صحة الرؤساء الأمريكيين ما بين الأكاذيب والأسرار

‮ ‬ما هي‮ ‬حقيقة حالة دونالد ترامب الصحية؟ فالمعلومات الرسمية القليلة التي‮ ‬وردت منذ إعلانه إصابته بفيروس كورونا المستجد،‮ ‬أكدت أن وضع الرئيس الأمريكي‮ ‬الصحي‮ ‬يبقى سرا،‮ ‬قد‮ ‬يشكل حتى موضوع تكهنات وتلفيقات في‮ ‬عصر شبكات التواصل الاجتماعي‮.‬
وغالبا ما كانت تصريحات طبيب الرئيس شون كونلي‮ ‬منذ الجمعة‮ ‬غامضة ومجتزأة لا بل‮ ‬ينقضها أحيانا الكلام الصادر عن رئيس مكتبه‮.‬
وهذا ليس مفاجئا،‮ ‬إذ ما من شيء‮ ‬يرغم القادة الأمريكيين على الإفصاح عن حالتهم الصحية،‮ ‬على ما أوضح ماثيو ألجيو الذي‮ ‬تناول أكاذيب الرؤساء الأمريكيين في‮ ‬مؤلفات مثل‮ «‬الرئيس شخص مريض‮».‬
وقال‮ «‬الأمر منوط بالنزاهة،‮ ‬ويتوقف كليا على ما‮ ‬يشاؤون قوله لنا‮».‬
فلا مصلحة إطلاقا للرؤساء في‮ ‬الكشف عن مشكلاتهم الصحية‮. ‬وقال الخبير بهذا الصدد إنهم‮ «‬يكرهون أن‮ ‬يظهروا ضعفاء،‮ ‬إنهم مستعدون للقيام بأي‮ ‬شيء لتفادي‮ ‬ذلك،‮ ‬وخصوصا قبل أقل من شهر من انتخابات‮ ‬يخوضونها من موقع ضعف مثل ترامب‮.‬
ولفتت روز ماكديرموت خبيرة صحة الرؤساء في‮ ‬جامعة براون‮ ‬يونيفرسيتي‮ ‬إلى أن اختيار طبيب الرئيس،‮ ‬وهو عادة عسكري‮ ‬على‮ ‬غرار شون كونلي‮ ‬وتحديدا من قوات البحرية،‮ ‬يشكل في‮ ‬جوهره مصدر تضارب مصالح‮.‬
وأوضحت‮ «‬إنه طبيب الرئيس،‮ ‬والرئيس هو قائده الأعلى‮. ‬فإذا أدلى بكلام لا‮ ‬يعجب الرئيس،‮ ‬يمكنه طرده،‮ ‬بل أكثر من ذلك إلغاء معاشه التقاعدي‮». ‬وأضافت‮ «‬قد ندعي‮ ‬أننا نصدق أنه‮ ‬يحمي‮ ‬خصوصية المريض،‮ ‬لكن مساره المهني‮ ‬ووضعه المالي‮ ‬على المحك‮».‬
الواقع أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالأكاذيب حول صحة الرؤساء‮.‬
ففي‮ ‬خريف‮ ‬1919،‮ ‬تعرض الرئيس وودرو ويلسون لجلطة دماغية تركته شبه مشلول ومصابا إصابة خطيرة،‮ ‬من‮ ‬غير أن‮ ‬يذكر أحد الأمر علنا حتى‭ ‬فبراير‮ ‬1920‮. ‬وتسلمت زوجته الثانية إديث ويلسون زمام الأمور حتى نهاية ولايته العام‮ ‬1921،‮ ‬من‮ ‬غير أن‮ ‬يعرف الأمريكيون حقيقة الوضع‮.‬
كذلك خفف دوايت آيزنهاور من خطورة النوبة القلبية التي‮ ‬تعرض لها العام‮ ‬1955،‮ ‬ولم‮ ‬يكشف جون كينيدي‮ ‬إصابته بمرض أديسون الذي‮ ‬يتسبب في‮ ‬قصور هورموني‮. ‬لكن بعد اغتياله العام‮ ‬1963،‮ ‬أقر العام‮ ‬1967‮ ‬التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي‮ ‬الذي‮ ‬نص على نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه في‮ ‬حال وفاته أو عجزه عن ممارسة مهامه‮.‬
