بالقاعة رقم 11 بمقر مجلس النواب نظم الفريق الاشتراكي، يوم الثلاثاء 15 مارس2022، يوما دراسيا علميا، حول موضوع:
«من أجل سياسات عمومية دامجة للمساواة»، ساهم في تأطيره وتسييره مجموعة من الأساتذة والأطر الأكاديمية والجامعية، ويتعلق الأمر بكل من مليكة الزخنيني، عبد الرحيم شهيد، محمد بنعبد القادر، أحمد مفيد، خديجة الرباح، وتولت تسيير فقراته خديجة سلاسي.
صادف الاحتفال باليوم العالمي للمرأة تنظيم يوم دراسي للفريق الاشتراكي بالبرلمان في موضوع: من أجل سياسات عمومية دامجة للمساواة، والحزب وقياداته وأطره ومثقفيه كانوا دائما في الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق المرأة المغربية، قصد رفع كل سلاسل وأغلال الاضطهاد والإقصاء والحيف والعنف بكل أشكاله المادية والرمزية، بل كان من أوائل الأحزاب الوطنية التي بوأت المرأة مسؤولية تدبير الشأن السياسي والشأن العام داخل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية…بل إن المرأة الحزبية عرفت حضورا متميزا ونوعيا في عهد حكومة التناوب التوافقي الذي تولت فيه نساء اتحاديات مسؤوليات كبرى في كل مرافق الدولة…عائشة بلعربي، الشقروني، ثريا جبران، اجبابدي، لخماس، بلمودن، بنمسعود… وقائمة الهامات طويلة، وكما أن حكومة التناوب كان لها الفضل على المرأة المغربية برفع سقف حقوقها من خلال إخراج الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ومدونة الأسرة اللتين رفعتا النقاش ووسعتاه بين كافة شرائع المجتمع إلى درجة أنهما أخرجتا المناصرين والمناوئين والرافضين لحقوق المرأة إلى الشوارع في مسيرات تأييد وتنديد ولكن كان لحكومة التناوب الفضل في إزالة وحذف هذا الطابو عن تاريخ المرأة المغربية ومن المناضلات اللواتي كان لهن الفضل في هذا النضال الإنساني لا النسوي نساء اتحاديات رائدات وقائدات من أمثال فاطمة بلمودن ورشيدة بنمسعود اللتين كرمهما الفريق الاشتراكي بمجلس النواب في هذا اليوم العالمي المشهود، فكلما ذكر اسم بلمودن فاطمة إلا ويستيقظ المتتبع على نضالها واستماتتها ومقاومتها لكل القيود التي تحد من نضالية المرأة المغربية، فيها تتمثل قوة وصلابة المرأة العاملة..، وفيها تتمثل مصداقية ونظافة أسلوبها ولغتها ومقاومتها تحت قبة البرلمان..، وفيها تتمثل قوة تحمل المرأة القروية المغربية،.. إنها المرأة بأوجه متعددة حداثية أصيلة مغربية قحة ولدت من وجع تراب الوطن، وبجانبها رفيقة دربها في النضال الحقوقي والقانوني والمؤسساتي والثقافي،وقد وقف هذا التكريم على الجزء الكبير من الاحترام والتقدير لما بذلته المناضلتان المتألقان، وقدمتاه في هذا الطريق الصعب المراس.
