كان تفاعلُنا تلقائياً، مسؤولاً وإراديًّا مع الأحداث التي عاشتْها بلادُنا ومع سيَاقِنا المجتمعي والمؤسساتي
تغطي مشاريع القوانين المصادق عليها مجالات تعزيز حقوق الإنسان والحريات وترسيخ دولة القانون
وتكريس مبدإ فصل السلط
ينبغي أن نعمل معا، في السلطتين التنفيذية والتشريعية على إيجاد آليات جديدة للحسم في المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس وإعمال المساطر الضرورية بشأنها
لأول مرة في التاريخ البرلماني للمغرب يتم تحقيق التوازن بين المهام والوظائف التشريعية والوظائف الرقابية للجان الدائمة
أكد رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، أول أمس الأربعاء بالرباط، أن المجلس صادق خلال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2018-2019 على 44 مشروع قانون من أصل 150 مشروع قانون تمت المصادقة عليه خلال النصف الأول من الولاية التشريعية العاشرة.
وأوضح المالكي، في كلمة خلال جلسة اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية 2018-2019، بحضور عدد من أعضاء الحكومة، أن مشاريع القوانين المصادق عليها تغطي مجالات تعزيز حقوق الإنسان والحريات وترسيخ دولة القانون وتكريس مبدإ فصل السلط، خاصة من خلال قانون نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة وبسن قواعد تنظيم رئاسة النيابة العامة وتيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى القضاء الدستوري، مبرزا أن أبرز مشاريع القوانين التي صادق المجلس عليها تهم القانون المتعلق بالخدمة العسكرية الذي يتوخى تعزيز روح المواطنة والوطنية لدى الشباب وزرع روح الانضباط وأداء الواجب.
في ما يلي نص الكلمة:
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة النواب
نختتم اليوم أشغال دورة أكتوبر من السنة التشريعية الثالثة برسم الولاية التشريعية العاشرة على مستوى الجلسات العمومية، لنختتم بذلك النصف الأول من الولاية، وهي محطة نعتبرها مناسبةً دستوريةً لجرد وتقييمِ حصيلةِ أشغالِنا، واستخلاِص الدروس مِمَّا أَنْجَزْنَا وممَّا لم نتمكن من إنجازه واستشراف آفاق العمل لما تبقى من الولاية التشريعية.
واسمحوا لي في البداية أن أوضح أنني لن أُفَصِّلَ في استعراض حصيلة أشغال المجلس، إذ إن الكلمة الموسعة التي ستوزع عليكم تتضمنُ كل التفاصيل والإحصائيات بشأن ما أنجزناه معاً، فرقاً ومجموعةً نيابيةً، وأجهزةً برلمانية خلال النصف الأول من الولاية التشريعية 2016-2021، ذلكم أن حصيلة هذه الفترة التشريعية هي ثمرة جهود كل واحدة مِنْكُنَّ، وكل واحد منكم وثمرة للجُهد الجماعي.
وقد استحْضَرْنَا، وتَمَثَّلْنَا، في ممارسةِ مَهَامِّنا التشريعية والرقابية والتَّمثِيلِيَة، وفي أعمالِ التقييم، مقتضياتِ وروحِ الدستور، وخطبِ جلالة الملك محمد السادس نصره الله بكل حَمُولاتِـها الوطنية والإصلاحية والمتوجهةِ إلى المستقبل، الحريصةِ على ترسيخِ الممارسةِ الديمقراطية والبناء المؤسساتي وربط المسؤولية بالمحاسبة وضمان حقوق الجميع وإعطاء الديمقراطية جدوىً وبُعداً اقتصادياً واجتماعياً.
وقد كان تفاعلُنا تلقائياً، مسؤولاً وإراديًّا مع الأحداث التي عاشتْها بلادُنا ومع سيَاقِنا المجتمعي والمؤسساتي، إذ كان لِكُلِّ مَخاضٍ اجتماعي أو اقتصادي صدَاهُ، هنا تحت هذه القبة، وفي اجتماعات اللجان النيابية، وفي المهام الاستطلاعية التي ننجزها وأيضا في مهام التقييم الموكولة إلينا دستوريا.
