رفضت تركيا اي وساطة فرنسية لاجراء حوار بين انقرة وقوات سوريا الديموقراطية، التحالف العربي الكردي الذي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردي والتي تعتبرها انقرة منظمة ارهابية، بحسب ما افاد متحدث باسم الرئاسة.
وقدم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هذا العرض خلال لقائه وفدا من قوات سوريا الديموقراطية .
إلا أن تركيا رفضت ذلك بشكل مطلق، في خطوة من المرجح ان تزيد التوترات بينها وبين فرنسا التي عبرت عن قلقها بشأن العملية العسكرية التركية التي تجري في شمال سوريا.
وقال الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين “نرفض اي جهد يهدف الى تشجيع حوار او اتصالات او وساطة بين تركيا وهذه المجموعات الارهابية”.
وكان ماكرون قال انه يأمل في بدء “حوار” بين الجانبين بمساعدة باريس والمجتمع الدولي.
وشكلت قوات سوريا الديموقراطية خلال السنوات الاخيرة رأس حربة في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وتعتبر تركيا المكون العربي في هذه القوات واجهة تهدف الى اعطاء شرعية لوحدات حماية الشعب الكردية التي ترى فيها امتدادا في سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنف منظمة ارهابية من قبل انقرة وحلفائه الغربيين.
ويشن الحزب تمردا داخل تركيا منذ 1984 وتعتبره تركيا جماعة ارهابية.
واطلقت تركيا في يناير هجوما ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا وطردتها في 19 مارس من معقلها عفرين.
وقال كالين أن هذه الجماعات تسعى الى “اضفاء الشرعية على نفسها” واضاف “بدلا من اتخاذ اجراءات من شأنها ان تترجم على انها اضفاء الشرعية على المنظمات الارهابية، على الدول التي نعتبرها صديقة وحليفة ان تتخذ موقفا حازما ضد الارهاب بكل أشكاله”، مؤكدا ان “الاسماء المختلفة والمتنوعة لا يمكن ان تخفي الهوية الحقيقية لمنظمة ارهابية”.
وعملت فرنسا والولايات المتحدة بشكل وثيق مع مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي في القتال ضد جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، وخلال محادثات الخميس اشاد “بالتضحيات وبالدور الحاسم لقوات سوريا الديموقراطية” في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
الا ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لم يرحب بتلك التصريحات وقال انه “حزين جدا” لموقف فرنسا “الخاطئ تماما”.
وقال اردوغان في خطاب حاد القاه في انقرة “أود التاكيد انني حزنت جدا للمقاربة الخاطئة تماما لفرنسا بخصوص هذا الموضوع”. واضاف “من انتم لكي تتحدثوا عن وساطة بين تركيا ومنظمة ارهابية؟”.
وتحدث ماكرون واردوغان عدة مرات هاتفيا منذ بدء العملية التركية في 20 يناير.
وتبنى نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ خطا اكثر تشددا وانتقد فرنسا وحذر من أن تركيا ستراقب اي بلد يتعاون مع “الارهابيين”.
واضاف ان “تطمين فرنسا لمنظمات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية المرأة الكردية، الارهابية بتقديم الدعم لها هو تعاون وتضامن واضح مع جماعات ارهابية تهاجم تركيا”.
واضاف بوزداغ ان “اي جهة تتعاون مع جماعات ارهابية ضد تركيا .. وتهاجم تركيا الى جانب الارهابيين، ستحصل على نفس المعاملة التي نعامل بها هؤلاء الارهابيين” مؤكدا انها “ستصبح هدفا لتركيا”.
وقال بوزداغ انه يأمل في الا تقوم فرنسا بمثل هذه “الخطوة الطائشة”.
وبعد نحو 10 أيام من العملية التركية في سوريا، اثار ماكرون غضب المسؤولين الاتراك بقوله ان فرنسا ستعتبر وجود “مشكلة حقيقية” اذا تبين ان هذه العملية هي “غزو”.
واستدعت هذه التصريحات ردا حادا من السلطات التركية التي قالت ان تركيا لم تكن مطلقا “قوة مستعمرة”، داعية باريس الى مراجعة ماضيها.::
ادلب السورية رهن استراتيجية أنقرة
بعد اقتراب سقوط الغوطة الشرقية، آخر معقل لمقاتلي المعارضة قرب دمشق، تستقطب محافظة إدلب اهتمام كل من روسيا وتركيا، ويتوقف مصيرها بحسب محللين، على قدرة أنقرة على توسيع سيطرتها في شمال غرب سوريا عبر تقليص نفوذ هيئة تحرير الشام، الأقوى ميدانيا .
