أسدلت جمعية الشعلة للتربية والثقافة صباح يوم الأحد 24 دجنبر 2024 الستار على فعاليات الملتقى الوطني للشباب والإبداع الذي نظمته بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الشباب، والذي امتدت تفاصيله لثلاثة أيام بمركز العالي§ة بمدينة المحمدية، حيث توافد شباب من مختلف مدن ومناطق المغرب ليكونوا جزءا من تجربة متميزة تجمع بين الإبداع والتكوين والنقاش الفكري.
ريادة جمعوية
وكان الملتقى قد افتتح بكلمة رئيس الجمعية الأستاذ سعيد العزوزي، الذي تحدث فيها عن الدور الريادي لجمعية الشعلة في تمكين الشباب و الجهود التي تبذلها لخلق فضاءات للإبداع وصقل المواهب، كما أكد على أهمية الملتقى كوسيلة للتعبير عن الذات وإطلاق الطاقات الكامنة، مشددا على أن الإبداع ليس فقط وسيلة للتسلية بقدر ما هو أداة للتغيير وبناء المستقبل، معتبرا الملتقى محطة متميزة للاحتفاء بالشباب باعتبارهم عماد المستقبل والرأسمال البشري القادر على تعزيز الإبداع كأداة للتغيير الإيجابي وبناء مجتمع قائم على قيم الحرية والتعددية، لما يتميز به من قدرة على صياغة الحاضر واستشراف المستقبل، الشيء الذي يحذو بالشعلة لدعم طموحاتهم وأحلامهم بما يسهم في بناء مواطنين فاعلين ومؤثرين في محيطهم.
مهرجان بعناوين متعددة
وعقب ذلك انتقل المشاركون لحضور جلسات نقاش حيث تعرفوا على أهداف وبرنامج الملتقى الذي كان غنيا بالورشات الإبداعية والأنشطة الفنية التي صممت بعناية لتلائم احتياجاتهم وتستجيب لتطلعاتهم. ومنذ اللحظات الأولى حملت الأجواء عبق التفاؤل والرغبة الكبيرة في اكتشاف عوالم جديدة من الإبداع، حيث بدأ المشاركون في التوافد نحو الورشات الإبداعية التي نظمت بعناية لتغطي مختلف المجالات الفنية والثقافية، فكانت الساحة الرئيسية أشبه بمهرجان صغير بفعل اللافتات واللوحات الفنية المعلقة كزوايا مفتوحة للقراءة والمناقشات الفكرية التي دارت حول أهمية الفنون والإبداع في بناء هوية الشباب.
فضاءات إبداعية
مع بداية الأشغال التحق الشباب بفضاءاتهم الإبداعية التي توزعت ما بين ورشة الإبداع السينمائي التي أطرها المخرج الشاب محمد أمين كصرى، الذي قاد المشاركين في رحلة داخل عالم السينما ليتعلموا خلالها أساسيات كتابة السيناريو واستخدام الكاميرا والإضاءة، وصولا إلى إنتاج أفلام قصيرة تحمل بصماتهم. ومع توالي التجارب تحولت الورشة إلى مصنع للأحلام المصورة وسط عدسات الكاميرا ونصوص السيناريو ليعيش المشاركون تجربة حقيقية لصناعة الأفلام، حيث تعلموا كيف يترجمون أفكارهم إلى صور متحركة وكيف يعبرون عن قضاياهم بأسلوب فني بصري متميز لتصبح الورشة بالنسبة للكثيرين بوابة لعالم السينما الذي طالما راودهم.
والسينما إلى عالم الفنون الجميلة تحت إشراف الفنانة التشكيلية أمينة فايز التي غاصت بالمشاركين في عوالم الألوان، حيث استخدمت الفرشاة كوسيلة للتعبير عن الأفكار والقصص التي حملوها من بيئاتهم المختلفة، وكانت الألوان لغة التعبير الصادق و كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات وتحقيق التوازن النفسي.
أما ورشة التواصل الرقمي وصناعة المحتوى فقد أطرها الأستاذ عدنان الذي أوضح للمشاركين كيفيات وآليات استغلال منصات التواصل الاجتماعي بذكاء وحرفية ليتعلموا صناعة محتوى مؤثر يخاطب الجمهور وينشر قيما إنسانية إيجابية عبر الوسائط الرقمية، حيث ضرورة استثمار الأدوات الرقمية لصالح قضاياهم ومواهبهم، ليتعلم الشباب كيفية إنشاء محتوى هادف يجذب الانتباه مع التركيز على الأخلاقيات المهنية في استخدام المنصات الاجتماعية لتكون الورشة بمثابة فرصة لربط الإبداع بالتكنولوجيا. وفي ورشة المسرح بقيادة المخرج المسرحي إدريس كصرى، شكلت بوابة لتفجير الطاقات الإبداعية الكامنة لدى المشاركين الذين تدربوا على تقنيات التمثيل والتعبير الصوتي وحركات الجسد ليصبحوا قادرين على تحويل الخشبة إلى مساحة تعكس مشاعرهم وأفكارهم، ولكي يتحولوا إلى ممثلين حقيقيين، حيث علمهم با إدريس كيف يترجمون مشاعرهم وأفكارهم إلى أدوار درامية وحلّق بهم في رحلة لاكتشاف الذات مما جعل الشباب يرون كيف يمكنهم نقل رسائلهم من خلال اللغة المسرحية الممتعة إلى عوالم الإبداع و التخيل.