وتَجَسَّدَ ذَلِك في التشريع، إذ تمحورت المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس في جزء منها حول البيئة والخدمات الاجتماعية، والصحة بالخصوص والتغطية الاجتماعية والتشغيل وتعزيز الحريات والقانون الجنائي واللامركزية والتنظيم الترابي والإدارة العمومية والتنمية المجالية والعقار وتخليق الحياة العامة والرقابة على صرف المال العام فيما توخت القوانين المصادق عليها سد الخصاص أو العجز التشريعي في عدد من مناحي الحياة العامة وضمان الحقوق وتحرير الاقتصاد وتمكين المتعاملين من الضمانات القانونية وتحسين مناخ الأعمال وتيسير الاستثمار.
وبلغ عدد مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس خلال النصف الأول من الولاية 150 مشروعا (بما في ذلك القراءات الثانية) منها 44 خلال الدورة الحالية.
وتغطي مشاريع القوانين المصادق عليها مجالات تعزيز حقوق الإنسان والحريات وترسيخ دولة القانون وتكريس مبدإ فصل السلط، خاصة من خلال قانون نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة وبسن قواعد تنظيم رئاسة النيابة العامة وتيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى القضاء الدستوري.
وكان من أبرز مشاريع القوانين التي صادقنا عليها، القانون المتعلق بالخدمة العسكرية بما يحتويه ويتوخاه من إرادة في تعزيز روح المواطنة والوطنية لدى الشباب وزرع روح الانضباط وأداء الواجب.
وامْتَدت التشريعات التي صادقنا عليها في بابِ الحقوق إلى تعزيز الضماناتِ المتعلقة بكفالة الحفاظ على الأملاك العقارية وزجر الاعتداء عليها، وتتعلق نصوص أخرى بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وكان من الطبيعي، أيضا، أن تكون القضايا والحقوق الاجتماعية في صلب النصوص التشريعية التي تم اعتمادها خلال النصف الأول من الولاية، إذ صادقنا على نصوص تتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، وصندوق التكافل العائلي، وتوفير التغطية الاجتماعية لعدد من فئات المجتمع، وبمشاركة الشباب في الحياة العامة والمدنية.
وتُغَطِّي النصوص المصادق عليها في مجال الاقتصاد والاستثمار والخدمات، الاقتصاد الرقمي وتنمية الاستثمارات وإعادة هيكلة المراكز الجهوية للاستثمار، ودعم المقاولة الوطنية وتحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المبادرة الخاصة. وهي تشريعات لا تَخْفَى أهميتها في إعطاء زخم جديد للسياسات الاقتصادية الوطنية.
ولئن كنا نسجل باعتزاز حصيلة المبادرة التشريعية للنواب متمثلة في مقترحات القوانين، وفي التعديلات التي تقدموا بها على مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس متفاعلين على هذا النحو مع انشغالات المجتمع ومستندين للحاجة إلى التشريع في مختلف مناحي الحياة، فإننا نسجل تواضع ما تم التجاوب معه من مقترحات من جانب الحكومة إذ إن نسبة المقترحات المصادق عليها لا تتجاوز 7.75 % أي 9 مقترحات من مجموع 116 مقترحا تقدم بها أعضاء المجلس منذ بداية الولاية. وينبغي أن نعمل معا، في السلطتين التنفيذية والتشريعية على إيجاد آليات جديدة للحسم في المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس وإعمال المساطر الضرورية بشأنها.
وفي إطار الرقابة على العمل الحكومي من خلال الأسئلة، تفاعل أعضاء المجلس مع قضايا المجتمع ومع المواضيع التي شكلت محور انشغال الرأي العام وطنيا ومحليا.
وشكلت جلسات الأسئلة الشفوية المخصصة للسياسات العامة التي يجيب خلالها رئيس الحكومة عن أسئلة أعضاء المجلس، مناسبة هامة ومواعيد منتظمة لفتح نقاش عمومي وللتفاعل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث عقد المجلس خلال النصف الأول من هذه الولاية التشريعية، 13 جلسة شهرية تناولت 26 موضوعاً شكلت محور نقاش من مستوى عال.
