إدخال تعديل على اسم ” الفريق الاشتراكي ” بإضافة ” المعارضة الاتحادية ” ، ليصبح الاسم المعتمد ” الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية “، لم يكن اعتباطا أو مجرد تعديل، بل هو تعديل مؤسس سياسيا، وله ما يبرره -سد الطريق على دعاة التشكيك والتضليل ومحترفي الخلط والالتباس.
-تذكير الجميع بأن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الذي أسس لثقافة المعارضة في المشهد السياسي ببلادنا، ففي ظل الولايات التشريعية التي كانت تهيمن فيها الأحزاب ” الإدارية ” كان البرلمان يضم معارضة قوية يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ” فريق المعارضة الاتحادية ” مما كان يضمن الكثير من التوازن الدستوري والسياسي، ويجنب البلد الانزياحات خارج الأطر الدستورية المشروعة .
ووفاء وامتثالا للمبادئ السامية والقيم النبيلة التي أسست لميلاد ” المعارضة الاتحادية “، وأطرت مسارها السياسي، ورسخت خطها النضالي في مختلف المراحل والمحطات، فإن ” الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية “، وفي زمن التغول، يمارس معارضة واعية ومسؤولة، على قاعدة نفس المبادئ والقيم التي جعلت من حزب الاتحاد الاشتراكي أنموذجا فذا في الوفاء والالتزام بقضايا الشعب والبلاد، مهما كلفه من تضحيات ونكران الذات….
عبد الرحيم شهيد في تعقيبه على رئيس الحكومة في جلسة 8 ماي 2023 ، يؤكد ” أود أيضا أن أؤكد لكم أننا سنناقش السيادة الغذائية من موقعنا في المعارضة كما نفهمها ونعي جيدا التزاماتها تجاه المصالح العليا للوطن ومصلحة المواطن. فالمعارضة الاتحادية تراكم تاريخي وسياسي ترك بصماته واضحة في المسار الديمقراطي لبلادنا، وسنواصل ممارستها بكل مسؤولية، بعيدا عن الشعبوية والانتهازية واقتناص الفرص. فبقدر رفضنا لكل تبخيس لأدوار المعارضة البرلمانية ضدا على الدستور ولكل الأحكام الجاهزة والموحدة حولها، بقدر مناهضتنا لأي تضليل أو تغليط في المشهد السياسي أو التمثيلي.
إننا نحرص على الوضوح من أجل تعزيز مساحات الفرز بين المبادئ والمواقف، وعدم اللجوء إلى الاصطفافات الشكلية لأن الجوهري بالنسبة إلينا أن يكون الاصطفاف مع مصلحة الوطن، ومع تعزيز الممارسة الديمقراطية التي أكد عليها زعيمنا سي عبد الرحيم بوعبيد حين قال بأن الشعب يتعلم الديمقراطية بممارستها، ومن خلال العمل المؤسساتي الذي ساهم فيه فقيدنا سي عبد الواحد الراضي ….
إننا سنظل أوفياء لقناعاتنا، أينما كان موقعنا، في الأغلبية أو في المعارضة، ولن نقبل أي تشكيك في مواقفنا المبدئية. فكما كان واهما سابقا من اعتقد أننا “سنسخن أكتافه”، فواهم أكثر منه من يعتقد اليوم أننا سنكون رهن إشارته لنكون حلفاءه المستقبليين، لأننا ندرك جيدا أن المشاركة في تدبير الشأن العام مؤطر بالمقتضيات الدستورية وباحترام المؤسسات.”
الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية معارضة، قوة دفع تقدمية، يسارية، اجتماعية – ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع والمساهمة في رسم خطوط المستقبل، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية ….
أن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية – الشعبية ، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية معارضة، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد ..
