ذهبنا إلى الصين، وعدنا …من المستقبل! .. أكلنا طعاما سوريا في شيامن وركبنا سيارة بدون سائق! 18

من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر  من التاريخ العريق إلى الغد المذهل.

 

 

كان اليوم يوم جمعة (6 دجنبر 2019)، وكان طبيعيا أن نتحدث، وقت الغداء، عن الكسكس..
وكانت الصدفة أن مرافقنا، الصيني الذي يمثل المؤسسة، قادنا إلى مطعم سوري. كانت اللافتة واضحة على بابه: المطعم السوري العربي بشيامن، مسكوكة بالحرف الشامي….
المطعم أنيق وبسيط، روائح الأطعمة الشامية تتصاعد بمجرد الدخول.
صاحب المطعم، الذي قدم نفسه باسمه محمد، قال إنهم هنا منذ سبع سنوات: ابن خالتي كان هو أول من وصل ثم لحقنا به، أخي وأنا«.
-هل هناك سوريون آخرون؟
– كلا، لا يوجد سوى ثلاثة سوريين هم نحن ! رد محمد مبتسما.…
بدأت المائدة تتألق بالمشتهيات السورية، بابا غنوج أو المتبّل، يتكون بالأساس من الباذنجان والحُمص، وهو نوع من أنواع المقبلات يتم صنعه من الحمص والزيت والخضروات أحيانا، كما تشتهر حلب بأفضل أنواع المشويات من اللحوم المحضرة بطرق احترافية، ومن المأكولات المعروفة الكباب الحلبي، وهو من أشهر أنواع المشويات ومعروف عالميأ، ويتكون من اللحم المفروم المضاف إليه خلطة وبهارات خاصة ويحضر على شكل أصابع على أسياخ الشواء ويسوى على الفحم، وهناك الكباب الحلبي مع مفروم البقدونس وشرائح البصل، وكذلك الطماطم المشوية والبصل المشوي، ويقدم مع البطاطس المقلية…، أما سيد المائدة فهو اللحم المشوي بالبخار، والذي يوضع مع الأرز والبطاطس والثريد…
لقد جاء محمد وابن خالته بكل سوريا و»شهيواتها» إلى شيامن…
وكان لا بد من أن تدخل فيروز، صوت السماء عندما تحنو على أبنائها الغرباء..…
فيروز تردد..
حبيتك في الشتا …
فيروز تغني، والمطر خفيف في الخارج
بأيام البرد وأيام الشتي
والرصيف بحيرة والشارع غريق
تجي هاك البنت من بيتها العتيق
ويقلا انطريني وتنطرعالطريق
ويروح وينساها وتذبل بالشتي
حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي
نطرتك بالصيف نطرتك بالشتي
وعيونك الصيف وعيوني الشتي
ملقانا يا حبيبي خلف الصيف وخلف الشتي
آه يا فيروز: هل جئنا إلى الصين لكي تفجعنا أغانيك؟
يا فيروز، هنا يمكنك أن تغني عن الزهور
وعن الحبق المنثور في مدينة مناسبة جدا، رومانسية، شيامن أيتها الشقيقة لفيروز ……
قال الدليل إننا سنزور مقاولة متخصصة في التكنولوجيا العالية أو المتقدمة جدا، في الطريق إليها، وسط مساحات خضراء باهرة، ومعمار شاهق، ومتعدد التركيب، منه المائل ومنه المتموج ومنه التقليدي، وعلى طول الشارع الأخضر كانت تماثيل رياضيين ورياضيات في أوضاع متنافسة، العداؤون أساسا، أمامهم تماثيل فريق تصوير بكاميراته، مذهل هذا الإبداع البسيط في فكرته، العميق في معناه……
على يسار الشارع ذاته، مركب سينمائي بهي وبديع للغاية.. الشركة المعنية هي شركة «كينغ لونغ» لصناعة المركبات الآلية كما يقولون، تأسست في دجنبر 1988، وهي متخصصة في البحث والتطوير والبيع، في مجال الحافلات، دخلنا إلى البهو الفسيح، وجدنا مدير المشتريات، ومعه مندوب الشركة، يتكلم العربية، بلكنة مشرقي، قال إنه كان قبل أيام في المغرب، بالدار البيضاء وطنجة وأكادير. يبدو أن له عروضا للبيع.
الشركة تشمل ثلاثة مصانع في الواقع، منها مصنع شيامن للحافلات الكبيرة وآخر للحافلات الصغيرة بحوالي 800 ألف متر مربع، وبقدرة إنتاحية تصل إلى 20 ألف وحدة في السنة من «طوموبيلات»، كبيرة و«كيران» وغيرها بالإضافة إلى معمل للتركيب الآلي، بما فيه التركيب الكهربائي، والطلاء وغيره.
الباصات التي رأيناها، كانت تشرف عليها سيدة تبدو وكأنها غرقت في كرسيها المتوسط، دقيقة الانتباه إلى ما تفعله… الشركة، تعمل على البحوث الإلكترونية في مجال الجولان، كما تعمل في مجال تطوير الطاقات الجديدة، وعلى العموم تنتشر الشركة على 35 هكتارا للباصات التجريبية، كما أن لها فرعا في شاوسونغ، غير شيامن…
وفيها شاهدنا اختبار الطاقات الإبداعية الجديدة في الصناعة.
في البهو الذي كان يقودنا إلى قاعة الاجتماعات، كانت أمامنا لوحة إلكترونية ضخمة، منها تتم مراقبة كل الباصات التي تبيعها الشركة، وتتبع حالتها التقنية وهي تجوب شوارع العالم.
خذ مثلا أن المدينة المغربية اقتنت حافلات هذا النوع الجديد، سيكون المنتوج تحت المراقبة من شيامن، وتتبع حالته الصحية من هناك، ومنها يأتي الحل في حالة التعب!
من خلال النظام المعلوماتي الذي زرع في الحافلة، يمكن أن يعرف المهندس الجالس في شيامين حتى عدد المرات التي تم خلالها فتح الأبواب…!!!!!
ووصلنا إلى السيارات بدون سائق!
مختبرات البحث أوصلتهم إلى صناعة سيارة بدون سائق !…
إيه ولله… ركبنا السيارة التي سارت بحول لله بلا سائق.. أمام حاجز تُقلص السرعة ذاتيا، بل تقف إذا كان الحاجز متحركا، من قبيل سيارة أخرى…


الكاتب :  عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 06/01/2020