رواج التجارة الخارجية للمملكة فاق 114 مليار دولار سنة 2022

المنخرطون القدامى والجدد في نادي الدول التي تحرك الميزان التجاري للمغرب

 

 

بلغت واردات المغرب خلال سنة 2022 ما لا يقل عن 737.7 مليار درهم أي حوالي 73 مليار دولار، فيما بلغت صادرات المملكة زهاء 426 مليار درهم أي حوالي 41 مليار دولار ما يرفع حجم المبادلات التجارية للمغرب إلى نحو 114 مليار دولار. هذا المبلغ تقاسمه المغرب، بيعا وشراء، مع العديد من الشركاء التجاريين معظمهم يبيع للمملكة أكثر مما يشتري منها، وهو ما أسفر عن عجز تجاري كبير تفاقم بمعدل 56.5 في المائة ليصل إلى 312 مليار درهم عوض 199 مليار درهم قبل عام. وإذا كانت مبيعات الفوسفاط والأسمدة، والسيارات، والمنتوجات الفلاحية قد جلبت على التوالي 115 و111 و81 مليار درهم، فإن فاتورة الطاقة كلفت 154 مليار درهم فيما كلفت فاتورة الغذاء 86 مليار درهم جزء كبير منها صرف في شراء القمح والشعير..
من جهة أخرى تكشف هذه الحصيلة، أن مبادلات المغرب التجارية بات يحكمها الثابت والمتحول، سواء على مستوى الشركاء التجاريين أومن حيث تموقع كل واحد منهم على سلم المصالح المشتركة، التي أصبحت تتحكم فيها عوامل سياسية و جيواستراتيجية، أكثر مما تحركها العوامل الاقتصادية المحضة.
وإذا كانت إسبانيا وفرنسا والصين وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا وروسيا قد شكلت خلال العشرية الماضية أبرز الأعضاء الدائمين نادي الشركاء التجاريين الكبار للمملكة، فإن دولا جديدة تتجه بسرعة للالتحاق بهذا النادي، تماما مثلما توشك دول أخرى أن تفقد هيمنتها المعهودة.

إسبانيا تعزز موقعها في الصدارة

يتضح من بيانات مكتب الصرف أن إسبانيا التي تتربع على لائحة البلدان الأوروبية على صعيد المبادلات التجارية مع المغرب، تسعى لتعزيز هذه المكانة، حيث تبقى إسبانيا أول شريك تجاري للمملكة في القارة العجوز بنسبة 28.3 في المائة وتُعتبر إسبانيا الأكثر استفادة من العلاقات التجارية مع المغرب، إذ بلغ العجز التجاري مع البلد الأوروبي 1.2 مليار دولار، إذ بلغت واردات المملكة من البلد الأوروبي في العام ما قبل الماضي حوالي 8.3 مليارات دولار، مقابل صادرات بـ7.1 مليارات دولار.
غير أن الاستثمارات الإسبانية المباشرة في المغرب ليست في مستوى المبادلات التجارية بين البلدين، إذ تصل إلى 3.5 مليارات دولار، محتلة المركز الثالث بعد فرنسا والإمارات.
ومن المرتقب أن يزداد هذا الزخم مستقبلا بفضل الاستراتيجية الجديدة التي تنهجها مدريد من أجل تقوية شراكتها الاقتصادية مع المغرب وهي الاستراتيجية التي تم تأكيدها في الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب الذي عقد مؤخرا في الرباط. والذي وقع خلاله البلدان عشرين مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات وبروتوكول دعم مالي بقيمة 800 مليون أورو لتسهيل الاستثمارات الإسبانية في المملكة المغربية.
ومنذ سنة 2000 إلى عام 2022، ارتفعت التجارة بين المغرب وإسبانيا بشكل كبير. وحسب تقارير صحفية فإن الربط التجاري بين البلدين لا مثيل له، وتعتبر إسبانيا المورد الرئيسي للمغرب، حيث بلغ حجم التجارة 153.8 مليار درهم في عام 2021.
وتخضع التجارة بين المغرب وإسبانيا، على وجه الخصوص، لاتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000، لتأسيس منطقة تجارة حرة. وقد وصلت المبادلات إلى رقم قياسي بلغ 153.8 مليار درهم في عام 2021، بزيادة 20٪ عن عام 2020.
وجاء هذا الانتعاش على الرغم من الاضطرابات المرتبطة بأزمة كوفيد19 ، وفقًا لبيانات وزارة المالية. وسجلت التجارة الثنائية 2011 و 2021، متوسط ​​معدل نمو سنوي قوي بنسبة + 8٪. ووصل معدل الصادرات إلى إسبانيا (+ 8.3٪ المتوسط ​​السنوي) أسرع من نمو الواردات من هذا + 7.8٪. واليوم، إسبانيا هي الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، بحصة 17.9٪ من إجمالي التجارة في عام 2021. إنها الزبون الرئيسي والمورد الرئيسي للمغرب.
بالإضافة إلى ذلك، تضاعفت حصة المغرب في السوق الإسبانية تقريبًا في العقد الماضي لتصل إلى 2.0٪ في عام 2021 مقارنة بـ 1.2٪ فقط في عام 2011، وفقًا لمكتب الصرف. ولا يزال الميزان التجاري مع إسبانيا يعاني من عجز هيكلي، حيث وصل إلى 12،100 مليون درهم. وسجلت الصادرات المغربية إلى إسبانيا رقما قياسيا بلغ 70.9 مليار درهم في عام 2021، بزيادة 12.6 في المائة عن عام 2020.