هذا اللقاء العلمي عرف تسييره وتدبيره وبحنكة واقتدار من طرف الأخت الفاضلة الصوفية النضال خدوج السلاسي، النائبة البرلمانية عضو الفريق الاشتراكي، ومما جاء في كلمتها التقديمية والتقديرية، والتي أشارت فيها الى ان البرلمان المغربي بمثابة فضاء لمناقشة وطرح وتقييم وتقويم ومراقبة كل السياسات العمومية بصفة عامة، وخاصة في كل ما يتعلق بأشكال التمييز والاقصاء، كيفما كان نوعه وجهته ووجهته لأجل إقرار المساواة بين الجنسين، في شتى المجالات باعتبار ذلك احد الاسس لبناء مجتمع مغربي حداثي وديموقراطي ودولة مغربية مواطنة قوية، ووقفت السلاسي مليا عند مسألة تعثر اعمال وتنزيل المساواة في مجالات الشغل والتعليم والتجارة والصناعة، وقد أشارت في كلمتها التقديمة كذلك بمناسبة هذا اليوم الاحتفالي للمرأة والدراسي العلمي للفريق الاشتراكي بالبرلمان لمساءلة السياسات العمومية ومدى حضور مقاربة النوع في تنزيل مختلف البرامج والمخططات التنموية، وكذلك إلى وقوفها عبر لغة المعطيات والإحصائيات والمؤشرات الناطقة بأهمية المساواة وخاصة في مجال التعليم والشغل مسجلة بأن هناك تفاوتا غير سليم وغير طبيعي في هذا المجال حيث ان16.2 بالمائة هي نسبة النساء اللواتي صادفهن الحظ لكي يسيرن ويدبرن بعض المقاولات المغربية، وعزت المتحدثة ذلك إلى عوامل متعددة تحد من ولوج النساء إلى المناصب والمسؤوليات وهو تطور وصفته السلاسي بأنه يتسم بالبطء والخجل في ما يخص المساواة وحضور المرأة على المستوى السياسي، وأشارت إلى أن النساء هن من ضحايا التغييرات المناخية والبيئية، أضافت اليها عوامل الهشاشة والفاقة والتي تعاني منها فئة كبيرة من النساء في اغلب المناطق وخاصة في القرى النائية وهوامش المدن حيث الفقر والعوز والقلة في كل شيء.
تحدثت الأستاذة في مداخلتها منطلقة في تحليلها بالقول إن: في إطار الدينامية التي تصاحب الاحتفال بالعيد الأممي للمرأة تنخرط كعضوة في الفريق اشتراكي، وذلك من خلال الوقوف لمساءلة المنجز والمؤجل من أجل واقع جدير بالمرأة المغربية عنوانه البارز إقرار مجتمع المساواة، ودولة القانون،
إن شهر مارس غني بالدلالات الرمزية حول نضالية المرأة المغربية وفعالية ودينامية المجتمع المدني، الذي استنهض اخيرا ووضع خطة نضالية وحقوقية وقانونية وسياسية لتعزيز موقع المراة المغربية وذكرت الدكتورة الزخنيني بأهم هاته المحطات المارسية…مرتبط في الذاكرة الوطنية بمحطات هامة كانت ثمرة نضال الحركة النسائية المغربية،ارتبط شهر مارس بإرث المجاهد المناضل المشمول برحمة الله الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي بخصوص الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية بكل ما فتحته من آمال وآفاق أمام تطور المرأة المغربية.
وفي نفس هذا الشهر كذلك انتفضت نساء المغرب في مسيرات بالرباط والبيضاء للتحسيس بحقوق المرأة سواء في صف المعرضين للخطة أو المؤيدين لها وكلا المسيرتين تصبان في نفس الهم الحقوقي لأجل الرفع من وضعية المرأة ولو أن التيار الظلامي الرجعي كان يسعى إلى تمييع هاته الحقوق ولكن مسيرة المغاربة كلها هي من أجل رد الاعتبار للمرأة المغربية حقوقيا وسياسيا واجتماعيا وحتى شرعيا.
ـ وفي نفس الشهر ونفس الذكرى في هاته السنة مارس2022 ارتأى الفريق الاشتراكي أن ينظم يوما دراسيا اختار له عنوانا له دلالة رمزية كبرى يحاكم فيها السياسة العمومية، مساءلة السياسات العمومية، ومدى استجابتها لمتطلبات المساواة عبر مختلف الآليات التي تم اعتمادها لبلوغ هذا الهدف.
إن مساءلة السياسات العمومية تقول المتحدثة هي مساءلة لقنوات إنتاج القرار السياسي بالدرجة الأولى على اعتبار سؤال المساواة من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها بدون توفر الإرادة السياسية الفعلية في توفير شروط بلوغها، لأن التفاوتات المبنية على أساس النوع الاجتماعي هي أحد كوابح التنمية.