وخسرت قوات النظام السوري محافظة إدلب منذ صيف العام 2015، إثر سيطرة تحالف فصائل جهادية واسلامية عليها، لكنه سرعان ما تفكك إثر جولات اقتتال داخلي تطورت الى صراع على تقاسم النفوذ.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا ) حاليا على نحو 60 في المئة من إدلب الحدودية مع تركيا، بينما تنتشر فصائل أخرى إسلامية منافسة في مناطق أخرى. وتمكنت قوات النظام بدعم من مجموعات مقاتلة تدعمها ايران من استعادة السيطرة مؤخرا على مطار أبو الضهور العسكري وعشرات القرى والبلدات في ريف ادلب الجنوبي الغربي، بغطاء جوي روسي.
ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك هاريس لوكالة فرانس برس إن ادلب “موضع سباق بين روسيا وتركيا، وسيعتمد مصير المحافظة على تصميم (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان على تحد ي (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في سوريا”.
ويضيف “يتجمع أكثر خصوم الأسد شراسة في إدلب، وقد يغري الأمر روسيا كثيرا لإعطاء النظام الضوء الأخضر لشن هجوم في المحافظة”.
وتدعم موسكو بقوة النظام السوري، وساهم تدخلها العسكري المباشر في الحرب في تغيير موازين القوى على الارض لصالح النظام الذي خسر في السنوات الاولى مساحة واسعة من الاراضي.
وفي ادلب هيئة تحرير الشام وفصائل اسلامية وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تم اجلاؤهم على مراحل من مناطق مختلفة بموجب اتفاقات مع دمشق، آخرها من الغوطة الشرقية بإشراف روسي مباشر.
وانضمت إدلب وأجزاء من محافظات أخرى مجاورة فيسبتمبر الى مناطق خفض التوتر في سوريا، بموجب محادثات أستانا التي ترعاها روسيا وايران، الحليفة الاخرى للنظام، وتركيا الداعمة للمعارضة.
وتطبيقا للاتفاق، انتشرت قوات تركية في ثلاث نقاط مراقبة داخل الحدود الإدارية لإدلب منذ مطلع العام. ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن هذا الانتشار منع “قوات دمشق من التوغل في الداخل الإدلبي”.
ويجمع المحللون على أن تركيا التي تشكل إعادة مئات الاف اللاجئين السوريين الموجودين لديها الى سوريا أحد أكبر هواجسها ولطالما أيدت وجود منطقة عازلة قرب أراضيها، غير مستعدة لاستقبال موجات جديدة من النازحين قد يرتبها أي هجوم محتمل للنظام السوري على ادلب المكتظة سكانيا .
ويرى هيلر من جهته “أن إدلب لم تعد بين أهداف دمشق حتى اشعار آخر (…) ويتوقف مصير المحافظة على ما يدور خلف الكواليس من اتفاقات روسية تركية”.
ويؤكد محللون ان هذه المحادثات ترسم الخارطة الجديدة لسوريا بعد نزاع مدمر مستمر منذ سبع سنوات. ويلمح كثيرون الى ان تدخل تركيا الذي ادى الى انتزاع عفرين أخيرا من أيدي الاكراد يدخل ضمن إطار هذه التفاهمات. ويندرج في اطار هدف آخر للمنطقة العازلة المطلوبة تركيا، وهو إبعاد الاكراد عن الحدود التركية.
الا ان تركيا التي تدعم الفصائل الاسلامية الموجودة في إدلب لا تتمتع بالنفوذ نفسه على هيئة تحرير الشام. وبالتالي، فإن حسم مصير إدلب قد يمر بقتال داخلي جديد.
وتبقي هيئة تحرير الشام، بحسب هيلر، “سيطرتها على مفاصل المنطقة الأكثر حيوية، وهي تمسك بالشريط الحدودي ومعبر باب الهوى بالاضافة الى مدينة إدلب، مركز المحافظة”. وتتحكم بالحواجز الحدودية مع تركيا التي تتدفق البضائع والسلع عبرها من والى ادلب، وتؤمن تمويلها من خلالها.