فرنسا.. حضور اقتصادي قوي رغم تدهور العلاقات السياسية

على الرغم من التوتر الواضح في العلاقات الفرنسية المغربية خلال العام الماضي، مازالت التجارة الثنائية بين البلدين تسير بشكل جيد حيث يُظهر آخر تقييم للتجارة الثنائية بين المغرب وفرنسا أن المبادلات زادت بنسبة 24٪ في عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
نشرت السفارة الفرنسية في المغرب بيانات محدثة عن المبادلات بين باريس والرباط. ونتيجة لذلك، زاد حجم التجارة بين فرنسا والمغرب بنسبة 24٪ عام 2022 لتصل إلى 13.4 مليار أورو، بحسب المصدر نفسه.
وخلال العام الماضي، زادت الصادرات الفرنسية إلى المغرب بنسبة 40٪ لتصل إلى 6.5 مليار أورو، في حين ارتفعت الواردات الفرنسية من المغرب بدورها بنسبة 12. 1٪ لتصل إلى 6.9 مليار أورو. واعتبرت البعثة الدبلوماسية أن هذه البيانات «تؤكد مرة أخرى قوة الشراكة» بين البلدين. من جهة أخرى انخفض العجز التجاري بشكل كبير، من 1.5 مليار يورو في عام 2021 إلى 432 مليون يورو في عام 2022.
وبحسب إحصاءات رسمية فرنسية، زادت الواردات الفرنسية من المغرب بنسبة 70.5 في المئة وصادراتها إليه بنسبة 18.3 في المئة بين عامي 2012 و2019، وأصبحت باريس تحتل المرتبة الثانية في قائمة موردي الرباط، إذ تبلغ حصتها في السوق 12.2 في المئة، خلف إسبانيا التي تحظى بنسبة 15.6 في المئة.
كما تحافظ فرنسا على صدارة قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب وبالخصوص في قطاع الخدمات الذي وصلت حصة فرنسا فيه إلى 35 في المئة، أي ما يعادل 10.8 مليار يورو من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة خلال عام 2019.
وكذلك يوجد المغرب في صدارة وجهات الاستثمارات الفرنسية بالقارة الأفريقية بما يفوق 950 فرعاً للشركات الفرنسية في المغرب

