العقل السليم في الجسم السليم، شعار يحمل دلالات تربوية تهدف إلى أن التفكير السليم والإبداع الخلاق، لن يكون إلا في ذات سليمة من كل داء ومن كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا على العطاء والإنتاجية.
فالتركيز الدقيق والاستيعاب الناصح والتحليل المنطقي لكل القضايا مرتبط أساسا بخلو الجسم من كل عوارض تؤدي إلى التشويش الذي يؤدي حتما إلى اختلال التفكير وارتباك عقل المعلومة من موقعها الصحيح.
ومن أجل خلق هذا التوازن المنطقي للذات والعقل، كانت مسألة اهتمام الدولة بالصحة في حياة المواطن، أمرا واقعا، وحقا دستوريا يجب أن يكون في متناول الجميع بدون استثناء.
ومن هنا، فتحصين المجتمع بطاقات بشرية قوية العزيمة والإرادة، يتطلب إعطاء الأهمية القصوى لسلامتها الجسدية من العلل، وما يمكن أن يعكر صفو استعدادها النفسي لخوض التحديات والتوقيع على النتائج الطيبة في مختلف محطات الحياة.
وهذا ما جعل توفر التلميذ في دروب التعلم الأولي وما يليه على ملف صحي، ضرورة حتمية حتى لا تصب مسألة التعليم والتعلم في أجساد نخرها الإهمال واللامبالاة، فالصحة المدرسية هي عنصر الأساس لبناء شخصية التلميذ القابلة للاستيعاب السليم لمختلف صنوف العلم، بدون مركب نقص.
فالمعرفة الدقيقة بالحالة الصحية للتلميذ، هي نصف الدواء، إذا ما كان هذا الوليد البشري يشكو من علة أو به أدى، خصوصا في سنه الطفولي الجاهز والقابل للتعاطي الإيجابي مع مختلف الوصفات الصحية اللازمة، فهذه المسألة تدخل في خانة الإلزامية لدى العديد من الدول المتقدمة التي تخضع تلامذتها في المؤسسات التعليمية، باستمرار لفحص دقيق بغية الوقوف على ما يمكن أن يخل بسلامة أدائها المعرفي، أو يؤثر على مسيرها الدراسي.
فشعار العقل السليم في الجسم السليم، كما طرحناه في مستهل ورقتنا هذه، هو عنوان رئيسي في المنظومة التربوية لدى دول قطعت أشواطا مهمة في درب التنمية، لكن مع الأسف هذه الحمولة الدلالية لهذا الشعار، لا تعدو في مدارسنا إلا كلمات نزين بها بخط مستحسن جنبات الأقسام، بدون الذوبان في عمقها، والغريب أن الملف الطبي والصحة المدرسية، وما يصاحبها من تجهيز مؤسساتنا التعليمية بقاعة للتمريض قارة تتوفر على مختلف ضروريات الإسعافات الأولية والمعالجة الموضعية، فإن هذه المؤسسات وكما يشهد بذلك واقعنا التعليمي، فالحجرات التي تحمل «يافطة» مكتوب عليها «المصحة المدرسية»، إن وجدت، لا يوجد بداخلها إلا الغبار وكراسي مهترئة وأشياء تبرز أن الاهتمام بالصحة المدرسية مجرد كلام على الفاضي، وأنه لا يدخل في باب الأولوية في المجال التربوي.
فطبيعي أن تتعامل عدد من المؤسسات التعليمية مع الشأن الصحي بهذا المنطق، لكون ثقافة الصحة في مجتمعنا ككل ثانوية ولا تأتي إلا في حالة الأمراض الحادة المستعصية.
إن الضرورة وفي ظل التقلبات المناخية والاختلال الواضح في المركبات العضوية للماء والغذاء والأوكسجين والتي أدت إلى بروز أمراض مزمنة، لتؤكد على حتمية إيلاء القائمين على الشأن التعليمي والتربوي والصحي ببلادنا، أهمية قصوى لتكريس ثقافة الصحة في حياة الناشئة وجعلهم يأخذونها مأخذ الجد.
كما على مكاتب الصحة المدرسية بالمديريات الإقليمية أن تعمل على إحياء دور المصحة المدرسية من خلال تجهيزها وتنظيم دورات تكوينية بشراكه مع الهلال الأحمر المغربي في الإسعافات الأولية لفائدة المدرسين، حتى تساهم المؤسسات التعليمية في المواكبة الطبية للتلاميذ وتجعلها برنامجا قارا ومسترسلا، من خلال تقديم الإسعافات الأولية لهم، وتتبع أحوال المرضى منهم وإرسالهم كلما تطلب الأمر ذلك للمراكز الصحية القريبة من أجل العلاج والتتبع والمراقبة، حتى نكسب تلامذتنا المناعة اللازمة ضد مختلف الأمراض، ونجعل أجسامهم تتحلى بمقومات سليمة تمكن عقولهم من التفكير والتحليل بدون أدنى عوارض وعوائق جانبية.
إن طبيعة هذا التحدي يتطلب عملا مندمجا وتشاركيا، يضع العنصر البشري هو الأساس وقطب الرحى في الإصلاح والتنمية.
صحة التلميذ يجب أن تكون في صلب الإصلاح
الكاتب : ذ/ عبد المجيد صراط
بتاريخ : 21/03/2018