«ريفوبليكا، ثلاثية الريف» ليوسف فاضل رواية عن واقع عنيد بمنطقة الريف

 

لنحسم الأمر منذ البداية، ونقول إن الرواية الأخيرة، في أجزائها الثلاثة، للروائي يوسف فاضل، رواية «ريفوبليكا، ثلاثية الريف» عن منشورات المتوسط ، هي رواية سياسية بامتياز، يقتحم فيها بعمله الجديد، «جمهورية الريف» بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ويرجع بنا إلى أصل المشكل، ومحاولة الغوص فيه إبداعيا، منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي، وما عانته المنطقة من مخلفات الاستعمار الاسباني، وما تعرضت له الساكنة بعد سنوات الكوليرا والمجاعة وقصف من طرف المستعمر الإسباني، وما عاشته من تهميش ومن ظواهر اجتماعية وبؤس، مجاليا وإنسانيا.
يعود بنا الروائي يوسف فاضل، في عمله الجديد، ريفوبليكا ( ثلاثية الريف ) إلى أحداث ووقائع ومشاهدات ويوميات، الأحداث التي شهدتها منطقة الريف، في أحداث 1958 والمعروفة بثورة عدي أوبيهي، والصعود إلى الجبل، وينتهي بنا في هذا العمل إلى ما شهده الريف من أحداث وصراعات، قبل الربيع العربي وبعده، حيث أرخ لهذه الأحداث بعناوين فرعية مثل الأحد 20 فبراير 2011 يوم الاحتجاج في الجزء الأول من الرواية، و 30 يونيو 2011 اليوم الذي يسبق الاستفتاء في الجزء الثاني، ويوم الجمعة 25 نونبر 2011 يوم الانتخابات في الجزء الثالث، والبطولات المجيدة التي شارك فيها إلى جانب الأمير عبد الكريم الخطابي، كل الريفيين الذين حاربوا مع «الأمير».
بطل الرواية هو «بنصالح» الذي شارك في انتفاضة 1958 – 1959 يحاول أن يستعيد الأراضي التي صادرتها الدولة بعد الانتفاضة، يبحث عن والده «ميسور» المختفي، ذي القبرين، بنصالح له أخ اسمه ميمون وزوجة اسمها فاطمة، بعد 20 سنة من الزواج تزداد زهرة 1977 وخديجة 1982 و سليمان 1984 وعبد المالك 1986. زهرة ممرضة تمارس عملها في مستشفى محمد الخامس، وانتقلت قبل ثلاث سنوات إلى المركز الصحي بأجدير، خديجة تزوجت وانتقلت إلى بيت زوجها عمر الذي يعمل في الشرطة، أم لثلاثة أطفال، عبد المالك يشتغل في الجريدة المحلية « أخبار الحسيمة « وسليمان مساعد تاجر مخدرات اسمه حميدو ( صفحة 43-44 ج.1).
الأوضاع سيئة حسب زوجها الشرطي الذي يعرف ما يجري ، نعم، العالم كله مقلوب. هناك شاب أضرم النار في نفسه، وقامت القيامة في كل أرجاء تونس، هذا الشاب اسمه البوعزيزي، والمدينة التي اشتعل فيها اسمه سيدي بوزيد. ( الصفحة 11). الرئيس التونسي هرب إلى السعودية، وسقوط عدد القتلى والجرحى في عدة مدن تونسية، بسبب الفساد الذي تفاقم، كما يقولون، وانعدام العدالة الاجتماعية، ووضعيتهم التي تشبه وضعيتنا …لا، مشكلاتنا أعمق من مشكلاتهم …وضعيتنا لا علاقة لها بوضعية التونسيين، لأننا نعيش في مدينة ظلت تعتبر منطقة عسكرية…والعسكر يطوقنا حتى يستمر الفساد…(الصفحة 74).
ثم ارتفعت الأصوات محتجة، منددة، لما ظهرت على الشاشة صورة الشاب الذي أضرم النار في نفسه أمام بلدية سيدي بوزيد، وتلتها صور المظاهرات في القاهرة، والاحتجاجات في الدار البيضاء. صفقوا بحرارة عندما بدأت التلفزة تستعرض صور المظاهرات في الحسيمة والناضور ( الصفحة 88).