في هذا الإطار تشرفت اليوم المتحدثة كي تكون في هاته المنصة وهي بجوار هامات اتحاديات لهن باع في الساحة الحقوقية والسياسية من خلال تجاربهن/هم، ومساراتهن/هم، لكي تتقاسم الدكتورة مع الحضور الكريم بضع أسئلة وهواجس من خلال هذه الورقة التي وضعت لموضوعها:
الحضور النسائي في التدبير الجماعي: أي أفق للمساواة؟
بالحضور النسائي، تقصد تواجد النساء في مراكز انتاج القرار كمنتخبات، لماذا التدبير الجماعي، لأن المتدخلة تعتبر حضورها في هذا الحقل هو مرآة للتمكين السياسي للنساء، وهو تتويج لمسار يبتدأ من رحم الأحزاب السياسية، مع إشكالية تدبير تزكية المرشحين/ات في الانتخابات، ثم تدبير الحملات الانتخابية، فتكوين المجالس المنتخبة وحجم المسؤوليات المنوطة بالنساء، إلى وضع الميزانيات واستحضارها للنوع الاجتماعي، إلى مأسسة هذا الاستحضار.
فالفرضية التي انطلقت منها المتدخلة أن المغرب بالفعل قد قطع ونجح في تأثيث مشهد التسيير الترابي بالعنصر النسائي، وقطع مع الحضور الحصري للرجال في هذا الباب، وأن هذا الحضور النسائي لايزال يدين فقط لآلية التمييز الإيجابي تقول المتحدثة إن الملاحظ هو أن الحضور النسائي في معظم الحالات لا يتجاوز سقف ما فرضه القانون بمقتضى منطق الكوطا وبتفسير ضيق أيضا.
فلهذا لا بد من التذكير في البداية بأن التنمية السياسية تدخل في صلب البناء الديمقراطي، وبأن مجتمعا ديمقراطيا يتوق للعدالة ويرمي إلى تكريس حقوق الإنسان، لا يقوم ما لم يتم تحقيق المساواة بين الجنسين، وتقصد هنا بالمساواة المساواة في مراكز القرار العليا منها والمتوسطة والدنيا، أي التمتع بنفس الحقوق والالتزام بنفس الواجبات؛ وهي تستدعي ديباجة دستور 2011 التي عددت من بين مرتكزات الدولة الحديثة، المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
وفي بسطها للمفهوم أكثر، تحدثت عن رفع كافة أشكال التمييز التي تعتري التعامل مع مكون مجتمعي معين مقارنة بالآخر/الآخرين؛ نعلم أن النساء هن هذا المكون طالما أنهن يتعرضن لألوان من التمييز/ عدم المساواة في جميع المجتمعات، سواء قانونيا أو واقعيا. فكيف تم الانخراط في تجربة رفع هذا التمييز في ما يتعلق بالولوج للمهام الانتدابية الانتخابية؟
إن المتدخلة وهي تتناول في هذه الورقة نقاط ثلاث اعتقدت أنها ستؤطر تناولها لحضور المرأة في التدبير الجماعي: الحضور النسائي في الأحزاب السياسية وآليات التنخيب السياسي للنساء، ثم تدبير مخرجات المحطة الانتخابية، ومأسسة مقاربة النوع على المستوى الترابي.
ترتبط المشاركة السياسية بالإعمال الفعلي للحقوق السياسية للفرد، وهي بالتالي تشكل تمظهرا للانتماء للجماعة السياسية والانخراط في تنظيمها، حسب التعبير الذي نصطلح عليه ب»المواطنة». وتستمد الحقوق السياسية أهميتها من المسار الطويل الذي قطعته البشرية في إقرارها والاعتراف بها كحقوق للأفراد عامة، والقطع مع تفييء عناصر المجتمع عبر إقصاء فئات مهمة منه من عملية المشاركة في صناعة القرارات المتعلقة بها وببقائها ورفاهها.
ومن خلال إقرار الحقوق السياسية، تترجم المساواة بين الأفراد، التي تحتاج لتوفير قنوات يعبر من خلالها هؤلاء الأفراد عن تطلعاتهم ومطالبهم، بل أكثر من ذلك، يفترض في هذه القنوات أن تزودهم بما من شأنه أن يخول لهم ترجمة هذه المطالب إلى حقائق، إما عبر الفعل الإيجابي من خلال الإسهام في بلورة كيفية الوصول إليها، أو الفعل السلبي من خلال التصدي لكل ما من شأنه عرقلة الوصول إليها.