إن الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، وأن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، تجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب…
إن الاتحاد الاشتراكي كان دائما مالكا للأفق المستقبلي ومن ثم كان يستشرف المستقبل ويفعل في الأحداث وكان له بعد نظر يجعله يستبق هذه الأحداث ويقود معاركها، وليعلم الجميع أن للمعارضة حزبا يقودها، هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مارسها بقوة وتفوق في زمن القمع والجبروت ويمارسها اليوم بنفس القوة والكفاءة في زمن التغول ؛
ونؤكد للجميع أن الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية معارضة، يناضل بوضوح ويعارض بوضوح، وإن التمييز بين قوى المعارضة يتم انطلاقا من توجهاتها الفكرية والايديولوجية والسياسية لا انطلاقا من لغو الكلام وسفاسف الشعبوية ؛
الاتحاد الاشتراكي واضح فكريا وسياسيا ، يقطع مع الخطاب المزدوج واللعب هنا وهناك كما هو الشأن بالنسبة لأغلبية التغول، فلا يحتاج المحلل السياسي إلى بذل الكثير من الجهد في التحليل، ليخلص إلى أن بيت الأغلبية السياسية ليس على ما يرام رغم تضخم خطاب الانسجام وكل المكياج الذي يوضع على وجه الأغلبية لتزيينها وإظهارها بمظهر الإئتلاف الذي يسوده التوافق والتنسيق الدائمان .
فبعد مرور سنة ونصف السنة على تشكيلها، ما زالت الأغلبية عاجزة عن إنتاج هوية سياسية للمرحلة، بل إن بعض الأحزاب تخاف من ربط اسمها بالحكومة، وتضع ربع بيضها في سلة الحكومة بينما تحتفظ بثلاثة أرباع لوضعها في أي سيناريو محتمل، والمشكلة في الأحزاب المشكلة للحكومة أنها تريد أن تأكل في صمت وتدافع بصمت، وإذا اضطرت للكلام فهي تتحدث لغة الصمت الذي ينسب لها قولا ولا فعلا .
إن التحالف المهيمن رغم القوة العددية التي يتوفر عليها بالبرلمان والحكومة والجماعات الترابية والنقابات ترك الفراغ على المستوى السياسي، بل إنه من المستحيل أن تتطابق أحزاب الأغلبية في ما يجري من أحداث والمشاكل المرتبطة بارتفاع الأسعار والسياق الصعب الذي نمر منه، حيث اختلفت أحزاب الأغلبية في ردة فعلها على هذه الأحداث وعبر كل منها عن مواقف منفصلة تصل أحيانا إلى حد التناقض وإحراج الحكومة، مما أثار أسئلة عن أسباب هذا التباين وتأثيره المستقبلي على حالة الانسجام والتوافق داخل الأغلبية الحاكمة .
تذكرنا أحزاب الأغلبية بممارسة حزب المصباح لهوايته المفضلة بازدواجية الخطاب التي ظلت تلازم تدبيره جزءا من السلطة طيلة عقد من الزمن، الذي كان مولعا بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارض، وكان دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه .
تحية للفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية نائبات ونوابا، كفاءات وفعاليات، تحية للرئيس عبد الرحيم شهيد ولكل مكونات إدارة الفريق؛
الفريق الاشتراكي بمجلس النواب فريق مناضل، يمارس المعارضة بنقد مسؤول ، لا يعارض من أجل المعارضة، بل يعارض من أجل البناء وإسماع صوت المواطنات والمواطنين بكل مسؤولية، وهذا واجبه، وهذه مهمته ؛
مطمئنون، فالاتحاد الاشتراكي حاضر بقوة في مجلسي البرلمان، النواب والمستشارين، حاضر سياسة وخطابا وتوجيها، قيمة رائدة للبرلمان المغربي .