ويعرج بنا الروائي يوسف فاضل إلى الحديث عن شخوص العمل الثلاثي، فماريا، ازدادت وكبرت في بيت كبير على مشارف وجدة، والدها شغل مناصب مهمة في وزارة النقل، وكان قبل أن ينتقل إلى مديرية الشؤون الإدارية والقانونية مديرا لمحطة السكك الحديدية بطنجة، ثم وجدة، ثم انتقل إلى مديرية الطرق، ثم المفتشية العامة للوزارة، ويتوقع أن يحصل على منصب رئيس الجهة الشرقية.
تعرفت إلى زيان سنة 2005، وهي تلميذة بالسنة الأخيرة في ثانوية عمر بن عبد العزيز، وخلال سنتي الكلية استمرت تلتقي به في الحدائق والمقاهي. قررت أن تغير المدينة حتى تبتعد عنه وفي شتنبر 2009 انتقلت إلى الحسيمة، ( صفحة 76-77). استقرت في بيت صفاء، متزوجة وغير متزوجة في نفس الوقت، منذ اتفاقهما قالت لعبد المالك من الأفضل الاحتفاظ بالزواج سريا حتى يتفاديا تهديد زيان ( الصفحة 156) .
سليمان، يشتغل مع حميدو، يخرج من الحسيمة مساء، ويعود إليها مع طلوع النهار، عمله ليلي، السفر إلى الجبهة أو الناظور يعرفه، وأحيانا حتى طنجة، والعودة بحقيبة محكمة الإغلاق، لأنها مليئة بأوراق نقدية زرقاء، هذا هو عمله. خلف الجبهة شواطئ معزولة صغيرة، خالية من المصطافين. ينزل الليل يركن سيارته بجانب مركز القوات المساعدة، وينزل إلى الشاطئ يحمل معه خيمته ومؤونته وعدة الصيد ، ينصب خيمته بين صخرتين منعزلتين، مطلتين على الشاطئ لا يعرف بوجوده أحد ما عدا الشباب في مركز القوات المساعدة. في اليوم الخامس والسادس ، تسمع هرولة آتية من أعلى ، كتدحرج الحجارة عبر الجبل، في دوي هائل، شباب وأطفال ومسنون، حاملون على أكتافهم أو فوق رؤوسهم بالات الحشيش، لا يستمر الأمر أكثر من عشر دقائق ، تكون البالات قد أخذت طريقها البحري، ويكون الشبان قد عادوا إلى مداشرهم، وفي جيوبهم الأوراق المالية التي تكفيهم حتى السوق القادم ( الصفحة 148-149).
وقد نحت يوسف فاضل «بورتريه» لتاجر المخدرات حميدو، كان مجرد طفل في الثانية عشرة عندما بدأ يعمل حمالا في الميناء أو يتسقط السمك الذي أفلت من سلال البحارة ويبيعه على رصيف الميناء، يقوم بأي عمل يدر درهما أو درهمين، يحرس الدراجات أو أعمال سخرة مقابل النوم في أحد القوارب، ثم بائع حشيش بالتقسيط، وأصبح المزود الرئيس للأسواق الأوربية، رجل يحترمه الجميع، يبني المساجد والمستشفيات والمدارس، يشيد السجون التي عجزت الدولة عن تشييدها، يوزع الصدقات أيام الجمعة، وفي عيد الأضحى يوزع الأضحيات على مئات الفقراء، رجل يهابه الجميع الآن، يجلس مع الشخصيات النافذة، عنده قصر على مشارف تطوان، وفيلا في القصر الصغير، وعدة منازل في ضواحي الحسيمة. ( الصفحة 151-152). حميدو بنى الكوميسارية من ماله، وبنى المسجد والحمام، رجل خير، والمعوزون والمرضى يتزاحمون أمام بيته، وإن كان هناك مشكل مع المخزن اذهب عند حميدو، ولدك محتاج إلى عملية اقصده، يعول عليه في كل شيء.. بنى مستوصفات في تطوان وبنى مدارس حتى في طنجة، حتى بنصالح أعطاه المال لحفر البئر. (الصفحة 167).

احتجاجات في الشارع العام ونُفي خارج الحسيمة

عاد بنصالح إلى جلسته أمام التلفزة. رجال يركضون في شوارع الحسيمة تلاحقهم القوّات العمومية. وتقول الله وحده يعلم ماذا سيحدث منذ سمع عن الاحتجاجات والتعبئة العامة. منذ سمع أن الناس ستخرج يوم الأحد المقبل للاحتجاج وهو في حالة من الاضطراب معتقداً أنهم سيكونون بحاجة إليه وإلى تجربته. والآن وقد حصل على كلّ هذا المال ربما يتصوّر أيضاً أنهم بحاجة إلى ماله. كما في الحُلْم الذي رأى قبل أسابيع. لقد تبدّل تماماً. لم يعد الرجل الذي تعرفه أمام الجهاز اللعين بالليل والنهار، يحكّ أنفه، يجذب الطاقية حتّى تغطي جبهته وأُذُنَيْه. ويفرك يديه ويمسحهما في جلابيته ولا يعرف ما يفعل بهما. ( الصفحة 178).
ويحكي لنا الروائي يوسف فاضل النقاش الذي يدور في الحسيمة حول الأوضاع التي تعيشها والاحتجاجات، فنقرأ : « يصيح البشير في وجه الضبّاط: ومناصب الشغل؟ لماذا يأتون من الرباط ومن جهات أخرى ليستولوا عليها ؟ لماذا لا يعطوننا عملاً بدل الزيت والأغطية؟
يخرج أحد الضباط ورقة وينشرها على الكونطوار. ويستمر البشير. يأتون بالعامل من الرباط. وبالمديرين من الرباط. وبالرؤساء من الرباط. مناصب الشغل من حقنا وليس من حق الأجانب الذين يأتون من العاصمة.
ويقول الضابط، وقد اشتعل غضباً هذه المرّة: نحن لسنا أجانب. نحن مغاربة مثلكم. ونتكلّم العربية أيضاً. ويقول البشير بحدة مضاعفة نحن لا نتكلّم سوى الريفية.
يلتفت الضابط إلى أصحابه. إنهم يتظاهرون بعدم الفهم جميعهم من جبهة النهضة المغربية المعادية للنظام. ويلتقط الورقة التي وضعها على الكونطوار ويمزّقها بينما صاحب الحانة يرتعد ويقول إنها السلطة الجديدة.
إنها السلطة الجديدة. وجاءت لتتسلّم مهامها الجديدة. التقط بنصالح وردة من الورود التي زرعت الغجرية في أثناء مرورها وغطسها في كأس الماء، حركها بأصبعه، وأفرغ الكأس بما فيه في فمه. انتقل إلى حافة الشرفة وهو يمضغ الوردة بلذة قاسية. ويتعقب ما ترك الضبّاط في نفسه من غيظ يشبه الأضراس. بينما البشير يربّت على كتفيه مواسياً. المساء ينزل بطيئاً على الميناء. سابحاً في الرائحة المالحة للطحالب. وقالت الغجرية إنها لم تبع وردة واحدة هذا النهار وهي تحمل سلتها وتغادر الحانة». ( الصفحة 202).
قال البشير إنه وراء الأسلحة كانت تصل إلى المقاومة من ألمانيا وأوروبا الشرقية، والأسلحة كانت تأتي عبر الجزائر. والطرق المعقدة التي كانت تتبعها لتصل إلى أهلها وهو الذي باع السلاح لعدي وبيهي وللمقاومين المنتفضين في
الأطلس المتوسط لأنهم على اتصال به. ثمّ غاب لحظة وعاد بكأس أخرى. إنها فكرة حسنة أن يقتني سلاحاً للدفاع عن عائلته في هذه الأوقات العصيبة. وهو يحرّك كأسه ويرفعها، كما فعل بكأسه الأولى». ( الصفحة 215 ).
لوحة مصبوغة بالأبيض، مكتوب عليها: هذه هي الحدود قبل الوصول إلى مليلية بخط أحمر مائل. أربعة شبّان. في كامل قوتهم الجسمانية. يحملون رشاشات في أيديهم ومسدّسات في أحزمتهم. وأشرطة الرصاص متعاكسة على صدورهم ينصبون حاجزهم ويقولون للعابرين هذه هي الجمارك الجديدة. ويملؤون شاحنتهم بالسلع المحتجزة. ويأكلون ويشربون ويملؤون الدنيا صخباً. وفي أوج سكرتهم يتساءلون هل عليهم أن يحترموا النساء ويمتنعوا عن تفتيشهنّ ، ويكركرون، ويحدقون في أيديهم التي لا تزال تتذكر الأجساد النسوية، ويشربون؟ ولأنهم من مليشيا حزب الاستقلال الذي يتحكّم في البلاد منذ ثلاث سنوات، ولأنهم عثروا على المكان المناسب ليأخذوا حقهم من الغنيمة، يطلقون الرصاص في الهواء وهم ينشدون مغربنا وطننا روحي فداه. قبل أن يستولي الطائر على نشيدهم. وهو مختف في الشجر». ( الصفحة 224 ).
تمرّ شاحنات العسكر. ثلاث شاحنات تمرّ في صمت على الطريق العام، حيث يعمل الصينيون. تتعمّد أن تعبر في صمت حتى لا يرى أحد أنها تمرّ . مغلّفة بقماش أخضر. حتّى لا يعتقد أحد أن هناك جنوداً تحت القماش. ويبقى صخب السؤال فى ذهنها. كيف يحدث أنه لا يسمع الأصوات مع أنه لا يوجد غيرها ؟ ضجيجها يملأ الأرض حتى وهو يتظاهر أنه لا يسمعها. ظلّ يجري في عروقه بدل الدم حنق قديم. من أين أتى به؟ لقد سبق أن نُفي خارج الحسيمة بعد أحداث 58 وبعد أحداث84. هل تعتقد أنه هدأ ؟ قد يهدأ لبعض الوقت وتقول فاطمة إنه نسي. النار التي تسكنه انطفأت والحمد لله حتّى تُشعلها ريح أخرى. لترى أن نقمته تسكنه. مقيمة بداخله كَوَرَم لا علاج له. لهذا تتساءل كيف يحدث أنه لا يسمع الأصوات. ( الصفحة 283).

