جاء في رسالة مفتوحة، وقعتها العديد من الشخصيات اليهودية الفرنسية، من بينهم الصحفية «إيزابيل أفغان»، والمؤرخة «صوفي بيسيس»، والمخرجة «سيمون بيتون»، و»روني براومان» الرئيس السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود»، والأستاذ «آلان شامبو»، والحقوقية «ريجين دوهوا كوهين»، والطبيب النفسي «جورج يورام فيدرمان» (وعدد آخر من المثقفين)، دعوة إلى السلطات الفرنسية لـ»رفض استقبال الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش»، الذي من المقرر أن يصل إلى باريس في 13 نوفمبر، بدعوة من منظمة «إسرائيل إلى الأبد» لحضور حفل يهدف إلى دعم «القوى الصهيونية الفرنكوفونية» في خدمة إسرائيل.
يأتي هذا الحدث تحت رعاية المحامية الفرنسية الإسرائيلية «نيلي كوبر-ناوري»، المعروفة بمواقفها الداعمة للاستيطان ورفضها لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. ويُعد سموتريتش من أبرز وجوه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة «بنيامين نتنياهو»، ويمثل توجهات يمينية متشددة ؛ إذ لا يخفي تصنيفه لنفسه كـ»فاشي» و»معادٍ للمثليين» و»العرب» (على حد سواء) ويؤيد «التفوق العرقي» و»الاستيطان»، بل ويدعو إلى «ضم الأراضي الفلسطينية تحت سيطرة إسرائيل الكاملة». في تصريحاته السابقة، أعلن: «أن الفلسطينيين أمامهم ثلاثة خيارات: العيش بدون حقوق تحت الاحتلال، الرحيل عن أراضيهم، أو مواجهة القتل»، وهي مواقف أثارت غضباً واسعاً حتى داخل إسرائيل، حيث وصفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بـ»مرتكب جرائم حرب».
دعا سموتريتش أيضا، في فبراير 2023 إلى: «»محو» بلدة «حوارة» الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد مقتل مستوطنين فيها. واستغل المستوطنون المتطرفون هذا الحدث ليقوموا بحرق البلدة، ما أثار إدانة واسعة». وسبق أن تمت دعوته إلى باريس في مارس 2023 من قبل نفس المنظمة بغية تكريم مؤسسها «جاك كوبر»، المعروف بنقده لـ»اتفاقيات أوسلو» واعتباره لـ»إسحاق رابين» رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «خائناً» بعد اغتياله على يد متطرف إسرائيلي في 1995.
لم يتوقف سموتريتش عند هذا الحد، بل استمر في تصريحاته المثيرة للجدل، حيث قال في «باريس» سابقاً: «إن الشعب الفلسطيني هو اختراع عمره أقل من مئة عام»، مشيراً إلى أن الفلسطينيين «ليس لديهم تاريخ ولا يمتلكون ثقافة». وخلال أحد خطاباته، ظهر شعار يشمل خريطة تحتوي على إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى أجزاء من الأردن الحالية، في إشارة إلى تبنيه لفكرة «إسرائيل الكبرى» وتحويل التوراة إلى «وثيقة مساحية» (خريطة جديدة)، وفق تعبيره.
ويُتهم سموتريتش أيضاً بأنه «يلعب دوراً رئيسياً في تسريع وتيرة الاستيطان غير القانوني دوليا»، حيث يدعم تسليح المستوطنين ويشجعهم على تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم، إلى جانب استغلاله لميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية لصالح مشاريع استيطانية. وفيما يتعلق بقطاع «غزة»، يعارض سموتريتش أي هدنة حتى لو كانت تسمح بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس منذ 7 أكتوبر 2023، وكذلك عن الأسرى الفلسطينيين.
منذ بدء الحرب على قطاع غزة، قُتل أكثر من 1,200 إسرائيلي (بينهم 900 مدني) في هجوم شنته «حماس». ورداً منها على ذلك، شنت إسرائيل حملة قصف مكثفة على غزة، أسفرت عن مقتل أكثر من 43,000 فلسطيني، من بينهم آلاف الأطفال، فضلاً عن إصابة أكثر من 100,000 شخص، ما أجبر الملايين من سكان القطاع على النزوح داخل منطقة ضيقة تفتقر إلى الموارد الأساسية، وأدى إلى كارثة إنسانية متفاقمة في ظل عدم توافر الغذاء والماء والدواء وغيرها من أساسيات الحياة.
وللتذكير، تعاني غزة من تدهور حاد في الخدمات الصحية، حيث أفادت التقارير بأن «الأطفال يُبتَرون دون تخدير، وتُجرى عمليات قيصرية أيضاً دون تخدير بسبب نقص الأدوية، بعد أن أمرت السلطات الإسرائيلية بتدمير المستشفيات ومنع دخول المساعدات الطبية». يضاف إلى ما سبق، التلوث الذي أصاب المياه والنفايات المنتشرة (مصدر للأمراض الخطيرة من قبيل مرض شلل الأطفال)، كما ويواجه السكان نقصاً حاداً في الغذاء (خاصة في شمال القطاع) ما دفع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى «دق ناقوس الخطر والتحذير من كارثة تقترب بسرعة لتعصف بالقطاع».
لم يقتصر النزاع على غزة فقط ؛ ففي لبنان، شنت إسرائيل هجمات مكثفة من الجنوب إلى الشمال منذ 23 شتنبر، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1,500 شخص ونزوح ما يزيد عن 1.2 مليون شخص، بينهم لاجئون فلسطينيون وسوريون، مجددين رحلة اللجوء التي لا تعرف نهاية.
وفي ظل هذه الأوضاع، يدعو الموقعون على الرسالة المفتوحة الحكومة الفرنسية إلى «رفض دخول سموتريتش إلى الأراضي الفرنسية، ويطالبون بمنع إقامة حفل «إسرائيل إلى الأبد» الذي يعتبرونه يدعم «جيش الاحتلال» الذي يخضع لتحقيقات دولية حول احتمال ارتكابه جرائم إبادة، كما يرون أن إقامة مثل هذا الحدث تشكل تهديداً للنظام العام وإهانة للقانون الدولي ولقيم الجمهورية الفرنسية».