ســـوانـــح الخــاطــر والمخطور

1 ـ ندبة الماضي..

المنافذ الخفية من واجهات العالم، تتكسر وتنهار بسرعة عجيبة. الفكر الإنساني المتقد، سرعان ما يخبو ويتفتت. مواجع البشرية تتساكن على أنقاض ومخلفات الحروب ومذابح السطو المسلح والأوبئة الاصطناعية.
هناك، الآمال الكاشفة عن كوة ظليلة، أو نبوة انعتاق، يتلبد حطامها العصي عتاد سخي من المعاني الإنسانية، التي تحجم عن إغواء سنابل الأرض، على التيقظ والاستبصار.
الحطام هنا، وهناك، وأشياء تبلغ آثام الماضي وأحزانه الواهية، كمورة الصمت يلون أبعاده التالفة بين أضلع الخوف، تهسهس بين نيران الوقت وآفات النسيان. غير أن أحلاما بعيدة تطرق الأبواب، كرعشة راهب مكلوم، يصغي إلى نافلة ذكره الأبدي، ويمدد عبارات التجلي في انهيار وتأفف؟

2 ـ لا أبالي ..

أن نمش الوثبة إلى سلم الحياة، يخفي أسرارا غير تلك التي تتركها آثار الجروح على وجه الصنيعة. فهي منفلتة هاربة كخطوط النقوش من الوشي، تغرق في ماء الوحشة، ثم تطفو على كاحل الموت.
ذاك الماء المعصوب، بحرق الأظافر، يجبر بالمعاناة وطول الطريق:
نمشي وقد طال الطريق بنا … ونود لو نمشي إلى الأبد
ونود لو خلتِ الحياة لنا … كطريقنا وغدتْ بلا أحدِ (إبراهيم ناجي)

3 ـ فرس تتعبني ..

ربما أستعير هذا الشوق إلى كتابة خارج العالم. لكني، لا أجد فرسا تتعبني، إلى ظنون صابئة، حيث الشك أكبر الأخطار القاصمة على الفراسة.
إن أعتى مجانين الشعر يموتون حسرة على ضياع العمر، في نسف الواقع وتآكله بين القصيد، كفرس النهر القزم، يتغذى بهدار الغابات وهو أقل تعلقا بالماء ..

4 ـ غفوة الطفولة

كنت على اقتناع دائم بأن الصيرورة الشعرية، لا توجد في المآوي الثاوية للنصوص العاشقة المعشوقة، ولا تستطيع بإزائها، أن تكونها، بنفس الزخم والوهج والنفور أيضا.. بمثل الهموم التي تنكتب حال تعويضك عن العزلة، الغياب القسري للفكرة ولمحتواها .. لكنني ومنذ زمان بعيد، عندما أدركت أن بحور الشعر غفوة الطفولة، سيقان امرأة غنوج، فاكهة الورد المقطوف بغريزة الشهوة..

5 ـ سكرة تنكأ جراح الوحشة

أجهل ما إن كانت قصيدتي فارقة، بين سيفين حادين، تقبض روحا وتطلق أخرى. يدان لهما معصمان هائمتان، على ساق صلبة، متينة أغصانها، مضطربة أبكارها ..
ولا شيء أستوحيه، من مواجد امتداد واتساع، وطير منسوخ، وسكرة تنكأ جراح الوحشة، ورهبة الزمان، كأني أسرج هواي لأمضي..

6 ـ وجع الشعر

أي وجع للشعر، غير الإفتان والاستهواء والجذب وإظهار مفاتن الروح، وبعدها لا يكون أي شيء قادر على ممالأة العالم، بسطوته وجبروته وقسوته الشديدة ..

7 ـ الطريق

إن بعضا من هذا الشعر كمطهرات الروح، تمنحنا سقوة زكية حانية، نلملم فيها أخباث الأهواء ونوازع النفس.
لا نمضي إلى حتوفنا، إلا ونحن مهدورون على أنواء الضياع والرهبة وانقطاع الأمل. ولكننا متيقنون من أن أشياء تكبر في دواخلنا، مليئة بالثقوب والانكسارات .. نحاول ترميمها وجرها إلى إعادة قراءة وتأويل جديد للوجود والكينونة، حيث نتوهم قدرة فريدة على الاطمئنان والصمود وقهر الأعداء ..

8 ـ ضمير الغائب

لكن البستان الجميل غالبا ما يكون محشورا بالأفاعي السامة، ونعيد الكرات مرات عديدة، دون أن نكترث، أو نندس تحت جلد رهبتنا الدفينة، من أن يكون هذا الشعر المنكسر بفعل الفداحات والأغلال، سبيلا للتغني أو مرتعا للانهيار، لا يستوطننا حيث هو، ولا ينثر كنزه الثمين دون أن يخلف من ورائه ضحايا ومأسورين، كشاكلتي ..

9 ـ مِسْحَل الوضاءة

غير أن الطفل الذي كنته، لا يزال هنا، في قيمة النص الذي لم يأت بعد. في آثار البذرة الناشبة في مِسْحَل الوضاءة..


الكاتب : مُصْـطَـــفَى غَـــلْمَــان

  

بتاريخ : 20/01/2023