جثث متفحمة داخل وكالة بنكية

يروي الروائي يوسف فاضل عن يوم الاحتجاج في الساحة العامة وحرق خمس جثث لشبان داخل وكالة بنكية : نقرأ : «بدا سليمان مغتما للحظة وجيزة وهو يتسلل وسط الحشود ويقترب منهم. ماريا وعبد المالك. وصفاء التي تمشي ملتصقة بصديقتها . كأنما تخاف أن يجرفها الحشد…وكانوا قد توغلوا في شارع محمد الخامس قريبا من المحطة الطرقية، لا يستطيعون أن يتقدموا أكثر ، بسبب الحشود التي ملأته. ظهرت عربة الوالد أمامهم وسط حشد المتظاهرين. بينما الشبان المحيطون بالوالد يصيحون من فوق العربة هذا بنصالح. قدموه للذين لا يعرفونه وهم يحتفلون بحياته وحياة رفاقه المنسيين الذين شاركوا في انتفاضة 58 الذين اعتصموا بجبل بوعياش أو سيدي بوخيار، مسلحين بالبنادق القديمة، مسلحين بقطع الحديد والحجارة والغضب ، يهزون يده وهم يصيحون تحيا الجمهورية الريفية ( الصفحة 287).
ارتفعت الأصوات، متزاحمة، متراكبة فوق بعضها، قبل أن تتوحد، لتصير هديرا واحدا . قشعريرة تهز جذور الشعر، سيل واحد ، هادر، مخيف. كموجة علوها خمسة أمتار تجتاح زنقة اشبيلية، «هي كلمة واحدة ، هاد الدولة فاسدة «، تملأ الحناجر والآذان ، وفي زنقة طارق بن زياد. يسيرون متدافعين بلا نظام عندما داهمتهم الشرطة ورجال التدخل السريع. بنصالح يتقدّم الموكب، ممتطياً صهوة الأكتاف، يتفرّج على جيشه الذي أسكرته نشوة المعركة. يتهادى على أكتاف العمال والعاطلين. يتهادى على أكتاف ناس لا يملكون شيئاً. يتهادى على أكتاف ناس لا يملكون غير الأمل في غد غامض. الغليان كما الحال في ساحة السوق تحترق، قبل أن تتمكن النار من الوكالة، ثم وهي تلتهم الوكالة والمتاجر المجاورة، الهلع مستبد بالجميع، ذلك أن خمسة شبان تحاصرهم النيران داخل مصيدة اسمها الوكالة البنكية. حمل الدخان القادم من داخل الوكالة رائحة احتراق اللحم البشري. خمس جثث. رجال الأمن يقولون لا توجد جثث، خمس جثث متفحمة . ( الصفحة 311).

