شكرا لنصف النافذَة المفتوح

 

العاشر من أكتوبر، نصفُ الليل إلا ساعةٌ فاتنةُ اليُتمِ كبَناتِ المغرِب العميقِ وأميرات قراهُ الجبلية النائية، شكرا لنصف النافذَة المفتوح على ضفتيهِ، ينسكبُ منه ريح طفيفٌ تُسر به أهازيجُ قلبي، وأرى مِن خلالِه طيف السماءِ الأنيقِ، شكرا لنِصفها الآخر -المُغلق- ذلك يمثل قلبا بكل البؤس والحزنِ معا، ذلكَ يفرج هما ويَردعُ النحيبَ حتى لا يتسرب لذَاتِ الأهازيج..
كتابُ «أوراق» للمفكر عبد الله العروي، أقرأه للمرةِ الثالثة راجيا من عقلٍ لا يزال تائها في العربدةِ أن يفك شيفراته ويحلل مضامينه ولو بشكل يتيح فهما جيدا ويحترِم الحَبكة، أنفض عني غُبار الجُبن وقساوةَ التاريخ فأختار أن أزيدَ فصولا أخرى بعد النهاية؛ تلك التي لا أزال أجهَلها خصوصا حينما يتفاقمُ لظى الشوق في أعماقٍ تتناثر كأصابعَ متهالكة..
أواجِه دوامةً من أسئلةٍ يستحيلُ معها العيشُ، وحدي كسمندلٍ كسيح لا يقي نفسَه حر الأيام وعنفها اللئيمَ، أنفض الحنين والشوق وكل الريح الذي يذروني مراتٍ عِدة، محملا بأوزار وبتبعاتها التي لا تنتهي، كاسفَ الحال مشرئِب البال ومنسيا على سطحِ الأرض، غير موجود سوى على حيز المكانِ، وُسم جبيني بالعارِ والخِزي، وليس انفلاتُ الزمانِ سيحذف لقطة مرةً كتلك التي تعربدُ بخيالي، وتصول تجول ببالي.. يقالُ أن النضج هو فحصُ الواقع ثم التبرم منه أما أنا فأنفي كل هذا الذي قيل أو الذي سيقال، النضج أن يستكين الجريح بداخلي وأن يُعقد الصلح كبد ليس منه بد، ليسَ من أولويةً غير هذه..
سنزيدُ فصلا إضافيا دون أن نلقي بالا للنهاية أو فحواها، سأحملقُ بالمرآةِ أمامي، من على سريري، ونصف النافذةِ مفتوح، والستار لا يتراقصُ لأنني طردت الريح لتنفثَ بذلِك نفسها بعيدا عن حصنِي المتهالِك. سأمعنَ النظر بالمرآة وسأنامُ دون أن أرميها بثوبٍ يحجبُ انعكاسها، عذرا «للماما» لكنني لستُ أؤمِن بالأطياف التي تسكنها، لا طيفَ بمنزلي سوى مقعدُ الصدر داخلي، لا مصدَر للأسى والغصةِ سوى ذلك القنصل الميتُ على أرضٍ ليست بأرضي لكنها بداخلي..
لا أدعي الشجاعة ولا أصف شخصي الآخر بالشهمِ، للضوءِ صخبٌ مقيتٌ، للأصوات نشاز قاتمٌ، للحرية سلاطينٌ تبطش بالفِكرة قبل أن تولدَ، للحب جبٌّ تموت فيه الأماني فرادى، للشعر رومنسيته، لي أنا حزني أتيه فيه عاما وأغوص بِه دهرا، لأقضي بذلك عاما ودهرا متسلقا قمما عاتية وسالكا طرقا جائرةً وعرة، تعمقُ فتعوقُ، وليس من خاسر سوى المقعدُ بداخلي، لأنه بذلِك يصيرُ جبانا أكثر فأكثر!


الكاتب : محمد أشرف الشاوي

  

بتاريخ : 25/10/2021

أخبار مرتبطة

  على الرّغم من أن رولان بارثRoland Barthes، منذ أواسط ستينات القرن الماضي، أي في مرحلته البنيوية، كان قد أعلن

  الرواية الأولى كانت حلمٌا جميلا في البداية، ولكن ما إن صحوت منه حتى تحول إلى كابوس يقض المضجع، يسرق

ندوة حول «التاريخ وقيم المواطنة» بكلية الآداب بالمحمدية تنظم الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية، بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *