«ذي غارديان» تكتب : «تيك توك» جنة المحتالين والمهربين.. ومصيدة الطامعين في تحقيق الحلم الأمريكي !

أصبحت منصة الفيديو «تيك توك»، مكانا يجول فيه المهاجرون للبحث عن المعلومات وتبادلها حول الهجرة بنوعيها، إلا أن الخبراء يخشون من أن «الإستغلال» الذي يقع هناك آخذ في الإزدياد. يبدأ أحد فيديوهات المنصة، حيث يظهر شخص ما (أحد ضحايا النصب) وهو يأخذ صورة «سيلفي» تظهره ورفاقه يجلسون فوق كراسي مطار أمريكي ما. لكن، على عكس الصورة «الإيجابية» الظاهرة أمام المتابعين، فإن هذه المقاطع «المخادعة» لا تعكس حقيقة الهجرة صوب امريكا، التي يمضيها ضحايا المهربين في المخيمات وعلى ظهور الخيل، وتنتهي بتسلقهم ما يسمى ب»حدود الموت الشهيرة» ما بين الولايات المتحدة والمكسيك، على غرار ما ذكره أحدهم : «كنا مستعدين لتسلق الجدار والركض بعيدا عنه مثل الغزلان..فإما أن تركض، أو تنشغل بإنقاذ الأصدقاء، أو أن تنجوا بنفسك دون أن يمسكوا بك».
بكتابة «السفر إلى الولايات المتحدة»أو (Viajes a USA) بالإسبانية في خانة البحث، يمكنك أن تتعمق في «زاوية» «غير مخفية» في «تيك توك» (بشكل مثير للريبة) ومليئة إلى حد كبير ب»مقاطع الفيديو» و«المشاركات» حول «الهجرة» من «أمريكا اللاتينية» إلى «الولايات المتحدة»، تعود لمن يوثقون هجرتهم الخاصة أو من يساعدون في الهجرة من بلدان مثل «غواتيمالا» و«المكسيك» و«الإكوادور» و «هندوراس». يشعر الخبراء الأمنيون بالقلق من كون «مقاطع الفيديو» هذه تنتشر دون رادع لها، متناقضين مع تصريحات «أوبي أوكوي»: «من أن المنصة ستقوم بإزالة المنشور على الفور و حظر الحساب.. نحن نستخدم مزيجا من العاملين لدينا و التكنولوجيا لحماية مجتمعنا». إلا أن المنصة لازالت تعرض نتائج البحث كـ: «السفر بأمان إلى الولايات المتحدة» و«السفر إلى الولايات المتحدة المضمون».
عادة ما تكون المنشورات، ذا «محتوى بسيط» أو يقدم «خدمات بسيطة»، وغالبا ما تتضمن «لقطات ضبابية» لرحلة أو مشهد مدينة أمريكية، وعادة ما تكون ملحقة بـ «رسالة» تسعى إلى «طمأنة» المستخدمين بأن «الخدمة ليست عملية إحتيال»، في حين تذهب بعض المشاركات إلى حد عرض «مقاطع فيديو» و«صور» لأشخاص يفترض أنهم عبروا بنجاح بمساعدة من يقفون وراء الحساب (دون المزيد من التفاصيل)، وبدلا من ذلك توجه «الدعوة» للمستخدمين للتواصل مع الحساب المعني عبر «رسالة خاصة مباشرة» أو عبر «الواتساب».. يصعب، بطبيعة الحال، تحديد مدى إنتشار هذه المقاطع لأن المنصة «لا توفر أدوات خارجية تسمح للباحثين بتدقيق بياناتها أو تحليلها» على عكس شركات مثل «تويتر» و«ميتا».
إعتاد مهربوا البشر (الصغار منهم)، إعادة نشر مقاطع فيديو «المنصة» على مجموعات «فايسبوك» للمهاجرين، حيث يعرضون رحلاتهم بشكل أساسي لإثبات حقيقتها، إذ ترجع شعبية «الفايسبوك» بين «مهربي البشر» إلى إنتشاره الواسع في أجزاء كثيرة من أمريكا اللاتينية، وتوفره من لدن شركات الإتصالات «مجانا» إضافة إلى تطبيقات «ميتا» المختلفة كجزء من برنامج «الأساسيات المجانية» (Free Basics) المثير للجدل، في حين تشير تقديرات شركة أبحاث السوق «إي-ماركتر» (eMarketer) إلى أن المنصة تجاوزت 100» مليون مستخدم في أمريكا اللاتينية»، مما يجعلها «ثالث أكبر شبكة إجتماعية» في المنطقة بعد «إنستغرام» و «فايسبوك».
إستنادا إلى بحث شمل أكثر من 50 مقطعا على المنصة، وجدت صحيفة «ذي غارديان» أن: «معظم المعلقين على تلك المنشورات (المقاطع) طلبوا المزيد من المعلومات حول الموضوع».. في معظم الحالات، يبلغ منشئ المحتوى الشخص صاحب التعليق ب»الرد عليه في التطبيق أو طلب مراسلته بشكل خاص على تطبيقي «واتساب» أو «تيك توك»». ومن أساس 5 حالات على الأقل، قام صاحب الحساب بتفصيل مسار الرحلة بأكمله ومعه السعر: «..من «غواتيمالا» إلى «تاباتشولا» بالحافلة.. من هناك بالطائرة إلى حدود «خواريز»، يمكنك المشي لمدة 15 دقيقة إلى ممر «TX» ثم إلى «دالاس». ستكلفك الرحلة 13500 دولار».. قلة قليلة شككت في صحة المنشور، من بينهم من قال: «الجمل لإغرائك ليس إلا.. ينقلب الحلم بعدها إلى كابوس مروع فور وصولك للنقطة الحدودية، إذ أن الأمور لم تعد سلسلة كما في الماضي»، ليرد عليه صاحب المنشور: «لا تقلق، نحن نختلفون عن البقية،و لا ننقل عددا كبيرا من الناس كما لا نقذفهم من يد إلى أخرى كما يفعل الآخرون».
يعد «تيك توك»، «جنة المحتالين» و«المعلومات المضللة» و«عمليات الإحتيال» لنقل الأشخاص عبر الحدود، كما قالت «آبي ريتشاردز» الباحثة في مجال «المعلومات المضللة والتطرف» في «تيك توك»، مذكرة أن: «إنشاء مقاطع الفيديو ومشاركتها والعثور عليها على المنصة أمر سهل نسبيا، لكون (المنصة) أداة «جيدة» حقا للتسويق من خلال إنشاء محتوى يستهدف المنطقة المعنية مستغلا خوارزميات الموقع، غير أن «شروط الإستخدام» تحظر المحتوى الذي يروج لنشاط إجرامي مثل «التجارة في البشر»، والذي يتضمن بدوره «تهريب البشر». في دفاعها عن سياسة الشركة، خلال شهادتها أمام «لجنة الأمن الداخلي» في «مجلس الشيوخ الأمريكي»، قالت «فانيسا باباس» كبيرة مسؤولي العمليات في «تيك توك»، إن : «الشركة «تعتمد على مزيج من الأتمتة والمشرفين الحقيقيين لمراجعة المنشورات بحثا عن إنتهاكات للمحتوى بشكل إستباقي».
كشف تقرير ل»التايمز»، تشير فيه: “..لمواكبة نموها في أمريكا اللاتينية، تعاقدت “تيك توك” مع مئات من مشرفي المحتوى من خلال شركة تابعة لجهة خارجية في “كولومبيا”.. إلا أن بعضهم إشتكوا من “ضغط العمل” الخانق و تقاضيهم لأجور منخفضة (يعملون 6 أيام/الأسبوع، بأجور لا تتجاوز 254 دولار/الشهر) وينتظر منهم تحقيق أهداف الأسبوع أو الشهر.. عرضتهم لأمراض نفسية نتيجة تعرضهم المستمر لمحتويات “صادمة عاطفيا” وقلة “الدعم النفسي”، وأن الشركة كلفتهم علاوة على ذلك بإزالة “المنشورات ذات المحتوى المزعج، المثير للإشمئزاز و العنيف” التي تراوحت بين “القتل” وصولا لـ”أكل لحوم البشر”.
يصعب من جهة أخرى، تمييز “الحسابات المحتالة” المتعلقة ب”الهجرة”، وفقا ل”نيلدا جارسيا” الأستاذة المساعدة في جامعة “تكساس إيه آند إم الدولية” التي تدرس “الطريقة التي تستخدم بها الشبكات الإجرامية وعصابات المخدرات المكسيكية وسائل التواصل الاجتماعي”، أنه: «ستختفي بعض الحسابات تماما بعد إستلام الرسوم المتفق عليها، وسيأخذ آخرون المهاجرين إلى مكان ما ويتركونهم لمصيرهم دون مساعدتهم على عبور الحدود و بيد المنظمات الإجرامية. يصبح الوضع خطيرا، حين لا يعلم المهاجرون، خلفيات من يعملون مع المنظمات الإجرامية أو ما هو الوضع على الحدود…». أما في مجموعات «الفايسبوك»، لاحظ الباحثون أن بعض الأشخاص سينشرون «تحذيرات» عن «المحتالين» عن طريق ترك «لقطات شاشة للمحادثات تظهر إختفائهم بعد حصولهم على المال». بما معناه أن هناك من يحاول حماية الناس من بينهم الذين يخاطرون بمشاركة قصص رحلاتهم وتفاصيلها.
مثل هذه المعلومات، مفيدة للأشخاص الذين يتطلعون إلى الهجرة كما قال «مولنار» المدير المساعد ل»جامعة يورك»: «هذا يسلط الضوء على حاجتنا إلى إجراء «محادثات أعمق» حول تدفق المعلومات و كيف لهذه المنصات أن تكون في قلب الكثير من تبادل المعلومات وإنتاج المعرفة لنا جميعا..». يتفق الخبراء، على أن الإشراف على هذه المنشورات بطريقة لا تؤدي إلى الرقابة، سيتطلب من «تيك توك» التعاقد مع المزيد من المراجعين و المراقبين الحقيقيين ذوي الخبرة الثقافية واللغوية الكافية (من العالم)، ولا أعتقد أن «إستراتيجية موحدة» فد تتناسب مع الكل و في جميع المواقف..». إن معالجة «قضايا الهجرة» على «المنصات الإجتماعية» ستكون «صعبة» طالما أن «النقاش المجتمعي» خارج المنصة لا يزال غير معمم.. أعقب مولنار: «عالمنا موضوع على صفيح ساخن، يتعايش الكثيرون فيه مع الخطر في كل وقت و مكان. لذلك، لن يتوقفوا عن «الهجرة غير الشرعية» ما لم نجر «محادثة عالمية» حول كيفية «خلق عالم أكثر عدلا» والتأكد من أن «عمليات الهجرة فيه قانونية وتحفظ كرامة المهاجر.. إلا أننا لا نجري هذه المحادثات حقا…».


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 28/10/2022