رواية «لا تنسَ ما تقول» لشعيب حليفي بين دروب العتمة والانفصام والترقّب واللاّيقين

تتميّز الكتابة الروائيّة عند حليفي وروايتُنا هذه بالخصوص، بتموقعها بين التجريب والتحديث، وبين الكتابة الكلاسيكيّة. ففي وقت تَستهل فيه الرواية سَفرها بدون مُقدمات كما في الرّواية الجديدة: «هائما في تلك المساحات، وسط صمت لا يشبه أي كلام…»، تعود إلى الوصف الدّقيق كما في الرواية الكلاسيكيّة: « كان سليمان جالسا فوق حجر كبير، رمادي اللون به شق في حجم الكف، ممددارجليه…» ص.7. وما يستتبع الوصف من تشبيه واستعارة: «وكانت الشمس، باطمئنان عجيب، تنحدر هادئة إلى حضن السماء في اتجاه غروب داكن، كأنها وليد برونزي ارتخى ونام.» ص.8.
وما من شكّ في أنّ هذا المَدّ والجَزْر، والعَوْم في هذا المضيق وبين هاته الضّفاف، تُمليه اهتمامات حليفي وهو يَنسجم تمام الانسجام ويستجيب ويَسع كما يتّسع لمشروعه الكبير في الكتابة الرِحليّة والذّاكرة، كما تتّسع له الكتابة الروائيّة وهو يجد فيها صخراته التي يجدّد نفَسه عليها.
ومبعث يَقينِنا هنا أنْ خص الكاتب إلى جانب مقالاته العديدة وحواراته كتباً أسهب فيها الحديث عن منظوره إلى الرواية في علاقاتها مع الأشكال التعبيرية.
نقرأ في مؤلّفه «مرايا التأويل»ـ تفكيرفي كيفيّات تجاوز الضوء والعتمةـ:
«وإذا كانت الرواية أحد النماذج الأكثر إنتاجا وتلقيا في حقل الأدب، فذلك لكونها متعايشة مع أشكال تعبيرية كثيرة، الأمر الذي جعل كتابها أيضا من حقول معرفية مختلفة، بل نظرا لأن الرواية ذات إمكانات وحرية فهي تمنح الأشكال التي تدخل في علاقة معها نفسا جديدا وفرصة أخرى للتمظهر.» ص.144. ط.1. 2009
كان لابدّ لحليفي إذن أن يبحث عن فضاءٍ يتّسع لمشروعه خارج البحث الأكاديميّ الصّارم يَبسُط فيه معجم الذّاكرة الغنيّ، ويتقبّل عجائبها وغرائبها، وأن يَصوغَ أنموذجاً روائيّاً تجُول فيه مخلوقاته الورقيّة في دروب العتمة والانفصام والترقّب واللاّيقين…
فنجد لذلك مجموع الشخصيّات الفاعلة في هذه الرواية تعيش ذلك المدّ والجزر الذي يتمظهر في توزّعها بين المدينة الإسمنتيّة الذي أمْلته ظروف العمل، والباديّة مَرتع الصّبا وأرض الآباء والأجداد.
فهذا «شمس الدّين» بطلُ روايتنا وسليل سادات القرية وأعلامِها يوزّع أيّام الأسبوع بين المدينة الكبيرة مكان عمله وإقامته حيث زملاؤه في العمل، وبين البادية مسقط رأسه حيث شركاؤه في استحضار البطولات والأمجاد: « في كل مرة، تحت الشمس أو بين ثنايا الظلام، يتسرب إلى حديثهم بويا صالح الذي اختفى في أرواحهم بعناية ربّانية لا يعلمها إلا هو. ولم يكونوا أبدا يشعرون إلا بالفخر، وهُم يتذكرونه ويتخيّلون حياته. لا أحد منهم يستطيع العيش ليوم واحد دون أن يكون متصلا بالأنوار العليا. بينهم وبين أهل الصالحية مشترك في التاريخ الذي هجره المؤرخون، وتركوه يتيما، فتربى في صدورهم وخيالهم.» ص.118.


الكاتب : رشيد أبو الصبر

  

بتاريخ : 01/03/2021