صحابة اتهموا بالكفر وعلماء بالزندقة 07 :محمد بن أبي بكر مخاطبا عثمان: «أي نعثل، غيرت وبدلت وفعلت» !

ينقل ابن قتيبة في كتابه «الإمامة والسياسة» عن مقتل عثمان بن عفان: «ولم يكن معه إلا امرأته، فدخل عليه محمد بن أبي بكر فصرعه، وقعد على صدره، وأخذ بلحيته، وقال: «يا نعثل [نعثل: قيل اسم رجل يهودي كان طويل اللحية، لقب به عثمان] ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن عامر وابن أبي سرح».
فقال له عثمان: «لو رآني أبوك رضي الله عنه لبكاني، ولساءه مكانك مني»، فتراخت يده عنه، وقام عنه وخرج. فدعا عثمان بوضوء فتوضأ، وأخذ مصحفا، فوضعه في حجره، ليتحرم به ودخل عليه رجل من أهل الكوفة بمشقص في يده، فوجأ به منكبه مما يلي الترقوة، فأدماه ونضح الدم على ذلك المصحف، وجاء آخر فضربه برجله، وجاء آخر فوجأه بقائم سيفه، فغشي عليه، ومحمد بن أبي بكر لم يدخل مع هؤلاء، فتصايح نساؤه، ورش الماء على وجهه فأفاق، فدخل محمد بن أبي بكر وقد أفاق فقال له: «أي نعثل، غيرت وبدلت وفعلت». ثم دخل رجل من أهل مصر، فأخذ بلحيته، فنتف منها خصلة، وسل سيفه، وقال: افرجوا لي، فعلاه بالسيف، فتلقاه عثمان بيده، فقطعها، فقال عثمان: أما والله إنها أول يد خطت المفصل، وكتبت القرآن، ثم دخل رجل أزرق قصير مجدر، ومعه جرز من حديد، فمشى إليه فقال: «على أي ملة أنت يا نعثل؟». فقال: «لست بنعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين». قال: «كذبت». وضربه بالجرز على صدغه الأيسر فغسله الدم، وخر على وجهه، وحالت نائلة بنت الفرافصة زوجته بينه وبينه، وكانت جسيمة، وألقت بنت شيبة نفسها عليه، ودخل عليه رجل من أهل مصر، ومعه سيف مصلت، فقال والله لاقطعن أنفه، فعالج امرأته عنه، فكشف عنها درعها. فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها، فضربت على السيف، فقطع أناملها، فقالت: يا رباح، غلام لعثمان أسود ومعه سيف، أعن عني هذا، فضربه الأسود فقتله، ثم دخل آخر معه سيف فقال: افرجوا لي، فوضع ذباب السيف في بطن عثمان، فأمسكت نائلة زوجته السيف، فحز أصابعها، ومضى السيف في بطن عثمان فقتله، فخرجت امرأته وهي تصيح، وخرج القوم هاربين من حيث دخلوا، فلم يسمع صوت نائلة، لما كان في الدار من الجلبة، فصعدت امرأته إلى الناس، فقالت إن أمير المؤمنين قد قتل».
وينقل ابن الأثير تفصيلا آخر من تفاصيل الإهانة التي لحقت الخليفة عثمان بعد مقتله، ويتعلق الأمر بدفنه ليلا خوفا من الثوار الذي كانوا ينتظرون النعش والحجارة في أيديهم. و»دفن بلا غسل ولا كفن ولا صلاة».
ويظهر من المؤاخذات السالفة التي واجه بها محمد بن أبي بكر الصديق عثمان بن عفان («أي نعثل، غيرت وبدلت وفعلت») أنها تتصل أساسا بالخروج عن النهج النبوي والتدخل في نص الوحي، ما دام أن «جمع القرآن» من عمل عثمان، وأن هذه المهمة تحولت إلى حيز مفتوح للارتياب، بل طرحت إشكالات كبرى لم يقع تجاوزها تماما حتى الآن. ذلك أن مجموعة من الروايات تذهب إلى أن «المشروع العثماني» قام على مصادرة سلطة القراء (الحفاظ) كمؤتمنين على الذاكرة الشفوية، ومنهم أزواج الرسول، ومجموعة من الصحابة (عبد لله ابن مسعود). ولعل هذا ما فتح الباب أمام القائلين بأن عثمان- الذي أمر بحرق المصاحف-كان وراء انفساخ العلاقة بين تلقي الحدث القرآني وبين الأثر المكتوب والمرتب في «المصحف». بل سمح لمجموعة من الباحثين «القرآنيين»- القدامى والمعاصرين- بتقديم بيانات حول وقوع التحريف في القرآن والتغيير في آياته وترتيبه وسقوط أشياء منه».. يشير أحمد العابد، في مقال له بعنوان «حقيقة تعدّد نصوص القرآن وتعدّد لغاتها»، إلى أن التسليم بأن القرآن أنزل عربيا (لغة ولسانا)، حتى مع ماجاء بشكل صريح في الآية: « «إنّا أنزلناه قرآنًا عربيّا»، ليس سوى «وهم يتعارض ويتناقض مع حقيقة تعدّد لغات نص القرآن في حياة محمّد ولفترة طويلة بعد موته». وللتدليل على قوة وجهة نظره يسوق ما قاله الطبري في مقدّمة تفسيره: «إذ كان ذلك صحيحًا، (أي ما جاء في الآيات من أنّ القرآن أنزل بلسان عربي) في الدّلالة عليه: بأيِّ ألسن العرب أنزل؟ أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب، وإن جمَع جميعَها اسمُ أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلامة لم يكن لنا السبيلُ إلى العلم بما عنى لله تعالى ذكرهة إلا ببيان مَنْ جعل إليه بيانَ القرآن، وهو رسول لله صلى لله عليه وسلم».


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 03/06/2017