ومن أهم هذه القنوات يأتي الحزب السياسي تذكر هنا بالمادة 2 من قانون الأحزاب التي تنص على أن الحزب السياسي، يعمل « على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام.»
والمادة 26، التي تنص على أن» يعمل كل حزب سياسي على توسيع وتعميم مشاركة النساء والشباب في التنمية السياسية للبلاد.»، ولهذه الغاية، يسعى كل حزب سياسي «لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنيا وجهويا، في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين النساء والرجال».
ولعل أهم مؤشرات المشاركة السياسية، تؤكد المتحدثة هو المشاركة الانتخابية، على اعتبار الانتخابات تعتبر نوعا من التقييم الدوري للمشاركة السياسية ليس فقط على مستوى الكم والأرقام التي يتم تبئيرها بشكل كبير، ولكن أساسا، على مستوى الانخراط في إنتاج اللحظة الانتخابية والتأثير فيها. فهل لازالت العملية الانتخابية محل رهان من أجل التغيير أم تحولت إلى محطات لإعادة الإنتاج، تحيل على سوق قائمة الذات، تحكمها قوانين العرض والطلب بما يمكن معه الحديث عن «تسليع» للانتخابات و»مهننة» للمهام التمثيلية. كيف يتم تنخيب النساء المرشحات للانتخابات؟ خاصة اذا استحضرنا تناقص عدد المنخرطين في الأحزاب السياسية، والذي يعبر عن «متلازمة العياء الديمقراطي»،هل يحضر الحزب بتعريفه الدستوري في هذه العملية على اعتبار أن الحزب السياسي هو الذي يرسم الهوية السياسية للمواطن أم يتحول لوكالة لتدبير مسألة التزكيات ؟ هل تستحضر مقتضيات المادة 28 من قانون الأحزاب، أم يعاد انتاج نفس علاقات القوة بين منتسبي الحزب التي تستثمر في تكريس علاقات تبعية بمنتسباته من خلال نوع العلاقات الخاصة التي تربط منتسبي حزب معين بمرشحات هذا الحزب (علاقات قربى، ولاء، مصالح مشتركة…) ليصبح التواجد النسائي مجرد خيال للتواجد الفعلي الرجالي في الفضاء المعني؟
لعل الفرضية الأخيرة تشدد المتحدثة على أنها تستفزنا إذا ما قارنا حصيلة المشاركة النسائية في التدبير الترابي مع «الحد الأدنى» الذي نصت عليه مقتضيات قانون الانتخابات؛ من خلال المواد 85 و110 و128 مكرر. والتي قد لا تفضي هذه المقارنة لكثير من التفاؤل، لكن يمكن مع ذلك اعتبار احتفاظ النساء برئاسة جهة خلال الانتخابات الأخيرة، ووصول ثلاث نساء إلى قيادة مدن كبرى رغم ما صاحب ذلك من «تركيز انتخابي» وتغول غير مسبوق في الحياة السياسية المغربية، مؤشرات تدعو للتفاؤل. ولكننا لا يمكن أن نمر مرور الكرام على ظاهرة مثيرة في انتخابات 2021، تحتاج لدراسة وتقييم كبيرين في هذه التجربة،يتعلق الأمر بتسجيل ظاهرة الرئيسات اليافعات، اللائي لا يتجاوز سنهن العشرين سنة؟؟
وبالموازاة مع مخرجات الديمقراطية التمثيلية، نصت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على إحداث مؤسسات استشارية منتخبة تقدم الرأي والمشورة، وتقترح وتشارك في مختلف مراحل إعداد برنامج عمل الجماعة الترابية وتقييمه من حيث هو مستحضر لتكافؤ الفرص أم لا..