وبالأرقام بلغ عدد الأسئلة التي وجهها أعضاء المجلس إلى الحكومة خلال الدورة الحالية 3621 منها 1265 سؤالا شفوياً و2356 سؤالا كتابيا ليصل بذلك عدد هذه الأسئلة برسم النصف الأول من الولاية، 19472 سؤالا منها 9038 سؤالا شفويا و10434 سؤالا كتابيا. وقد توصل المجلس ب 5771 جوابا عن أسئلة كتابية أي بنسبة أكثر من 50 في المئة، فيما تمكن المجلس من برمجة 1492 سؤالا شفويا أجابت عنها الحكومة، على امتداد 50 جلسة عمومية خصصت للأسئلة الشفوية تم تدبيرها وفق المساطر المعتمدة.
وتمحورت الأسئلة الشفوية، التي كان من بينها 203 أسئلة شفوية آنية، حول السياسات القطاعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية وحقوق الإنسان. وقد كان حرص مكتب المجلس ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية وندوة الرؤساء، كبيرا على التفاعل الايجابي مع مختلف القضايا الطارئة التي استأثرت باهتمام الرأي العام وتستوجب تسليط الضوء عليها من قبيل مستجدات القضية الوطنية والاحتجاجات الاجتماعية في بعض أقاليم المملكة.
وحرص المجلس على تطبيق مقتضيات المادة 152 من نظامه الداخلي المتعلقة بتناول الكلمة في نهاية الجلسة الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفوية للتحدث في موضوع عام وطارئ يستلزم إلقاء الضوء عليه وإخبار الرأي العام الوطني به. وقد عزز تفعيل هذا المقتضى دور المجلس في إثارة قضايا تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، حيث تم خلال النصف الأول من الولاية، توجيه 424 طلباً في إطار المادة المذكورة، برمج منها 86 طلباً.
وتفعيلا لاختصاص المجلس في مجال تقييم السياسات العمومية، أنجز المجلس عملية التقييم الأولى برسم الولاية والتي تناولت الطرق في المناطق الجبلية توجت بتقرير هام تأسس على تشخيص للمنجز للبرنامج الوطني الخاص بهذه التجهيزات وجوانب القوة والضعف في البرنامج وتوج بتوصيات كانت موضوع نقاش مؤسساتي بين أعضاء المجلس والحكومة. ويبقى الأهم هو تتبع تنفيذ هذه التوصيات بما يحسن ويجود البرنامج موضوع التقييم وينصف ساكنة المناطق الجبلية ويرفع العزلة عن من يعاني منها من بينهم.
وقد أطلقنا عملية التقييم الثانية التي تتمحور هذه السنة حول التعليم الأولي الذي لا تخفى أهميته في سياق النقاش الوطني حول إصلاح منظومة التربية والتكوين.
السادة الوزراء
الزميلات والزملاء
تواصل اللجان النيابية الدائمة اشتغالها بذات النفس وبدينامية كبيرة كما تشير إلى ذلك الإحصائيات المتعلقة بهذه الأعمال. فقد عقدت هذه اللجان إلى حدود نهاية الأسبوع الماضي 566 اجتماعا، وبلغت نسبة حضور أعضاء المجلس في هذه الاجتماعات 74%. وتقدم أعضاء المجلس خلال الاجتماعات المخصصة للتشريع ب 1733 تعديلا على مشاريع القوانين المصادق عليها قبلت الحكومة 663 منها بنسبة %38,25، مما يدل على جودة المساهمة البرلمانية في تجويد النصوص، ومما يدل أيضا على تفهم وتقدير الحكومة لاقتراحات أعضاء المجلس وعلى التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومما يدل كذلك على مكانة المعارضة البرلمانية ودورها الاقتراحي والبناء وعلى روح التعاون والتعاطي الإيجابي للأغلبية.
وفي مؤشر آخر على إعمال مفهوم برلمان القرب، أطلقت اللجان النيابية إحدى عشرة مهمة استطلاعية، تم الانتهاء من اثنتين فيما توجد المهام الأخرى في الأطوار النهائية. وقد عمل المجلس على تتبع التوصيات التي تضمنتها تقارير المكلفين بالمهام الاستطلاعية في إطار وظائفه الرقابية بغية التحقق من تنفيذها وأساسا من أثرها على السياسات أو المؤسسات موضوع المهام الاستطلاعية.
