كانت شجاعة وكرمها بلا حدود، ورمزا للمقاومة من أجل الحقيقة
ودعتنا بحسرة كبيرة، السيدة الفاضلة غيثة بناني، أرملة الشهيد المهدي بنبركة، بعد معاناة كبيرة من البحث عن حقيقة اختطاف زوجها ومصير جثته. واجهت مصير الاختطاف بشجاعة نادرة من امرأة، ابنة القاضي الفقيه أحمد بناني، المنحدرة من أسرة رباطية، ولها من الشهيد، الذي تزوجته سنة 1949، أربعة أبناء، هم فوز وبشير وسعد ومنصور.
وكانت عائلة الشهيد المهدي بنبركة قد أعلنت خبر الوفاة يوم الأربعاء، حيث جاء في الخبر: « ببالغ الحزن والحزن العميق، نعلن وفاة السيدة غيثة بناني، أرملة المهدي بن بركة، يوم الأربعاء 26 يونيو الجاري. «
وأضاف البلاغ : «هي امرأة عظيمة، كانت صاحبة عزيمة لا مثيل لها، وشجاعتها وكرامتها كانتا مثاليتين، وكرمها بلا حدود».
و «برحيل غيثة بناني تترك ذكرى امرأة جديرة بالاهتمام، رمزا لمقاومة زوجات وأمهات حملن شعلة الكفاح من أجل الحقيقة، ضد النسيان والإفلات من العقاب، غادرت هادئة دون معاناة، محاطة بأبنائها وشقيقها علي؛ الذي كان تفانيه ونكرانه للذات رائعين، خاصة في السنوات الأخيرة، وبصمته ستكون إلى الأبد في الذاكرة «.
ظلت الراحلة غيثة « عمود الأسرة، ومرجعاً لكل من ارتبط بالقيم الإنسانية والأخوة والتضامن…، وكانت تمثل نقطة ارتكاز لكل أفراد عائلتها، ومثالاً في البساطة والطيبة، وملاذاً بقلب سخي وآذان صاغية».
رافقت غيثة زوجها المهدي بن بركة في جميع مراحل حياته النضالية ضد الاستعمار وبناء المغرب المستقل الديمقراطي، وتقاسمت معه أفراح وأحزان الحياة الأسرية حتى اختطافه واختفائه.
وفي عام 1960، تعرضت مثل زوجها لمضايقات الشرطة السياسية، مما اضطرها لمغادرة المغرب في عام 1964ـ حيث لم تعد إلى المغرب إلا في عام 1999 عندما قررت مع أبنائها إنهاء منفاهم بعد وفاة الحسن الثاني .
عند اختطاف المهدي بن بركة، كانت غيثة في المنفى بالقاهرة، ومع دعم أخيها عثمان بناني، كرست نفسها لتربية أبنائها الأربعة وطفلين من أبناء أختها المتوفاة الذين كانوا يعيشون مع عائلة المهدي بن بركة.
وأَضاف بلاغ العائلة «على مدى ما يقرب من ستين عاماً، كرست نفسها، بجانب أبنائها ومع أفراد عائلتها، للبحث عن الحقيقة بشأن مصير زوجها حتى تتمكن من الحداد عليه والترحم على قبره. منعتها من ذلك الأسباب السياسية في المغرب وفرنسا، ونقص الشجاعة السياسية على جانبي البحر الأبيض المتوسط».
وكان الشهيد المهدي بنبركة قبل اغتياله في عام 1965، قد نقل زوجته وأبناءه الأربعة إلى القاهرة، حيث عاشوا هناك خلال فترة الزعيم المصري جمال عبد الناصر. وبعد اختفاء بنبركة بفترة، انتقلت عائلته إلى العاصمة الفرنسية.
ومنذ مغادرتها المغرب، في عقد الستينيات من القرن الماضي، لم تعد الراحلة إليه إلا بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، حيث زارت مسقط رأسها عدة مرات.
