رصد فشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الكبرى في نصف ولايتها الحالية

 

مرصد العمل الحكومي يعدد اختلالات الحكومة ويسجل غياب تصور

لمحاربة الفساد والاحتكار، وهذه  توصياته 

 

 

 

سجل مرصد العمل الحكومي من خلال رصده لمختلف التدابير والإجراءات الحكومية خلال نصف الولاية الحالية، مجموعة من الملاحظات على عمل وأداء الحكومة منها سلبية التعاطي الحكومي مع تنزيل ورش الحماية الاجتماعية في ما يتعلق بضمان استدامته المالية، وعدم قدرتها على تنزيل إصلاحات شاملة مرافقة لهذا البرنامج تضمن انخراط كافة المغاربة في إنجاحه والاستفادة منه، وخاصة الفئات المنتمية للقطاع غير المهيكل، وهو ما نبه إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي سجل دخول البرنامج إلى مرحلة العجز المالي في ظل عدم قدرة الحكومة على الوصول إلى عدد المستهدفين المعلن عنه وضعف المساهمة المادية للمنخرطين الجدد التي لم تتجاوز 27 في المئة، وهو ما بات يهدد ديمومة هذا الورش الاستراتيجي.
ورصد التقرير  الارتباك المسجل في ما يتعلق بتدبير البرامج الإرادية الجديدة للتشغيل وعدم وضوح نتائجها وانعكاساتها على وضعية التشغيل، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 13 في المئة سنة 2023، وخاصة برنامج فرصة الذي رافقته مجموعة من الاحتجاجات القوية من طرف المستفيدين وغياب أي معطى ملموس حول نتائجه، وكذلك سلبية الامتناع الحكومي عن التدخل للحد من الانعكاسات الاقتصادية القوية لارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين عن طريق تخفيف الضغط الضريبي الذي يناهز 40 في المئة من سعر البيع أو عن طريق فرض ضريبة على شركات المحروقات.
وسجل المرصد غياب الإرادة الفعلية لدى الحكومة لمواجهة مختلف أشكال المضاربة والاحتكار التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الغذائية وخاصة المنتجات الفلاحية وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، والتأخير غير المبرر لإصلاح أسواق الجملة، بالإضافة إلى غياب أي تصور للحكومة للتقليص من حجم الاقتصاد غير المهيكل، والإجراءات الضريبية غير المفهومة للحكومة في هذا الصدد، والتي دفعت إلى الرفع من نسبة الممارسين للأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة، وخاصة الإجراءات الضريبية المتعلقة بالمقاول الذاتي.
ولاحظ التقرير التملص غير المبرر للحكومة في تنفيذ التزاماتها المتضمنة في الحوار الاجتماعي وخاصة تلك المتعلقة بالزيادة العامة للأجور،  وتخفيف العبء الضريبي عن أجور العاملين والموظفين، ما بات يهدد السلم الاجتماعي ويدفع إلى تنامي الحركات الاحتجاجية، خاصة في ظل التعامل الانتقائي للحكومة مع القطاعات الحكومية في ما يتعلق بتنفيذ هذه الالتزامات.
ووقف مرصد العمل الحكومي على سلبية التدبير الحكومي للاحتجاجات العمالية، وخاصة إضرابات قطاع التعليم، الذي أبانت خلالها الحكومة عن افتقارها للبعد السياسي واعتمادها على مقاربة تكنوقراطية محضة، دفعت إلى تعطيل أحد أهم المرافق العمومية لمدة تزيد عن 3 أشهر،  وعن إضعاف التمثيلية المؤسساتية للمنظومة الاجتماعية وظهور صيغ تمثيلية جديدة بدون أي شرعية قانونية، ما بات يهدد المبادرة الإصلاحية للحكومة في ظل النتائج المادية والسياسية المكلفة التي دفعتها لحل هذا الملف، زيادة على فشلها في البدء في تنفيذ الإصلاحات الكبرى المتوافق عليها في اتفاق 30 أبريل 2022، وخاصة تلك المتعلقة بملف التقاعد وقانون الإضراب وقانون النقابات وإصلاح مدونة التشغيل.
ولاحظ التقرير غياب أي تصور واضح للحكومة لمواجهة الريع والفساد كأحد أهم المشاكل التي تتهدد المسار السياسي والتنموي للبلاد وانعكاساتهما السلبية على الأداء الاقتصادي والمؤسساتي الوطني، زد على ذلك، البطء غير المبرر للحكومة في تنزيل الإصلاحات الإدارية والسياسية المتعلقة بالجهوية الموسعة وانعكاساتها السلبية على الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، علاوة على ضعف الحس التواصلي لدى الحكومة حول مختلف البرامج والإجراءات التي تتخذها، والامتناع غير المفهوم لرئيس الحكومة عن التواصل مع وسائل الإعلام الوطني.