وتميز النصف الأول من الولاية التشريعية العاشرة، بمؤشر دال آخر يتمثل، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، في التوازن، ولأول مرة في التاريخ البرلماني للمغرب بين المهام والوظائف التشريعية والوظائف الرقابية للجان الدائمة، إذ بلغ عدد اجتماعات اللجان المخصصة للتشريع 297 اجتماعا مقابل 273 اجتماعا خصصت للأعمال الرقابية ومساءلة أعضاء الحكومة ومسؤولي المؤسسات العمومية ومناقشة تقارير المهام الاستطلاعية.
إنه تحول هام في ممارسة مهام ووظائف البرلمان يساير التحول العالمي في وظائف البرلمانات نحو مراقبة ومساءلة السلطات التنفيذية وتقييم السياسات العمومية والإنفاق العمومي وآثار ذلك على المجتمعات.
السادة الوزراء
الزميلات والزملاء
في مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية، شكلت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي التي قادها بتبصر وحكمة جلالة الملك محمد السادس وتم ترسيمها في قمة الاتحاد المنعقدة في 30 يناير 2017، بمثابة قوة دفع استراتيجي حاسمة للدبلوماسية البرلمانية ضمن الدبلوماسية الوطنية وأعطت زخما جديدا للعمل البرلماني الوطني في القارة.
وأثمر العمل الجماعي الذي أنجزته مختلف أجهزة المجلس من مكتب ولجان دائمة وفرق ومجموعة نيابية ومجموعات صداقة وشعب برلمانية، نتائجَ جد هامة في واجهةِ العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية خاصة في القارة الإفريقية، إذ كان انضمام البرلمان المغربي إلى برلمان عموم إفريقيا حدثا هاما داخل هذه المؤسسة.
وقد تجاوز عدد المهام واللقاءات التي أجريناها خلال النصف الأول من الولاية، في إطار المجلس وعلى مختلف المستويات، رئاسة ومكتبا وفرقا ومجموعة نيابية ولجانا دائمة وشعبا وطنية ومجموعات صداقة برلمانية، 300 مهمة توزعت بين زيارات رسمية واستقبال وفود أجنبية والمشاركة في مؤتمرات متعددة الأطراف، فيما احتضنا ما يفوق 20 مؤتمرا، وندوة دولية وإقليمية.
وقد حرصنا معاً، على الدفاع عن القضايا الحيوية لبلادنا وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية وفق الرؤية الدبلوماسية الوطنية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس أعزه الله. وقد حرصنا أيضا على التعريف بإمكانيات بلادنا الاستثمارية وما تتميز به من استقرار وأمن وما تشهده من ديناميات اقتصادية وما تنتهجه من إصلاحات مؤسساتية وسياسية يؤطرها دستور 2011، وترتكز وتبنى على مسلسل من التراكمات الإصلاحية انطلق منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وقد حرصنا على تعزيز وتنويع علاقات المجلس الخارجية، إذ سَجَّلنا حضورنا النوعي والمؤثر في مختلف المناطق الجيو-سياسية، وفتحنا آفاق جديدة للحوار والتعاون مع بلدان عديدة ومجموعات جيو-سياسية من قَبِيل منطقة البلقان وأمريكا اللاتينية وأوربا الوسطى وجنوب شرق آسيا واستراليا مع مواصلة ترسيخ علاقتنا مع عمقنا الإفريقي وبلدان الاتحاد الأوروبي، ومع محيطنا المغاربي والعربي.
وقد فتحنا بذلك آفاقا رحبة وواعدة لعلاقات بلادنا، وساهمنا في ترسيخ علاقات بلادنا مع بلدان هذه المناطق وعَرَّفْنا بمشروعية قضايانا وبسياسات بلادنا الداخلية والخارجية وساهمنا في حشد الدعم والتأييد لقضايا بلادنا وفي ترسيخ صورة بلادنا، مملكةً رائدةً للإصلاح في محيطها، قاعدةً للاستقرار الإقليمي والدولي ونموذجاً في التنوع الثقافي والانفتاح.
