اختناق متواصل على مدار اليوم، علامات تشوير «معطّلة»، ومعاناة لا تنتهي ساعاتها
تعاني مدينة الدارالبيضاء ومنذ أشهر طويلة من “مرض” الاختناق المروري، الذي لم تسهم كل “التشخيصات” في إيجاد علاج له، سواء كان جزئيا أو كلّيا، وعجزت كل “الوصفات” عن التخفيف من آلام وصعوبات “التنفس” التي تعرفها الشوارع، التي تتوقف شرايينها في اليوم الواحد عشرات إن لم يكن مئات المرات، مما يؤدي إلى إصابتها بـ “الشلل” في كثير من الأوقات؟
وضعية معتلّة، فاقم من حدّتها عدد الأوراش الطرقية المفتوحة، بداعي إنجاز خطوط الترامواي تارة، ولتشييد قناطر تارة أخرى، وفي حالات في ارتباط بمسارات “الباصواي”، وأحيانا بسبب أشغال المفروض أن تكون “عابرة” لشركة من شركات الاتصال أو الشركة المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل، لكنها تصبح بـ “قدرة قادر” قارّة لا تريد مغادرة الشارع أو الزقاق، أو بسبب “تعطيل” أو “تعطّل” دائمين لإشارات ضوئية، كما هو الحال بالنسبة لإشارة على مقربة من مدارة “عزبان” نموذجا، الأمر الذي يرخي بتبعاته المتعددة على المواطنين بشكل عام، وعلى سائقي المركبات المختلفة، من سيارات، شاحنات، حافلات للنقل العمومي، سيارات أجرة، سيارات لنقل البضائع، دراجات ثلاثية، عربات مجرورة وغيرها، فتتحول الشوارع، والملتقيات والمدارات، إلى نقاط لتكدس مختلف وسائل النقل، التي يرتفع فيها منسوب التلوث البيئي والسمعي، وتتصاعد فيها نسب حوادث السير ومشاهد المشاحنات، التي قد تنتقل من المستوى اللغوي إلى استعراض ما هو بدني!
مشاهد تتكرر في أكثر من شارع وحي، ففي درب السلطان نموذجا، أصبحت هذه الرقعة الجغرافية عنوانا على كل أشكال التوتر المروري، بسبب إجراءات الغلق، التي تتخذّ ليلا وتفعّل في الساعات الأولى من الصباح دون أن يكون المواطنون على علم بها، وما أن يتم الإفراج عن نقطة حتى تغلق أخرى. إغلاق منه الجزئي في الزمن، وإن كانت تطول مدته ويظهر تأثيره، ومنه ما أصبح متواصلا وممتدا، فبعد أن تم إغلاق تقاطع شارع محمد السادس مع زنقة إفني لمدة ليست بالهيّنة، ثم الاتجاه من تقاطع أحمد الصباغ ونفس الشارع صوب “الأطلس”، وجد ساكنة حي لاجيروند أنفسهم مع معاناة يومية بسبب الزحف المروري الذي امتد للمنطقة وجعل منها معبرا أساسيا، اعتقد الكلّ أن فصوله ستنتهي، فإذا بخطوة إغلاق مقطع من طرق أولاد زيان، من ما قبل زنقة المحطة الطرقية في اتجاه حي التيسير، تزيد من حدّة المعاناة وترفع من معدلات الضجيج والصخب.
قرار الإغلاق سبقته قبل ذلك بأسابيع طويلة خطوة إغلاق الاتجاه من سيدي عثمان صوب درب السلطان عبر نفس الشارع، أولاد زيان، مما يجبر السائقين على الانعطاف صوب حي التيسير، لتعيش هذه المنطقة بدورها “جحيما مروريا”، بفعل حجم الاختناق، الذي يزيد من منسوبه الكمّ المروري القادم من شارع الفداء وشارع أبي شعيب الدكالي وغيرهما. هذا “الألم الطرقي” الذي يعانيه مجمل مستعملي الطريق، يمتد ليشمل كذلك الطريق السريع، الذي بات طريقا بطيئا في مختلف الأوقات، والذي يعتبر المرور منه نحو وجهات مختلفة، بمثابة امتحان كبير للقدرة على الصبر والتحمل، ولا تنفع محاولات الانعطاف نحو الوزايس في اتجاه شارع غاندي وعبد المومن في استيعاب الكمّ الكبير لـ “الهاربين” من الاختناق الذين يقعون في وجه آخر من أوجه العجز المروري، في ظل غياب أو ضعف تدخلات عناصر أمن المرور، التي تجد نفسها في أكثر من حالة غير قادرة على إيجاد حلول، فيتحول الانتقال من نقطة إلى أخرى تتطلب بضع دقائق إلى رحلة طويلة تماثل مدتها، مدة السفر من الدارالبيضاء على مدين الرباط في الوضع الطبيعي؟
اكتظاظ واختناق باتا يوحّدان مختلف شوارع الدارالبيضاء وأزقتها، من درب السلطان إلى عين الشق، عبر شارع 2 مارس، والقدس، وصوب سيدي معروف على مستوى مدارة المستقبل انتقالا إلى النسيم، وبالحي الحسني والألفة، ومن خلال المحاور الرابطة بينها وبين المعاريف، وعند مدارة “شيميكولور” والجيش الملكي وغيرها من المسالك المرورية. وضعية واحدة، ترخي بظلالها على السائقين وعلى المواطنين الباحثين عن سيارة أجرة، الذين بات يتعذر عليهم الحصول على وسيلة نقل، خاصة وأن عددا من أصحاب سيارات الأجرة من الصنف الصغير، اتخذوا شبه قرار جماعي بعدم التوجه إلى مناطق معينة في المدينة، لأن الولوج إليها بالنسبة لهم يتسبب في هدر الوقت وفي ضياع الغازوال، ويقلّص من عائدات الخدمة، الأمر الذي يجعلهم يبحثون عن وجهات أخرى، تاركين المواطنين في حيرة من أمرهم، لا يجدون لهذه الوضعية حلاّ، بعدما انعدمت الحلول، وترك المدبرون للشأن المحلي شوارع المدنية تعيش على إيقاع الفوضى، ومحاولة السياقة بـ “الفهلوة”، التي يكون لها ما بعدها في كثير من الحالات!
ملف أزمة النقل والتنقل في مدينة الدارالبيضاء، تتفاقم حدته يوما عن يوم، وتتعدد تبعاته، لتشمل ما هو صحي وبيئي واقتصادي واجتماعي، ولتشكّل عطبا مركّبا، وهو ما يستدعي أن يكون ضمن الملفات الموضوعة على مكتب الوالي الجديد للجهة، وأن تكون له الأولوية بالنظر لارتباطات هذا الموضوع وتقاطعاته مع مواضيع أخرى لها صلة بالتنمية في مفهوما الشامل، لان في إيجاد حلول عملية وفعلية لهذه المعضلة إيجاد أجوبة للعديد من الملفات الأخرى ذات الصلة، إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.