ربع قرن على القانون المؤطر للتعليم العالي: أي حصيلة؟ وأي آفاق؟

 الحسن لشكر: إصلاح التعليم العالي يحتاج إلى رؤية استراتيجية تتجاوز منطق «إصلاح الإصلاح»

 

 

نظم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب وقطاع التعليم العالي الاتحادي، لقاءً دراسياً تحت عنوان: “القانون المؤطر للتعليم العالي بعد ربع قرن: ماي 2000 – ماي 2025″، وذلك بمقر البرلمان بحضور خبراء وباحثين وأساتذة وفاعلين مختصين في قضايا التعليم العالي.
ويأتي هذا اللقاء في إطار تعزيز النقاش العمومي حول الإصلاحات الكبرى التي يعرفها المغرب، وسعياً إلى المساهمة في تطوير المنظومة التشريعية والتعليمية، بما يواكب متطلبات التنمية المجتمعية والتحولات العلمية والاقتصادية العالمية.
اللقاء عرف مشاركة وازنة، وتخللته مداخلات سلطت الضوء على التحديات البنيوية التي تواجه الجامعة المغربية، والرهانات المطروحة على مشروع مراجعة القانون المنظم للتعليم العالي الصادر سنة 2000، والذي لم يُعدّل جذرياً رغم المتغيرات الكبرى التي عرفتها البلاد والمنظومة التربوية ككل.
أكد النائب الحسن لشكر، نائب رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، أن إصلاح التعليم العالي في المغرب لا يمكن أن ينجح دون تجاوز منطق “إصلاح الإصلاح”، واعتماد رؤية استراتيجية واضحة طويلة الأمد، ترتكز على تقييم موضوعي للتجارب السابقة والانطلاق من جذور أزمة التعليم.
وجاءت كلمة لشكر خلال افتتاح أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، بمقر البرلمان، تحت عنوان: “القانون المؤطر للتعليم العالي بعد ربع قرن (ماي 2000 – ماي 2025)”، والذي عرف حضوراً وازناً من مسؤولين حكوميين وممثلي النقابات وفعاليات أكاديمية وبرلمانية.
وأشار لشكر إلى أن تنظيم هذا اليوم الدراسي يندرج ضمن تقليد دأب عليه الفريق، الرامي إلى توسيع النقاش العمومي حول القضايا المجتمعية الكبرى، وفي مقدمتها التعليم الذي اعتبره “قضية بنيوية وتاريخية تتجاوز حدود التعليم العالي لتشمل المنظومة بأكملها”.
وانتقد لشكر بشدة ما وصفه بـ”الفرملة” التي عرفها مسار إصلاح التعليم العالي، مذكراً بأن القانون 01.00 الذي صدر سنة 2000 في ظل حكومة التناوب، شكل لحظة مفصلية في مسار الإصلاح، إلا أن غياب التحيين والملاءمة مع دستور 2011، والرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والقانون الإطار 51.17، أفرغ هذا المسار من مضمونه وأدخله في دوامة من التردد وغياب الفعالية.
ولم يفوّت النائب الاتحادي الفرصة لتوجيه انتقادات حادة للحكومة الحالية، متهماً إياها بـ”الارتجالية والمزاجية” في التعامل مع ملف التعليم العالي، مستشهداً بتراجعها عن نظام البكالوريوس، وتخليها عن مشاريع الأقطاب الجامعية، وعدم تنفيذ خطط تمويل وتطوير البنيات التحتية رغم الالتزامات التي أعلنت عنها في البرنامج الحكومي.
وشدد لشكر في ختام مداخلته على ضرورة جعل التعليم العالي حقاً ديمقراطياً ومتاحاً لجميع المغاربة، بعيداً عن التمييز المجالي أو الاجتماعي، داعياً إلى جعل هذا اليوم الدراسي محطة فعلية لتشخيص الواقع واقتراح إصلاحات عميقة تليق بطموحات الشباب المغربي وتحديات التنمية الشاملة.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، أكد أن المشروع الجديد للإصلاح يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: التقاء السياسات العمومية، تفعيل النصوص القانونية، واستقلالية الجامعة. مشدداً على أن الإصلاح يجب أن يكون شاملاً وعميقاً، لا مجرد “إصلاح الإصلاح”، وأن الجامعة المغربية مطالبة اليوم باستعادة مكانتها كفضاء للبحث العلمي والفكر والإبداع والإنتاج المعرفي.