لكن ألجيو لفت إلى أنه باستثناء الإصابة الخطيرة بشكل فاضح كما حصل عند تعرض رونالد ريغن لإطلاق نار العام‮ ‬1981،‮ ‬فإن الظروف التي‮ ‬يمكن للكونغرس أن‮ ‬يعلن فيها عجز رئيس ما عن مزاولة صلاحياته،‮ ‬تبقى موضع جدل‮.‬
ويرى الخبراء أن قيام مجتمع تحكمه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي‮ ‬لم‮ ‬يشجع الشفافية،‮ ‬حتى ولوأنه لم‮ ‬يعد بإمكان أي‮ ‬رئيس اليوم البقاء أربعة أشهر بمنأى عن الأنظار على‮ ‬غرار وودرو ويلسون‮.‬
ولفت إيمرسون بروكينغ‮ ‬من‮ «‬المجلس الأطلسي‮» ‬للدراسات إلى أن ترامب الذي‮ ‬كان في‮ ‬السابق نجم برنامج من تلفزيون الواقع وأصبح‮ ‬يدمن التغريد على تويتر،‮ ‬يحسن استغلال مواقع التواصل على أفضل وجه‮.‬
فهو أبقى الترقب على أشده بين وسائل الإعلام منذ الجمعة،‮ ‬ناشرا على تويتر مقاطع فيديو القصد منها بحسب الخبير إظهار معركته الرابحة ضد الفيروس،‮ ‬مثل فيديو‮ ‬يظهر فيه وهو‮ ‬يعمل على ما‮ ‬يبدو في‮ ‬مكتب داخل المستشفى السبت،‮ ‬وحتى الفيديو الذي‮ ‬صور على شكل‮ «‬إعلان‮» ‬ويظهر عودته منتصرا على الوباء الإثنين إلى البيت الأبيض‮.‬
وقال بروكينغ‮ ‬إن‮ «‬وسائل الإعلام لا تأتي‮ ‬على ذكر تعامله مع كوفيد‮-‬19‮ ‬أو التعديل الدستوري‮ ‬الخامس والعشرين،‮ ‬حين تنشغل بالتعليق على هذه المقاطع أو انتقادها‮».‬
وإزاء هذه الضبابية،‮ ‬يدعو بعض الخبراء إلى إنشاء لجنة أطباء مستقلين تتثبت من قدرات الرؤساء،‮ ‬وهي‮ ‬دعوات تجددت على ضوء سن الرئيس البالغ‮ ‬74‮ ‬عاما،‮ ‬ما‮ ‬يجعل منه الرئيس الأكبر سنا في‮ ‬تاريخ الولايات المتحدة،‮ ‬وعمر خصمه الديمقراطي‮ ‬جو بايدن البالغ‮ ‬77‮ ‬عاما‮.‬
وقالت روز ماكديرموت‮ «‬لن‮ ‬يكشف عن كل التفاصيل للجمهور،‮ ‬لكن هذه اللجنة ستؤكد أن الشخص بصحة جيدة‮».‬
لكن هذه الدعوات إلى تقييم موضوعي‮ ‬بقيت بلا جدوى حتى الآن،‮ ‬سواء في‮ ‬الولايات المتحدة أو في‮ ‬بلدان‮ ‬غربية أخرى‮.‬
وذكرت روز ماكديرموت أن السرية حول صحة الرؤساء ليست حكرا على الولايات المتحدة‮. ‬وإن كانت الدول المتسلطة تشكل أمثلة واضحة على ذلك،‮ ‬فإن الدول الديموقراطية أيضا تحجب معلومات عن مواطنيها الذين لا‮ ‬يبقى لهم سوى التكهنات‮.‬
حتى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي‮ ‬يثني‮ ‬العديدون على إدارتها للأزمة الصحية،‮ ‬لم تكشف الكثير من المعلومات حول الأعراض التي‮ ‬أصيبت بها خلال مراسم عامة العام‮ ‬2019‮.‬
وخلصت روز ماكديرموت‮ «‬لا أرى أي‮ ‬شخص نموذجي‮» ‬بهذا الصدد‮..‬