الصين .. تسير بثبات في مبادرة الحزام والطريق

سجلت الصادرات المغربية إلى الصين مستوى قياسيا بلغ 910 ملايين دولار في عام 2022، بزيادة سنوية قدرها 9.41 في المائة، مقابل 824 مليون دولار قبل عام. وأهم الصادرات هي المعدات الكهربائية والإكسسوارات، والتي ارتفعت من 300 مليون دولار في عام 2021 إلى 526 مليون دولار في العام التالي.
وتتكون المنتجات المصدرة الرئيسية من الدوائر المتكاملة، ولوحات التحكم الكهربائية والموصلات، والترانزستورات، والمنتجات المعدنية، ومنتجات النحاس، وخام الزنك، وسبائك النحاس والزنك، والأنودات النحاسية للتكرير بالتحليل الكهربائي، وخام الفضة، وخام الرصاص، وخردة النحاس، وسبائك الألومنيوم. وخام المنغنيز، والمنسوجات، والإكسسوارات والمنتجات الجلدية، والملابس، والجلود، والمنتجات الزراعية، وزيت السمك، والفواكه والخضروات المجمدة.
وهذه الزيادة الكبيرة في الصادرات دليل على العلاقات المتميزة بين البلدين، والتي تبلورت من خلال زيادة الاستثمارات الصينية ومن خلال مبادرة الحزام والطريق وعمل الحكومات المغربية على جذب المستثمرين الصينيين، والجهود المبذولة على مختلف المستويات لاستكشاف الفرص بشكل أفضل في السوق الصينية. من المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه في السنوات القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت العلاقات التجارية والدبلوماسية بين المغرب والصين دفعة، خاصة في السنوات العشرين الماضية، بسبب الاهتمام المتزايد للمملكة الوسطى بالأسواق العربية والأفريقية.
ويشكل الاستقرار الداخلي للمملكة، وحجم سوقها، وموقعها الجغرافي بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا جنوب الصحراء، وتوفرها على واجهتين بحريتين، وميناء طنجة (طنجة المتوسط)، واتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والولايات المتحدة- اتفاقية التجارة الحرة المغربية عوامل ساعدت على نمو التجارة بين المغرب والصين.
وتعتبر الصين احد الوجهات الرئيسية من أجل تقليص الاعتماد على الاتحاد الأوروبي، حيث يسعى المغرب إلى تنويع أسواق التصدير.في المغرب، ورفع حجم الواردات من المملكة.

ألمانيا.. تراهن على حضور
أقوى في المغرب

أظهرت آخر بيانات أصدرتها غرفة التجارة والصناعة الألمانية أن إجمالي المبادلات التجارية الألمانية بلغ المغربية 4.9 مليار أورو في عام 2022 ، وبالنسبة للسفارة الألمانية فإن عام 2022 يمثل علامة فارقة في التعاون الاقتصادي بين المغرب و ألمانيا الذي يأخذ الآن بعدا جديدا. لذا، فإن المملكة باتت تحتل المرتبة 57 في العالم ضمن التصنيف الدولي لشركاء ألمانيا الاقتصاديين، قبل تونس (58) والجزائر (62) ، حسبما أكدته الغرفة التجارة والصناعة الألمانية في المغرب مؤخرا.
وخلال سنة 2021، بلغت المبادلات بين المغرب وألمانيا 3,8 مليار أورو وبلغ حجم الصادرات الألمانية إلى المغرب 2,2 مليار، مقابل 1,6 مليار من الواردات الألمانية من المغرب. وخلال سنة 2022، بلغ إجمالي المبادلات الثنائية الألمانية المغربية 4,9 مليار أورو، مع نمو للصادرات الألمانية نحو المغرب بنسبة 30 في المائة مقارنة بسنة 2021 لتصل إلى 2,8 مليار.
وتعزى هذه النتائج اللافتة للنظر بشكل أساسي إلى النمو القوي الذي شهدته الصادرات المغربية نحو ألمانيا، بنسبة 32 في المائة على أساس سنوي، وهو ما يعادل 2,1 مليار أورو.
وعلى صعيد الاستثمار، فإن زخمه مثير للاهتمام أيضا، حيث توظف الشركات الألمانية حاليا ما يناهز 36 ألف شخص مقابل رصيد استثمار أجنبي مباشر يفوق 1,7 مليار أورو على الأراضي المغربية، يدعمه حوالي مائة من المستثمرين الذين استثمروا ما لا يقل عن 3 ملايين أورو لكل واحد منهم.
وتفيد الأرقام الواردة من ذات المصدر الألماني أن « هذا العام القياسي يضع جميع المؤشرات باللون الأخضر لنبدأ عام 2023 بعزيمة أفضل «، فعلى مستوى الصادرات بلغت التدفقات الألمانية إلى المغرب 2.8 مليار أورو، بزيادة قدرها30٪ مقارنة بعام 2021 يقول نفس المصدر. وهو ما يؤشر على تقدم كبير، من بين الأقوى مقارنة مع بلدان اخرى.