خلاصة القول تقول مليكة الزخنيني وبعيدا عن لغة الأرقام التي يعمي بريقها الأبصار، فيحجب النظر، يمكن القول إننا لم نحقق بعد تراكما يجعلنا نطمئن إلى إمكانية التمثيلية النسائية في الجماعات الترابية دونما آلية التمييز الإيجابي؛ لازلنا في طور التمرين المدرسي البسيط المتعلق بتطبيق مقتضيات قانونية يفترض أنها مؤقتة ويجب أن تترك المجال لممارسات فعلية ذات طبيعة مهيكلة للحقل السياسي، هل يتعلق الأمر بتقدم القوانين على الواقع؟ أم بترسيخ الثقافة المقاومة للتخلي عن الوظائف التقليدية لصالح تصور حداثي تقدمي ديموقراطي للمجتمع، أم أن التعامل مع المهمة التمثيلية كمدخل للسلطة المادية منها والمعنوية يجعل الساحة تضيق على الفاعلين التقليدين فيزيحون بالتالي كل «وافد جديد»؟
ان ما قدمته الاستاذة الزخنيني قراءة واعية سياسية علمية لامست فيه بالأرقام وبالحقائق واقع التطور الشكلي للوجود السياسي للمرأة المغربية في الحقل الاجتماعي والسياسي والمؤسساتي ويمكن لهاته القرءاة أن تكون بداية طرح اشكاليات قانونية وسياسية في افق بناء منظومة قانونية تعيد تأسيس القواعد الديموقراطية لانبعاث أمة مغربية تحقق الإنصاف بين جميع أفراد المجتمع ذكورا وإناثا وأصابت الدكتورة الزخنيني في طرح هاته القرءاة النقدية في حزب وطني تقدمي رسخ تاريخه النضالي لأجل انبثاق مجتمع مغربي ديموقراطي عادل تسوده المساواة والعدالة بين أفراده.
أكد عبد الرحيم شهيد حرصه على مواصلة الدفاع عن المكتسبات النسائية وتعزيز حقوق المرأة لما لها من دور أساسي في مسار التحديث السياسي والمجتمعي والثقافي، كما أكد أن المرأة توجد اليوم في قلب صراع المشاريع المجتمعية المتباينة، وأنها فاعل حاسم في تطوير المسار الديمقراطي والتنموي لبلادنا، وفي توفير شروط التماسك الاجتماعي.
واعتبر النائب شهيد، في كلمته الافتتاحية للقاء الدراسي الذي نظمه الفريق الاشتراكي تخليدا لليوم العالمي للمرأة، أن للمرأة إسهام كبير ومؤثر في البناء المؤسساتي، وفي الإنتاج الاقتصادي، وفي التأطير التربوي والتنشئة الاجتماعية. وعبر عن أسفه لتصاعد المد المحافظ والشعبوي الذي يعمل على محاصرة المرأة ضمن رؤية منغلقة ومعارضة الحقوق الفعلية للنساء، خاصة خلال العقدين السابقين. وذكر، في هذا الصدد، بما قام به الفريق الاشتراكي برلمانيا، وما قام به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومعه المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات والحركة النسائية الوطنية، من نضالات لتحصين المكتسبات النسائية ووقف التراجعات خاصة في ظل المقتضيات المتقدمة لدستور 2011.
وأوضح النائب عبد الرحيم شهيد الدور البارز الذي لعبته الحركة النسائية، بكافة أطيافها الحقوقية، في ترصيد المكتسبات لفائدة المرأة من أجل توسيع مساحات الإنصاف والمساواة، والقيام بإصلاحات تتوجه نحو إقرار المناصفة الفعلية. كما استحضر مبادرات الاتحاد الاشتراكي وفريقه البرلماني لدعم المسيرة النضالية للحركة النسائية المغربية من أجل مشاركة أقوى وأوسع للمرأة. وذكر بالدينامية الإصلاحية للنهوض بأوضاع النساء في فترة حكومة التناوب التوافقي التي تميزت باعتماد «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»، مستعرضا ما تحقق في العديد من المجالات من قبيل المنظومة التمثيلية ومدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون الشغل وغيرها. واعتبر النائب شهيد أن المسيرة السياسية والحقوقية توجت بإصلاح سياسي غير مسبوق في التاريخ الوطني مع إقرار دستور2011، وخاصة التنصيص على مبدأي المساواة والمناصفة.