حزب العدالة والتنمية يعاني خطيئة ولادته
1-يعاني حزب العدالة والتنمية خطيئة ولادته، لأنه خرج من عباءة الحركات الإسلامية الدعوية، التي أرادت خوض غمار السياسة، من منظور رؤية الفقهاء ، فتاه قادته بين تأويل الدين وتوظيفه لتحقيق أهداف سياسية، واستعمال السياسة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، عبر مراكمة المهام الانتدابية، وجمع الأموال بدعوى أنها ” حلال ” .
وحينما واجهتهم المعارضة، تم ” شيطنتها ” وإلصاق كل التهم بها من زاوية أخلاقية محض، إذ رفع ” بيجيدي ” شعارات تدغدغ العواطف لاستمالة المواطنين، لأنه لم يفك ارتباطه بذراعه الدعوي، والأصح أنه الذراع السياسي للحركة الدعوية، التوحيد والإصلاح، التي بصمت على وجودها من خلال البيان الناري الذي صدر عن المجلس الوطني لـ ” بيجيدي”، الذي ندد بالتطبيع مع إسرائيل وسوق عنها كل ويلات العالم، كما يفعل عدد من فقهاء الأنترنيت، وقبلهم فقهاء الفضائيات …
2- إن الأقنعة التي لبسها الإسلاميون طويلا، وخدعوا بها الكثير من المغاربة ، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق. وقضية فلسطين أو الأصل التجاري الذي بنوا عليه مجدهم لم يعد ممكنا تخدير عقول البسطاء بها. وبالدارجة المغربية : ساعتهم سالات …ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة بدؤوا يكتشفون، ولو متأخرين، من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون .في مقابل هذه التقية الإسلاموية، ومقابل هذا ” الغموض ” و ” الالتباس ” لحزب العدالة والتنمية، وفي مقابل حربائية الإسلامويين، وفي مقابل الفرع المغربي للاخوان المسلمين الانحياز لإخوانه (حركة حماس والاتحاد العالمي لـ ” علماء ” داعش …) ضد الوطن ومصالحه….في مقابل هذا نلاحظ وضوح الاتحاد الاشتراكي، وضوح مؤسس على تاريخه ووطنيته وتلاحمه مع الملك …مواقف واضحة وصريحة، لا تقبل التأويل …إنها موقف حزب مؤسس ومنخرط في ثورة الملك والشعب الخالدة والمتجددة…
3- يوم قال بنكيران للبصري ” نأمل أن تتداركنا عناية الله على يدكم ”
لم تشفع التوسلات التي أبداها عبد الإله بنكيران، وهو وقتها مسؤول في الجماعة الإسلامية بعد ” هروب ” الزعيم عبد الإله مطيع، لوزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، لكي يكون لإسلاميي المغرب نصيبهم من المشاركة السياسية . فقد كتب بنكيران لأقوى وزراء الحسن الثاني ما يشبه الاستعطاف في رسالته الشهيرة المؤرخة ب 17 مارس من سنة 1986، حينما قال إننا ” نأمل أن تتداركنا عناية الله على أيديكم “، طمعا في أن يرخص إدريس البصري لإخوة بنكيران بتأسيس حزب سياسي، والمساهمة في الحياة السياسية المغربية، خصوصا وأن بنكيران كان قد أعلن عن جملة من المراجعات الفكرية والسياسية منذ مستهل الثمانينيات .
غير أن البصري سيرفض توسلات بنكيران، الذي كان يراهن على تيار مصطفى الرميد أكثر من تيار بنكيران، لتأسيس حزب سياسي بألوان إسلامية. لذلك سيقرر بنكيران وأتباعه البحث عن سبيل آخر غير وزير الداخلية . ولم يكن البديل غير عبد الكريم الخطيب، وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية .
ولم ينس بنكيران فضل الخطيب عليه حينما قرر أن يزور بيته مباشرة بعد أن تلقى خبر تعيينه رئيسا لحكومة ما بعد دستور 2011 . ولم يكن الأمر غريبا أن يجلس بنكيران، رفقة وزيره في العدل المصطفى الرميد ورئيس الحركة ( آنذاك)، إلى جانب أرملة الخطيب في المكان نفسه الذي جلس فيه وهو يفاوض عملية الالتحاق في بداية التسعينيات…
لقد تمكنت حركة الإسلام السياسي بفضل رياح ” الربيع العربي ” من الوصول إلى صدارة المشهد السياسي . قد نختلف أو نأتلف في تقييم هذا التاريخ المفارق للحركات الإسلامية، لكن المؤكد أن حكم الإسلاميين قد فشل في تحقيق ” النهضة ” الموعودة وفي توحيد المجتمع وفي تنزيل الوعود الانتخابية إلى أرض الواقع، سنة من الحكم انتهت بخروج الشارع المصري وعزل الرئيس، وفي تونس استمرت ظاهرة الاغتيال السياسي فسقط حزب ” النهضة “، وفي المغرب تصدع التحالف الحكومي وتبخرت الوعود الانتخابية
4_ اللصوصية والانتهازية بدت واضحة في سلوك الإسلاميين منذ البدايات المبكرة . وحين وجدت الشعوب نفسها بين مطرقة الإسلاميين وسندان الديكتاتوريات، تمسكت بحلم دس في عسله سم الحرص على الوصول إلى السلطة، وحين تسنموا سدة الحكم، ويا الغرابة ويا للفاجعة، استخدموا نفس أساليب الديكتاتوريات من إقصاء وتهميش، لكن بخبث يرتدي لبوس الدين / الزاد المخدر للبسطاء المنتظرين ربا يعدل في معاملتهم …وكانت وقاحتهم غير مسبوقة في ذلك . إذ لم يكد حبر كلمات شعاراتهم وخطاباتهم يجف حتى انقلبوا على كل شيء وتحولوا من قيمين على مصير شعب وأمة إلى مجموعة أو جماعة تقيس الناس بطول لحاهم وسبحاتهم، وتصدر ” فرمانات” التحريم والتحليل ناسفة عقودا من حياة تبدو قمة في المدنية والعلمانية والتواشج الاجتماعي قياسا بما سعوا إليه ونشره بين الناس .
نعم لم ولن يكون منطقيا الحديث عن ديموقراطية إسلامية، فعلى الرغم من أن جوهر وروح الأديان كلها واحدة، إلا أن رجالاتها وأوصياء الله على الأرض ( كمايدعون ) لا يعترفون بآخر أبدا .
دولة الخلافة التي ينادون بها كانت لزمن وأقوام وثقافة واقتصاد درست مظاهرها وانتهت صلاحية موجبات قيامها، الدين جوهر ثابت بالمطلق، والحياة كرة تدور وتدور، فتتبدل أقوام ومعطيات وعلوم واكتشافات علمية …من الحمق تطبيق قواعد الماضي الثابت المنقضي على مستقبل متحرك ديناميكي حي .
أعتقد أن وصول الإسلاميين إلى مبتغاهم كان مرحلة ضرورية، لنكتشف ضحالة مشروعهم، هذا إن جاز لنا تسميته بالمشروع . ففيما خلا كرسي السلطة، لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم مشروع واضح ومتكامل لدولة يؤسسونها، ولم نر برامج أو خططا لحل مشكلات معقدة تعاني منها معظم الشعوب العربية من فقر وبطالة وأمية واحترام الفرد واحترام الفرص على أساس الكفاءة لا الولاءات .
لا ديموقراطية على الأرض …فثمة ديموقراطية الأكثرية التي تجعل من الشعب أكثرية وأقلية …هناك لعبة ديموقراطية عبر صناديق الاقتراع …ما نحلم به أكبر وأنبل من لعبة الصناديق وكواليس السياسة …نطمح إلى دولة مدنية يتمتع فيها الجميع بحقوق المواطنة وواجباتها في ظل قانون لا أحد يقف فوق سطحه، يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط .
أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للإسلاميين، وأراها تتحمل عبء إخفاقهم وفشلهم …ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سجلت بحق تجربتهم إلا انعكاسا لفساد هذه الرؤية …أو لنقل إنه الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم فسرى بأوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض..لأن رؤية، كرؤية الإسلاميين إلى مفاهيم القرن السابع أو العاشر الميلادي، حتما ستفقد حياتها وحيويتها بفعل الزمن وعوامله المؤكدسة، فالمفاهيم التي تسكن العقل تكبر والهرم وتشيخ وتموت، وإن لم تكرم بدفنها تعرض العقل للخرف، حالها كحال خلايا الجسد حين يعتريها النضوب ويئين الموت لا تعود قادرة على بث الحياة والحركة في الأوصال. وعوضا عن إكرام هذا الخرف وفصله عن الممارسة السياسية، أصر الإسلاميون على الإبقاء عليه، وتراءى لهم أن بث بعض مفاهيم الحداثة في خطابهم السلفي الماضوي من نوع المدنية، الديموقراطية، الشرعية الدستورية، سينجي حكمهم …ولكنهم لا يعرفون أن رش أفخر العطور الباريسية لا يستطيع أن يمنع هبوب الرائحة الكريهة من الميت….
تناقضات الخطاب الإسلامي هي التي هزت كرسي الإسلاميين، فهو تارة خطاب فيزيقي يمارس السياسة في دور الرئاسة وتل أبيب، ويدير تحالفاتها وصراعاتها الشرسة المنفلتة من عقال الأخلاق، ويخضع لقوانين التغير ويأتمر بالنسبية…وتارة أخرى هو ميتافزيقي يحلق في عالم المثل ويأخذ مريديه إلى جنات السموات، يمارس الخطابة في المساجد والشوارع، ويخضع المطلق والثابت والله لبرنامجه المعروض سياسيا…
لذلك لا يستقيم أن نقف مع الذين يتباكون على الازدواجية الحداثية في الموقف من الحريات الفردية .
والحرية الفردية قناعة ومكابدة، وهي خط متواصل في التفكير وليست سوقا انتقائية نختار منها ما يلائمنا وقت الشدة فقط، في هذه الحالة تصبح الحرية استنجادا بالعدل القيمي لتبرير انتهازية ايديولوجية مفضوحة .
العالم تغير، والعالم العربي الإسلامي تغير كذلك، والتغير التاريخي ، لا يشكل في حد ذاته، حجة على ضرورة فشلهم، لكنه عامل أساسي . ” وضع الإنسانية ” التاريخي الحالي، لم يعد مهيئا لقبول خضوع مطلق ” لرقابة ايديولوجية “، حتى ولو كانت ” دينية ” ، والإسلاميون لا يقترحون، على المستوى السياسي والاجتماعي، شيئا آخر، الحرية لا تختزل بحرية الصلاة والصوم، والتجارة، حرية الشعوب اليوم عديدة ومتحركة، وهم لا يعرضون أمام الشعوب إلا حريات ساكنة وبائتة. إنها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة أحد من المواطنين . ” الحريات الحديثة ” ، ويجب أن نصر على هذا التمييز ، لا تشبه في شيء الحريات الإنسانية العتيقة، التي تدافع عنها حركات الإسلاميين السياسية.اليوم ، تحتاج الشعوب إلى حرية المعتقد، وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي . إنها ” الشعوب ” بحاجة إلى حرية الفكر، وحرية الجسد، حرية المكان وحرية الزمان. والإسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا، وإن فعلوا، فلا ضامن لمستقبل ، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية .
لنتعبد…ولنترك الآخرين يعيشون بحرية . والعدل أساس الملك . ولا عدل في المطلق . وبخاصة في المطلق الديني ….