وقدم مرصد العمل الحكومي مجموعة من التوصيات، قصد المساهمة في إغناء النقاش حول السياسات العمومية، وبسط زاوية نظر مدنية يمكنها أن تساهم في إنجاح البرنامج والأداء الحكومي بما يتوافق والتطلعات الكبرى لعموم الشعب المغربي، حيث أوصى
بالعمل السريع على تجاوز العثرات المتعلقة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية بما يضمن استدامته المالية وانخراط كافة الفئات المستهدفة، عبر القيام بالإصلاحات المرافقة له من خلال تعزيز العرض الصحي وفرض آليات المراقبة والشفافية على القطاع الصحي الخاص ومنع الممارسات غير القانونية ومراجعة التعريفة المرجعية للتعويض عن المرض ومراجعة المعايير المعتمدة في منظومة الاستهداف وتحسينها لتكون قادرة على التحديد الدقيق للفئات المستحقة للدعم.
ومن توصيات المرصد العمل الحكومي، ضرورة استعادة الحكومة للمبادرة الإصلاحية وتعزيز البعد السياسي في التعاطي مع الملفات الاجتماعية والعمل على تقوية الشركاء الاجتماعيين من خلال تعزيز موقعهم التمثيلي وتنفيذ الالتزامات الصادرة عن الحوار الاجتماعي، وتجنب التعامل الانتقائي مع القطاعات العمالية والموظفين، وأيضا التوجه نحو تبني حوار وطني عاجل حول أزمة التقاعد وإيجاد الحلول العادلة لتسريع إنجاز الإصلاحات في ظل الوضعية المأزومة لصناديق التقاعد بما يضمن مكتسبات العاملين، ويمكن من حل هذا الملف.
ودعا مرصد العمل الحكومي إلى عقد مناظرات للتشغيل يشارك فيها كافة الشركاء المعنيين بالملف يتم من خلالها تقييم السياسة الحالية للتشغيل ووضع تصورات جديدة أكثر ملاءمة ومسايرة للواقع المتغير لسوق الشغل وللاقتصاد الوطني وتوجهاته الجديدة في ظل النموذج التنموي الجديد.
وشدد التقرير  على ضرورة وضع خطة وطنية عاجلة لمواجهة كافة أشكال الفساد والريع وانعكاساتهما السلبية على الأداء الاقتصادي والمؤسساتي الوطني، وبلورة الحكومة لإرادة قوية تنعكس من خلال إجراءات واضحة وملموسة في هذا الاتجاه، والتسريع بمحاربة أشكال الاحتكار والمضاربة التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الاستهلاكية وخاصة المنتجات الفلاحية والإصلاح الجذري لمنظومة التسويق وخاصة أسواق الجملة وفق رؤية قانونية وتأطيرية عصرية تضمن حماية مصالح المنتجين والقدرة الشرائية للمواطنين.
وطالب المرصد بالعمل على خفض مستويات المديونية المقلقة التي باتت تتجاوز 70 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما قد يرهن الاستقلالية المالية للبلاد، وذلك عبر إصلاح عميق لقانون المالية، وتخفيف الضغط على المالية العمومية والرفع من مستويات إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتوافقة مع أهداف وتوجهات النموذج التنموي الجديد، وخاصة تلك المتعلقة بمضاعفة الاستثمار الخاص ليصل إلى ثلتي نسبة الاستثمار.
ورأى التقرير ضرورة تبني الحكومة للإجراءات الاستشرافية للأزمات الاقتصادية المحتملة، وانعكاساتها الاجتماعية المؤلمة، خاصة في ظل استمرار وضعية اللايقين الاقتصادي على المستوى العالمي واستمرار موجة الجفاف التي تحولت إلى معطى بنيوي بالمغرب، وعدم الاستمرار في التوجهات الحالية التي أبانت عنها الحكومة في تدبير الأزمات الحالية، عبر التدخل المتأخر لحل تداعياتها القوية على المواطنين، موصيا أيضا
بالتسريع بالإصلاحات المتعلقة بتعزيز تفعيل ورش الجهوية الموسعة وتمكينها من الإمكانية المالية والإدارية والقانونية لبلورة الخطط التنموية القادرة على محاربة كل أشكال التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية، وخلق فرص الشغل والإدماج، مع تعزيز تبني الحكومة للمقاربة التشاركية في إنجاز مختلف الأوراش والإصلاحات، والابتعاد عن المقاربات الفردية التي طبعت تدبيرها لمجموعة من الملفات، بما يعزز ثقة المواطنين ويضمن انخراطهم الإيجابي في مختلف الأوراش الإصلاحية.
ومن توصيات التقرير كذلك، تسريع الإصلاحات المتعلقة بالانتقال الرقمي بما يعزز شفافية المرفق العام ويضمن سهولة وسلاسة الولوج إلى الخدمات العمومية من طرف المواطنين، وتبني الحكومة لتصور تواصلي جاد ومسؤول وأكثر قدرة على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 25/04/2024