بدورها، ركزت ورشة التعبير الجسدي التي أطرها الأستاذ حمزة نيكرو على لغة الجسد كوسيلة للتواصل حيث تعلم المشاركون كيف يعبرون عن مشاعرهم وأفكارهم من خلال الحركات التعبيرية المدروسة وفتحت أمام المشاركين بابا جديدا لفهم لغة الجسد عبر تمارين رياضية وتعبيرية اكتشف الشباب من خلالها كيف يمكن لحركاتهم أن تنقل مشاعر عميقة ليصبح الجسد أداة للاتصال والتواصل. أما ورشة الموسيقى التي أشرف عليها الفنان عبد الرحيم بهيجة فقد ساعدت المشاركين على اكتشاف أسرار التلحين وتقنيات العزف، فتحولت إلى سيمفونية منسجمة عزفها الحلم والشغف ومنها تعلموا كيف ينسجون ألحانا تعبر عن تجاربهم وأحلامهم .
ليل وأضواء فنية
وحين أرخى الليل سدوله على مدينة المحمدية بدأ المسرح الرئيسي في مركز العالية يتنفس روحا جديدة وكأنما ارتدى حلة سحرية تحت سماء مرصعة بالنجوم، فكان المكان مليئا بالأحلام والطموحات حيث التقت الإبداعات مع لحظات السمر الفني ونسجت لوحة شاعرية تتناغم مع أصوات الفرح والتحدي. في ذلك المساء البهيج كان كل شيء معدا لإطلاق لحظة غير عادية بدأت ورشة السينما التي أضاءت بداية السهرة لتحول الضوء على الشاشة إلى حكايات وشخوص نابضة بالحياة حيث تسللت مشاهد أفلام قصيرة عبر الزمان والمكان وكانت أشبه بمرايا تعكس حكي الواقع في أبهى صوره، ونسجت أحلام الشباب الذين تملؤهم الآمال بعيدا عن قيود الممكن. لقد تألق الشباب في الابداع السينمائي بكل حب وحرفية حامين هموم المجتمع التي وشمت في نفوس المشاهدين رسائل غير قابلة للنسيان.
ومن السينما إلى ورشة الرسم والفنون الجميلة حيث تسللت الألوان إلى خشبة المسرح محملة بقصص تعجز الكلمات عن التعبير عنها، وكانت اللوحات نغمات تنبض بحب الوطن والتعلق بالهوية والتطلع إلى المستقبل كل لوحة كانت بوصلة معنوية تقودنا نحو آفاق جديدة من الإبداع والجمال اللامتناهي. وفي لحظة غامرة تبدت نغمات جميلة نقلتنا إلى عالم آخر من السحر والإيقاع حيث كانت الأنغام ملاذا للروح لتتحول السهرة إلى أداء جماعي مفعم بالتناغم مع ألحان عزفت من أعماق قلوب المشاركين الشباب تحمل في طياتها أصواتهم و آمالهم وكأنهم يصرخون للعالم «هذا هو صوتنا، هذا هو حلمنا، ولن يصمت أبدا». وفي زاوية أخرى بدت أجساد رشيقة تتسلل للركح كضوء الصباح على نغمات موسيقى راقصة أظهرت قدرة فائقة على نقل الأحاسيس، وحولت حركات جسد إلى قصائد حية تعبيرا عن المشاعر الخفية التي عجزت الكلمات عن نقلها حيث الأجساد مثل أجنحة محلقة تعبر عن الحلم والألم الفرح والخوف وكانت الحركات لغة غير قابلة للترجمة إلا من خلال الجسد وكأنها قصيدة بين الضوء والظل.
وفي غمرة الانتشاء الجماعي تبدى أبو الفنون بشخوصه الشابة على خشبة المسرح ليؤدوا مشاهد درامية قصيرة التي أثارت في الحضور مشاعر متناقضة، فكانت كل كلمة وكل حركة تنبض بالصدق والعاطفة ليغرق الجمهور في القصص التي تم تجسيدها وكأنهم يعيشون لحظات حقيقية من حياتهم ويبحرون في بحر من الذكريات المؤلمة والمفرحة على حد سواء.
ختام وبصمة
وفي صبيحة اليوم الموالي وقف الجميع في قاعة الختام حيث كانت البسمة تملأ وجوه الشباب رغم التعب الذي بدا واضحا عليهم، وكانت النهايات الجميلة بمثابة تتويج للمجهودات التي بذلها المشاركون ورسالة واضحة، أن الإبداع له مكانه الخاص في جمعية الشعلة حيث الأجواء كانت مزيجا من الفرح والفخر وكذلك الحزن على انتهاء هذه التجربة الملهمة. وفي جو مشحون بالعواطف تبادل المشاركون العناق والوداع لكن ذكريات هذه اللحظات ستظل حية في قلوبهم إلى الأبد. هي لحظة مؤثرة افترق فيها الشباب ولسان حالهم يقول «ربما جئنا هنا بأحلام صغيرة لكننا نغادر اليوم بروح مليئة بالإلهام وما هي إلا بداية جديدة تحمل معها وعودا حالمة والقادم أجمل.» وهكذا انتهى الملتقى الوطني للشباب والإبداع ليترك في قلوب المشاركين بصمة لا تمحى، وقد كان حدثا فنيا و ثقافيا بامتياز فتح نافذة جديدة لعوالم الإبداع وأضاء دروب الشباب نحو المستقبل ومنحهم طاقة جديدة ورغبة قوية في مواصلة السعي وراء أحلامهم وبناء عالم أفضل مليء بالإبداع والابتكار.