ذهبنا إلى الصين، وعدنا …من المستقبل! 4

من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر
من التاريخ العريق إلى الغد المذهل.

 
في فيلم «آد آسترا»، الذي تعرضه شاشة قناة الطائرة، هناك شبه بين رحلة رائد الفضاء (براد بيت) ورحلتنا، إذ كلتاهما تقود المعنيين إلى نقطة بعيدة في الفضاء، هو في الفضاء الكوني ونحن في فضاء الأرض، لنرى كوكبا اسمه الصين، بصورته التي غيرت في زمن قصير – جيلا أو جيلين- حياة أكبر شعب في العالم.في المساحة بين النوم واليقظة، أذكر أنني قرأت مقالا عن «شمس صناعية» اخترعتها الصين، عقل ما يرفض أن أدخل النوم نهائيا، يقول الخبر الذي نشرته الجزيرة والعربية وروسيا توداي، أن مسؤولين صينيين سينتهون من بناء شمس اصطناعية جديدة هذا العام، وأن هذا الجهاز سيكون قادرا على الوصول إلى علامة فارقة (معلم رئيسي) في درجة حرارة الأيون، مما يجعلنا على بعد خطوة واحدة من تسخير قوة الاندماج النووي، وتم تصميم المفاعل المتطور لمحاكاة عمليات الشمس الاندماجية، وهو ما جعلهم يطلقون عليه اسم “الشمس الاصطناعية”، وفي حال نجاحه سيطلق العنان للطاقة النظيفة عن طريق تحويل الهيدروجين إلى طاقة خضراء فعالة من حيث التكلفة بقيمة مليارات الدولارات، ومن الممكن أن تنقذ هذه التقنية كوكب الأرض من أزمة تغير المناخ.وتعد التجربة – التي تمت في مفاعل “توكاماك” الاختباري الموجود بالأكاديمية الصينية للعلوم في عاصمة مقاطعة أنهوي شرق الصين- إنجازا كبيرا في أبحاث الاندماج النووي، لأنها ستحقق حلم الحصول على كميات غير محدودة من الطاقة النظيفة التي تدوم إلى الأبد.كل هذه مصادفات، أم أننا دخلنا إلى زمن تغيب المصادفات فيه، وكل شيء يدور حول الصين، كتاب معلوف، فيلم براد بيت، استرجاعات العقل الباطني…ما زالت تفصلنا ساعة و17 دقيقة عن العاصمة المذهلة للصين، وقد نمنا ليلة دبي في الطريق إلى نهار بيكين. العصر الجوي للرحلة، تطير الطائرة فوق صحاري يينتشوان، في مقاطعة نينيشيا، ومعنى ذلك أننا نطير فوق جزء من منغوليا الداخلية.كتاب معلوف، هذه المرة، ص 175…وصلنا مطار بيكين في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال و5 دقائق بالضبط…5 درجات .. ماوية!
لقد طارت بنا الطائرة حوالي 15 ساعة، وباحتساب التوقف في الطريق نكون قد قطعنا المسافة بين الدار البيضاء وبيكين، بيجين بنطق أهلها، في 19 ساعة، مع فارق زمني من 7 ساعات، صوت الربان يخبرنا بأن الحرارة في الخارج تصل  5 درجات مائوية، أسمعها بصوت إيديولوجي يقول 5 درجات ماوية!!! وجدنا سيدة صينية ورفقتها عاملان بالمطار في استقبالنا، دلونا على الخروج بسلاسة ديبلوماسية صارت جزءا من مطارات الصين الكبيرة والكثيفة عدديا من حيث الرحلات، ندخل صالة الزوار الديبلوماسيين، ونعرف، بالمناسبة، أن لكل رحلة صالتها المميزة و vip…يعود الحديث عن الربط الإلكتروني، وعن الفايس بوك وعن البدائل المطروحة وعن رمز الدخول أو كلمة السر من جديد.يدور نقاش عن البلاد، وعن قضايا بذاتها، منها الساعات الإضافية، والتوقيت في المغرب، نعرف، بغير قليل من الدهشة، أن أجوبة كانت موجودة عند المسؤولين بخصوص النقاش الذي تم حول الساعة الزمنية المضافة إلى توقيتنا، وأن ذلك الانشغال لم يقدم إلى الرأي العام…نمر نحو العبور إلى الخارج، الليل قد حل باكرا، إنها الخامسة مساء وها قد رمى الليل سدوله وأرخى علينا عتمته. الأشجار في الخارج عارية والثلج مركون في ظلالها أو تحت الجسور وفوق العشب على طول الطريق…نتجه نحو المطعم المغربي في بيكين الذي حدثونا عنه، نحن في الحافلة والخلفي، رئيس الوفد، في سيارة “أودي” تم تجهيزها له.في المطعم المغربي باسم “كارافان”، أو قافلة، ولعله من بين ثلاثة مطاعم أخرى في بيكين تعنى بالطبخ المغربي.. مأكولات المطعم مغربية بطبيعة الحال، لكنها لا تخلو من نكهة صينية أو آسيوية. طلبت، ويوسف شميرو، طبقا من الدجاج بالبطاطس وطجين كفتة بالبيض، كما طلب الآخرون ما اشتهوا، اللذة موجودة حقا والأجواء لا تختلف عن مطعم متوسط في البيضاء، فصاحبه علق على المدخل«شال “ديما وداد”».. الوداديون التقطوا صورا لذلك، في المطعم أيضا، إمعانا في خلق الأجواء المغربية، دربوكات مغربية وآلات عزف كناوية، إضافة إلى أدوات موسيقية غربية، يبدو أن العازفين يصهرون بين أنواع مغربية وأخرى غربية في السهرات..حضر معنا إلى المطعم المسؤول المغربي عن المكتب الوطني للسياحة في بيكين، ولد لطيف وعاش في الصين عمرا غير قليل، كما سنعلم ذلك في بيت سفيرنا في الصين عند زيارة له…يوسف شميرو حكى لي عن سفره إلى فجيج، أيام عبد الرحمان اليوسفي، وقتها اختار الوزير الأول الركوب مع الصحافيين في حافلة “الساتيام”.نواصل الحديث عن الجوار الليلي لبداية الرحلة، التي سنبيت أولى لياليها في فندق الصين العالمي.عند وصولنا يعود القلق من الويفي، الواي فاي، بالتداول الإنجليزي، يتأكد الوفد من أن الربط ببعض جوانب العالم ممكنة، ويتبادلون كلمة السر وطريقة الربط.الفندق يقع، كما قيل لنا، في وسط مدينة بيكين، لكن، صدقا أين المدينة فعلا؟ فهذا النوع من المدن ينتهي هنا، ولا ينتهي الواقع!العمارة فاخرة، بألوانها الإمبراطورية الغالبة، الأحمر والذهبي، التماعات الألوان والمعادن على واجهاتها الداخلية تجعل الغرب هنا يصبح جدارا شرقيا. مرافقنا، الملقب ناصر، القادم معنا من المغرب، يتكلم العربية، بلكنة صينية طبعا: نلتقي غدا، قال، وأضاف:عند الساعة التاسعة والنصف صباحا…دخلنا الغرف، وجدنا سجادة صلاة ونسخة من القرآن الكريم، باللغتين العربية والصينية…غدا أول موعد في الرحلة، يكون بالذهاب إلى يومية الشعب الشهيرة!قبل ذلك سيكون علي أن أغالب الأرق، وأعيد تعريفه في بيكين، عاصمة الصين، بعد أن قطعنا نصف الكرة الأرضية قادمين إليها…

 


الكاتب :  عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 18/12/2019