من جهة أخرى، دعا رئيس الفريق الاشتراكي إلى المزيد من اليقظة لصد أية تراجعات محتملة من خلال مواصلة النضال من أجل ترسيخ القراءة الديمقراطية والحداثية للدستور، والإشراك الفعلي للمرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل التداعيات القوية لجائحة «كوفيد 19». وجدد التأكيد على الانخراط الجماعي في كل المبادرات الملكية الرامية إلى تفعيل مبدأ المناصفة انسجاما مع المقتضيات الدستورية والتزام المغرب بهذا المبدأ على المستوى الدولي. ودعا إلى استثمار لحظة تفعيل النموذج التنموي في تعزيز موقع النساء عبر ملاءمة الإطار المرجعي القانوني الوطني مع مضمون الاتفاقيات والمواثيق الدولي، وإلغاء كل القوانين التمييزية ضدهن. كما دعا إلى اعتماد سياسات عمومية وإنفاق عمومي قائمين على مبدأ المساواة، مع العناية الشاملة بالحقوق الاجتماعية الأساسية، وخاصة في مجالات التربية والصحة والتشغيل والسكن اللائق. واعتبر النائب شهيد أن حماية النساء والنهوض بأوضاعهن يحتل موقعا أساسيا في المشروع التنموي الجديد، مذكرا بالتصور السياسي الذي طرحه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للنموذج التنموي، والذي اعتبر أن التنمية لن تتحقق إلا بمشاركة كاملة للنساء، وأن المرأة فاعل محوري في البناء الديمقراطي وطرف أساسي في معادلات التنمية ورقي المجتمع.
وجدد النائب عبد الرحيم شهيد، في الأخير، حرص الفريق الاشتراكي، كمعارضة بناءة ومسؤولة، على الوفاء لقضية المرأة، والدفاع عن حقوقها الكاملة في إطار المهام التشريعية والرقابية.
انطلق المتدخل في تحليله لصناعة الفعل العمومي ومدى استجابته واستحضاره للبعد النوعي، ومعتبرا فيه أن السياسات العمومية لم تكن إلا بمثابة تحصيل حاصل لمرجعيات، وذلك طيلة 30سنة اعتبر فيها بنعبد القادر أن الصراع كان مرجعيا، متسائلا عن كون السياسات العمومية الذكورية قائمة على سياسات اقصائية وعن نصيب وحظ النساء مثلا في ملاعب القرب وعن مدى حضور حاجيات النوع في مجال الاستثمارات التي تقوم بها الدولة؟ وبذلك لابد من وضع آليات لمقاربة النوع الاجتماعي في الفعل العمومي ، لكن ومنذ1980 حيث بدأ مفهوم النوع يستأثر بالاهتمام في مجال تحليل السياسات العمومية: الدول الانجلوسكسونية و أمريكا الشمالية من خلال ظهور قطبين سياسين: مقاربة الدولة للرعاية الاجتماعية والدولة ذات النمط الليبيرالي، وظهور التقسيم الجنسي للعمل من خلال سياسات وخاصة في الحماية الاجتماعية، ولدى الدول الاسكندنافية التي تجعل تبعية النساء للدولة إما مستخدمات أو مستهلكات.
هكذا واصل بنعبد القادر في تحليله العلمي لمقاربة النوع في السياسات العمومية ومدى حضوره في التجربة المغربية، والتي اعتبرها رائدة وذلك منذ سنة 2002 حينها انخرطت المملكة في إرساء مقاربة النوع وحضورها في مأسسة ميزانية النوع الاجتماعي، مشيرا إلى أنه في سنة 2015 حيث أصبح ضرويا تقديم جميع البرامج للمؤشرات المكونة لمؤشرات النجاعة في مجال المقاربة القائمة على النوع مستدلا في إشارته إلى دراسة محمد شفيقي وتجربة المندوبية السامية للتخطيط من خلال الإحصائيات العلمية حول الوضعية النسائية، وتخصيص منصة رقمية لهذا المجال العلمي.