وقد تَأَتَّى ذلك لمجلسنا بفضل العمل الجماعي والمشترك، والتأطير القانوني لعملنا إذ وَقَّعْناَ أكثر من عشرين اتفاقية ومذكرة تفاهم مع برلمانات وطنية، ومنظمات برلمانية متعددة الأطراف ومنظمات دولية، وبفضل مأسسة اشتغالنا من خلال المنتديات المنتظمة الموضوعاتية، وبفضل هيكلة مجموعات الصداقة البرلمانية والشُّعبِ الوطنية في المنظمات المتعددة الأطراف.
ونهجت مؤسستنا سبل الإقناع والحوار وبناء الثقة مع شركائنا، مستندين إلى تموقع بلادنا في العلاقات الدولية وإلى عقيدتها الدبلوماسية المبنية على اختيارات عدم الانحياز والدفاع عن السلم والاعتدال والتوازن في العلاقات الدولية، وعن القضايا العادلة للشعوب وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الذي يواجه ظلما تاريخيا منذ ما يزيد عن 70 عاماً.
وساهم مجلسُنا بشكلٍ حاسمٍ في ترسيخ تقاليدِ دبلوماسية برلمانية دولية متخصصة في عدد من الإشكاليات الكبرى التي تَرْهَنُ حال ومستقبل البشرية ومنها الاختلالات المناخية في إطار ما نسميه الدبلوماسية المناخية، والهجرة العابرة للحدود، والنزوح والأمن الجماعي، والتهديدات الجيو-ستراتيجية الجديدة وفي مقدمتها الإرهاب والاتجار في البشر والنزاعات الإقليمية والدولية.
ولا تتمثل هذه المساهمة النوعية للدبلوماسية البرلمانية المغربية فقط في احتضان عدد من المؤتمرات والندوات الدولية الإقليمية المتخصصة، ولكن أيضا في إعداد واعتماد وثائق مرجعية ذات قيمة جيدة، هي اليوم وثائق عمل في المنظمات البرلمانية الدولية، هاجسنا في ذلك تحقيق استدامة الأفكار وتيسير تتبع الملفات وجعل الرؤية المغربية لانشغالات المجموعة الدولية وللحلول المقترحة لها، حاضرة في النقاش الدولي المؤسساتي.
وأسهمت برامج التعاون الدولي التي ينجزها المجلس مع عدد من الشركاء بشكل حاسم ومستدام، في تيسير التواصل المؤسساتي وتبادل الخبرات مع عدد من البرلمانات الوطنية، وأثمرت وثائق مرجعية ودلائل إرشادية تكتسي بدورها صبغة الاستدامة وتغني المكتبة البرلمانية الوطنية، وهي ذات قيمة كبرى في تجويد أعمالنا ونعمل على تقاسمها مع أصدقائنا في بلدان أخرى.
وفي سياق دولي متقلب وعلاقات دولية غير قارة، أدركنا أن حضور ومساهمة مجلسنا يحظيان بتقدير كبير دوليا وقاريا وإقليميا، وأدركنا في المقام الأول أن هذا الحضور المؤثر والاستباقي، حاسم في ترسيخ تموقع بلادنا الجيو-سياسي والجيو-استراتيجي.
اسمحوا لي أن أذكر بأهمية مرتكزات منهجية العمل التي اعتمدناها جميعنا تَوَخِّيّاً لإنجاز ما بَلَغْناَهُ. لَقَد كان اختيارُنا الجماعي خلال سنتين من عمر الولاية التشريعية العاشرة أولاً العملُ وفق منهجية الإِشْراَك، والعمل الجماعي والتوافق والإصغاء. وقد توخينا معاً، وهذا مرتكز ثان، تحقيق التخليق المؤسساتي والسياسي، وتكريس مصداقية العمل البرلماني، بِماَ يُشكل رافِداً في مسارِ استرجاع وتكريسِ الثقة في السياسة وفي الفاعل السياسي. وبالطبع، فإن ذلك ما كان ليتحقق، ولا يمكنه، أن يتحقق، وهذا مرتكز ثالث، دون إنتاجٍ جَيِّدٍ يُحدِثُ الأثرَ، المتوخى على حياة المواطنات والمواطنين.
