عله يشفى من خيبات الوجود. علمتنا الفطرة أن الإنسانيُ جهد نفسه في ترتيب سرديات الذاكرة، أكانت ذاتية أو جماعية، مثلما علمتنا أن الإنسان يُجهد نفسه في ترتيب أجندة النسيان…فنحن ابتلينا بأن نمجد الانتصار وأن نطمس الانكسار، أو ليس هذا الانكسار هو معركتنا في الحاضر.
صدر للشاعرة أمال هدازي بالاضافة الى ديوان «همس الخطيئة»:
– فصول من عشق، دار فضاءات، 2014.
– هديل الغمام، دار فضاءات، 2014.
«حرف و نصف معنى».
-ديوان شعر Les ombres de la lumières ،2018.
– نكاية بالعتمة ديوان شعري بالعربية.
ديوان «همس الخطيئة» لأمال هدازي هل نكتب لنتخفى أم لنتعرى؟
الكاتب : عبد الحكيم الزاوي
بتاريخ : 25/09/2019