وتحاول حكومة الانقاذ الوطني التي تشكلت قبل أشهر في ادلب، وتعد بمثابة الذراع المدني للهيئة، فرض سيطرتها على المجالس المحلية والمنشآت المدنية، وتتحكم بمصادر الدخل الرئيسية وتفرض الضرائب تباعا على الأسواق والمحلات التجارية.
وقبل أسابيع، انضوت حركة أحرار الشام الاسلامية، حليفة هيئة تحرير الشام سابقا ، مع حركة نور الدين الزنكي، فصيل اسلامي معارض، تحت مسمى “جبهة تحرير سوريا”.
وشن هذا التحالف المدعوم من تركيا قبل بضعة أسابيع هجوما على مواقع لهيئة تحرير الشام وتمكن من طردها من عدد من المناطق أبرزها مدينتا أريحا ومعرة النعمان.
لكن يبدو إلحاق الهزيمة بهيئة تحرير الشام من دون مشاركة تركية مباشرة الى جانب الفصائل المعارضة في إدلب أمرا صعبا .
ويعرب الباحث في المركز الدولي لدراسات التطرف في لندن حايد حايد عن اعتقاده بأن الهزائم التي منيت بها الهيئة مؤخرا “كسرت الهالة العسكرية” التي كانت تحيط نفسها بها على اعتبار أنها “قوة لا يمكن قهرها”.
ويوضح أن خسائر الهيئة الأخيرة “كسرت حاجز الخوف ليس عسكريا فحسب بل مدنيا “. ويضيف “هناك قرى وبلدات باتت ترفض التنسيق مع حكومة الانقاذ أو حتى وجودها” لافتا الى أن “خسارة النفوذ الشعبي على المدى الطويل هي الأخطر بالتأكيد”.
ورغم ذلك، يرى هاريس أن هيئة تحرير الشام تبقى “القوة العسكرية الأكثر نفوذا لناحية دهائها، أكثر من قوتها القتالية”، مشيرا الى انها “تحتفظ بسلطة منظمة اجتماعيا تجعلها بالفعل الأولى بين قوى متساوية”.
ويضيف “تركيا وليس أي فصيل معارض آخر، ستشكل القوة الحاسمة ضد هيئة تحرير الشام”.
روسيا تفاوض الفصائل المعارضة
وفي هذا الوقت، تضطلع روسيا بدور محوري في اتفاقات الإجلاء من الغوطة الشرقية عبر قيادة المفاوضات مع الفصائل المعارضة وفرض شروطها عليها والإشراف مباشرة على خروج المقاتلين من آخر معاقلهم قرب العاصمة.
فمنذ بدء تدخلها في سوريا في العام 2015، عززت روسيا سياسة الحصار واستنزاف الخصوم التي اعتمدتها قوات النظام قبل شن هجوم عسكري على مناطق الفصائل المعارضة فلا تجد الأخيرة نفسها أمام أي خيار سوى التفاوض فالانسحاب.
ومنذ ذلك الحين، تقوم موسكو بدورين مزدوجين، الأول عسكري والثاني تفاوضي. وهو ما يحصل حاليا في الغوطة الشرقية التي طالما جالت طائرات روسيا في أجوائها مستهدفة مدنها وبلداتها، على مدى عامين، وها هي اليوم تنشر شرطتها العسكرية على مداخلها لتشرف على عملية إخلائها من المقاتلين المعارضين.
ونفت روسيا مشاركتها في الغارات على الغوطة خلال الحملة العسكرية التي بدأتها قوات النظام في 18فبراير، وان كان المرصد السوري لحقوق الإنسان وث ق مقتل عشرات المدنيين في قصف قال إنه “روسي” وتخلله استخدام “قنابل حارقة”. وأدى القصف في الغوطة إلى مقتل أكثر من 1630 مدنيا منذ بدء الهجوم، بحسب المرصد السوري.
ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات نوار أوليفر لوكالة فرانس برس إن روسيا قامت في معركة الغوطة الشرقية أولا “بدور المهاجم مع بداية الحملة حيث عملت على تسريع انتصار النظام وتحقيق أهدافه”.
وبعد تقدم قوات النظام في عمق الغوطة والسيطرة على الجزء الأكبر منها، وفق قوله، “لعبت روسيا دور المفاوض لتحقيق مصالح النظام بطريقة تحمي فيها نفسها من الضغط الدولي وتوقف نزيف قوات النظام”.