5-في ظروف تاريخية عسيرة شجعت الدولة ” الإسلام السياسي ” في لبوسه الدعوي والحزبي، ووفرت له شروط الاشتغال والانتشار بهدف مواجهة اليسار الديموقراطي، واستغل الإسلاميون ” للتسرطن ” في المجتمع …وستتنبه الدولة إلى خطر هؤلاء مع أحداث الدار البيضاء المؤلمة في 16 ماي 2003، فتبين لها أنها تحصد ما زرعت، إن اليسار كان يؤطر الجماهير لتفجر حناجرها في التظاهرات الاحتجاجية، أما الإسلاميون فيدجنون هذه الجماهير لتفجر أجسادها …
لقد تبين أن الإسلاميين تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب، أي الطريق إلى أخونة العالم .وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الإسلامية المغربية، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الإسلاميين المغاربة وإخوانهم في الشرق، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على ” مسافة تنظيمية من حركة الإخوان المسلمين ” ، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة .
إذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية ، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب ( نونبر 2012 إلى الآن ) وحزب الحرية والعدالة في مصر ( يونيو 2012 إلى يوليوز 2013 ) ، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين .
اعتنق العدالة والتنمية، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب، وبفضل الراحل الآخر إدريس البصري، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في العالم كله ” كلهم فاسدون ” أو ” Tous pourris ” وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه إن كل الأحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء ، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة أبدا ولا يكترثون بالشعب المغربي إطلاقا .
دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني ، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة ، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة، أو التي كان يصفها بأنها زائلة، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاته، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه أولا، وعلى حزبه ثانيا، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه، أو لنقل إخوانه، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات .
آمنة ماء العينين لم تزل السترة عن رأسها فقط في باريس ذات نزوة ليست عابرة. آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية، وقالت لنا جميعا بصريح العبارة إن السياسة سياسة وإن الدين دين، وإن الجمع بينهما لأجل نيل المناصب البرلمانية أو الوزارية عيب كبير وخطير.
بنكيران … المسخرة
” حدث أن كانت سابقة في التاريخ المغربي: لأول مرة يخرج رئيس حكومة سابق ليبلغ عموم الناس أنه طلب من زوجته مهلة ثلاثة أشهر لتسوية أحواله المالية، وأنه شرع في البحث عن عمل يسد به رمقه …
بالنسبة لمنتقديه، ما أقدم عليه رئيس الحكومة السابق من تباكي أمام عموم الناس لا يليق برجل كان مسؤولا كبيرا في الدولة، وآخرون لم يصدقوا كيف للفقر أن يطرق أبواب سياسي كبير ظل برلمانيا لمدة تقارب النصف قرن، وقضى خمس سنوات رئيسا للحكومة، ولديه استثمارات سابقة في التعليم الخاص والتجارة .
وعاد آخرون إلى تقليب بعض صفحات التاريخ، وفي المحصلة تسجيل لعبد الإله بنكيران في بداية دخوله البرلمان يسأل فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة ع الرحمان اليوسفي، عن المعاشات الاستثنائية، ويشرح أنها غير معقولة في ظل وجود مواطنين يعانون الفقر وأن هؤلاء هم الأولى بتلك الأموال من الوزراء …
والأكثر سخرية من ابن كيران أو غضبا منه تساءلوا كيف يمكن لبنكيران ، الذي أجبر الموظفين على مراجعة نظامهم للتقاعد، أن يحصل على تقاعد بقيمة سبعة ملايين سنتيم دون أن يساهم فيه ولو بدرهم واحد .
والظاهر أن حزب العدالة والتنمية استشعر حجم الحرج، الذي وضعه فيه أمينه العام السابق، ولذلك لم يتبين روايته بشأن حصوله على حصوله على تقاعد استثنائي أمر له به الملك محمد السادس، ولم ينشرها في موقعه الإلكتروني الرسمي .
كان بإمكان بنكيران ألا يثير كل هذا الجدل من حوله، والذي تحول إلى انتحار رمزي لشخصه، لو أنه سلك المسطرة العادية للحصول على معاشات الوزراء، وهي المسطرة التي ينظمها القانون ويحدد شروط الاستفادة ومقدارها .