عمر ووزن ترامب‮ ‬يزيدان
من المخاطر‮‬

كشخص بدين‮ ‬يبلغ‮ ‬من العمر‮ ‬74‮ ‬عاما،‮ ‬يواجه الرئيس الأمريكي‮ ‬دونالد ترامب عدة مخاطر بعد إصابته بكوفيد‮-‬19،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يشير خبراء إلى أنه من الصعب توقع كيف سيتأثر بمرض‮ ‬يترك البعض دون أعراض فيما‮ ‬يودي‮ ‬بحياة آخرين‮.‬
وبات ترامب أرفع مسؤول‮ ‬يصاب بفيروس كورونا المستجد الذي‮ ‬انتشر في‮ ‬جميع أنحاء العالم وقتل أكثر من مليون شخص،‮ ‬من بينهم أكثر من‮ ‬200‮ ‬ألف أمريكي‮.‬
والرئيس الأمريكي‮ ‬حاليا‮ «‬بخير‮» ‬بحسب طبيبه الرسمي‮ ‬وسيواصل أداء‮ «‬واجباته دون انقطاع‮» ‬من المكتب البيضوي‮ ‬خلال الحجر الصحي‮.‬
وبينما قال الخبراء إنه في‮ ‬حين‮ ‬يواجه ترامب العديد من عوامل الخطر المرتبطة بأشكال حادة من كوفيد‮-‬19‮ ‬لأنه كبير في‮ ‬السن ويعاني‮ ‬من زيادة في‮ ‬الوزن،‮ ‬فمن الصعب تحديد كيفية تأثير المرض عليه‮.‬
قال أستاذ طب التمثيل الغذائي‮ ‬في‮ ‬جامعة‮ ‬غلاسكو نافيد ستار إن‮ «‬خطر الإصابة بأمراض خطيرة والموت‮ ‬يعتمد على العديد من العوامل بعضها‮ ‬غير قابل للقياس لذلك هناك دائما عدم‮ ‬يقين وليس من السهل استخلاص استنتاجات من شخص أو اثنين فقط‮».‬
وتابع أن المخاطر قد تتم‮ «‬موازنتها‮» ‬من خلال عوامل أخرى،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك ما إذا كان ترامب لا‮ ‬يعاني‮ ‬من أمراض مزمنة ونشط بشكل معقول،‮ ‬مشير ا إلى حب الرئيس الأمريكي‮ ‬لممارسة الغولف‮.‬
في‮ ‬أحدث فحص طبي‮ ‬له،‮ ‬نشر في‮ ‬يونيو،‮ ‬كان وزن ترامب‮ ‬110‭.‬67‮ ‬كلغ‮.‬
بالنسبة لطوله البالغ‮ ‬1‭,‬91‮ ‬مترا،‮ ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬أنه تجاوز العتبة الرسمية للسمنة للعام الثاني‮ ‬تواليا‮.‬
وفقا للمركز الأمريكي‮ ‬لمكافحة الأمراض والوقاية منها،‮ ‬من المرجح أن‮ ‬يحتاج الشخص في‮ ‬هذه الفئة إلى رعاية في‮ ‬المستشفى ثلاث مرات أكثر من الشخص ذي‮ ‬الوزن المنخفض‮.‬