وتم نعي السيدة الفاضلة غيثة بناني من طرف العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية والصحافية، في مواقع التواصل الاجتماعي، وكتبت لطيفة البوحسيني: « بعد اختطاف المناضل الكبير المهدي بنبركة، وكجميع الأمهات، احتضنت غيثة بناني أبناءها الأربعة وتكلفت بتربيتهم ورعايتهم، وهو ما كانت تقوم به منذ زواجها والمهدي ينتقل كالفراشة بين مدن المغرب ثم فيما بعد بين بلدان المعمور بحثا عن بديل يصمد في مواجهة الامبريالية والتبعية. ككل الأمهات وكزوجات الزعماء، انشغلت بمرافقة أبنائها في تعليمهم وتحصيلهم، وكل ما يتعلق بحياتهم كي يتفرغ زوجها للمهام والمسؤوليات التي اختار أن ينذر حياته لها وهو مطمئن البال.
بعد اختطاف المهدي شدت عضد أبناءها وكانت السند القوي للمعركة التي ما لبث ابنها البشير يخوضها لمعرفة الحقيقة حول مصير الأب.
ها هي ترحل دون أن تعرف مصير زوجها ومكان دفنه ..
ها هي ترحل وتدفن في المنفى، بعيدا عن وطنها .
كل الرحمات على روحها الطاهرة «.
وفي نعي بصفحتها بالفيسبوك، من مجموعة «أوفياء لذاكرة المرحوم مصطفى القرشاوي»، جاء فيه : « تلقينا نبأ رحيل غيثة بناني زوجة الشهيد المهدي بنبركة. و بهذه المناسبة الأليمة تتقدم كل من سهام وغادة باسمهما وباسم جميع أفراد عائلة المرحوم المناضل مصطفى القرشاوي بأحر التعازي و أصدق المواساة للأخ البشير بنبركة وإلى كل أفراد عائلة بنبركة وبناني. نرجو لهم الصبر الجميل وللفقيدين المهدي وغيثة الرحمة والمغفرة».
من جهته كتب عمر محمود بنجلون : « ببالغ الحزن تلقينا خبر وفاة الفقيدة غيثة بناني في باريس، أرملة الشهيد المهدي بن بركة زعيم استقلال المغرب ورمز الاشتراكية الأممية الذي اختطف واغتيل بنفس المدينة في 29 أكتوبر 1965. رافقته الفقيدة في نضالاته من أجل الديموقراطية و التنمية و السيادة و الاشتراكية حتى اغتياله من طرف القوى الغربية و حلفائها، وظلت وفية لذكراه وللحقيقة المخفية في الاغتيال السياسي الأكثر تأثيرا في القرن العشرين وأقدم ملف تحقيق لدى العدالة الفرنسية».
وكتبت إيمان الرازي : «غادرتنا هذا الصباح السيدة غيثة بناني أرملة الشهيد المهدي بنبركة، الإنسانة التي ظلت وفية للمثل والقيم التي كان الشهيد المهدي بنبركة يناضل من أجل إشاعتها، وعملت بكل تفاصيل على تربية ابنتها فوز وأبنائها البشير وسعد ومنصور على كل تلك المثل والقيم ، وما بدلوا تبديلا منذ اختطاف والدهم إلى اليوم. كل مشاعر العزاء والمواساة لجميع أفراد الأسرة الكريمة وعزاؤنا واحد».
وكتب عبد الرحيم وزان : « تلقيت اللحظة نبأ رحيل غيثة بناني زوجة الشهيد عريس المختطفين المهدي بنبركة ، و بهذه المناسبة الأليمة أتقدم باسمي وباسم عائلة المختطف المجهول المصير بلقاسم وزان بأحر التعازي و أصدق المواساة للأخ البشير بنبركة ومن خلاله إخوته و إلى كل أفراد عائلة بنبركة وبناني،راجيا لهم الصبر الجميل و للفقيدة الرحمة والمغفرة.
رحلت عنا الفقيدة غيثة بناني وفي قلبها غصة عدم معرفتها للحقيقة كاملة في ما جرى لرفيق دربها المهدي،
ارتاحي أمنا غيثة، لقد ناضلت ووفيت، والآن تسلمين المشعل لخير خلف وأكيد سيواصل المشوار وسيبقى على العهد».
الرحمة والمغفرة لهذه السيدة العظيمة.