سجل الاقتصاد الوطني انتعاشا ملحوظا خلال النصف الأول من سنة 2025، محققا نسبة نمو بلغت 4,8% في الفصل الأول و4,6% في الفصل الثاني، مدفوعا بارتفاع القيمة المضافة لقطاعات الخدمات والصناعات الاستخراجية والبناء والفلاحة، حسب ما أوردته المندوبية السامية للتخطيط في نشرتها الظرفية. غير أن هذه الدينامية الإيجابية تخفي في طياتها مجموعة من الاختلالات التي ما تزال تؤثر على جودة النمو ومصادره، في ظل استمرار هشاشة الطلب الخارجي وتفاقم الحاجة إلى تمويل داخلي.
المعطيات الرسمية تظهر أن نمو الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الأول اعتمد بشكل شبه كامل على الطلب الداخلي الذي ساهم بـ8,5 نقاط، مقابل مساهمة سلبية للطلب الخارجي وصلت إلى ناقص 3,8 نقاط. وهو نفس التوجه الذي استمر خلال الفصل الثاني، حيث بلغ الفارق 7,7 نقاط مقابل ناقص 3,1 نقاط. هذه الأرقام تؤكد أن النمو الحالي يستند إلى دينامية داخلية غير مدعومة بأداء تصديري قوي، ما يعمق العجز التجاري ويطرح علامات استفهام حول مردودية السياسات الاقتصادية الموجهة نحو تحسين تنافسية المنتوج الوطني.
ورغم تحسن الاستهلاك العائلي بنسبة 4,4% خلال الفصل الأول، مدعوما بارتفاع فرص الشغل المؤدى عنها، إلا أن هذا التحسن ترافق بارتفاع كبير في الواردات بنسبة 9,8%، مقابل نمو ضعيف في الصادرات لم يتجاوز 2,2%، مقارنة بـ9,8% في الفصل السابق. ويعزى هذا التراجع إلى تباطؤ الطلب الأوروبي، الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، مما يبرز هشاشة الرهان على السوق الأوروبي في ظل تقلبات الأسواق الدولية.
أما على مستوى الاستثمار، فقد سجل ارتفاعا بنسبة 17,5% خلال الفصل الأول، إلا أن هذا الارتفاع تركز في مشاريع البنيات التحتية والمرافق الرياضية والطرقية والمائية، فيما لم تعرف نفقات التجهيز الصناعي إلا تحسنا محدودا. هذا التوجه يطرح إشكالا بشأن طبيعة الاستثمار السائد، ومدى إسهامه في خلق قيمة مضافة دائمة وفي تحقيق التحول الهيكلي المنشود.
وفي السياق ذاته، شهدت المالية العمومية تحسنا في المداخيل الجبائية بنسبة 21,6%، بفعل ارتفاع النشاط الاقتصادي، إلا أن وتيرة الإنفاق العمومي تجاوزت بدورها نمو الناتج، مما أدى إلى تفاقم احتياج الاقتصاد للتمويل. وقد ارتفعت الحاجة الإجمالية إلى التمويل بثلاث نقاط مئوية مقارنة بالفترة نفسها من 2024، مع تسجيل تفاقم ملحوظ في احتياجات المقاولات على الخصوص، رغم تطور القروض البنكية بنسبة 7,5%.
من جهة أخرى، ورغم تسجيل تراجع في معدل التضخم إلى 0,8% خلال الفصل الثاني، إلا أن هذا التحسن لم ينعكس على تحسين شروط العرض المحلي بشكل ملموس، كما أن ارتفاع درجات الحرارة ونقص التساقطات خلال موسمي الخريف والربيع أثرا سلبا على مردودية بعض المحاصيل، خاصة الفواكه الشجرية والبذور الزيتية، في حين ظل الإنتاج الحيواني دون مستواه المعهود.
وتشير التوقعات إلى استمرار النمو خلال الفصل الثالث بنسبة 4,4%، مدفوعا بمساهمة داخلية جديدة تناهز 6,6 نقاط. غير أن المندوبية تنبه إلى تصاعد منسوب المخاطر، خصوصا ما يتعلق بتباطؤ الاقتصاد الأوروبي، وتداعيات الإجراءات الجمركية الأمريكية الجديدة، التي قد تؤثر سلبا على الصناعات الموجهة نحو التصدير مثل السيارات والصلب والكيماويات والنسيج.
ورغم تحسن مؤشرات السوق المالية، بما في ذلك ارتفاع مؤشر «مازي» بنسبة 37,6% وزيادة القيمة السوقية بنسبة 38,6%، إلا أن هذه المؤشرات تبقى معزولة عن واقع الاقتصاد الحقيقي، في غياب تحول ملموس في بنية الإنتاج أو في ميزان الأداءات الخارجية.
رغم تحقيقه نموا بـ 4,6 % خلال النصف الأول من العام .. ضعف الطلب الخارجي وتفاقم احتياجات التمويل الداخلي يضغطان بقوة على الاقتصاد الوطني

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 12/07/2025