الدستور الجديد والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين

يرجع بنا يوسف فاضل إلى الخطاب الملكي بعد 20 فبراير ومشروع الدستور الذي طرح للتصويت والدفاع عنه من طرف الأحزاب السياسية، نقرأ: « يرى الرجل على المنصة يعرق تحت الشمس، يشرح مزايا الدستور المعروض على المواطنين. وما سيمتاز به العهد الجديد من حكامة جيّدة وربط للمسؤولية بالمحاسبة. وهذا غير كاف ليسيل عَرَقه بهذه الكثافة. صوته في البوق وهو يخشخش كصوت بائع الأدوية الشعبية في الأسواق. الناس الذين وقفوا لحظات يستأنفون مسيرتهم. بينما يأتي متفرّجون جدد. يقفون بدورهم. والرجل مستمر في شرحه معتقداً أنه أمام الأشخاص أنفسهم يحدّثهم عن تسليم عدد من الحقوق من الملك لرئيس الوزراء بما في ذلك حلّ البرلمان وتعيين كبار الموظفين ( الصفحة 256). الدراسة متوقفة بسبب الأحداث، الجميع يحتج هذه الأيام، التلاميذ، الأساتذة، الجماعات الحضرية، والذين يطالبون بإطلاق سراح معتقلي الريف ( الصفحة 18 ج 3).
الأشخاص الخمسة الذين ألتهمتهم النيران بعد أن علقوا داخل الوكالة البنكية، شبان لم يكن في بالهم أنهم سيتحولون إلى رماد لربيع لم يكتمل، خمسة شبان خرجوا يبحثون عن الحياة ، ولم يكونوا يعرفون أنهم سيضيعون في أتون الحياة ( الصفحة 24 ج3).
التلميذة نورا المجتهدة ابنة 13 عاما التي ستغتصب بالزواج وتنقطع عن الدراسة. يتحدث الآن عن الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد شهر، والانشغال بالأكباش والعيد الكبير على الأبواب، ولا يبدو أن الرجال المتحلقين حوله يعرفون لماذا تصلح الانتخابات، وأن يكون الدستور قديما أو جديدا.لم يثرهم الموضوع، لأنهم لا يعرفون ما هو الدستور، وفيم سينفعهم وهو بلا طريق، يقولون.فيم سينفعهم ولا مرافق ولا مستوصف ( الصفحة 32ج3)

الربط ما بين الديني والوطني (عيد الأضحى والانتخابات)

يسترجع الروائي يوسف فاضل الفترة التي ستجري فيها الانتخابات والاستعدادات من طرف المرشحين لهذا الاستحقاق الذي تم اقتراح يوم الجمعة 25 نونبر 2011، بعد أن يمر العيد الكبير، وحاول الكاتب أن يحاول أن يربط هذا اليوم الديني بحدث مدني وهو الانتخابات.
عمله في هذه الأيام هو أن يتتبع مدير الجريدة السي حمزة. يبقى خارج البيت حتى وقت متأخر من الليل. يرافقه في حملته الانتخابية بالنهار وفي الولائم التي يقيمها بالليل. هذا الثعلب شم من بعيد رائحة حظه وانتمى إلى الحزب الإسلامي. قلع سنّه الأمامية حتى يتشبه برئيس الحزب، وأصبح يظهر في المسجد في أثناء صلاة الظهر. عبد المالك يرتاد صحبته الأمكنة كلّها. ما عدا المسجد قال له إنه لم يعد يذهب إلى المسجد منذ سُرق حذاؤه الجديد الذي اشتراه له والده ذات عيد.
في القاعات وفي المجالس يجلس بعيداً عنه. على يمينه أو يساره حتّى لا يلتقي نظره بالمشهد المقرّز الذي يقدمه السي حمزة أمام الحاضرين وهو يلقي بترهاته ورغوة بيضاء تغلّف زاويتي شفتيه. ..عبد المالك يسجل ما يتفوّه به من ترهات لتظهر في « أخبار الحسيمة «، الجريدة المحلية التي أصبحت يومية بمناسبة الانتخابات.
يتعقبه من حي إلى حي. يتبعهما أطفال يرددون الشعارات مقابل الحلوى التي تملأ جيوبه. يتمنّى من كيانه كلّه ألّا يحالفه الحظ وأن تكون سقطته مدوية إحساس بخيبة كبرى يقود خطواته. ( الصفحة 55 ج3).
ينهي الروائي يوسف فاضل روايته في أجزائها الثلاثة «ريفوبليكا، ثلاثية الريف» ، دون أن يخبرنا من فاز بالانتخابات ولم يعطنا النتائج، وبقي الوضع كما كان، كل شيء غامض، بطل الرواية والشخوص كلهم لم يعرف مصيرهم.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 12/07/2024