كما أشار ميداوي إلى أن مشروع القانون الجديد يعتمد على مبدأ التشاركية، من خلال إشراك كافة المتدخلين والفاعلين، بمن فيهم الشركاء النقابيون والأساتذة والخبراء، مؤكداً أن الوزارة منكبة على استكمال صياغة المشروع النهائي، ومشدداً على ضرورة استثمار الزمن التشريعي والعلمي لفتح نقاش وطني موسع حوله.
النقابة الوطنية للتعليم العالي: الجامعة مسؤولية مجتمعية
من جهته، اعتبر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، هبري الهبري، أن التعليم العالي لم يعد مجرد قضية قطاعية، بل أصبح قضية مجتمعية بامتياز، داعياً إلى اعتماد مقاربة تشاركية تضمن مشاركة فعالة لكافة المتدخلين لبناء جامعة عمومية قوية ومواطِنة.
كما شدد الهبري على ضرورة ربط الجامعة بمحيطها السوسيو-اقتصادي، وتوفير آفاق واضحة أمام الخريجين لولوج سوق الشغل عوض الهجرة، معبّراً عن الحاجة الماسة إلى إرادة سياسية حقيقية لبدء إصلاح فعلي يعيد الثقة إلى الأسر والطلبة في الجامعة العمومية.
بنور: التعليم العالي رافعة للتنمية وبناء الدولة الاجتماعية
سعاد بنور، ممثلة قطاع التعليم العالي الاتحادي، أكدت أن الاتحاد الاشتراكي ساهم لعقود في بناء تعليم عالٍ منتج وفعال، داعية إلى رؤية شمولية قادرة على جعل هذا القطاع رافعة للتماسك المجتمعي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما ذكّرت بتاريخ الجامعة المغربية، التي بدأت مبكراً سنة 859 مع تأسيس جامعة القرويين، لكنها انتظرت حتى 1959 لتشهد ميلاد ثاني جامعة بعد الاستقلال، في مفارقة تعكس مساراً غير متوازن بين المبادرة التاريخية والتطور المؤسساتي الحديث.
وأشارت بنور إلى أن النجاحات الكمية والنوعية التي سجلها المغرب في التعليم العالي، لا تخفي الإخفاقات البنيوية، حيث تظل نسبة الانقطاع عن الدراسة مرتفعة (تصل إلى 50%)، مع معدلات بطالة مقلقة في صفوف الخريجين (تفوق 20%).
أرضية اللقاء: التعليم العالي رافعة للتنمية… ومجال للتحديات
اللقاء انطلق بأرضية تأطيرية قدمتها النائبة البرلمانية خدوج السلاسي، سلطت فيها الضوء على التحولات الكبرى التي شهدها العالم بفضل التقدم العلمي، وعلى الدور المركزي للجامعة في بناء مجتمع المعرفة.
وجاء في الأرضية أن هناك علاقة واضحة بين جودة التعليم العالي والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي للدول، مؤكدة أن الجامعة تشكل العمود الفقري لأي نموذج تنموي، كونها الفضاء الذي ينتج المعرفة ويوفر الكفاءات القادرة على صنع القرار وتوجيه السياسات العمومية.
الأرضية لم تخلُ من تساؤلات جوهرية:
ما الفلسفة التي ستعتمدها الوزارة في إعداد مشروع القانون الجديد؟
هل يملك هذا المشروع الجرأة الكافية لتجاوز فشل الإصلاحات المتتالية؟
هل سيتمكن من معالجة المفارقات التاريخية والهيكلية التي يعاني منها القطاع؟
بين إرث ثقيل وآفاق واعدة
يُذكر أن القانون 01.00 الذي ينظم التعليم العالي صدر في ماي 2000، بعد الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، وجاء حينها بمستجدات هيكلية من بينها توحيد التعليم العالي، لكنه لم يُفعّل بشكل كامل. ومنذ سنة 2011، توالت محاولات المراجعة، إلا أن غياب الاستقرار السياسي والتوجّه نحو الخوصصة أعاق بلورة رؤية إصلاحية حقيقية.
اليوم، وبعد صدور القانون الإطار للتربية والتكوين (51.17) سنة 2019، واستكمال المساطر التقنية، تبدو الفرصة مواتية لبناء تعاقد وطني جديد حول الجامعة المغربية، يواكب التحولات العالمية، ويستثمر رأس المال البشري في أفق بناء دولة اجتماعية عادلة ومنصفة.


الكاتب : الرباط:  محمد الطالبي

  

بتاريخ : 29/05/2025