أما المرتكز الرابع فقد تَمَثَّل في العمل الجماعي، ومنهجية التعاون والتكامل بين مكونات المجلس وبين المجلس والسلطة التنفيذية، على أساس احترام الاختلاف في الرؤى والمقاربات والمنطلقات وفي التقييم، مما كان له الأثرُ الإيجابي على جودة أعمالنا وتسريع المساطر وتجنب التوتر، ومما أَثْرى أشغالَنا وجعلَها أكثرَ جودةً.
وقد استحضرنا في كل ذلك، وَرَهَنَّا أشغالنا، وهذا مرتكز خامس، بأمر أساسي، هو مصلحةُ الوطن وتقدُّمِهِ ونَمَائِه وأَمْنِه من جهة، ومن جهة أخرى ترسيخ الممارسة الديمقراطية ومراكمة التقاليد الديمقراطية، وجعلِها منتجةً وديناميةً على طريق التأسيس لثقافةٍ جديدة في الممارسة البرلمانية، نَرَاها ضروريةً في الأفق الإصلاحي الجديد الذي فتحه دستور 2011 بكل حُمولاَتِه التَّحَرُّرية وبكل ما يَكْفَلُه من حقوق. ومن أجل ذلك قيَّدْنا أنفُسَنا، وأَلْزَمْنا ذواتَنا بمبدإ إجبارية النتائج وترصيدها والبناء عليها من أجل التقدم وفق منطق التراكم وهذا هو المرتكز السادس.
السادة الوزراء
الزميلات والزملاء
تحقيقا لمبدإ الإجبارية هذا، وتفعيلا لمقتضيات الدستور وبالتحديد الفصول (13 و14 و15 منه) هيأنا كل الشروط المسطرية واللوجستيكية لتلقي عرائض المواطنات والمواطنين الموجهة للمجلس تكريساً للديمقراطية التشاركية والمُواطِنَة. فبعد أن شكلنا لجنة العرائض على مستوى مكتب المجلس أعْدَدْنا النظام المعلوماتي الخاص بتلقي وتدبير هذه المبادرات المواطنة. ونغتنم هذه المناسبة لدعوة هيئات المجتمع المدني إلى تأطير مبادرات المواطنين والتعرف الدقيق على مساطر تفعيلها وإحالتها على المجلس. وسنبادر قريبا، في إطار مشروع البرلمان المنفتح، إلى تنظيم ورشات تواصل في هذا الباب مع هيئات المجتمع المدني المهتمة.
ولا تخفى عليكم القيمة المضافة العالية لتفعيل هذا الإصلاح في تكريس المشاركة المواطنة الواعية والمسؤولية، وفي نقل انشغالات وقضايا المواطنين إلى صلب انشغال المؤسسة التشريعية، وفي تفعيل الديمقراطية التشاركية المواطنة وإعمال مفهوم برلمان القرب .
وبذات النَّفَسِ الإصْلاَحِي، وَضَعْنَا واعتمدنا، معاً، دليلاً لمدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية يشرحُ مُرْتَكزاتٍ وضوابط ومعايير السلوك البرلماني ومبادئه وأخلاقياته والآليات العملية لتنفيذ المدونة. وارْتَكَزْناَ في ذلك، واسْتَرْشَدْناَ، بخطاب جلالة الملك محمد السادس في افتتاح دورة أكتوبر 2012 حين دعا البرلمانيين إلى “إيثار الصالح العام والتحلي بالمسؤولية والنزاهة والالتزام بالمشاركة الفعالة والفعلية في جميع أشغال البرلمان” وجعل هذا الأخير “فضاء للحوار البَنَّاء ومدرسةً للنخب السياسية بامتياز “مستحضرين روح الدستور والنظام الداخلي في هذا الشأن.
ولا تخفى عليكم أهمية الالتزام بمدونة السلوك وبأخلاقيات العمل السياسي والبرلماني في تقوية المؤسسة وزيادة مصداقيتها لدى الرأي العام مع ما لذلك من مردودية سياسية بتعزيز ثقة المواطنين والمواطنات في المؤسسات وفي جَدْوى المشاركة السياسية. إن الأمرَ يتعلقُ بعملٍ بيداغوجي في سياقِ ما تتعرض له الديمقراطية التمثيلية من تشكيك في جدواها.