لكن ابن كيران أخبر الجميع أنه رفض التوقيع على وثائق وزارة الاقتصاد والمالية، وأنه لم يقبل بالمعاش إلا بعد أن أمر له به الملك . وبسبب ذلك فتح بابا آخر للسخرية والتهكم، وقال منتقدوه مرة أخرى أنه رفض مسطرة المعاش الحكومي، لأنها لن تدر عليه سوى أربعة ملايين سنتيم، في حين أن مسطرة المعاش الملكي تضمن له تسعة ملايين سنتيم .
لكن ابن كيران ليس رجل الماديات كي يحسب معاشه بهذا الشكل، هو رجل رمزيات سياسية، ومن قلب الفقر والمعاش الاستثنائي يريد أيضا أن يخرج برمزيات جديدة .
وفي هذه النازلة طرح السؤال التالي : لماذا رفض بنكيران معاش وزارة الاقتصاد والمالية وقبل المعاش الاستثنائي الذي أمر به الملك ؟
الجواب لا يوجد في السياسة العصرية ، بل في أدبيات السلاطين القدامى، كما يتصورها ويريد أن يعيشها ابن كيران، الرجل لا يريد تعويضا من الدولة، يريد تعويضا من ” السلطان ” . وهو يعتبر نفسه قدم خدمات للملكية خلال ” الخريف العربي ” وليس لغيرها، وعليها أن تدفع الثمن النقدي لذلك .
وابن كيران يريد، أيضا، أن يناقش معاشه الاستثنائي بمنطق المخزن الكلاسيكي وليس بمنطق الدولة العصرية ، هو يؤمن بما يسميه الدكتور عبد اللطيف أكنوش ” نظام المكافآت الممول للشرعية للنظام المغربي “، والذي يحصل عليه خدام ” دار المخزن ” بعد مغادرتهم ” للعمل السياسي الإجرائي “، ولا يؤمن بنظام التعويض عن المهام الذي تعتمده بروتوكولات وقوانين الدولة الحديثة .
ووفق هذا المنطق المخزني العريق، وبروتوكولات الآداب المخزنية، أقحم ابن كيران الملك في تناقضاته الشخصية ، وجعل المبادرة الملكية، وهي التفاتة إنسانية، ورقة حمراء يشهرها في وجه منتقديه، وحصنا منيعا يختفي وراءه كي لا يتحمل مسؤولية اختياراته .
(……) ولذلك تساءل كثيرون باستغراب: كيف يمكن لكل هذه الثروة التي يجنيها حزب البيجيدي من السياسة والانتخابات أن تنتج لنا ( زعيما ) ورئيس حكومة سابق يكاد يصل إلى تلك المرحلة التي لا يجد فيها ما يسد به رمقه .
وفي الواقع لم تكن الحكاية حكاية فقر ، كانت محاولة أخرى للمتاجرة بالفقر من أجل رسم صورة معينة في أذهان المغاربة البسطاء على بعد مسافة قليلة من انطلاق السباق الانتخابي الأكثر ضراوة ”
مرة أخرى، مرات ومرات، لازمة لن نمل من تكرارها : انهيار أسطورة الطهرانية الأخلاقية للبيجيدي ل ” كبيرهم ” و ” زعيمهم ” عبد الإله بنكيران ….المتاجرة بالدين مربحة، المتاجرة بالفقر مربحة، فالمتاجرة باللغة العربية والمتاجرة بالوطن …وحدهم المواطنون والمواطنات مخدوعون منخدعون، يدفعون ثمن انخداعهم، وكانت استحقاقات 2021 .. …وكان موعد الحساب …وإذا كان الإسلاميون يؤمنون بالديموقراطية للمرة الواحدة، فالمغاربة ينخدعون مرة واحدة……انتهى كلام ليبدأ كلام !