وكما خلص المتدخل إلى ثلاثة محاور أساسية:
1 ـ بأي معنى تفعل السياسة العمومية على تشكيل النوع؟ وهل النوع منتوج للفعل العمومي؟
2 ـ إلى أي حد يهيكل النوع الفعل العمومي؟
3 ـ كيف يؤثر الفعل النسائي وبخاصة الحركة النسائية في صناعة السياسات العمومية؟
وأن بعض التخوفات بدأت تلوح في الأفق من خلال ضغط الأزمات الاقتصادية والمالية وبعض التقارير بفعل انتشار النيوليبيرالية التي يمكن أن تؤثر في الدولة الاجتماعية، وأن العودة إلى الأمومة الجديدة اعتبره تخوفا وارتدادا عن الأمومة؟ وتخوف آخر يتعلق بالسياسات العمومية، التي قطعت أشواطا كبيرة في دمج النوع وتذويبه في كل السياسات العمومية لأجل الحفاظ على المكتسبات، لتفادي التراجعات والارتكاسات في ما تحقق وبالتالي تذويب النوع الاجتماعي في مواجهة الأزمات، وأن السياسات العمومية التي تتطلب من الجميع الترافع والدفاع من أجل الحفاظ على المكتسبات وصيانتها، وهذا يتطلب القيام بالتحليل الدقيق والقرءاة البناءة من خلال خلق شبكات للقراءة وفتح أوراش للنقاش العميق وفق مؤشرات وإحصائيات علمية لكل البرامج قصد التقييم والتقويم، وهذه مهمتنا جميعا سلاحنا فيه المعرفة العلمية والبحث الدقيق لصيانة المنجز والسير به نحو الأفضل.
اكد المحاضر في عرضه أن السياسة العمومية هي بمثابة جواب عن سؤال ومشكل مجتمعي، معتبرا أن مشكل المساواة حاضر بقوة وخاصة في مجال الولوج لمجموعة من الحقوق وبلغة الأرقام تقدم دلائل قاطعة على هذا الواقع، وذلك بالرجوع إلى أرقام على مستويات متعددة في ما يتعلق بالتعليم بالصحة بالشغل..إن جميع السياسات العمومية يجب أن تعمل على إدماج البعد النوعي الاجتماعي للتخطيط سواء على مستوى السياسات العمومية الوطنية أو على مستوى الساسيات العمومية الترابية لأنها هي الأخرى مدخل أساسي لتحسين أوضاع كل مكونات المجتمع وفي مقدمتها بطبيعة الحال النساء، لأننا اخترنا الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي، في برامج التنمية الجهوية، وفي برامج تنمية العمالات والأقاليم، وفي برامج الجماعات المحلية، وأشار إلى أنه يجب أن « نستحضر الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب في مجال المساواة و إقرار حقوق المرأة.»
وأضاف مفيد، أن الدستور يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية، والدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الجنسين.
كما قام بتسليط الضوء على النصوص التشريعية الخاصة بالاستحقاقات الانتخابية وخاصة في ما يتعلق بالنساء والمسألة الانتخابية. مؤكدا أن المشرع بذل مجهودا في هذا الصدد ولكن لم ينعكس على مستوى الواقع، وأشار إلى أن هذا الأمر سيبقى واضحا من خلال استنطاق الأرقام المسجلة في الانتخابات الأخيرة، وخاصة على مستوى الغرف المهنية، والتي لم تحقق فيها النساء إلا نسبة07.67 في المائة من الصناعة والتجارة والخدمات والغرفة الفلاحية وغرفة الصناعة التقليدية وغرفة الصيد البحري، وهو ضعف كبير في ما يتعلق بتواجد النساء في الغرف.
وخلص الدكتور احمد مفيد إلى أن بلادنا بذلت مجهودات كبيرة والتي يمكن أن تعزز تواجد المرأة في المجتمع، وذلك باتخاذ مجموعة من التدابير على عدة مستويات، وبالتالي يجب الارتقاء بالممارسة على مستوى الفعل السياسي والبحث عن مجموعة مداخل لإدماج أفضل لبعد المساواة في جميع السياسات العمومية و من بينها السياسة الانتخابية نحو إقرار الانصاف.
انطلقت خديجة الرباح في طرح مجموعة من الأسئلة، هل البرنامج الحكومي استحضر المساواة كبرنامج وسياسة؟ مؤكدة على ضرورة مساءلة الحكومة في كل القضايا المرتبطة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان عامة، وهذا يقتضي إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية، وذلك عبر الحوار الإيجابي مع مختلف الهيئات والمؤسسات المعنية والمهتمة بحقوق الإنسان، لأجل بناء غد مشرق ومستدام.