وبذات الرؤية الإصلاحية، وفي إطار مسلسل التخليق فَعَّلْنَا في إطار مكتب المجلس، وعلى أساس قَرَارٍ مشتركٍ مع رؤساءِ الفرق والمجموعة النيابية آليةَ مراقبةِ حضورِ السيدات والسادة النواب في الجلسات، ورَتَّبْنَا التدابير الضرورية عن كل إخلال بهذا الواجب، إعمالاً لمقتضيات النظام الداخلي. إنها رسائل في اتجاهات متعددة : إلى المجتمع ومفادُها الحرصُ على أداء الواجب وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإلى الذات المؤسساتية ومفادُها بأن ثَمَّةَ تصميماً جماعياً مشتركاً على أنْ لا تسامُحَ مع هَدْرِ الزمن البرلماني وبأي إخلال بالواجب.
وفي إطار الحرص على تأطير أشغالِنا ومَأْسَسَتِهاَ، حَرِصْنا على هيكلة ثلاث مجموعات مَوْضُوعَاتِية متعلقة بالقضية الوطنية، وإفريقيا، وفلسطين على أن تتم هيكلةُ المجموعة الخامسة المتبقية والمهتمة بالقانون الدولي الإنساني خلال الأيام القادمة. ولا تخفى أهمية هذه المجموعات في تَتَبُّعِ القضايا التي تُعنى بها وتوفير المعلومات والترافُع بشأنها. وَيَظَلَّ الهدف هو خدمة قضايا ومصالح بلادنا الحيوية وتعزيز تموقعها الإقليمي والقاري والدولي والدفاع عن القضايا العادلة للشعوب والترافع من أجل دمقرطة العلاقات الدولية.
ومن أجل جعل الوظيفة الرقابية لمجلس النواب أكثرَ نجاعةً، ومنتجةً للأثر على المجتمع، سَخَّرْنَا آليةَ جردِ التعهدات الحكومية في الجلسات العامة للمجلس بِغاَيَةِ تَتَبُّعِ ما تلتزم به الحكومة والحرص على تنفيذه. وقد بلغ عدد التعهدات المرصودة برسم النصف الأول من الولاية 266 تعهدا خلال 50 جلسة عمومية، راسلنا الحكومة بشأنها وتوصلت الرئاسة ب 63 جوابا تضمنت التدابير الحكومية المتخذة تفعيلا للتعهدات. ولا تَخْفَى عليكم مردوديةُ هذه الآليةِ ودورُها في التذكير بالمسؤوليات المتبادلة. ولقد أَثْبَتَتْ هذه الآلية نجاعَتَها، مما يُحَفِّزُنَا على توسيعها لتشمل أشغال اللجان الدائمة، كما ينبغي، بالموازاة مع ذلك، في إطار ممارسة السلطة الرقابية للمجلس، تتبعِ تنفيذِ التدابير المتخذة، وخاصة تتبع آثارها على علاقات الإدارة بالمجتمع وعلى أوضاع المواطنين.
وفي إطار ترصيد العمل الرقابي، حرصنا على أن تكون تقارير المهام الاستطلاعية ومداولاتنا بشأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات متضمنة لتوصيات بشأن السياسات أو البرامج أو المؤسسات العمومية، موضوع مهام استطلاعية أو تقارير المجلس الأعلى. وينبغي ترسيخ هذه الممارسة وتوسيعها وتتبع نتائج الأعمال الرقابية وإعمال مسطرة تتبع التعهدات الحكومية بشأنها، والحرص على أن يكون هذا النهج جزءا ثابتا في الأجندة الرقابية لمجلسنا.
ويظل الهدف، دوما، هو تجويدُ السياسات والتدخلات العمومية وتقويم الاختلالات المحتملة وجعل السياسات العمومية والإنفاق العمومي مُنْتِجَيْنِ للآثار الإيجابية على المجتمع.
وإعمالا للمقتضيات الدستورية بشأن علاقات البرلمان مع باقي المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، استمع المجلس وناقش بالخصوص، وبانتظام،تقارير المجلس الأعلى للحسابات. وقد أثمرت مناقشة هذه التقارير عدداً من التوصيات والاقتراحات من جانب أعضاء المجلس تتوخى إعمال الحكامة في السياسات العمومية وفي وظائف وتدبير المؤسسات العمومية والمنتخبة، والحرص على جعل آثار الإنفاق العمومي والتدخلات العمومية ملموسة لدى المواطنين وإيجابية على حياتهم وعلى التجهيزات العمومية.