عامل خطر آخر هو العمر‮‬

وأفاد المركز أن ثمانية من كل‮ ‬10‮ ‬حالات وفاة مرتبطة بكوفيد‮-‬19‮ ‬في‮ ‬الولايات المتحدة لأشخاص تزيد أعمارهم عن‮ ‬65‮ ‬عاما‮.‬
ويذكر المركز على موقعه الالكتروني‮ «‬بشكل عام،‮ ‬يزيد خطر إصابتك بشدة من كوفيد‮-‬19‮ ‬مع تقدمك في‮ ‬السن‮».‬
وقال كبير الباحثين في‮ ‬الصحة العالمية بجامعة ساوثهامبتون مايكل هيد إن ترامب سيصنف طبيا على أنه‮ «‬ضعيف‮».‬
وأضاف أن‮ «‬العديد من الأشخاص في‮ ‬السبعينات من العمر سيعانون أيضا من حالات مرضية مشتركة تزيد من مخاطر الإصابة بمرض أكثر خطورة‮».‬
في‮ ‬الوقت الراهن،‮ ‬يبدو أن الرئيس الأمريكي‮ ‬يعاني‮ ‬من أعراض قليلة إن وجدت‮.‬
وأوضح طبيبه الرسمي‮ ‬شون كونلي‮ ‬أن الزوجين الرئاسيين‮ «‬كلاهما بخير في‮ ‬الوقت الراهن‮».‬
وقالت السيدة الأولى ميلانيا ترامب في‮ ‬تغريدة‮: «‬نشعر بأننا بحالة جيدة وقد أجلت كل الارتباطات القادمة‮».‬
يمكن أن تبدأ عدوى فيروس كورونا بوتيرة بطيئة،‮ ‬وغالبا ما تستغرق عدة أيام قبل ظهور الأعراض‮.‬
وقال الأستاذ في‮ ‬جامعة ليستر جوليان تانغ‮ «‬تشير معظم الدراسات إلى أن المصابين بعدوى كوفيد‮-‬19‮ ‬المصحوبة بأعراض‮ ‬يمكن أن‮ ‬يظلوا خارج المستشفى خلال الأيام الخمسة إلى السبعة الأولى من المرض،‮ ‬ولكن بعد ذلك قد‮ ‬يصبح الأمر أكثر خطورة ويتطلب دخول المستشفى أو‮ ‬يبدأون في‮ ‬التعافي‮ ‬بأنفسهم‮».‬

وترامب آخر زعيم عالمي‮ ‬يصاب بالعدوى‮.‬

ودخل رئيس الوزراء البريطاني‮ ‬بوريس جونسون المستشفى جراء إصابته بالفيروس في‮ ‬أبريل وأمضى ثلاث ليال في‮ ‬العناية المركزة قبل أن‮ ‬يتعافى ويعود إلى العمل‮.‬
وقال تانغ‮ ‬إنه‮ «‬ليس من المستغرب‮» ‬إصابة الزعيمين بالفيروس،‮ ‬بالنظر إلى العدد الكبير من التواصل الذي‮ ‬كانا‮ ‬يجريانه كجزء من واجباتهما اليومية‮.‬
وتردد ترامب أيضا في‮ ‬الموافقة على تدابير الحماية الشخصية‮.‬
وظهر لأول مرة على الملأ واضعا كمامة في‮ ‬يوليو،‮ ‬لكن مذاك نادرا ما شوهد وهو‮ ‬يضع واحدة‮.‬
قال أستاذ علم الأوبئة وعلم البيانات في‮ ‬جامعة إدنبرة رولاند كاو‮ «‬لم تكن إصابة دونالد ترامب بالعدوى أمر ا حتميا،‮ ‬ولكنه‮ ‬يتفق مع كونه مرشحا عالي‮ ‬الخطورة للإصابة‮».‬
وأشار إلى أن هذا‮ ‬يرجع إلى‮ «‬مواقفه الواضحة تجاه تدابير الحماية الشخصية‮» ‬مثل الحفاظ على مسافة جسدية ووضع كمامة الوجه،‮ ‬فضلا عن العدد الكبير من جهات التواصل‮.‬
وقال كاو إن هذا أثار أيضا مخاوف بشأن آخرين ربما‮ ‬يكون هو وفريق عمله تواصلوا معهم خلال الأيام الأخيرة‮.‬
وأضاف أن‮ «‬أفعاله الآن لها أهمية كبيرة فيما‮ ‬يتعلق بالحد من خطر ظهور بؤر جديدة‮».‬
أثار ترامب ضجة في‮ ‬وقت سابق من هذا العام بقوله إنه‮ ‬يأخذ هيدروكسي‮ ‬كلوروكوين كإجراء وقائي،‮ ‬على عكس نصيحة العديد من السلطات الطبية‮.‬
وثبت من خلال عدة تجارب أن الدواء الذي‮ ‬أوقف الرئيس الجمهوري‮ ‬استخدامه لاحقا،‮ ‬ليس له فائدة كعلاج لكوفيد‮-‬19‮.‬


بتاريخ : 10/10/2020