كما شددت خديجة الرباج في مداخلتها الرصينة والعلمية على أن الحركة النسائية ناضلت وقدمت الشيء الكثير في تاريخ المغرب من أجل حقوق النساء والمرأة.
وذلك عبر:
ـ إعادة النظر في منهجية إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
ـ تعزيز القدرات في مجال تتبع وتقييم المحاور الاستراتيجية.
ـ تعزيز الإمكانيات الدستورية لمساءلة الحكومة على مدى مسؤوليتها في تحقيق استراتيجيتها المتعلقة بمجال تفعيل المساواة بين النساء وغيرهم.
ـ اقتراح مجموعة من المداخل المساعدة على تفعيل الرقابة على المالية العمومية من منظور مقاربة النوع الاجتماعي .
ـ ضمان مشاركة الحركة النسائية.
وسجلت الرباح، بأن هناك حضورا ضعيفا للمراة في الإعلام و في صنع السياسات البيئية والاجتماعية والصحية والشغل، وبالتالي ينبغي الاشتغال على كافة المستويات للارتقاء بالنساء وضمان حقوقهن الفعلية ضمانا للمساواة والإنصاف.
وخلصت الرباح، بعد أن تطرقت إلى العديد من المؤشرات التي تظهر عدم تحقيق المساواة كاملة في مجالات مختلفة، إلى أن العنف ليس قضية ضرب وجرح فقط، بل قضية لامرئية في سياساتنا العمومية.
أما في ما يتعلق بالسياق الحالي فإن المتحدثة وقفت على ما يلي: أزمة اقتصادية اجتماعية،البرنامج الحكومي،احتجاجات جماهيرية،النموذج التنموي الجديد،ورهانات المغرب الحديث،
واعتبرت أن هناك 12 مدخلا اساسيا متسائلة إلى أين وصلنا في تحقيق المساواة في ظل النساء والفقر، تعليم النساء، النساء والصحة، العنف ضد النساء، النساء والأمن والسلام، النساء والاقتصاد، ولوج النساء إلى مراكز القرار، المرأة ووسائط الاعلام، النساء والبيئة.
وعرف هذا اليوم الدراسي الاحتفاء بسيدتين مغربيتين خلفتا إرثا وطنيا وحزبيا انطلقت منه كل التوجهات والاجتهادات التي صاغت لنا رؤية مستقبلية حداثية للمراة المغربية بل بنتا وأسستا آفاقا مستقبلية للفكر الاجتماعي المغربي الحديث وقاعدة واقعية لمشروع مجتمعي حداثي ديموقراطي قادر على إغناء فكرنا السياسي في قالب إنساني بهدف إقامة مجتمع نهضوي تقدمي حديث. بلمودن وبنمسعود نجمتان نسويتان وطنيتان تسيران بوتيرة ضوئية لقطع مسافة البداية والوصول إلى مجتمع حديث ينبذ التعصب ويؤسس لواقع اجتماعي وإنساني، كما تصوره قادتنا وفقهاؤنا ومثقفونا من أمثال محمد بلعربي العلوي السلفي المتنور والحبيب الفرقاني المناضل الأصيل والفقيه سيدي عمر الساحلي الفقيه المجدد الملتزم وصولا إلى رهبان الفكر الاتحادي من امثال جسوس ومحمد عابد الجابري، من كل هاته الأنهار والينابيع الفكرية والسياسية والدينية ارتوت هاتان الزمردتان الأصيلتان اللتان كرمهما الحزب بكل أطيافه وأجياله لأنهما عايشتا الزمن الاتحادي في مده وجزره، في قوته وصبره، في توهجه وتنويره، فلهما ألف تحية وألف باقة حب واعتراف، ولن نكون إلا ضوءا متوهجا لهاتين النجمتين الساطعتين في سماء البيت الاتحادي.
وفي الختام كانت الكلمة للسيدتين الجليلتين من منصة التكريم والاعتراف أجمعت فيهما على المزيد من العطاء والاستمرارية، فنابت فيها دموع المحبة والوفاء وعبارات الود والإخلاص بمناسبة هذا التكريم وهاته الالتفاتة التي تجسد كل معاني النبل الاتحادي الأصيل .