إسرائيل توقع على «بداية قوية» وتبحث عن موقع بين الكبار

تشير التقارير إلى أن المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل ما فتئت تتنامى بسرعة كبيرة منذ تطبيع العلاقات بين البلدين ، وهو ما تأكد بعد وصول أول وفد أعمال مغربي من المغرب لزيارة إسرائيل، والذي تم خلاله توقيع اتفاقية تعاون بين منظمات الأعمال في كلتا الدولتين. وساهم في ارتفاع حجم التبادل التجاري، (البضائع والخدمات)، بين البلدين خلال سنة 2021 بحوالي 6% ووصل إلى حوالي 90 مليون دولار.
وفي عام 2022، سجل نمو كبير في التجارة بين إسرائيل والمغرب على الرغم من أن الإمكانات غير المستغلة في قطاعات متعددة مثل الطاقة والزراعة والتصنيع لا تزال كبيرة. وبلغ حجم التجارة بين البلدين 55.7 مليون دولار في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 32٪ عن العام السابق.
وبالأرقام، بلغت الصادرات المغربية لإسرائيل العام الماضي 17.8 مليون دولار، فيما بلغت الواردات من الدولة اليهودية 37.9 مليون دولار.
وفقًا للتقرير السنوي AAPI 2022 لمركز الأبحاث الأمريكي The Abraham Accords Peace Institute (AAPI) ، حقق المغرب وإسرائيل حجما تجاريا قياسيا بلغ 55.7 مليون دولار خلال العام الماضي.
وبحسب معطيات هيئة الإحصاء المركزية الاسرائيلية، فقد قفز حجم التبادل التجاري المباشر بين الدولتين خلال السنة الماضية بنحو 84% ووصل إلى حوالي 42 مليون دولار. ازداد حجم التصدير للمغرب عام 2021 بنحو 147%، ووصل إلى حوالي 31 مليون دولار، وتركّز بالأساس في فروع: الطائرات ومعدّات النقل (حوالي 61%)، المنتجات الكيميائية (15%) ومنتجات البلاستيك والمطاط (14%). بحسب تقديرات معهد التصدير، فإن الإمكانيات الكامنة للتصدير المستقبلي للمغرب تصل إلى حوالي 250 مليون دولار في السنة.
وبحسب منشورات هيئة الإحصاء المركزية الاسرائيلية، وصل حجم الاستيراد من المغرب في العام الماضي إلى حوالي 11 مليون دولار (بحسب دولة الشراء)، بالأساس في فروع الملابس والطعام.

بريطانيا.. الشريك
الاستراتيجي للمغرب

منذ دخول اتفاقية الشراكة بين المغرب وبريطانيا حيز التنفيذ خلال شهر يناير 2021 ، ارتفعت المبادلات التجارية بين المغرب والمملكة المتحدة بنحو 50 في المائة لتنتقل من 15,3 مليار درهم سنة 2019 إلى 22,9 مليار درهم سنة 2022، وتضاعفت الصادرات المغربية ثلاث مرات تقريبا منذ دخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق.
ويعكس هذا التطور مدى الاهتمام القوي الذي يوليه الطرفان لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية بناء على مقاربة ذات منفعة متبادلة، مما يشكل فرصة حقيقية لجعل هذه الشراكة محفزا لتنمية التجارة والاستثمارات متعددة القطاعات بين البلدين.
وتعد المملكة المتحدة شريكا استراتيجيا رئيسيا للمغرب. ويتطلع المغرب إلى الانتقال من علاقة تجارية أساسا إلى علاقة شراكة اقتصادية أكثر شمولية. ويمثل المغرب قاعدة صناعية تنافسية للمملكة المتحدة من حيث الاستثمار والإنتاج والتصدير نحو الأسواق المحتملة، وذلك بالنظر لمؤهلاته وإمكاناته السوسيواقتصادية وشبكته الخاصة باتفاقات التبادل الحر.
ويبلغ إجمالي التجارة الثنائية حاليا 2,7 مليار جنيه إسترليني. كما يشكل اليوم مناسبة لتعزيز التقدم المحرز من خلال اتفاقية الشراكة بين المغرب والمملكة المتحدة.
وقد تأكد هذا التوجه خلال مجلس الشراكة المغربية البريطانية الذي عُقدت دورته الثانية بالرباط في 16 فبراير 2023، برئاسة وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، ووزير الدولة البريطاني المكلف بالأعمال والتجارة، نايجل هدلستون، بهدف تتبع الدينامية الجديدة القوية لشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين، والاستجابة لانتظارات وتطلعات الحكومتين.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 25/02/2023