وفي إطار مواصلة ترصيد هذه التوصيات يحرص المجلس على تتبع تنفيذها، وينبغي أن تكون موضوع رقابة تالية من جانب مجلس النواب، إذ لا فائدة من تقارير وتوصيات لا تُنْتِجُ الأثرَ في المَرْفقِ العام وأدائه وعلاقته بالمواطنين، ولا فائدة من عَمَلٍ عمومي لا يخضعُ لمبدإ رَبْط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي إطار ذات الاختصاص واصلنا العمل المؤسساتي مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من خلال طلب الاستشارة في عدد من المواضيع، كما نظمنا معه يومي 30 و31 أكتوبر 2018 ندوة دولية حول دور البرلمانات والمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة في إفريقيا إزاء التحديات الجديدة للهجرة أثمرت وثيقة هامة سميت “نداء الرباط” من أجل التعاطي العادل والديمقراطي والإنساني مع ظاهرة الهجرة.
السادة الوزراء
الزميلات والزملاء
من أجل تجويد أعمالنا والوفاء بالتزاماتنا والنهوض بمهامنا على الوجه المطلوب، عملنا على فتح مجموع الأوراش التي وردت بشأنها مقتضيات في النظام الداخلي، ومنها إحداث المركز البرلماني للأبحاث والدراسات والقناة البرلمانية . وقد أحرزنا تقدما كبيرا في عملية التأسيس، إذ اعتمدنا الإجراءات الخاصة بالمركز واعتمدنا الاختيار الأنسب بالنسبة للقناة البرلمانية بما في ذلك النموذج الاقتصادي للقناة وصيغتها القانونية وغيرها من التدابير العملية.
ومن جهة أخرى اعتمدنا خطة عمل جديدة للمجلس تأسست على المنجز من الخطة السابقة وتتضمن العديد من التدابير الكفيلة بتقوية أداء المؤسسة وأدوارها ومهامها ووظائفها.
وتتوخى مجموع الأوراش المنجزة والتدابير المتخذة ترسيخ الديمقراطية وتعزيز مكانة المؤسسة التشريعية وتجويد أدائها وإنتاجها وتكريس وزيادة انفتاحها وتواصلها مع المجتمع، على أن الهدف المشترك يظل هو تحقيق تقدم بلادنا وتطويرها وتعزيز تموقعها الإقليمي والدولي وجعل التنمية التي تحققها منتجة للأثر الإيجابي على حياة المواطنين وعلى حقوقهم في الشغل الضامن للعيش الكريم وفي التعليم الميسر للرقي الاجتماعي، وفي الخدمات الصحية، وفي الاطمئنان على مستقبلهم ومستقبل بناتهم وأبنائهم، كل ذلك من أجل، وبالموازاة مع زيادة اقتدار بلادنا وتقوية قدراتها على رفع التحديات التي تواجهها داخليا وخارجيا وفي صدارتها تقوية التماسك الاجتماعي والوطني والوحدة الوطنية والترابية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، أعزه الله، الذي يقود بتبصر وحكمة المملكة برؤية إصلاحية متوجهة إلى المستقبل وحريصة على ضمان حقوق الجميع.
في الختام أود أن أشكر السيد رئيس الحكومة وكافة أعضائها ومن بينهم السيد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، كما أتوجه بالشكر إلى كافة أعضاء المجلس، نساء ورجالا، إذ إن مساهمة الجميع وروح التعاون التي طبعت أشغالنا هي ما يسر إنجاز هذه الحصيلة المتميزة التي نعتبرها حصيلة الجميع، وهي للوطن أولا وأخيراً.
وأشكر أيضا جميع المصالح الساهرة على أمن المؤسسة، كما أشكر ممثلي وسائل الإعلام الذين تناولوا الشأن البرلماني كل من زاوية نظره، والشكر بالطبع موصول لموظفات وموظفي المجلس على تعبئتهم المتواصلة من أجل مواكبة أعمالنا.
أشكركم على حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.