وبعد خمسة أسابيع على هجوم عنيف بدأته قوات النظام، توصلت روسيا تباعا مع فصيلي حركة أحرار الشام في مدينة حرستا ثم فيلق الرحمن في جنوب الغوطة الشرقية، الى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين الى منطقة إدلب (شمال غرب).
ومنذ السبت، جرى إجلاء أكثر من 17 ألفا من المقاتلين والمدنيين من الغوطة الشرقية إلى ادلب، ولا تزال العملية مستمرة من البلدات الجنوبية، فيما أعلنت دمشق مساء الجمعة حرستا “خالية” من المقاتلين المعارضين.
عند مداخل الغوطة الشرقية، ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية ينظمون عمليات الإجلاء بالكامل.
ونقل مراسلو وكالة فرانس برس خلال تغطيتهم لعمليات الاجلاء، رؤيتهم عناصر من الشرطة العسكرية الروسية بلباسهم الاخضر المرقط، وقد وضعوا خوذات خضراء غامقة على رؤوسهم، عند نقطة تجمع الحافلات قرب حرستا، يتوقفون أمام كل حافلة وفي أيديهم دفاتر يسجلون عليه أسماء الركاب.
في وقت لاحق، يصعد أحدهم إلى الحافلة يراقب جنودا سوريين أثناء تفتشيهم الركاب. وفي إحدى الحافلات، يمازح جندي روسي بلباسه العسكري وخوذته وشارته الحمراء الركاب بمزيج من العربية والروسية.
لكن عددا من الجنود الروس يتكلمون العربية بإتقان ويتبادلون الأحاديث مع الركاب، كما يوجهون تعليمات للصحافيين “ممنوع التصوير” و”يرجى الابتعاد”.
يعطي ضابط روسي إشارة الانطلاق لتخرج الحافلة من الغوطة الشرقية متوجهة الى إدلب.
وتتصدر سيارة عسكرية روسية على متنها نحو 12 جنديا القافلة حتى وصولها إلى منطقة سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي. ويوضح أوليفر أن ما يهم روسيا من معركة الغوطة هو “استعادة مركزية وشرعية العاصمة دمشق، بحيث أن وجود جيب للمعارضة على مدخل العاصمة يشكل مشكلة كبيرة جدا “.
وطالما شكلت الغوطة الشرقية هدفا لقوات النظام وروسيا كونها تعد أحدى بوابات دمشق التي استهدفها خلال السنوات الماضية قذائف الفصائل المعارضة وطالت أحيانا كثيرة منطقة السفارة الروسية نفسها. برز الدور الروسي التفاوضي في الغوطة الشرقية بعد مرور نحو عشرة أيام من القصف العنيف بإعلان موسكو هدنة يومية لخمس ساعات فقط يفتح خلالها ممر عند معبر الوافدين بين مدينة دوما ومناطق سيطر عليها النظام في ريف دمشق، لخروج المدنيين الراغبين بذلك من المنطقة المحاصرة منذ سنوات.
ومنذ ذلك الحين، ينتشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية عند المعبر الذي ع لقت على جدرانه صور للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب نظيره السوري بشار الأسد. ويمر عبره يوميا مئات المدنيين الفارين من القصف والجوع.
وضيقت قوات النظام السوري تدريجيا الخناق على الفصائل المعارضة، وقسمت الغوطة إلى ثلاثة جيوب: دوما شمالا تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام، وبلدات جنوبية يسيطر عليها فصيل فيلق الرحمن، ومدينة حرستا حيث حركة أحرار الشام.
وبعدما ازداد الضغط عليها، دخلت كل من الفصائل المعارضة منفردة في مفاوضات مباشرة مع موسكو عبر “مركز المصالحة” التابع لوزارة الدفاع الروسية ومقره في قاعدة حميميم الجوية والمسؤول أيضا عن مراقبة تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار.
ويقول أوليفر “فرضت روسيا ما تريده على حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن”، مضيفا “لم تتمكن حركة أحرار الشام من فرض أي شرط كان وضعها مأساويا جدا، أما مكسب فيلق الرحمن الوحيد فإنه خرج منها سالما “.
ولا يزال مصير مدينة دوما، المعزولة تماما شمال الغوطة، مجهولا برغم مفاوضات بين روسيا وفصيل جيش الإسلام.